الضرب الحلال

قرأتُ خبراً بداية هذا الأسبوع عن قضية غريبة رفعت للقضاء، الشاكي زوج يطلب إلى المحكمة أن تمكنه من الطلاق من زوجته لأنها دأبت على أن تضربه كل يوم سبحان مغير الأحوال، فالمعتاد أن يكون الشاكي امرأة ضاقت بمهانة زوجها فراحت تستجير بعدالة القضاء، والعصمة في عادات وتقاليد معظم الشعوب "في يد الرجل" يطلق متى شاء ، ويمارس إذلاله للمرأة "الناشز" كما تسمى، إن خرجت عن طاعته، ونقلت لنا الأفلام المصرية القديمة نسبيا صورا مضحكة لهذا الواقع

امرأة ضاقت بالحياة مع زوجها فلجأت للقضاء ينصفها، ترفع قضية نفقة أو تطلب الطلاق، فيرفع الزوج قضية مضادة، قضية طاعة، باعتبار أن الزوجة قد خرجت عن طاعته ويحصل على حكم بالطاعة شرط أن يعد لها "مسكنا شرعيا"، والمسكن المطلوب لطاعة الزوجة الناشز لا يزيد أثاثه على حصيرة للنوم، و"قلة" من الفخار لماء الشرب، وحلة وطبق وكوب فارغ من الصفيح (كوز كما سمته الأفلام)، فلا يكون أمام المرأة المسكينة إلا الخيار بين عذاب الزوج وقسوته، أو الحياة في درجة الصفر في بيت الطاعة! حملت لنا الأفلام المصرية أيضا صورة الزوج الحاصل على لقب "سي السيد"، حتى في روايات نجيب محفوظ، حيث الزوجة بالنسبة ل "سي السيد" بمنزلة خادمة، طوال الوقت بانتظار إشارة من طرف عينه، تلبي طلبه قبل أن ينطق به، يتمدد على كرسي مريح، ويمد قدميه للزوجة تغسلهما له بعد أن تكون قد أعدت الماء الدافئ تحسبا لعودته في أية لحظة، وتجففهما والويل لها إن اقترفت خطأً هينا، وفي حضرة "سي السيد" (ليس السيد عبد الجواد بطل رواية نجيب محفوظ، وإنما هذا هو لقب كل زوج كما فهمنا من السينما) ممنوع على الزوجة الكلام أو الضحك، على حين يحرص الزوج على ألا يبتسم حتى لا تضيع مهابته

في كتب التاريخ أيضا، في الحضارات القديمة، كانت المسكينة ان جاءتها آلام المخاض تجمع حولها الأحباب لتقديم العون بالضرب "بالقبقاب" الخشبي على ظهرها حتى تلد أو تموت! ووسط هذا كله تبدو قضية الرجل الذي التجأ الى القضاء كي ينصفه من ضرب زوجته اليومي له حدثا غريبا
المرأة والرجل معا هما من خلق الله، والأساس مساواة في الوجود الإنساني الكريم، أما الفوارق بينهما التي أنصفت المرأة مرة والرجل ألف مرة فليست من شريعته عز وجل، بل خرجت من رؤى اجتماعية أصابت مرة وخابت ألف مرة لخدمة أهداف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أحيانا، ومن حق المرأة في مجتمعنا الإسلامي أن تكون شاكرة لا جاحدة لتقليد اجتماعي جعل الفصل في الحقوق أمانة بين أيدي شيوخ علماء أجلاء يحكمون شرع الله، فحتى إن أراد الزوج الخلاص من زوجته ما استطاع قبل أن يرى الشيخ سلامة حجته، هذا أبسط ضمان لمن تعطي حياتها وعافيتها لرجل يجحدها

في الصحف المصرية دار نقاش طويل حول "جواز أن تضرب المرأة الرجل إذا كانت في حالة دفاع عن النفس" هذا تحصيل حاصل، فالمرأة بوعيها وما نالت من حقوق لن تحني رأسها إلى الأرض إن أهانها الرجل ظلما وبهتانا، ولن يكون هذا الدفاع "إثما" لأنه من مخلوق آخر، ومن "طينة غير طينة الرجل" بل الأحرى أن نطرح السؤال: ولماذا يبدأ الرجل أصلا بضرب المرأة التي طالما تغزل فيها قبل الزواج؟ لكن المشكلة أن تفهم المرأة هذا الحق بشكل خاطئ فتمعن في ضرب زوجها لأتفه الأسباب إلى أن يتقدم بشكواه للقضاء كصاحبنا بطل الخبر الذي قرأته ، فإن سلّمنا بهذا الحق لم يتبق أمام الرجل إلا أن يدقق في جمال جلاده قبل الزواج، وأمام المرأة إلا أن تحسن اختيار الزوج الضعيف الذي لا يتوقع منه رداً بالمثل، وأن يقف الاثنان أمام السؤال : أهو زواج أم خوض للمعارك؟

hgqvf hgpghg