السلام عليكم ورحمة الله.
فضيلة الشيخ، زوجي يضربني ضرباً مبرحاً على وجهي، وذلك حين أدافع عن حقوقي أو حين أذكر له أني غير قادرة على تحقيق شيء يطلبه مني، وعند ذلك ينفعل ويتحول إلى مجنون، ويقوم بضربي على وجهي، ويحاول القيام بخنقي وأكون على وشك الإغماء لولا أن أقول له لا أفعل هذا ثانية!.

وأنا الآن أعيش معه ذليلة لا أقدر على معارضته في شيء خوفا من الضرب، وفي نفس الوقت نفسيتي تسوء يوما بعد يوم، وذكرت ذلك لأهلي فأنكر الضرب على وجهي وذكر لهم سببا كاذبا.

مع العلم أنه اعتقل فترة في السجن، فهل هو مريض نفسيا أم لا؟ وماذا أفعل في هذه الحالة؟ ولا فائدة معه وقد قمت بذكر هذا لأهله وأهلي ولكنه لا يسمع الكلام.

الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sn حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فبارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربك وأن يزيل همك، وأن يدفع عنك الضر ويعافيك من كل مكروه.

في مثل هذه الصعوبات التي تنشأ بين الأزواج حتى نكون منصفين ونكون مهنيين ومحترفين لابد أن نسمع وجهة نظر الطرف الآخر، وهذا لا يعني أننا نكذب أي شيء مما ورد في رسالتك، ولكن المعالج النفسي المنصف لن تكتمل له الصورة مطلقًا إلا إذا استكشف الموضوع من جميع نواحيه، وهذا يمكّن الطبيب لأن يعرف هل الخطأ هو في الأفراد - بمعنى الخطأ في الزوج أو في الزوجة – أو الخطأ في النظم المتبعة في العلاقات الزوجية، هنا نستطيع أن نعرف السبب الحقيقي وراء الذي يحدث.

لا شك أن الضرب غير مبرر، والضرب مرفوض شرعًا وخلقًا وعُرفًا، وحقيقة اللغة التفاوضية بين الأزواج حين تصل لمرحلة الضرب فهذا يعني أن هذا الزواج أصبح مختلا لدرجة كبيرة.

إذا كانت انفعالات زوجك غير مبررة وإذا كان ما يقوم به بهذه القسوة وبهذا العنف غير طبيعي، فبالطبع هو إنسان ليس سويا، لا نستطيع أن نقول أنه مريض؛ لأن المرض شيء والسوء شيء آخر، فإنه يعرف أن بعض الأزواج يلجأ للضرب لأنه قد ضُرب حين كان طفلاً أو تعومل معه بنفس الأسلوب، هذا معروف وثابت لدينا في علم النفس.

وهناك بعض الأزواج لديهم أيضًا مفاهيم خاطئة حول التأديب والتحكم في الزوجة، وحتى التحكم في الأولاد، فهؤلاء أيضًا قد يستسهلون أمر الضرب ويتخذونه لغة للتفاهم والتفاوض.

وهناك أزواج يكون الواحد منهم يعاني من خلل في شخصيته، وهذا هو الأكثر وهذا هو الأعم، بمعنى أن اضطرابات الشخصية أن تكون الشخصية قاسية، شخصية شكوكية ظنانية، منفعلة سريعة الإثارة، لا تقدر التبعات، ولا تتعلم من التجارب ولا تحس بالذنب، هذا النوع من الشخصية أيضًا موجود وهم أكثر الرجال الذين يلجئون للعنف مع زوجاتهم أو مع أولادهم أو مع بقية الناس.

فحقيقة ليس لدي أي تحيز، وبمهنية كاملة أعتقد أن هذا الأخ – نسأل الله أن يعافيه – ربما تكون لديه علة في شخصيته، ولكن في ذات الوقت حقيقة أنت مطالبة بأن تعرفي الروابط والمثيرات التي تؤدي إلى هذا العنف.

هناك دراسة تشير أن أربعين بالمائة من الضحايا يشاركون في الجرم بصورة شعورية أو غير شعورية، هذا ثابت لدينا في الطب النفسي الجنائي.

لا أود أن ألقي أو ألصق أي اتهامات جزافًا، ولكني أريدك أن تستشعري أنت أيضًا مسئوليتك في هذا الأمر، والمرأة الذكية هي المرأة التي تحاول دائمًا أن تحافظ على بيتها وعلى زوجها وزواجها، والمرأة الذكية هي التي تتحين الفرص الطيبة في العلاقة الزوجية وتطرح رأيها بكل ذوق وأدب حتى وإن كان فيه ما هو مخالف لما يريده الزوج فعليك – أيتها الفاضلة الكريمة – أن تعرفي الروابط والمثيرات التي تثير زوجك وتتجنبيها، ولابد أن تتوددي إليه، ولابد أن تُشعريه أنك متسامحة تمامًا معه فيما سبق، ولكنك تريدين الآن أن تبدئي معه حياة جديدة قائمة على اللطف وعلى المحبة وعلى المودة والرحمة والسكينة.

حاولي أن تهيئي لزوجك المناخ والمحيط الطيب في داخل بيتكم، فكثير من الأزواج يأتي متعبًا ومثقلاً بهموم الحياة من خارج المنزل، وبعد ذلك لا يستقبل أو لا يهيأ له الظرف الموائم له داخل المنزل هذا يجعله يسقط غضبه على من هم أضعف منه وفي هذه الحالة هي الزوجة أو الأولاد.

إذن هذا هو الذي أنصحك به، وهو أن تلجئي إلى الحوار وإلى اللطف والكلمة الطيبة والتسامح، وأن تُشعريه أنك فعلاً زوجة صالحة ومقدرة له.

هذا هو الذي أنصحك به، وعليك بالصبر، وحتى إذا كان زوجك لديه خلل في شخصيته فحين تبدئين أنت باللطف وبالمودة والحب، لا أقول لك الاستكانة، فهذا مرفوض حقيقة، ولكن حين تشعرينه بكل هذا فإنه - إن شاء الله تعالى – سوف يعاملك معاملة أفضل، ودائمًا حاولي أن تذكريه بأمر الدين، وأنت في نفسك حاولي أن تحافظي على صلواتك وعلى تلاوة القرآن وعلى الأذكار وعلى الدعاء، فهذا - إن شاء الله تعالى – فيه حماية كبيرة لك، وأنا على ثقة كاملة حين يلاحظ ويشاهد زوجك أن منهجك هو منهج الدين وهو منهج الصلاح لابد أن يتأثر بذلك، ولابد أن يرفع من قيمتك في داخل نفسه مما يجعله يبتعد تمامًا عن الضرب وعن إهانتك - بإذن الله تعالى -.

أسأل الله أن يصلح ما بينكما وألا يجعل للشيطان سلطانًا عليكما أو سبيلاً إليكما، وأن يؤلف على الخير قلوبكما، وبارك الله فيك وجزاك الله خيرًا.
وبالله التوفيق.

انتهت إجابة المستشار النفسي الدكتور / محمد عبد العليم ـــ ويليها إجابة المستشار الاجتماعي الشيخ / موافي عزب:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله – تبارك وتعالى – أن يصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يعينكما على تأسيس أسرة مستقرة سعيدة متفهمة بعيدةً عن هذه المشاكل وتلك الهموم وهذه الإهانات وتلك الإساءات المتكررة.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أن زوجك يضربك ضربا شديدا على وجهك عندما تدافعين عن حقوقك أو عندما يطلب منك شيئًا لا تستطيعينه ويقوم أحيانًا بخنقك حتى تكوني على وشك الإغماء، وأنت تخافين الآن من ضربه ولذلك أصبحت نفسيتك تسوء

أقول: إن هذا أمر غير طبيعي فعلاً، والمرأة ـ الله تبارك وتعالى – جعلها أمانة عند زوجها وسائله عنها يوم القيامة، ولذلك أمرنا سبحانه وتعالى بقوله:

{وعاشروهنَّ بالمعروف}، والنبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (استوصوا بالنساء خيرًا)، وأخبرنا أيضًا أنه لا يكرم المرأة إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم، إلى غير ذلك من النصوص التي بيّن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم – حرمة إهانة المرأة المسلمة، خاصة وأن الضرب على الوجه لا يجوز شرعًا، لا للإنسان ولا للحيوان، فإن النبي نهى - صلى الله عليه وسلم – على أن يضرب الإنسان وجه أي مخلوق، وبذلك فإن الضرب على الوجه كما هو مبيَّن في سنة النبي - عليه الصلاة والسلام – حرام شرعًا.

أما عن تصرف زوجك معك فقطعًا هو شيء غير طبيعي، وهذا يدل على أن زوجك إما أنه ضحية لتربية خاطئة، إذ أن الواحد منا قد ينشأ فيجد أن أباه يضرب أمه دائمًا فيرى أن هذا شيئ طبيعي، بل إن البعض منا قد يفهم أن ضرب المرأة وإهانتها إنما هو من كمال الرجولة وتمام الفحولة، وبذلك يضربها ويهينها ويرى أنها لا تسير إلا بهذه الطريقة، وهذا - مع الأسف الشديد – موجود في عقلية بعض المتخلفين من المسلمين الذين يظنون أن إهانة المرأة واحتقارها وضربها وإيذائها إنما هو سبب لعلاجها وسبب لاستقامتها، وهذا خطأ فادح وظلم شديد، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – نهى أولاً عن ضرب الوجه، وثانيًا عن ضرب المرأة، وثالثًا إذا كان هناك من يضرب فليكن ضربا غير مبرح – أي ضربا خفيفا – لا يؤلم ولا يظهر آثارًا في البدن ولا يترك ندبات أو لا يكسر عظمًا – إلى غير ذلك من الأمور -.

أما الضرب بهذه الصورة فإنه لا يجوز شرعًا، فلعل زوجك - بارك الله فيك – ضحية تربية خاطئة رأى ذلك في حياته وظن أنه الحق والصواب، وإما أنه فعلاً لديه سوء بطبيعته، بمعنى أنه رجل شديد قاسي لا يعرف الرحمة، ولذلك يضربك بلا هوادة، وإما أنه مريض نفسيًا يحتاج إلى علاج، ولذلك أقول - بارك الله فيك - :

أتمنى أن تصبري أولاً، لأن كل شيء له نهاية، فما له بداية قطعًا له نهاية هذا أولاً.

ثانيًا: - بارك الله فيك – اجتهدي في تنفيذ ما يطلبه منك ما دمت قادرة على ذلك.

ثالثًا: اجتهدي - بارك الله فيك – في عدم فعل الأشياء التي تثيره والتي تجعله يقوم بضربك وإهانتك، وقطعًا أنت تعرفين ذلك.

رابعًا: اجتهدي - بارك الله فيك – في التزين والتجمل له وأن تكوني كالوردة الحسنة المنظر الطيبة الريح.

خامسًا: اجتهدي ألا تسمعيه شيئًا يكرهه، وإنما تخيري العبارات الطيبة الرقيقة التي تحرك المشاعر نحو الخير، ولا تستخدمي العبارات أو الألفاظ أو التصرفات التي تؤدي إلى إثارته وإغاظته، خاصة وأنه - كما ذكرت – أنه دخل السجن فترة، فمعنى ذلك أنه من السهل إثارته في جوانب الشر، فأنت عندما تستخدمين العبارات الرقيقة الطيبة، هذه العبارات المنتقاة بمهارة واقتدار، فإنك بذلك تطفئين نار الشيطان عنده.

أخيرًا عليك بالدعاء - بارك الله فيك – فإن الدعاء كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام – ينفع مما نزل ومما لم ينزل، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (عليكم عباد الله بالدعاء، فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فاجتهدي - بارك الله فيك – في الدعاء ولا تتوقفي عنه لزوجك أن يصلحه الله - تبارك وتعالى – وأن يعينك الله على التحمل والصبر أيضًا، لأن الدعاء سره عجيب وأمره غريب، ولذلك أمر به الله - تبارك وتعالى – ووعدنا بالإجابة، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، فتوجهي إلى الله بالدعاء أن يصلح الله زوجك وأن يُذهب عنه هذه الشدة وأن يخفف عنه هذه الحدة وأن يصلح ما بينكما وأن يُذهب عنكما كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة.

بهذه الكيفية - إن شاء الله تعالى – بالدعاء والصبر أعتقد أنك سوف تنتصرين، وأيضًا رجائي ألا تشكينه لأحد؛ لأن الشكوى إذا وصلت إليه قد يزيدك ضربًا وإهانة، ولذلك اجعلي المسائل بينك وبينه - بارك الله فيك – حتى وإن أهانك اعتبري الأمر كأنه لم يكن، وحاولي - بارك الله فيك – أن تتصبري، ولا تقدمي شكوى ضده لأهلك أكثر من مرة حتى لا يعتاد؛ لأنه بعد ذلك مع كثرة الشكاية سوف تسقطين من عينه، وسوف يسقط أهلك أيضًا من عينه، وإذا كان لديكم أولاد فإن هؤلاء الأولاد قطعًا سيكونون كالأيتام، لأن أباهم يتخلى عن تربيتهم وأمهم تُشغل بنفسها وبذلك يضيع الأبناء.

وأوصيك بالصبر الجميل، وأوصيك بالدعاء والالتزام بهذه الأشياء، ولا مانع إذا كانت لديك فرصة أن يُوجد أحد يقوم برقيته رقية شرعية، إن استطعت ذلك فهذا حسن، أن تقومي على رقيته رقية شرعية، إما أن يذهب هو بنفسه – إن استطعت إقناعه – أو أن يذهب أحد المعالجين ليقوم برقيته لاحتمال أن يكون به شيء من الجن يؤدي به إلى هذه الإهانة، وهذا ليس ببعيد، فإذا كان هناك فرصة للرقية الشرعية فحسن، وإذا لم يكن فليس أمامك إلا الدعاء والصبر الجميل.

إن استطعت أن يقوم بعرض نفسه أو أن تقنعيه بأن يعرض نفسه على أخصائي نفساني فهذا أيضًا رائع، فإن لم تستطيعي فأعود مرة أخرى وأقول: عليك بالصبر ثم الصبر ثم الصبر، وعليك بالدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، واعلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (واعلم بأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا).

إذا لم يأتِ هذا كله معه بشيء وأصر على ذلك فمن حقك أن ترفعي أمرك للقضاء، لعل الله - تبارك وتعالى – أن يقدر لك قدرا نحن لا نعلمه، وإن كنت أود أن تجعلي القضاء هذا أبعد ما يكون؛ لأن من ذهب إلى القضاء فقد حكم على الحياة الزوجية بالفناء.

أسأل الله أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك حال زوجك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأله تعالى أن يعينك وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يصرف السوء عن زوجك، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

;dt hjuhlg lu qvf .,[d gd 2013