تعود ليلى إلى منزلها بعد الساعة الثانية منهكة القوى كحال جميع النساء العاملات

تعلق ملابسها على أقرب مشجب ، وتتجه مباشرةً إلى المطبخ لتعد للعائلة طعام الغداء

يستقبلها أطفالها الثلاثة بفرح عارم رغم تذمرهم من الجوع

أما الزوج فقد تمدد على الأريكة يضرب أخماساً بأسداسٍ وهو ينفث دخان الملل

اقترب منها متجهماً ليزف خبراً هو على يقين أنه لن يسرها ، بادرها قائلاً

اليوم جاءتني الموافقة على طلب السفر لدول الخليج صعقت حين سمعت ماقال

لكنه أخذ يخفف عنها وقع الخبر ويرسم لها آمالاً وبيوتاً من الوهم ، واعداً بعد فترة وجيزة

أنه سيأخذها وأولادهالتعيش معه ، لكن عليها بالصبر.

وماهي إلا أيام وحان موعد السفر ، حزم حقائبه ودع أسرته ورحل عند الفجر

ضمت الأم أطفالها إليها بحنان ودموعها تنساب بحرقة

لتغرق وجنتيها

استجمعت قواها وأسرعت لتنجز مالديها من أعمال إذ يقع على كاهلها كل الأعباء

واليوم بعد سفر الزوج باتت مسؤولة عن كل شيء

أعدت طعام الفطور ثم أرسلت الأولاد إلى المدرسة وذهبت إلى عملها

لتعود ككل يوم تعتني ببيتها والأبناء وتنجز كل مهامها

ثم تنام منهكة كالعادة


بعد شهرٍ ونيفٍ من سفر الزوج وصلتها رسالة محملة بالشوق مع مبلغ مالي كبير

فرحت به كثيراً لعله يسد بعض الديون المتراكمة عليها ، فراتبها غير كافي لتغطية تكاليف الحياة

خاصةً مع هذا الغلاء الفاحش ، كذلك قد يساهم في تلبية طلبات أولادها المتزايدة وإن عاد الأمر لها

تفضل العيش مع زوجها ولو ضاقت عليهم سبل الحياة

ومرت الأيام والحال كما هو ، لكن الرسائل بدأت تقل تدريجياً والمبلغ المالي يتضاءل

حتى اتسعت رقعة المسافات بين الزوجين وانعدمت الاتصالات تقريباً ،كان لايكلف نفسه مهمة السؤال عنها

بل يتهرب بشكل دائم لانشغاله بالأهم ، فقد تعرف عن طريق أحد الأصدقاء على إحدى الغواني

فانجرف وراء هذا التيارحيث الخمور والمجون ونسي أسرته تقريباً

عانت ليلى الأمرين حتى كبر الأولاد ، تضاعفت همومهم تدريجياً وازدادت مسؤولياتهم فوهن جسدها

واشتعل رأسها شيبا ، أهملت نفسها وأضافت الهموم عمراً فوق عمرها

جلست تتذكر الأيام الخوالي وعيناها مغرورقتان بالدمع ، هاقد مر ربيع شبابها وهي تنتظر عودة ذلك الزوج .

وذات يوم طُرِق الباب فتحت فإذا برجلِ في خريف العمر ، حفرت الأيام أخاديدا على وجهه

وابيضَّ شعره وكان في حالة وهن ، تأملته جيداًفي البداية لم تعرفه !

أيعقل أن زوجها عاد بعد عشرين عاماً وأكثر ؟ أجل إنه هو ! عاد بعد أن نفذ لديه

كل شيء ، جلس يخترع أسباباً وأسباب لكنها غير مبررة لغيابه الطويل والتخلي عن أسرته

وهي بأمس الحاجة إليه

كان كالغريب وسط عائلة نسيته بعد أن ابتعد عنها لفترة طويلة من الزمن

تساءل بينه وبين نفسه هل ستغفر زوجتي زلاتي ؟ وهل سيسامحني ياترى أولادي ؟

تدخلت هنا ليلى وأوقفت هذه المهزلة ، كان عليها أن تتناسى سنوات العذاب كلها

فهو في النهاية زوجها ووالد أبنائها مهما أساء لها ،ومع الأيام ستغفر وتسامح

ولو أنه عاد على هيئة أنقاض رجل لكن الأمر سيان عندها المهم في النهاية أنه عاد




rwi r'hv hgulv