كيفية تعلم الطفل الكلام


الطفل لا يتعلم الكلام من خلال السماع فقط كما يتصور الكثيرون بل من خلال متابعة حركة الشفاه والعيون وقراءة الأفكار أيضا، كما تقول احدث النظريات في هذا المجال.
في الأسابيع الأولى من عمره يحرك الصغير نظره نحو مصدر الصوت ثم يبدأ يركز على عيني من يحمله أو يجلس بالقرب منه لكنه في الشهر الخامس أو السادس يبدأ في التركيز على حركة الشفاه وفي هذه الفترة الحساسة من عمره يبدأ في إصدار أصوات مبهمة أقرب إلى الغرغرة أو الكركرة قبل الوصول إلى مرحلة إصدار مقاطع صوتية أو لفظية مثل «ما» أو «دا» أو «با» وفي نهاية المطاف لا يلبث أن يكرر المقطع ذاته فيلفظ كلمات مفهومة مثل: ماما بابا دادا.
عالم النفس الأميركي ديفيد ليوكوويتز من جامعة فلوريدا أتلانتيك أشرف على دراسة معمقة حول الموضوع،حيث يقول ان الطفل في هذا العمر يحاول تقليد الكبار بتشكيل الشفاه من أجل إصدار أصوات معينة يسمعها منهم إنها عملية معقدة بصورة لا تصدق.
يضيف ان هذه العملية لا تستغرق من الصغير وقتاً طويلاً بسرعة يستوعب العلاقة بين حركة الشفاه والأصوات. ومع بلوغه العام الأول من عمره يعود من جديد للتركيز في عيني من يحمله ما لم يسمع كلمات غير مألوفة من لغة أجنبية مثلاً وفي هذه الحالة يركز أنظاره على الشفتين لمتابعة حركتهما
لقراءة الشفاه.
البروفيسور بوب موراي أستاذ علم النفس في جامعة «أيوا» وهو مؤلف العديد من الكتب والبحوث حول تطور مهارات الكلام يقول تعليقاً على نتائج هذه الدراسة انها مثيرة للاهتمام وتتضمن حقائق في غاية الأهمية.
يستطرد قائلاً ان الأطفال يعلمون ماذا يريدون معرفته وبالتالي فهم قادرون على تركيز انتباههم على ما يهمهم في هذه المرحلة من العمر.
وقد ظهرت نتائج هذه الدراسة على صفحات العدد الأخير من المجلة الأسبوعية التي تصدرها الأكاديمية الوطنية للعلوم.
التواصل الوجاهي
تشدد النتائج المنشورة على أهمية التواصل وجهاً لوجه بين الصغير والوالدين، أو على الأقل أحدهما في هذه المرحلة من عمره لكي تتطور لديه القدرة على الكلام وليس الاكتفاء بالأقراص المدمجة أو شرائط الدي في دي أو الفيديو التي توصف بأنها تعليمية.
ومن شأن التواصل الوجاهي أن يطرح السؤال الذي يحير العلماء منذ عشرات السنين وهو معرفة ما إذا كان الصغير الذي يعاني من اضطرابات في النمو بما في ذلك مرض التوحد، يتعلم «الحكي» بالطريقة ذاتها أم بطريقة أخرى فالمعرفة هنا يمكن أن تشكل إشارة تحذير لتدارك الأمر في الوقت المناسب.
وبالطبع فمعرفة الطريقة أو الكيفية التي يتعلم بها الصغار الكلام ليست نوعاً من الفضول كما قد يتصور البعض، فالعلماء والمتخصصون يريدون معرفة الطريقة التي يمكن بواسطتها تشجيع هذه العملية خصوصا إذا لم تحدث في الوقت المناسب أي إذا تأخر الصغير في الكلام إلى ما بعد السن الطبيعية.
يضيف هؤلاء أن معرفة طريقة التعلم تساعدهم على فهم كيف تربط الأعصاب بين أجزاء الدماغ في المراحل الأولى من العمر من أجل تعلم كل هذه الأشياء.
الجانب السمعي
طوال عقود مضت، ركزت مئات من الدراسات والأبحاث على الجانب السمعي دون غيره على أساس أن طبقة الصوت أو النغم هي التي تجذب الأطفال.
وأثبتت دراسات أخرى أن الطفل الأقدر من غيره على التمييز السماعي واللفظي بين حروف العلة قبل إتمامه العام الأول من عمره يحقق درجات أفضل في معرفة مفردات ومهارات ما قبل القراءة في مرحلة رياض الأطفال.
لكن هذا لم يمنع الكثير من المتخصصين من التركيز على أن الأطفال ينظرون إلى وجوه المتكلمين من أجل المساعدة على فهم أو سماع ما يقال تماماً كما يحدث مع الكبار الذين يتبادلون النظرات لفهم الرسائل الصامتة والإشارات غير المحكية في لغة العيون.

ويعود البروفيسور ليوكوويتز إلى التساؤل من جديد عما إذا كان الطفل ينظر إلى الشفاه على أمل فهم ما يسمع وهذا تماماً ما يفعله الكبار حين يضطرون إلى الحديث في مكان صاخب، فهم ينظرون إلى شفتي المتحدث على أمل فك رموز شيفرة ما يقال.
بين العينين والشفتين
من أجل استجلاء الحقيقة قام هذا المتخصص بالتعاون مع الدكتورة آمي هانسن بمجموعة من التجارب على مائة وثمانين طفلاً تم تقسيمهم حسب أعمارهم إلى خمس فئات: أربعة شهور ستة ثمانية عشرة اثنا عشر شهراً.
في المرحلة الأولى من التجربة تم عرض شرائط فيديو أمام الأطفال لامرأة تتحدث باللغة الإنكليزية أو بالأسبانية مع العلم أن جميع هؤلاء الأطفال ينتمون إلى أسر تتحدث الإنكليزية فقط وتم استخدام أجهزة دقيقة لمعرفة أين يركز الأطفال أنظارهم وهم يستمعون إلى تلك المرأة، وما هو الوقت الذي يركزون فيه أنظارهم هنا أو هناك.
وجد المتخصصان فروقات تستحق الاهتمام والمتابعة، فحين تحدثت المرأة بالإنكليزية ركز أطفال الشهور الأربعة أنظارهم على عينيها في حين صرف أطفال الشهور الستة وقتاً متساوياً بين النظر إلى عينيها وإلى فمها، أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية شهور وعشرة فقد ركزوا أنظارهم بالدرجة الأولى على فم المتحدثة.
وأظهرت التجربة أن الأطفال الذين أكملوا السنة الأولى من أعمارهم ركزوا أنظارهم على عيني المتحدثة وليس على فمها.
ثنائية اللغة
ماذا تعني هذه التجربة من الناحية العلمية؟
يقول الباحثان المتخصصان إن الطفل حين يبلغ شهره السادس يبدأ في ملاحظة وتتبع حركة الشفتين، لأن دماغه في هذه المرحلة من العمر يكون قد اكتسب القدرة على السيطرة على ما يثير اهتمامه بدلاً من التركيز تلقائياً على مصدر الصوت.
لكن ماذا يحدث حين يستمع هؤلاء الأطفال إلى السيدة وهي تتحدث باللغة الأسبانية التي لم يتعودوا على سماعها؟
جميع الأطفال المشاركين في التجربة ومن الفئات الخمس ركزوا أنظارهم على فم المتحدثة، لأنهم في حاجة إلى مزيد من الوقت لفك شيفرة الكلمات غير المألوفة بالنسبة إليهم.
تتماشى هذه النتيجة مع الأبحاث الخاصة بالأطفال ثنائيي اللغة والتي تظهر أن أدمغة هؤلاء الأطفال «تبرمج» نفسها وهم ما زالوا في السنة الأولى من العمر وذلك للتمييز بين أصوات لغتهم الأم واللغة أو اللغات الأخرى. وهذا بالضبط يفسر سهولة تعلم لغتين أو أكثر في سنوات الطفولة بدلاً من الانتظار لسنوات عدة.
الموسيقى والغناء
في تجربة على أطفال في الشهر الخامس من العمر تم إسماعهم ألحاناً مختلفة من الغناء والموسيقى فكانوا يتراقصون ويضحكون حين يسمعون ألحاناً ونغمات صاخبة ممتلئة بالحيوية وينظرون بلا مبالاة حين يسمعون ألحاناً كئيبة أو موسيقى هادئة حزينة.
الطيب والشرير
ضمن التجارب الكثيرة التي أجريت على أطفال في الشهر العاشر من أعمارهم تم عرض شريط فيديو يصور لعبة من الخشب تشبه القطة الصغيرة تحاول الصعود إلى قمة تل أحياناً تظهر لعبة من الخشب أيضاً على صورة كلب يساعد القطة على الصعود، وفي حين آخر تظهر لعبة على صورة دب يحاول عرقلة القطة بل يدفعها ويوقعها على الأرض.
تم عرض الشريط مرات عدة على الأطفال وفي النهاية وجد الصغار أمامهم طاولة وعليها أعداد كبيرة من الألعاب الخشبية المشابهة لكل من الكلب والدب فمالت غالبيتهم للعب بالكلب وتجنب الدب.
وفي نهاية التجربة قال المشرفون عليها إنها دليل على أن الطفل في هذا العمر قادر على التمييز بين الطيب والشرير فيميل إلى الأول ويتجنب الثاني.
قـراءة الأفـكـار
المسألة لا تقتصر على قراءة حركة الشفاه والعيون، ففي دراسة حديثة أشرفت عليها الدكتورة يو وان لو، أستاذة علم النفس في جامعة ميسوري، تبين أن ابن الشهور العشرة يبدأ في متابعة أفكار المحيطين به يقرأ أفكارهم حتى ولو لم يتكلموا.

;dtdm jugl hg'tg hg;ghl