الماضي, قصه

عاد إلى بيته فوجده مليئاً بالغبار وخيوط العنكبوت علأ المكان والنوافذ والابواب الموصدة قد كتب عليها كان يا ماكان فتح العائد من الماضي أول باب قابله في وجهه وعند دخوله من ذلك الباب وجد نفسه في حجرته الصغيرة التي كان قد تركها ورحل عنها لسنوات طويلة وهي التي لازمته كظلة منذ نعومة اظفارة ويعرفه كل جدار فيها وشهدت معه اياماً حلوة ومريرة ورأت ابتساماته ودموعه . وعند رؤيته لتلك الحجرة عادت به الذاكرة إلى الوراء ودفعته قدماه إلى الامام بخطوات سريعة إلى نافذة صغيرة كان قد غطاها الغبار كلياً وأثار قطرات المطر التي كانت قد نزلت بكميات كبيرة مازالت مرسومة عليها . عندها فتح تلك النافذة ليرى ماخلفه وراءه من ذكريات كان قد رماها وراء ظهره وجعلها تذهب إلى عالم كان واخواتها وبينما منهمكاً في التدقيق بكل ماحوله من جمادات وأشجار ومبان واطيار وقع نظره صوب نافذة كانت هي الاخرى مهجورة لاتدب الحياة فيها توحي للناظر بأنها عديمة الحياة وبأن اصحابها قد تركوها ورحلوا عنها حينها عادت به الذكريات إلى الوراء كشريط مصور وكأن كل شيء حدث في الماضي يعيش فيه الآن . حينها تذكر أيام الطفولة وذهابه إلى المدرسة ومروره بمراحل عمره المختلفة كما انه تذكر جيداً تلك النافذة الواقعة بأحد المباني المجاورة لمنزله ومن كان يسكنه فقد كانت تسكنه فتاة جميلة بيضاء كبياض الثلج وشعرها بلون الليل وعيناها البنيتين الجميلتين توحي لكل من ينظر اليها كأنهما قمران خلقا فقط لينيرا عينيها عندها تذكر تلك الفتاة صاحبة الشعر الاسود التي أحبته حتى الجنون ودون علمه فقد بقيت تلك الفتاة تحبه بصمتها ومن دون ان تبوح له بمكنون قلبها الذي كاد يقتلها . ان تلك الفتاة هي نفس الفتاة التي كانت ترتاد مدرسته ومقعدها كان بجانب مقعده ونظراتها لاتفارق حركاته أينما ذهب واينما جلس كان حبها له يزداد مع مرور الأيام والليالي التي كانت تمر عليهما وهما يجتازاً ان المراحل الدراسية معاً ،كل تلك السنوات جعلت من تلك الفتاة محبه صادقة لمن تحب بمشاعرها وأحاسيسها لم تكن تهتم بضرورة البوح لذلك المحبوب بسرحبها ولم تكن تتمنى منه سوى ان يعاملها كسائر البشر ، فهو منذ أن رآها يعاملها بقسوة شديدة وكأنه افضل منها وكأنها شيء غير محسوس لاقيمة له فهو إن نظر اليها ينظر وكأنها شيء لاجود له في الحياة وإن حالفها الحظ وتحدث اليها كان كلامه لايخلو من السموم القنابل التي كان يقدف بها عليها وكان لايكف ابداً عن اغلاق النافذة في وجهها كلما رآها جالسة بالقرب من نافذتها ساهرة الليل تنتظره ان يطل عليها لا ان يغلق النافذة في وجهها كل ذلك جعل العائد إلى الماضي يبكي بمرارة ويدرف دموعاً وكأنها دماً وراح بأن بصوت مرتفع كالأطفال كلما تذكرها وتذكر رسائلها التي كانت قد ارسلتها له باسم مستعار حتى لايعرفها في تلك الرسائل كتبت له عن حبها وعن قرب المسافات بينه وبينها الا انه مزق رسائلها ورماها في سلة المهملات لقد رمى بتلك الكلمات الصادقة إلى سلة المهملات وداس على مشاعرها وأحاسيسها بقدمية وراح يضحك عليها وعلى ماكتبته له فبالرغم من ذلك الاسم المستعار الذي كانت تختتم به رسائلها الا انه كان يشعر بأن من كتب له تلك الرسائل هي صاحبة الشعر الاسود . عندها فكر بطريقة تجعلها تعترف بحبها ولكن هذه المرة ليس على الورق بل شفاها في وجهة فخطب فتاة كانت تدرس معه في الجامعة وعندما علمت بذلك اكتفت فقط بالبكاء وبالاستمرار بالكتابة حينها ادرك أن تلك الفتاة تحبه بصدق بالرغم من معاملته القاسية لها فأراد أن يبدي لها قليلاً من الاحترام فكف عن اغلاق النافذة في وجهها الا انه هذه المرة كان يقف لها في النافذة وكأنه ينادي عليها ويقول لها اعتر في لي بحبك فلازال هناك بصيص من الامل الا انها كانت تنظرله وكأنها ترد عليه اخاف ان اعترفت لك بحبي تتركني وترحل . مرت الأيام والليالي وهو ينتظر أن تعترف له بحبها وبقيت هي صامته دون حراك وكأنها تقول لافائدة من ذلك تزوج فأنا افضل أن أموت على ان ابوح لك بشيء عندها صرفت في اعماقها هيا تزوج وارحل مع من احببت فأنا برحيلك هذا أكون قد رحلت عن هذه الدنيا قلباً وروحاً ويجب أن تعلم جيداً بأنني أحببتك حباً لم احب احداً مثله ولن يستطيع احد ان يحبك مثلي . ولم يمر عام الا وكان قد تزوج بفتاته التي احبها ورحل معها مخلفاً وراءه دموعاً كانت قد درفتها صاحبه الشعر الاسود في غيابه عنها ليس بسبب أوبأخرى فقد كانت تتمنى لوبقي في البلد حتى وان تزوج بغيرها فهي ارادت ان تتنفس الهواء الذي يتنفسه وان تشعر بأن الارض التي تحملها هي نفسها التي تحمله . ذهب وغاب وترك حجرته مظلمة عديمة الحياة رحل بلد ليس ببلده ورأى من هذه الفتاة التي تزوجها ما أراه لتلك المسكينة من ذل ومرارة وتذكر جيداً المثل القائل : ( إن ماتزرعه اليوم تحصده غداً ) عندها توقف فجأة عن التذكر وعاد إلى الواقع الذي هو عليه وجال في خاطره سؤال أين تلك الفتاة ؟ ولماذا لم أعد أراها ؟!! حينها اسرع مهرولاً إلى الشارع وجرى نحو نافذتها المهجورة وتوقف تحتها واوقف أحد القاطنين في ذلك المبنى التي كانت تسكنه الفتاة رسأله : أين ذهب اصحاب هذا المنزل ؟! فأجابه : لقد رحلوا ياسيدي منذ وفاة أبنتهم صعق عند سماعه لذلك . عندها قال له : وهل كان شعرها أسود ؟! فأجابة : نعم ياسيدي كان شعرها أسود وجميل ولكنها كانت تعرف باسم ( قمر ) . حينها شعر بخنجر يمزق قلبه وراحت عيناه تدمعان من شدة الحزن على رحيلها فعاد إلى منزله والحزن يعتصر قلبه وعند جلوسة إلى مكتبه وقعت عيناه على قصاصة ورق صغيرة كانت تطير بالقرب من قدمية لقد كانت احدى رسائلها التي كان قد مزقها في الماضي كانت قد كتبت عليها : ( اذكرني لان الذكرى ناقوس يرن في عالم النسيان )

rwi hgpkdk Ygh hglhqd