المبدعون, يعلم



[align=center]لماذا يظلم المبدعون [/align]





[align=right]إعداد: أحمد دعدوش[/align]

[align=center]في عام 1876 قدم ألكسندر غراهام بل حقوق اختراع جهاز الهاتف إلى شركة (الاتحاد الغربي) "Western Union" التي كانت أكبر شركة اتصالات في الولايات المتحدة، ولكن رئيسها رد عليه بالقول: "ما الفائدة التي سنجنيها من هذه اللعبة الكهربائية؟"، ثم لم يلبث هذا الاختراع أن اكتسح السوق من قبل شركة منافسة، ورئيس (الاتحاد الغربي) يقلب كفيه حسرةً وندامة.


وفي عام 1877، انخفضت السندات المالية لشركة الغاز البريطانية إثر إعلان قيام المخترع الشهير توماس أديسون في الولايات المتحدة بمحاولة اختراع مصباح يعمل بالكهرباء، الأمر الذي دفع بالبرلمان البريطاني إلى تشكيل لجنة خاصة لدراسة الأمر، فقدمت اللجنة بياناً يقول: إن "هذه الفكرة قد تكون مقبولة فيما وراء المحيط الأطلسي، ولكنها لا تستحق اهتمام رجال العلم في بريطانيا"، ولكن الأمور تطورت على نحو مغاير تماماً!

يعاني المبدعون في كثير من المجتمعات -حتى المتقدمة علمياً- سوءَ الفهم وصعوبة الاندماج، وتلاقي أعمالهم في أحيان كثيرة رفضاً غير مبرر، بل إن معاناة هذه الفئة من الناس تبدأ منذ سنيّ طفولتهم الأولى غالباً، فما هو السبب؟ وما السبيل إلى الحد من هذا الظلم الذي يعود بالضرر على المجتمع بأسره؟

[/align]


[align=left]الإبداع لا يشترط ذكاء حاداً


مع بداية القرن العشرين، لم يفرق الخبراء بين الذكاء الذي تحدده اختبارات الذكاء IQ وبين الإبداع، ولكن دراسات "تيرمان" التي أجراها في عشرينيات العقد الماضي، وما تلاها من دراسات مماثلة، أكدت أن الإبداع لا يشترط درجة ذكاء تزيد على 130 درجة في اختبارات الذكاء (التي تقاس من خلال ضرب حاصل قسمة العمر العقلي على العمر الحقيقي في مئة)، بل تبين أن زيادة درجة الذكاء عن هذا الحد قد تؤدي إلى قلة المرونة في تقبل الآراء المخالفة، والتمسك بالقناعات الخاصة، وهذا يتناقض بطبيعة الحال مع أهم شروط الإبداع الذي يحتاج إلى مرونة كبيرة، وإلى التفكير بحلول جديدة قد تصطدم بقناعات المبدع نفسه ما دامت قادرة على حل المشكلة.


بناء على ذلك، فقد يساء تقدير كثير من المبدعين عندما تقاس مواهبهم من خلال اختبارات الذكاء وحدها، فقد كان أداء الفيزيائي الشهير هنري بوانكاريه (1854- 1912) متواضعاً للغاية في اختبار الذكاء، وكانت البشرية ستتكبد كثيراً من الخسائر لو أن بوانكاريه قد أُقصي عن ساحة الإبداع العلمي لأجل هذا السبب المجحف.[/align]


[align=right]مشكلة الانطوائية


يعاني الأطفال المبدعون –عادة- شعوراً دائماً بالقلق والعزلة، ويميلون غالباً إلى الانطواء على الذات وإشباع نهمهم بالقراءة والمهارات اليدوية، فمن العسير عليهم تحمل التجاوزات غير الأخلاقية ومظاهر الانحلال وضعف الضمائر التي تلقاهم في المجتمع، وقد تطغى هذه المشاعر على قدرتهم على الصمت أو اللامبالاة كما يفعل الآخرون، وبسبب هذه الحساسية العالية يتضاعف شعورهم بالغربة والميل إلى الانطواء.


يتمتع هؤلاء الأطفال أيضاً بشعور زائد بالاستقلال والتميز، ولا يعني ذلك بالضرورة أن يكونوا على وعي تام بمواهبهم أو أن يكونوا قادرين على ممارستها، إلا أنهم يبدون تعنتاً كبيراً في الانصياع للأوامر من كبار السن، ويصبح من الصعب إخضاعهم لأي أمر ما لم يكونوا مقتنعين به، فضلاً عن غيرتهم الشديدة على كبريائهم وشعورهم بالاعتزاز، وقد يؤدي هذا السلوك في كثير من الأحيان إلى مزيد من القسوة من قبل الآباء والمربين، وهذا أمر يزيد من حنق المبدعين وميلهم إلى العزلة.


يضاف إلى ما سبق، تمتع المبدعين الصغار بهوايات واهتمامات تجعلهم غريبي الأطوار، فينتهي بهم الأمر في كثير من الأحيان إلى رفض بقية الأطفال لإقامة العلاقات معهم، فقد يساء فهمهم من قبل الكبار والصغار معاً، فيكونون غير قادرين على الانسجام وتكوين علاقات جيدة. وينصح المتخصصون -في مثل هذه الحال- بضرورة توخي الحذر الشديد في رعاية هؤلاء الأطفال، وتأمين الوسط الاجتماعي المناسب ضمن مدارس أو غرف دراسة خاصة بهم، فمن العسير انخراط أطفال دون سن العاشرة من العمر وهم يتمتعون بذكاء يقارب مستوى خريجي الجامعات مع بقية الأطفال العاديين، وإن محاولة هؤلاء الأطفال إقامة العلاقات مع اليافعين الذين يكبرونهم سناً قد لا تجدي نفعاً، فغالباً ما يواجه هؤلاء الأطفال الكبار أقرانهم الذين هم أصغر سناً والأكثر تميزاً بشيء من الحسد والازدراء.[/align]



[align=center]الفشل الدراسي


كثيراً ما يخطئ الآباء والمربون في الربط بين ذكاء الطفل وإبداعه وبين نجاحه الدراسي، وهذا خطأ غير مبرَّر، فقد شهد التاريخ كثيراً من حالات فشل الموهوبين في التعليم النظامي، إذ نجد عدداً من كبار العلماء الذين غيروا وجه العالم وقد عانوا كثيراً من رفض مدرسيهم أثناء طفولتهم، ومنهم أديسون وأينشتاين وباستور ونيوتن، ونجد أمثلة أخرى في عالم الأدب مثل تولستوي وبالزاك وزولا، وفي عالم الفن أيضاً مثل فان غوخ وغوغان اللذين لم تكن نتائجهما في الرسم نفسه جيدة فضلاً عن المواد الدراسية الأخرى!


وقد يعزى سبب فشل الطفل المبدع في التعليم النظامي إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها، أو إلى تردي ظروف التدريس، ويحتمل في حالات كثيرة أن يقتصر اهتمام الطفل المبدع على مجالات أخرى لا توليها المدرسة الاهتمام الكافي، إذ يمكن أن ينبغ الطفل في مجالات محدودة كالموسيقا أو الرسم أو الشعر، في الوقت الذي يركز فيه النظام التعليمي على المواد العلمية البحتة، ويلزم الطفل بحفظ كمٍّ هائل من المعلومات دون أن تعود عليه بالنفع في نشاطه الإبداعي فيما بعد.
ويضاف إلى شعور الطفل المبدع بالملل تجاه المواد التي لا تلائم ميوله مشاكل أخرى تعانيها مدارس الدول النامية، وأهمها ضعف تأهيل المدرسين من الناحية التربوية، وقلة خبرتهم في التعامل مع هذا النوع من الأطفال، فكثيراً ما يساء فهم الطفل المبدع لغرابة أطواره ومفارقة تفكيره وميله إلى التمرد، وهذا أمر قد يدفع بالمدرسين إلى النظر إلى تميز تلاميذهم المبدعين بأنه شذوذ يحتاج إلى إصلاح أكثر مما يحتاج إلى الرعاية والاحتفاء!



وإذا كان الأمر كذلك، فإن إنقاذ هؤلاء الأطفال من انحدار مستواهم التعليمي ليس بالأمر الصعب، فقد أثبت "وات" في ستينيات القرن الماضي سرعة استجابة هؤلاء الأطفال لظروف الرعاية التي يبحثون عنها، إذ عمل على البحث عن أطفال مبدعين بين عائلات الزنوج الذين يعيشون في بيوت من الصفيح خارج المدن الأمريكية الكبرى، ثم قام باختيار ستة عشر طفلاً من هذا الوسط، ممن يتمتعون بمواهب خاصة في مجالات متعددة من العلم والأدب والفن والموسيقا، ومنحهم فرصة الدراسة في أجواء دراسية راقية، مع الاهتمام الشديد بتنمية مواهبهم وتهيئة ما يحتاجون إليه من الاهتمام والتشجيع. وعلى الرغم من الشك الذي اعترى مدرسيهم في البداية من جدوى تعليمهم، إلا أن هؤلاء الأطفال سرعان ما فجروا طاقاتهم الإبداعية بعد أن اطمأنوا إلى الوسط المدرسي الجديد، وشعروا بالارتياح تجاه معلميهم وزملائهم.[/align]

[align=left]رفض إبداعاتهم


لم يكن الرفض الذي لقيه اختراع أديسون للمصباح الكهربائي أو اختراع غراهام بل للهاتف الآلي حالة شاذة، فكثيراً ما يواجَه الإبداع الخارج عن المألوف بالرفض والسخرية من قبل الناس عامة، إذ كان فن الرسام الفرنسي هنري ماتيس في نظر النقاد أقرب إلى الهراء، وكان برج إيفل في نظر بعض الفرنسيين أثناء تشييده كتلة من الحديد الذي يشوه جمال باريس، وكان الشعر المنثور في ميزان الكلاسيكيين عند أول ظهوره عاراً على الأدب.


قد لا يستحق كل ما يسميه بعض الناس إبداعاً الاهتمام والبقاء بالفعل، فالأدعياء من محبي الشهرة كُثر بدون شك، أما المبدع الحقيقي فكل ما يرجوه هو أن يُفسَح المجال أمام إبداعه للوصول إلى الناس دون تأثير في أذواقهم من قبل هذا الناقد أو ذاك، فالفطرة السليمة وحدها قادرة على تمييز الجيد من الرديء.[/align]

[align=right]من ايميلي^^"[/align]

glh`h d/gl hglf]u,k