علاقة الجار بالجار بين الأمس واليوم

علاقة الجار بالجار الأمس واليوم 111122175044GmFo.jpg



التباعد يتفاقم مع تعقد الحياة وازدياد الضغوط المادية :

ماذا حدث لعلاقتنا بجيراننا؟ لماذا تصبحُ فاترِة يوماً بعد يوم؟ ولماذا سادَتْ بين الناس الفكرة التي تتضمَّنها هذه العبارة: "صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي". بل هناك مَن اعترف بأنّ التحية باتت معدومة بينه وبين جيرانه. أهي هموم الحياة التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم هي التي تُلهي الجيران عن جيرانهم؟ أم هي وسائل الإتصال الحديثة التي قضت على القرابة الجغرافية وأقامت صلة بين الناس المتباعدين في الأمكنة على حساب علاقة الجيرة القديمة.
الرسول الكريم أوصى بسابع جار، وفي الحديث الصحيح أنّ رسول الله قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثُه. فما الذي بقي من صورة الجار كما نعهدها في تراثنا الديني والإجتماعي؟ وما واقع علاقات الجيرة في أيامنا هذه؟ سؤالان نحاول الإجابة عنهما في هذا التحقيق الذي نعرض فيه تجارب ومواقف من أكثر من بلد عربي.
- علم النفس وواقع العلاقة بين الجيران في عصرنا الحاضر:
في البداية فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل الظروف الإقتصادية هي سبب التباعد بين الجيران أم أن هناك أسباباً أخرى؟ يجيب عن ذلك أستاذ علم النفس الإجتماعي في جامعة عين شمس الدكتور محمد خليل بقوله: "الأسباب ليست مادية فقط، فالتباعد بين الجيران ملحوظ في المدن أكثر من الريف والأحياء الشعبية، والسبب أن كل أسرة تشعر بأنّها مؤسسة إجتماعية مستقلة ليست في حاجة إلى الآخر. وهذا جعل الناس يعتقدون أنّهم لن يحتاجوا إلى جيرانهم، وبالتالي هم ليسوا في حاجة إلى معرفتهم ومد جسور التواصل معهم. والخطير في الأمر أن خلل العلاقة بين الجيران توسع وانعكس على أفراد الأسرة داخل الأسرة نفسها، إلى درجة أن هناك بعض الآباء علاقتهم بأولادهم لا تتعدى حدود التمويل المادي. فإذا كان هذا بين أهل المنزل الواحد فما بالنا بالعلاقة بين الجيران". ويضيف خليل أنّ "الحل يكمن في وقفة مع النفس، فعلى كل إنسان أن يقف مع نفسه ويحاسبها ويختار ما أن يحيا حياة بشر ويتفاعل مع الآخرين أو يختار حياة الآلات من دون مشاعر".
- إستشاري الطب النفسي جمال الطويرقي: الضغوط المادية أفقدتنا التواصل مع الجيران:
من جانبه أوضح إستشاري الطب النفسي في جدة جمال الطويرقي أن عصر الإتصالات، واتساع رقعة المساحة في المدينة الواحدة من أهم الأسباب لتغير نمط الحياة المعيشة قال: "في الزمن القديم كان المجتمع العربي يأخذ الهوية البدوية التي انتشر بينها الغزو، حتى جاء الإسلام، ووحد المسلمين، وكان من أهم ما وصى به الرسول (ص) الجار وحقوقه. حتى بات الصحابة يعتقدون أنّه سيدخل في الميراث من شدة ما أوصى به الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن ثمّ كان وصاياه النبوية بأن يأمن الجار جاره، ومن ثمّ كانت الوصايا على جار الجار، والجار الصاحب، والجار الجنب، وهذه كلها عملت على إشاعة الألفة والمودة بين المسلمين. إلا أن اتساع رقعة المساحة الجغرافية للمدن الإسلامية، وزيادة الأعداد السكانية يجعلان الميزان مختلفا. فمثلاً حالياً يسكن مدينة جدة ما يقارب الثلاثة ملايين نسمة، وتجتمع تحت سمائها شرائح مختلفة من البشر، في جنسيات مختلفة وأعراق متعددة، كل هذا التوسع جعل من الصعوبة معرفة الجار لجاره، أيضاً الضغوط المادية أبعدت الجار عن جاره بعدما أصبحت الكماليات في الأساسيات". أضافت: أصبح الإنسان حاليا يتواصل مع أفراد أسرته ووالديه عن طريق رسالة من جواله، أو إتصال في أحسن الأحوال، إضافة إلى الإنترنت وسرعته في التواصل مع الغير، حتى بات الرجل، أو المرأة يرفعون العتب في زيارة الجيران في المناسبات بأنّهم أرسلوا رسالة نصية أو إلكترونية. أيضاً كان الزمن القديم خالياً من وسائل التسلية فبات الجميع يفضلون متابعة التلفزيون على تكبّد عناء الزيارة". ولفت إلى أن عمدة الحي قديما كان له دور كبير في تعريف الناس على بعضهم حين كان ينتقل جار جديد إلى الحي. إذ كان يجمع رجال الحي ويؤم للجار ليتعرف على جيرانه، فيما كانت النساء يجتمعن للتعرف على بعضهنّ البعض.
- علاقة الجيران ببعضهم في شهادات حيّة:
أسامة:
جاري أنقذني.
أسامة سيد ومحمد الرخاوي جاران في الحي نفسه، لم تكن تتعدى علاقتهما ببعضهما أكثر من السلام أن تقابلا صدفة، ولكن تغيرت الموازين عندما أغمي على أسامة في الشارع وكان محمد الوحيد الذي سارع بنقله إلى المستشفى، ولم يتركه حتى حضر أهله واطمأن إلى وضعه. يقول أسامة: "اختلفت علاقة الجيران كثيراً عن الماضي، والإختلاف الأكبر لمسته عندما انتقلنا من حي السيدة زينب الشعبي إلى حي مدينة نصر الراقي، فرغم إرتفاع أعداد طوابق العمارة وكثرة الجيران، لا يعرف أحد أحدا وكل جار يتعالى على الآخر بمستوييه الإجتماعي والإقتصادي، مما أصاب النفوس بالحقد والضغينة. وأعتقد أن سر التآلف بيني وبين محمد هو أن أصله من بيئة شعبية مثلي، فأصله الطيب ومعرفته حق الجار هما ما جعلاه لا يتأخر في نقلي إلى المستشفى ومتابعتي طوال فترة مرضي التي تعدت الثلاثة أشهر".
في فترة النقاهة التي تبعت المرض أصيب أسامة بحالة إكتئاب، وكان لجاره محمد دور في إخراجه منها. عن ذلك يقول أسامة: "كانت فترة عصيبة، وبحكم جيرتي لمحمد كان يلمحني في الشارع ويعرف ما إذا كنت مكتئباً. ولم يتركني في محنتي أبداً، خاصة أنّه كانت تراودني أفكار سوداء في تلك الفترة، وكان محمد يحاول جاهداً إبعادها عني. أتذكر أنني وصلت إلى ذروة الإكتئاب قبل عيد ميلادي بيومين وعزمت على ألا أحتفل به، وكنت أحكي لمحمد وكان يحاول أن يهوّن عليّ الأمر، ووجدته صباح عيد ميلادي في المنزل يوقظني من النوم ويقول لي هيا نخرج معا. وبعد رفض شديد وافقت لأجده جمع لي أصدقائي المقربين، وأقام لي حفلة رائعة ليخرجني من حالة الإكتئاب".
- محمد:
علاقات الجيران طيبة في المناطق الشعبية فقط:
أمّا محمد الرخاوي فيقول: "العلاقة الطيبة بين الجيران توجد في الأماكن الشعبية حيث يحتفظ الناس بروح التعاون والأخوة. ما زال جيراننا في منطقة منشية البكري الشعبية على إتصال دائم بنا ونحن كذلك. لقد حاولت التقرب من جاري في العمارة ووجدته يبتعد، فلم أكرر المحاولة مع أحد، ولم يحاول أي جار التقرب مني أو من جار آخر. فكل ما يجمعنا هو إجتماع مجلس إدارة العمارة إذا وقعت مشكلة. أحمد الله على معرفتي بأسامة الذي أعتبره أخي الصغير وجاري وصديقي. النبي (ص) أوصى على سابع جار، وليس شرطاً أن يكون الجار هو القاطن معنا بنفس البناية بل من الممكن أن يكون في سابع بناية أو الشارع الخلفي. ليت الناس يفهمون معنى التواصل الإجتماعي وأصول الجيرة كما كان يفهمها آباؤنا وأجدادنا".
- ملكة:
هناك جيران لا يردون السلام!
رولا وملكة جارتان تجمعهما صداقة طيبة، لكنهما تعترفان بإصابة علاقة الجيران هذه الأيام بالفتور.
تقول ملكة: "كنا نعمل أنا وزوجي في الخليج وأنجبت أولادي الأربعة هناك. وبعد غربة 20 عاماً عُدت لأجد الناس وقد تبدلت طباعهم، فلم تعد علاقة الجيران بالقوة التي تربينا عليها، ولم يعد الجار يراعي مشاعر جاره ولا ظروفه، ولا حتى الأولاد يختلطون بأبناء الجيران مثلما نشأنا". وأضافت: "كنت أتمنى أن تكون علاقتي بجيراني أكثر وداً، غير أن هناك جيراناً لا يردون حتى السلام، أمّا السر في علاقتي برولا فإننا صديقتان أكثر من كوننا جارتين". أما رولا فتؤكد حسن علاقتها بجيرانها وحبها الشديد لهم، خاصة أنّها لبنانية متزوجة من مصري ومقيمة في مصر، وتقول: "أحب جيراني جدّاً وأرى فيهم أهلي، ورغم ذلك لا يجمعنا أكثر من السلام على بعضنا والإبتسام، لكنني لست متداخلة مع أحد إلا ملكة والسبب أن بعض النساء لا يثقن بالجارة، ويعتقدون أنّ الجارة التي تدخل منزل الأخرى يمكن أن تخطف زوجها، ناهيك بخوف الكثيرات من الحسد إذا كانت حياتهنّ المادية جيِّدة، فأصبح السائد الإختفاء وراء جدران المنزل وغلق الأبواب حتى لا يرى أحد حياة الآخر. هذا بالطبع عكس ما نشأنا عليه حين كانت الدنيا أكثر أماناً".
وتضيف: "أتذكر أن علاقتنا بجيراننا كانت أشد ترابطاً وكنا بمثابة الأهل، فواحدة فقط تذهب إلى السوق وتأتي بطلبات الأخريات. كنا دائماً نتبادل أطباق الطعام، وغالباً ما نجلس جميعاً (جميع سكان البناية) إلى مائدة طعام واحدة. أمّا الآن فقد ساء الوضع كثيراً بين الجيران".
- منى عامر:
علاقتي بجيراني لا تزيد عن القاء التحية:
خروج المرأة إلى العمل وانشغالها الدائم أصابا علاقة الجيران بالفتور، بالإضافة إلى صعوبة الحياة والأزمة الإقتصادية التي يعيشها الناس لا تعطيهم الفرصة لإقامة علاقات طيبة بجيرانهم، هذه أسباب تباعد الجيران التي تلمسها منى عامر مقدمة برامج الطهو الشهيرة. وتضيف: "المرأة الآن ليس لديها وقت تمضيه مع جيرانها، وإذا كانت عروساً أو منتقلة إلى سكن جديد لا تهتم أن تعرف أحدا فيه. قديماً كانت المرأة تدق الباب على جارتها تستنجد بها، وهي على يقين أنها لن تخذلها. لا أنسى مطلقاً أنني عندما ذهبت لإنجاب طفلي الثاني تركت ابنتي وأُمّي مع جارتي التي اعتنت بهما جيِّداً طوال فترة مكوثي في المستشفى". وتتابع: "أما الآن فعلاقتي مع جيراني لا تتعدى أكثر من إلقاء التحية، والسبب إنشغال الجميع. فقد كان لي جارة سكنّا في العمارة في الوقت نفسه تقريباً. وكنا نتقابل أثناء قيام العمال بطلاء الشقة ونتجاذب أطراف الحديث لتشابه الظروف وبعدها انتقلنا إلى كندا وكنا جارتين بالصدفة واستمرت العلاقة الطيبة. ولكن مع ضغوط الحياة أصبحنا لا نرى بعضنا بعد عودتنا إلا نادراً ومصادفة، في المقابل نرى الأوروبيين والغرب حريصين جدّاً على الجيرة وإصلاح العلاقات بينهم بالإجتماع ولو مرة في الأسبوع لتناول كوب من الشاي، وهم بهذه الطريقة يمنحون أنفسهم فرصة للتخلص من أعباء العمل وهمومه وفرصة للتصالح مع أنفسهم بالتواصل الإجتماعي".
- زينب مصطفى:
لا نعرفهم إلا بالصدفة:
زينب سيد مصطفى المقيمة في السعودية، تسكن في عمارة في حي الصفا بجدة منذ أكثر من عشر سنوات، ومع ذلك تلتقي الجارات في حالات بسيطة جدّاً، مما دفعها بالخروج عن المألوف يوما والإتصال بهنّ للإجتماع لديها في البيت علها تستطيع أن تلملم خيوط الجيرة المفقودة تقول: "أعيش في بيتي منذ وقت بعيد جدّاً، وهذه البناية شهدت الكثير من دخول وخروج الجيران، أحداث ولادة، وإنتقال بيت الملك، والحزن. ومع ذلك نلتقي نحن الجيران فقط إن كان لدينا مناسبة، حتى بات أبناؤنا لا يعرفون عن الجار إلا السلام في حالات الصدفة البحتة".
وتتذكر مجتمعها في السودان المبني على التواصل على إعتبار أنّ السودان من الدول التي لا تزال تحتفظ بالعادات والتقاليد القديمة، ومنها التواصل بين الناس. أو كما ذكرت زينب لعل السبب أن بلادها فيها كثير من الأهل والأصحاب مما يجعل التواصل كبيراً، خصوصاً في شهر رمضان الكريم والأعياد بخلاف السعودية التي تعد نفسها فيها مجرد جارة تعيش في عمارة. وتضيف زينب: "كثيراً ما أصنع بعض أطباق الحلويات وأوزعها على جاراتي حتى يقمن بالإتصال بي وشكري عليها، وذلك حتى أسمع صوت إحداهنّ. وقبل أيام دعوتهنّ إلى منزلي خصوصاً أن بعضهنّ جديد على البناية ووجب علي الترحيب بهنّ. فهذه هي العادات الإسلامية والعربية".
- منور الغامدي:
لا أعرف غير زميلات العمل:
من جهتها، وجدت منور الغامدي أن خروج المرأة إلى العمل هو سبب إبتعاد السيدة عن جاراتها خصوصاً من تعمل في دوامين مثل البنوك أو المراكز التعليمية، أو حتى صاحبات الدوام الواحد اللواتي يرجعن إلى بيوتهنّ قرابة العصر ويهتممن بأولادهنّ ويحضرن الوجبات الغذائية. قبل الإهتمام بالزوج الذي سيعود إلى المنزل بعدها. وتقول: "عمل المرأة سرق منها ما كنا نراه عند أمهاتنا اللواتي كن يستمتعن بفنجان القهوة العربي، مع بعض التمر، وأحياناً وجبات الفطور الخفيفة بينهنّ وبين الجارات. هذه الظاهرة تقريباً اختفت بيننا نحن زوجات اليوم لتسرقنا القهوة السريعة، وهموم البيت، والأطفال، والزوج، وتشغلنا الأمور المالية. ولم تتوقف هذه الحالة على الجارات بل وصلت إلى الأهل الذين لم يعد يربطنا بهم إلا المناسبات والإتصالات الهاتفية". منور انتقلت إلى مدينة جدة بعد زواجها. وتحدثت عن الإختلاف بين بلدتها الأصلية والمدينة قائلة: "الحياة في القرية السعودية لا تزال تصارع الزحف التطوري الذي تعيشه المدينة، وعلى الرغم من الإختلاف الذي حل بها لا تزال تتمسك بالأواصر الأسرية، والسؤال عن سابع جار كما وصى الرسول الكريم، واليوم عندما تأتي عطلة نهاية العام أهرع إلى قريتي لأتنفس هواء طبيعياً، وأحصل على ما افتقدته وسط زحمة المدينة".
منور تقيم في المدينة منذ ما يقارب السبع سنوات لا تعرف منها سوى عملها اليومي، وصديقاتها في العمل اللواتي تلتقيهنّ على مدار خمسة أيام لأنّها مدرّسة.
- ليلى سعيد:
علاقة وثيقة:
ومن السعودية أيضاً تقول ليلى سعيد أن علاقة قوية جدّاً تربطها بجاراتها في بنايتها السابقة التي كانت تقطنها حتى أنها تعطيهنّ سرها، وتعتبرهنّ عائلتها في السعودية: "تزوجت قبل أربعين سنة وأكثر، انتقلت من موطني الأصلي عروساً لأكون بجوار زوجي في السعودية، وأنجبت الأبناء والبنات.
ويمكن أن أقول لك إني حتى اللحظة متواصلة مع جاراتي القديمات. وأذكر مدى قربي من العائلة التي كنت أسكن في منزلها قبل إنتقالي إلى مسكني الجديد، فهنّ أخواتي في السعودية، وكانت والدتهنّ رحمها الله والدتي".
ليلى عاشت مع العائلة ما يقارب الثلاثة عشر عاماً: "لا أبالغ إذا قلت أنّ هذه العائلة كانت عائلتي، فقد شاركتني فرحي وحزني. أعتبرهنّ أخواتي، وكن لي بمثابة الأهل، وحتى اللحظة نحن على تواصل كبير جدّاً. معظم أهلي خارج السعودية، وصدقاً في المناسبات السنوية كرمضان والأعياد هنّ أوّل مَن اتصل به!".
وأقرت ليلى بأنّ العلاقات لم تعد كالسابق بسبب مشاكل الحياة والسباق وراء العمل والمسؤوليات التي لا تنتهي. إلا أن جيرانها السابقين لهنّ نصيب من حياتها.
- أُم صالح:
"جارك القريب ولا إبن أمك البعيد"
ونختم هذه الشهادات بثلاث من سورية تبدأها السيدة أُم صالح بالقول: "أين هي أيام زمان؟ المثل يقول "جارك القريب ولا ولد أمك البعيد". وكان الجار في الماضي نِعم الجار والأخ والصديق والولد. وهناك أمثلة يشهد لها الجميع في ذلك الزمان الجميل، زمان الجيرة والعشرة الطيبة، والآن الدنيا مازالت بخيرها والحمد لله لكن ليس كأيام زمان.
لاحظت العديد من المفارقات والعديد من السلبيات في جيران هذا الزمن وأذكر منها: عندما قام جارنا وهو رجل كبير في السن بضرب أحد أبناء الجيران بعدما تسبب بمشكلة في الحي، مما دعا الطفل لإبداء غضبه وشتم الرجل المسكين بطريقة مخجلة. ثمّ ذهب الطفل إلى أسرته وأخبرهم بما حصل مما دعا أسرة الطفل للذهاب إلى الجار المسن في منزله، وواجهوه بالكلام الجارح والشتم والسباب، ومحاولة الضرب. مما دعا الجميع للتدخل في محاولة فاشلة لإنهاء الموقف. وتطور الموضوع، فمنهم من كان يقف بجانب الطفل وأسرته والأغلبية في صف الجار المسن. وأخيراً ذهب أحدهم إلى الأمن وأحضر عسكرياً لفك الإشتباك. برؤية وتمنيت أن تعطى تلك الأسرة وطفلها درساً لا ينسى حتى لا ينسوا أنّ الجار هو أقرب فرد للأسرة وهو الذي يخاف عليهم ولا يتوانى عن إرشادهم وتوجيههم".
وتابعت أُم صالح تقول: "عندما نتحدث عن الجار كأننا نتحدث عن فرد من أفراد الأسرة، كونه أقرب من ذوي الأرحام والأقرباء باعتباره الأقرب مكاناً. ونجد أنّ الجار في السابق كان كالأب والأخ لبقية الجيران، وكانت كلمته مسموعة وتجد مكاناً محترماً بين الجميع. وإن دعا الأمر أن يمد يده ليضرب أحد أطفال الحي فإنّه يفعل ذلك دون تردد لتأديب أبن جاره وذلك من باب الخوف عليه بعد إستعمال التخويف والزجر بالكلام. وعندما يأتي رب الأسرة لا يتجرأ الإبن على إخبار والده بما حدث وإنما يلتزم الصمت".
- السيد عمر:
"يا ليت كومة حجار ولا هذا الجار"
"هل رأيت بيتاً بلا سكّين؟ إذاً بماذا يطبخون؟ يسأل ويضيف: "هذا قبلناه. نعطيهم السكين مرة واثنتين وثلاثاً ولكن كل يوم؟!! حتى اشتريت من السوق سكيناً وأرسلتها إلى بيت الجيران هدية. بالطبع المسألة لا تقف عند هذا الحد، بل هناك قائمة طلبات لا تنقطع وفي أوقات مفتوحة في النهار والليل. فمرة بهارات، وأخرى إذا أمكن بعض الملح، ويمكن أن تعطونا كم رغيف خبز ومعها رأس بصل. وفي يوم آخر معجون، وممكن قنينة غاز حتى نشتري واحدة، وفي الطريق إذا أمكن المكنسة، ولا تنس بين هذا وذاك ملاعق وصينية لأن ثمة ضيوفاً سيأتون، وبالطبع الصحون لا تنكسر إلا عندهم أما إذا نسينا بعض الأغراض فعلى الدنيا السلام وعلى الغرض الضياع. والشيء الأهم والأغرب: هل سمعت جيراناً يستعيرون غسالة؟ نعم طلبت جارتنا مراراً الغسالة بحجة أن غسالتهم معطلة، يا ترى ماذا يعمل رب البيت ولماذا يفتح بيتاً؟! وهو كما نعلم في وضع مالي جيِّد. أليست هذه عائلة لا تقيم وزناً للأحوال ولا تعرف حدود الجيرة ومعنى الزاد والملح؟ إنها تعد ذلك نوعاً من الإستغفال، فنحن لسنا مسؤولين عن إعالة جارنا خاصة أنّه ليس مقعداً ولا عاطلاً عن العمل. يا ليت كومة أحجار ولا هذا الجار".
- السيدة أنعام:
جارتي حاولت التفريق بيني وبين زوجي:
الجار للجار وواحد يحتاج الآخر في بعض الأمور ولكن أن يتحول هذا الإحتياج إلى طلبات يومية دون مراعاة وواجبة التنفيذ فهذا غير معقول ولا مقبول في السلوك فلماذا يرتضيه البعض ويمارسه عن دراية أحياناً وعن جهالة وسوء تقدير أحياناً أخرى؟
هذا ما قالته السيدة أنعام التي أضافت: "صدق المثل الذي يقول: "الجار قبل الدار". صدقوني إذا قلت أنني أفكر جدياً في بيع بيتي والإنتقال إلى مكان آخر!
نعم، إلى هذه الحد أعاني. وكيف لا أعاني من جارة حاولت التفريق بيني وبين زوجي وكاد أولادي وبيتي أن يضيعوا مني؟ اعترف بأنني قد أكون أنا المسؤولة الأولى عن كل ما حصل في بيتي، فقد سمحت لجارتي بأن تتدخل في شؤوني الخاصة وأصبحت تعرف كل شيء عن البيت والزوج والأولاد بل وتحشر نفسها حتى في الخلافات البسيطة التي تحدث في كل بيت. وهنا أود أن أوجه رسالة من خلالكم إلى كل زوجة تسعى للحفاظ على بيتها وأطفالها وزوجها أن تحفظ أسرار بيتها ولا تجعلها مشاعاً أو تعطي جارتها فرصة أن تتدخل في شؤون بيتها".
- لطيفة:
اليوم لم نعد نعرف جيراننا ولا حتى أبنائهم.
تقول لطيفة: "لم نحضر ذلك الزمان الذي كان فيه الجار بمثابة ولي الأمر. لا نرى الآن هذا الجار الذي يخاف على أبناء حيّه بالمقدار الذي يخاف فيه على أبنائه، ينصحهم، يرشدهم، يوبخهم ويحذرهم.
الآن الجار لا نستطيع رؤيته إلا مرة كل عشرة أيام أو أكثر وقد لا نراه مطلقاً، وبالتالي لا يستطيع أن يتعرف على أبناء جيرانه".
- محمد طه "أبو أشرف":
بعض جيراننا يشترون المشاكل بفلوس.
ويروي أبو أشرف: "حالي يرثى له. أعاني الأمرين من جيراني، ولكم أن تشاهدوا داري فلقد جعلوا من سطح بيتنا بل وسطوح المنطقة مسرحاً لطيورهم وحجارتهم، وحصتنا مجموعة من النوافذ المهشمة. وهؤلاء الجيران "مشرانيين" كما يقال يشترون المشاكل بفلوس. ويا ويل من يدوس على طرفهم. ولنا جارة تدوس الجميع مثل البلدوزر حين تزعق وتشمر على عضلاتها ولا أحد يرد، عليها خوفاً، وأعتقد أن لها شوارب قصاب وهي تصلح للعمل في مسلخ ولا تصلح أن تكون جارة لنا، ولكن أين نذهب؟".
- الحاجة "أم كمال":
جيراني حاضرون في أفراحنا وأحزاننا.
أمّا الحاجة أُم كمال فتقول: "ما زلت أذكر جيران الأمس وكيف كانوا يتقاسمون كل شيء وكأنّهم عائلة واحدة، وحتى الأكلات التي كانت تعدها ربة البيت ترسلها إلى جارتها قبل أن تتذوقها تعبيراً عن أواصر الأخوة. ومازلت أذكر سطح بيتنا وكيف نتبادل مع جيراننا مواعين الطعام وغيرها، على عكس ما نراه اليوم من حواجز عالية. إضافة إلى أنّ الجار كان حاضراً في كل المناسبات والأحداث اليومية التي تمر بها العائلات في الأفراح والأتراح".
· نظرة إجتماعية إلى علاقة الجار بالجار:
من سورية، يقول إختصاصي علم النفس الإجتماعي علي مصطفى: "إن منظومة القيم الإجتماعية تأثرت بفعل الخوف من المجهول. وعلم الإجتماع يقول إنّ الأزمات النفسية والإجتماعية والظروف المعيشية تلعب دوراً في إضعاف العلاقات الإجتماعية".
وبيّن عوامل التغيير في المجتمعات البشرية من "عوامل تلقائية، وهو أمر طبيعي ويكون مساره بطيئاً، وأخرى مقصودة تحصل جراء عمليات التنمية فتخلق أنماطاً جديدة لدى الناس والمجتمع".
وتابع: "ما يؤثر على حسن الجوار مجموعة عوامل تتمحور حول ما يتعلق بالذات الإنسانية المعبر عنها بعلم النفس بالأنا. والإنسان تسرقه همومه ومشاكله الشخصية مما يجعله منعزلاً ومنفرداً. ولو أخذنا الخط العام لمستوى علاقات الجيرة خلال السنوات الخمسين الأخيرة لإكتشفنا تضاؤلاً وتباعداً في الإرتباطات الإجتماعية، والسبب هو الحياة المادية والظروف المحيطة بالأسرة".
- القيم المتغيِّرة:
ومن مصر يتفق أستاذ علم الإجتماع الدكتور رفعت عبدالباسط مع الأستاذ علي مصطفى في الرأي، ويؤكد أن سبب ضمور العلاقات بين الجيران هو تغيُّر قيم المجتمع التي أصبحت تقوم على القيم النفعية والمادية فقط، على عكس ما كان يحدث في الماضي ويقول: "في الماضي كان المجتمع المصري يتمتع بمجموعة كبيرة من القيم سواء في الريف أو الحضر، وهي المحبة والتعاون والتسامح والإيمان بأهمية الجار. وأنا كأستاذ علم إجتماع يستوقفني ويحزنني أن أرى جاراً لا يرد تحية جاره، وهذا يحدث كثيراً، والسبب في ذلك كما قلت تغير القيم الإجتماعية إلى قيم نفعية انتشرت كالوباء بين الشباب. هكذا تفتت المجتمع ولم يعد قائماً على الوحدة الإجتماعية. وللأسف انتشرت مقولة "صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي"، والحل يستلزم إبدال القيم النفعية بقيمنا الإجتماعية القائمة على الحب والتعاون حتى تعود علاقات الجيران قوية كما كانت".
- حكم القانون في العلاقة ما بين الجيران:
حسان شاهين: لم يتناول القانون العلاقة بين الجيران لسعة المساحة الدينية والإجتماعية ابدى المحامي السوري حسان شاهين رأيه في الموضوع موضحاً أنّ "القانون لم يتناول هذا الأمر وذلك لسعة المساحة الدينية والإجتماعية والإهتمامات الكثيرة التي أوجبت إحترام الجيران، وخير ما يدل على ذلك حديث النبي (ص) "ما زال جبريل يوصي بالجار حتى ظننت انّه سيورثه". كذلك إنّ الأعراف والتقاليد التي تراكمت أصبحت تتمتع بقوة القانون أحياناً تتفوق عليه من حيث الإلتزامات والتطبيقات. وحتى عندما تحصل الخلافات ويشكو الجار أخاه يواجهونه باعتبارات الجيرة واستحقاقاتها، الأمر الذي يسرّع حصول الصلح".

ughrm hg[hv fhg[hv fdk hgHls ,hgd,l