مرحبا بكم اعضاء وزوار منتدانا العزيز منتدى مياسة

ليس من امرئ يستطيع أن يتصور وجود عالم خال من عاطفة الحب التي تربط بين الجنسين الذكر والأنثى، وحتى لو ابتدعت مخيلاتنا مثل هذا العالم فإننا لما كنا نصفه إلا بالجمود والسأم والفراغ. لذلك نحن عموماً نغتبط بوجود هذا الحب على الرغم مما نقاسي أحياناً، ومن الآلام التي تنشأ من جرائه أحياناً أخرى، إلا أننا لا نرضى بغيره بديلاً ولا نتنازل عنه مطلقاً.
يعتقد الرافضون لهذه الحقيقة الساخرون منها أن نصيب الحب من حياتنا البشرية يطول ويعظم على حساب نشاطاتنا الأخرى خصوصاً الأدبية والفنية منها. ولكن، على الرغم من أن بضعة من المراهقين والمراهقات ينقادون للحب انقياداً عشوائياً أعمى، مما يجعل هذا الحكم مناسباً بالنسبة إليهم، إلا أن هذا الحب يظل منسجماً مع عواطف الإنسان الأخرى دون أن ينتقص منها. ويبقى أن لا ذنب للحب إذا كان المرء يوليه من عنايته الشطر الأكبر مما يولي سائر أمور حياته الأخرى.
إن عظمة الحب تنبثق من ارتباطه الوثيق، بل لزوبه المباشر، بالحياة ذاتها، تلك الحياة المتناغمة القائمة على كيانين في آن معاً يربط بينهما ذلك الحب الذي يرسم طريقهما ويقرر مصيرهما، فإما أن يصيرهما كياناً واحداً فيصهرهما في كيان زوجي سعيد، أو يفرق بينهما ليشكل لكل منهما كياناً آخر يتوق إلى الاتحاد والانصهار في ظل العائلة معه. ولهذا السبب يظل الحب سيد القلب الأوحد، مهيباً رغم إحسانه ومرحه ولذته.
الحب كما عرفه الأولون وفقهه اللاحقون هو وقود الزواج، ولذا صار الزواج الحدث الأكبر في حياة كل منا. وقد وعت المجتمعات أهمية هذه الخطوة الحاسمة فأحاطتها بكل هالة القدسية القائمة على الفروض والواجبات، ونزهتها الأديان والمذاهب، لأنها تقدم للبشرية ميداناً ضخماً يثبت فيه الإنسان إيمانه بالمسؤولية أولاً، ومن ثم تضحياته في سبيلها، والتزامه بالمثل والقيم والمحبة العائلية، إلى جانب ما يقدمه هذا الميدان للإنسان من لذة وسعادة واحترام متبادل وثقة دائمة.
إن محاسن الزواج وملذاته ترتفع إلى درجة أن الإنسان يقدم على الاقتران بشريكه بالرغم من شعوره بأنه مقدم على مخاطرة قد ينجح فيها وقد يفشل، إقدام يجعل الزواج عملية رائجة مستمرة في المجتمعات يكاد لا ينافسها رواج أي عمل آخر. بيد أن هناك ملاحظتين يجدر ذكرهما في أثناء الحديث عن الزواج، فالإنسان يعتبر الزواج قانوناً طبيعياً عاماً، ولذا فهو ـ في أغلب الأحيان ـ لا يخطط له ولا يعيره الأهمية المطلوبة، فهو الذي يدخل ميدان التجارة أو العمل، يدرس الموضوع ويتخصص فيه، غير أنه يلج ميدان الزواج من غير أن يدرس متطلباته وحقيقته، ويفهم أسراره، ويقارن بين ما عليه من واجبات وفروض وما له من إمكانيات ومؤهلات.
هذا الإيمان القوي بالزواج هو من أسباب فشل زيجات كثيرة، فالتفاؤل المغالى فيه كثيراً ما يضر، وهنا يجب ألا ننسى أن التخلي عن الزواج ليس سهلاً كالدخول فيه. فالقوانين المدنية والدينية، وبالطبع عاطفة الشخص وإحساسه، لا تسمح له بأن يفرط في أمور الزواج تفريطه في أمور كثيرة يقبلها باختياره، مثل الزواج. لذلك يجب على الإنسان أن يفكر ملياً في الزواج قبل الولوج إليه، فالمسألة أعظم مما يتصوره ويحسبه، لأن فيها سعادته وأفراحه أو شقاءه وأتراحه.
هذه واحدة، ثم إن الملاحظة الثانية هي أن الكثير من دول أوروبا وأميركا باتت تفرض على الزوجين أن يقدما شهادة صحية تثبت أهليتهما الجسدية للزواج، وقد انتقلت هذه العادة الحسنة إلى بلادنا انتقالاً يبشر بتحسين النسل وإراحة الزيجات من متاعب وصعوبات تهدم الحياة العالية وتحطم السعادة المرجوة في الزواج. وقد يرى بعض الناس في هذه المسألة ضرباً من القسوة على الحب والمحبين، بحجة أنه ليس من الحق أن نطلب إلى محبين أن يبتعد أحدهما عن الآخر، والتخلي عن فكرة الارتباط، إن كانا غير صالحين جسدياً من الناحية الصحية، لحماية أبنائهما من بعد.
لو طرح هذا السؤال ((لم نتزوّج؟)) على الناس فإن معظمهم سوف يجيبون بأنهم يعلمون الجواب بداهة وأن السؤال يحمل جوابه في طياته. وربما كان هذا الشعور العام عند الناس، بإدراكهم البدهي لأسرار الزواج وأسبابه وواجباته.
الرأي المنطقي، الذي لابد من الاعتراف به، فهو أن الحب غالباً هو أساس لكل زواج ناجح هانئ ودائم. ولكن الحب ليس الدافع الوحيد للزواج، ولا هو مسوغ لإيجاد السعادة والنجاح في كل زواج يتأسس عليه، إذ أن هناك عوامل أخرى لها أهميتها تؤدي إلى السعادة والنجاح، وعوامل هدامة ثانية تؤدي إلى الفشل والتعاسة. ولكنا كلنا يعلم أن كثيراً من الزيجات بنيت على الحب الجارف الملتهب ثم انتهت بين ليلة وضحاها بالطلاق أو الهجر والانفصال.
إن شرقنا من أكثر دول العالم التي تبني زيجاتها على المصالح دون الاهتمام بالحب المتبادل، وكم هي كثيرة تلك الزيجات التي قررها الأهل دون استشارة الفتى أو الفتاة وأحياناً دون رضاهما. ومع أن عادة التزويج الإجباري آخذة في الاندثار والانكماش، إلا أنها لا تزال سائدة في مناطق شرقية عديدة، ونأمل أن يأتي اليوم الذي يكون الزواج فيه نتيجة اختيار وإرادة العروسين، وبعد أن يشعرا معاً بحب عميق يربط بين نفسيهما قبل أن يربط بين جسديهما.
إننا نؤمن بأن الحب يجب أن يكون إساً رئيسياً في الزواج، ونذكر بأن الحب يعني لنا جاذبية متبادلة بين شخصين، ولهذه الجاذبية كيانها الخاص في حياتهما، وليس مجرد رغبة جنسية عامة، فمثل هذه الرغبة موجودة عند جميع البشر، ولكنها لا تكون حباً إلا إذا تميزت في شخص معين مميز عن بقية الناس، وأضيف إليها الكثير من الوفاء والولاء والارتباط، والإيمان العميق والاحترام المبني على الثقة. وهذا لا يعني مطلقاً أننا نقيم من الحب إساً وحيداً للزواج الناجح، فرغبة الوالدين ورضاهما ومشورتهما هي من أنفع المشورات للفتيات والفتيان، ولها هي الأخرى أهميتها في كل زواج مستمر. قد يبدي الوالدان ملاحظات نافعة لا يستطيع المرء أن يراها تتغير، لأن لهما من معرفتهما بالحياة واختبارهما ما لم يعرفه ويعتده ويتعرف عليه من قبل. لكن يجب ألا ننسى أن الرأي الفصل يجب أن يكون للعروسين، لأنهما المعنيان بالأمر وصاحبا القضية أولاً وآخراً. ومهما كان سرور الوالدين بزواج ابنتهما أو ابنهما الناجح أو ألمهما لفشل هذا الزواج، فإن هذا السرور أو تلك الكآبة والألم لا تقاس بسعادة وألم الزوجين المعنيين.


hildm hgpf tn hgpdhm hg.,[dm K The importance of love in married life