الملاحظات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 17 من 17

الموضوع: قصص الانبياء كامله الرجو الدخول

  1. #11  
    المشاركات
    29
    [align=center](( لوط عليه السلام ))

    نبذة:

    أرسله الله ليهدي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباء وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أن يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوط دعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.

    سيرته:

    حال قوم لوط:
    دعى لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش. واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضة ورفض متكبر. وحكموا على لوط وأهله بالطرد من القرية. فقد كان القوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.

    لقد اختلت المقاييس عند قوم لوط فصار الرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر جريمة تستوجب الطرد كانوا مرضى يرفضون الشفاء ويقاومونه ولقد كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلب لوط كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لنا الرجال واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد لم يؤمن به غير أهل بيته حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا. كانت زوجته كافرة.

    وزاد الأمر بأن قام الكفرة بالاستهزاء برسالة لوط عليه السلام، فكانوا يقولون: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). فيئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين.

    ذهاب الملائكة لقوم لوط:
    خرج الملائكة من عند إبراهيم قاصدين قرية لوط بلغوا أسوار سدوم وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر رفعت وجهها فشاهدتهم فسألها أحد الملائكة: يا جارية هل من منزل؟

    قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم أسرعت نحو أبيها فأخبرته. فهرع لوط يجري نحو الغرباء. فلم يكد يراهم حتى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) سألهم: من أين جاءوا؟ وما هي وجهتهم؟ فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد.

    قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه، وعاد يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية - حدثهم أنهم خبثاء أنهم يخزون ضيوفهم حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية.

    سقط الليل على المدينة صحب لوط ضيوفه إلى بيته لم يرهم من أهل المدينة أحد لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم. وجاء قوم لوط له مسرعين تساءل لوط بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟ وقف القوم على باب البيت خرج إليهم لوط متعلقا بأمل أخير، وبدأ بوعظهم:

    (هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قال لهم: أمامكم النساء -زوجاتكم- هن أطهر فهن يلبين الفطرة السوية كما أن الخالق -جلّ في علاه- قد هيّئهن لهذا الأمر.

    (فَاتَّقُواْ اللّهَ) يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.

    (وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) هي محاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.

    (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ) أليس فيكم رجل عاقل؟ إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.

    إلا أن كلمات لوط عليه السلام لم تلمس الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها.

    أحس لوط بضعفه وهو غريب بين القوم نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته كان الغرباء الذين استضافهم يجلسون هادئين صامتين فدهش لوط من هدوئهم وازدادت ضربات القوم على الباب وصرخ لوط في لحظة يأس خانق: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط كان يأوي إلى ركن شديد".

    هلاك قوم لوط:

    عندما بلغ الضيق ذروته وقال النبي كلمته تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة أفهموه أنه يأوي إلى ركن شديد فقالوا له لا تجزع يا لوط ولا تخف نحن ملائكة ولن يصل إليك هؤلاء القوم ثم نهض جبريل، عليه السلام، وأشار بيده إشارة سريعة، ففقد القوم أبصارهم.

    التفتت الملائكة إلى لوط وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل الجبال لا يلتفت منهم أحد كي لا يصيبه ما يصيب القوم أي عذاب هذا؟ هو عذاب من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين امرأته كافرة مثلهم وستلتفت خلفها فيصيبها ما أصابهم.

    سأل لوط الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن أنبئوه أن موعدهم مع العذاب هو الصبح (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)؟

    خرج لوط مع بناته وزوجته ساروا في الليل وغذوا السير واقترب الصبح كان لوط قد ابتعد مع أهله ثم جاء أمر الله تعالى قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم استمر الجحيم يمطرهم وانتهى قوم لوط تماما لم يعد هناك أحد نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض هلك قوم لوط ومحيت مدنهم.

    كان لوط يسمع أصوات مروعة وكان يحاذر أن يلتفت خلفه نظرت زوجته نحو مصدر الصوت فانتهت تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.

    قال العلماء: إن مكان المدن السبع بحيرة غريبة ماؤها أجاج وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين هي مدن قوم لوط السابقة.

    انطوت صفحة قوم لوط انمحت مدنهم وأسمائهم من الأرض سقطوا من ذاكرة الحياة والأحياء وطويت صفحة من صفحات الفساد وتوجه لوط إلى إبراهيم زار إبراهيم وقص عليه نبأ قومه وأدهشه أن إبراهيم كان يعلم ومضى لوط في دعوته إلى الله مثلما مضى الحليم الأواه المنيب إبراهيم في دعوته إلى الله مضى الاثنان ينشران الإسلام في الأرض.[/align]






    رد مع اقتباس  

  2. #12  
    المشاركات
    29
    [align=center]((( أيوب عليه السلام )))

    ضربت الأمثال في صبر هذا النبي العظيم. فكلما ابتلي إنسان ابتلاء عظيما أوصوه بأن يصبر كصبر أيوب عليه السلام وقد أثنى الله تبارك وتعالى على عبده أيوب في محكم كتابه قال تعالى:

    إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

    والأوبة هي العودة إلى الله تعالى وقد كان أيوب دائم العودة إلى الله بالذكر والشكر والصبر. وكان صبره سبب نجاته وسر ثناء الله عليه. والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده وقد نسجت الأساطير عديدا من الحكايات حول مرضه قيل إنه مرض مرضا جلديا منفرا تجنب الناس الاقتراب منه بسببه.



    يقول سفر أيوب في التوراة: فخرج الشيطان من حضرة الرب وضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته. فأخذ لنفسه شقفة ليحتك بها وهو جالس في وسط الرماد. ص2. وقال هذا السفر نفسه على لسان أيوب: "لأنه مثل خبزي يأتيني أنيني، ومثل المياه تنسكب زفرتي". ص3. وقال هذا السفر نفسه: "قد كرهت نفسي حياتي أسبب شكواي أتكلم في مرارة نفسي". ص10

    ونحن نرفض هذا كله كحقيقة واقعة. فانظر إلى تعبير التوراة: فخرج الشيطان من حضرة الرب.

    نعلم -كمسلمين- أن الشيطان قد خرج من حضرة الرب منذ أن خلق الرب آدم عليه الصلاة والسلام فمتى عاد الشيطان إلى حضرة الرب؟ نحن أمام تعبير أدبي ولسنا أمام حقيقة مادية.

    ما حقيقة مرض أيوب وما قصته؟

    إن أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره هي الرواية التالية:

    تحدث ملائكة الأرض فيما بينهم عن الخلق وعبادتهم. قال قائل منهم: ما على الأرض خير من أيوب هو أعظم المؤمنين إيمانا وأكثرهم عبادة لله، وشكرا على نعمه، ودعوة له.

    وسمع الشيطان ما يقال فساءه ذلك وطار إلى أيوب محاولا إغواءه ولكن أيوب نبي قلبه هو الصفاء لله والحب لله وليس للشيطان عليه سبيل. ويئس الشيطان من إغواء أيوب، قال لله تعالى: يا رب إن عبدك أيوب الذي يعبدك ويقدسك لا يعبدك حبا وإنما يعبدك لأغراض. يعبدك ثمنا لما منحته من مال وبنين، وما أعطيته إياه من ثروة وعقار وهو يطمع أن تحفظ عليه ماله وثراءه وأولاده وكأن النعم العديدة التي منحتها له هي السر في عبادته إنه يخاف أن يمسها الفناء أو تزول وعلى ذلك فعبادته مشوبة بالرغبة والرهبة يشيع فيها الخوف والطمع وليست عبادة خالصة ولا حبا خالصا.

    وتقول الرواية إن الله تعالى قال لإبليس: إن أيوب عبد مؤمن خالص الإيمان وليكون أيوب قبسا في الإيمان ومثلا عاليا في الصبر قد أبحتك ماله وعقاره افعل ما تريد ثم انظر إلى ما تنتهي.

    وهكذا انطلقت الشياطين فأتت على أرض أيوب وأملاكه وزروعه ونعيمه ودمرتها جميعا وانحدر أيوب من قمة الثراء إلى حضيض الفقر فجأة وانتظر الشيطان تصرف أيوب.

    وقال أيوب: عارية لله استردها ووديعة كانت عندنا فأخذها، نعمنا بها دهرا، فالحمد لله على ما أنعم، وسلبنا إياها اليوم، فله الحمد معطيا وسالبا، وراضيا وساخطا، نافعا وضارا، وهو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.

    ثم خر أيوب ساجدا وترك إبليس وسط دهشته المخزية. وعاد الشيطان يقول لله تعالى: يا رب إذا كان أيوب لم يقابل النعمة إلا بالحمد، والمصيبة إلا بالصبر، فليس ذلك إلا اعتدادا بما لديه من أولاد انه يطمع أن يشتد بهم ظهره ويسترد بهم ثروته.

    تقول الرواية إن الله أباح للشيطان أولاد أيوب فزلزل عليهم البيت الذي يسكنون فيه، فقتلهم جميعا.

    وهنا قال أيوب داعيا ربه: الله أعطى والله أخذ فله الحمد معطيا وسالبا، ساخطا وراضيا، نافعا وضارا.

    ثم خر لله ساجدا وترك إبليس وسط دهشته المخزية. وعاد إبليس يدعو الله: إن أيوب لم يزل صابرا لأنه معافى في بدنه. ولو أنك سلطتني يا رب على بدنه، فسوف يكف عن صبره.

    تقول الرواية أن الله أباح جسد أيوب للشيطان يتصرف فيه كيف يشاء فضرب الشيطان جسد أيوب من رأسه حتى قدميه، فمرض أيوب مرضا جلديا راح لحمه فيه يتساقط ويتقيح حتى هجره الأهل والصحاب، لم يعد معه إلا زوجته.

    وظل أيوب على صبره وشكره لله تعالى حمد الله على أيام الصحة وحمده تعالى على بلاء المرض وشكره في الحالتين.


    وازداد غيظ الشيطان فلم يعرف ماذا يفعل وهنا جمع إبليس مستشاريه من الشياطين وحدثهم بقصة أيوب وطلب رأيهم بعد أن أعلن يأسه من إغوائه أو إخراجه من صبره وشكره وقال أحد الشياطين: لقد أخرجت آدم أبا البشر من الجنة فمن أين أتيته؟

    قال إبليس: آه تقصد حواء.

    وانقدحت في عقل إبليس (لو كان له عقل) فكرة جديدة ذهب إلى امرأة أيوب وملأ قلبها باليأس حتى ذهبت إلى أيوب تقول له: حتى متى يعذبك الله؟ أين المال والعيال والصديق والرفيق؟ أين شبابك الذاهب وعزك القديم؟
    وأجاب أيوب امرأته: لقد سول لك الشيطان أمرا أتراك تبكين على عز فات وولد مات؟
    قالت: لماذا لا تدعو الله أن يزيح بلواك ويشفيك ويكشف حزنك؟
    قال أيوب: كم مكثنا في الرخاء؟
    قالت: ثمانين سنة.
    قال: كم لبثنا في البلاء؟
    قالت: سبع سنوات.
    قال: أستحي أن اطلب من الله رفع بلائي، وما قضيت فيه مدة رخائي لقد بدا إيمانك يضعف وضاق بقضاء الله قلبك لئن برئت وعادت إلي القوة لأضربنك مائة عصا وحرام بعد اليوم أن آكل من يديك طعاما أو شرابا أو أكلفك أمرا فاذهبي عني.

    وذهبت زوجته وبقي أيوب وحيدا صابرا يحتمل ما لا تحتمله الجبال أخيرا فزع أيوب إلى الله داعيا متحننا لا متبرما ولا متسخطا ودعا الله أن يشفيه فاستجاب له الله.

    هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره ونحن نحس أنها موضوعة لأنها تتفق مع نص التوراة حول مرض أيوب أيضا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة كل ما نستطيع أن نقطع به هو ما حدثنا عنه القرآن. وهو وحده الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

    قال تعال في سورة (الأنبياء):

    وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
    نفهم مما سبق أن أيوب كان عبدا صالحا من عباد الله. أراد الله امتحانه في ماله وأهله وجسمه. ضاع ماله وأصبح فقيرا بعد أن كان أغنى الأغنياء. وفقد أهله وبدأ يعرف معنى الوحدة. ومرض جسمه مرضا عظيما كان يتألم له. ولكنه صبر على هذا كله وشكر.

    وطال مرضه واستطال بلاؤه وعظم هجران الناس له، حتى صار يقضي أيامه كلها وحيدا مع المرض والحزن والوحدة، وانطبقت أضلاع المثلث الكئيب على حياته. المرض والحزن والوحدة، ورغم ذلك لم ينس الصبر كان صبره متجاوزا لبلائه ومتفوقا عليه.

    وجاء الشيطان يوسوس لأيوب قائلا له: يا أيوب، هذا الألم وهذا العذاب اللذان تحسهما بسبب مس مني. ولو أنك توقفت عن الصبر يوما واحدا لذهب عنك الألم وشفيت.

    وتهامس الناس حول أيوب فقالوا: لو كان الله يحبه ما ابتلاه بكل ما ابتلاه به.

    ووسوسة الشيطان هذه وكلام الناس حول أيوب لا يمكن أن يقللا من عزم نبي من أنبياء الله تعالى. فالشيطان لا يستطيع أن يمس أحدا إلا بإذن الله. كما أن الله تبارك وتعالى لا يجعل حبه للناس مرادفا لسلامتهم، إنما يمتحنهم كما يشاء ويبتليهم كما يحب. فستمر أيوب في صبره وعبادته وشكره لله.

    وجلس أيوب غاضبا لأن الشيطان تجرأ عليه وتصور أنه يمكن أن يغريه أو يغويه، مستغلا وحدته وأساه ومرضه.

    وحضرت زوجة أيوب متأخرة فوجدت أيوب غاضبا. كانت تلف رأسها بغطاء. وكانت قد أحضرت إليه طعاما طيبا وسألها أيوب: من أين جاءتك النقود؟ وأقسم أيوب أن يضربها مائة ضربة بالعصا عندما يشفى. كان صبره واسعا مثل نهر عظيم. ثم اكتشف في المساء أن زوجته قد قصت شعرها لتحضر إليه طعاما يأكله.

    وخرج نبي الله تعالى إلى الجبال يدعو ربه. قال تعالى في سورة (ص):

    وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىرَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
    كيف نفهم قول أيوب: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ؟

    يريد أيوب أن يشكو لربه جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه. ولا يعتقد أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان. هذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم.

    أمره الله تعالى أن يستحم في عين من عيون المياه في الجبل أمره أن يشرب من ماء هذا العين وجرى أيوب فاغتسل وشرب ولم يكد يشرب آخر جرعة من الماء حتى أحس أنه شفي فجأة زايلته الحمى، وذهب عنه الألم، وعادت حرارته إلى درجة الحرارة العادية ووهب الله لأيوب أهله ومثلهم معه رحمة من عنده سبحانه ولم يعد أيوب وحيدا.

    وهبه الله أضعاف ثروته كرما من عنده، فلم يعد أيوب فقيرا عادت إليه صحته بعد طول المرض وشكر أيوب الله، وكان قد أقسم أن يضرب امرأته مائة ضربة بالعصا عندما يشفى، وها هو ذا قد شفي، وكان الله سبحانه وتعالى يعلم أنه لا يقصد ضرب امرأته ولكي لا يحنث في قسمه أو يكذب فيه، أمره الله أن يجمع حزمة من أعواد الريحان عددها مائة، ويضرب بها امرأته ضربة واحدة، وبذلك يكون قد بر في قسمه ولم يكذب وجزى الله أيوب على صبره أن مدحه في القرآن الكريم وقال عنه:

    إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
    وتذكر بعض الروايات أن الله أعاد لزوجة أيوب شبابها جزاء لصبرها مع أيوب.[/align]






    رد مع اقتباس  

  3. #13  
    المشاركات
    29
    [align=center]((( ذو الكفل عليه السلام )))

    قال أهل التاريخ ذو الكفل هو أبن أيوب عليه السلام ونسبه هو نسب أيوب عليه السلام وأسمه في الأصل (بشر) وقد بعثه الله بعد أيوب وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوقي بها، وكان مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون.يرى بعض العلماء أنه ليس بنبي و إنما هو رجل من الصالحين من بني إسرائيل وقد رجح أبن كثير نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء فقال عز وجل في سورة الأنبياء.


    وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ
    قال أبن كثير : فالطاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور.

    والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالاجمال ولا بالتفصيل لذلك نمسك عن الخوض في موضوع دعوته حيث أن كثير من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا النزر اليسير ، ومما ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكره القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينار على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ قالت : لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة قال : فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك ، ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه : قد غفر الله للكفل). وقال ابن كثير: ورواه الترمذي وقال: حديث حسن وروي موقوفا على ابن عمر وفي إسناده نظر فإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.

    ويذكر بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي ذا الكفل وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق.[/align]






    رد مع اقتباس  

  4. #14  
    المشاركات
    29
    [align=center]((( يونس عليه السلام )))

    هو النبي الكريم يونس بن متى. قال عنه سيد الخلق وإمام البشر والرحمة المهداة للعالمين محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى."ـ

    كانوا يسمونه يونس وذا النون ويونان. وكان نبيا كريما أرسله الله إلى قومه فراح يعظهم، وينصحهم، ويرشدهم إلى الخير، ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار، ويحببهم إلى الجنة، ويأمرهم بالمعروف، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده. وظل ذو النون ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد


    وجاء يوم على يونس فأحس باليأس من قومه وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون، وخرج غاضبا وقرر هجرهم. حكى الله تعالى مبتدئا بقوله

    وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ


    لا أحد يعرف عنف المشاعر والأحاسيس التي راحت تعتمل في نفس يونس غير الله وحده كان يونس غاضبا من قومه، كان حانقا آسفا وحزينا فخرج

    ذهب إلى شاطئ البحر وقرر أن يركب سفينة تنقله إلى مكان آخر

    لم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم، وظن يونس أن الله لن يقدر عليه عقوبة لأنه ترك قومه، غاب عن يونس عليه السلام أن النبي مأمور بالدعوة إلى الله فقط، ولا عليه أن تنجح الدعوة أو لا تنجح المفروض أن يدعو لله ويترك مسألة النجاح أو عدمه لخالق الدعوة

    كانت السفينة ترسو في الميناء الصغير، والشمس تنحدر نحو الغروب، والأمواج تضرب الشاطئ وتتكسر على الصخور، ولاحظ يونس أن سمكة طفلة تقاوم الموج ولا تعرف كيف تتصرف، وأقبلت موجة كبيرة فرفعت السمكة وحطمتها على الصخور، وأحس يونس في قلبه بالحزن والأسف على السمكة الصغيرة. قال لنفسه لو كانت معها سمكة كبيرة فربما نجت

    وتذكر حاله وكيف يترك قومه وزاد إحساسه بالغضب والحزن. ركب يونس السفينة

    كان مضطربا لا يعرف أنه يفر من قدر الله إلى قدر الله

    لم يكن معه طعام ولا كيس أمتعة ولا أصدقاء يصحبونه إلى الرصيف مودعين

    كان وحده تماما. خطا بقدميه عل سطح السفينة، فصر الخشب صريرا مزعجا زاد في انقباضة قلبه. سأله القبطان وهو يجلس إلى طاولة عمله: ماذا تريد؟
    وقع السؤال على يونس وقع الصاعقة. أود أن أسافر على سفينتكم هل بقي على إبحاركم وقت طويل؟
    كان صوت يونس مضطربا يشي بالغضب والخوف والرهبة والقلق
    قال القبطان وهو يرفع رأسه: نبحر مع ارتفاع المد التالي
    لم يزل القبطان يحدق في وجه يونس
    قال يونس بنفاذ صبر وقلق: ألا تبادرون بالإبحار قبل ذلك سيدي؟
    قال القبطان: إبحارنا مع المد مبادرة يرضى بها كل مسافر شريف
    واها لك يا يونس ها هي ذي طعنة أخرى
    وأسرع يونس يحول فكر القبطان عن ريبته بأن تساءل: سأسافر معكم كم تبلغ أجرة السفر؟ سأدفع على التو
    قال القبطان، لا نقبل غير الذهب
    قال يونس: لا بأس

    نظر القبطان إلى يونس. كان قبطان السفينة حصيفا ألمعيا يستطيع أن يستشف بنافذ بصره خوف الناس أو قلقهم، وكان تردده على الموانئ وزيارته للعالم ورؤيته للعالم وللناس قد جعلته رجلا يستطيع أن يخمن مشاعر الناس وأدرك القبطان أن يونس يفر من شيء ما وتصور القبطان أن يونس قد ارتكب جريمة ما ولم يكن جشع القبطان يسمح له بأن يفضح أي جريمة لدى مرتكبها، إلا إذا كان مقترفها مفلسا

    إن الخطيئة التي تتمكن من دفع الأجرة في عالم القبطان تستطيع أن تسافر حرة طليقة دون جواز سفر فإذا كانت الفضيلة مسكينا مدقعا أوقفوه عند كل الحدود. لذلك أراد القبطان أن يختبر يونس قبل أن يسمح له بركوب السفينة

    سأله ثلاثة أضعاف الأجرة التي يدفعها غيره من المسافرين، وكان يونس في حالة من ضيق الصدر والغضب العنيف والرغبة في الخروج من هذا البلد فدفع ما طلبه منه القبطان. وأمسك القبطان القطع الذهبية وراح يعضها بأسنانه وحاول أن يجد فيها قطعا مزيفة فلم يجد ووقف يونس يتلقى هذه الطعنات كلها وصدره يعلو ويهبط مثل المرجل وأخيرا سمح له القبطان بالسفر

    قال يونس: حدد لي غرفتي يا سيدي فإنني متعب أريد أن ارتاح قليلا
    قال القبطان: ذلك يبدو من ملامحك هناك غرفتك

    أشار القبطان بيده

    ألقى يونس نفسه على الفراش بملابسه كما هو وحاول النوم عبثا كانت صورة السمكة الصغيرة وهي تتمزق على الصخور لا تريد أن تفارق مخيلته. وأحس يونس أن سقف الغرفة جاثم على جبهته. أخذ يتنهد ضيق الصدر في هواء محصور راكد. وكان في غرفة يونس قنديل معلق يتأرجح تأرجحا واهنا وقد شد عن وسطه إلى الجدار بلولب. وعندما ترنحت السفينة بسبب ثقل الرزم الأخيرة التي ألقيت فيها بقي القنديل واللهب وكل ما يتصل بهما في وضع انحراف مستمر بالنسبة للغرفة ومع أنه كان في الحقيقة مستقيما استقامة لا تخطئها العين، فانه بدا للعين منحرفا في المستويات الخادعة التي كان معلقا بينها. وراح يونس وهو راقد على فراشه يدور بعينيه في سقف الغرفة، لم تجد نظراته القلقة أي ملاذ لها إن أرض الغرفة وسقفها وجوانبها تبدو جميعا مائلة. والقنديل معلق ومائل فيها ويئن يونس قائلا

    كذلك هو ضميري معلق داخل نفسي على استقامة، وهو يتوهج مضيئا، إلا أن الغرفة التي تحتلها روحي مائلة. وبعد صراع أليم نشب في نفس يونس وهو ملقى على فراشه، أثقله عبء تعاسته الباهظة، وهوى به غريقا متخبطا في نوم قلق لا يكاد يستسلم فيه للنعاس حتى يفيق فزعا بلا سبب مفهوم

    وحان وقت المد ورفعت السفينة حبالها، وانسابت على وجه الماء مبتعدة عن الرصيف مضت السفينة طوال النهار وهي تشق مياها هادئة وتهب عليها ريح طيبة

    وجاء الليل على السفينة وانقلب البحر فجأة هبت عاصفة مخيفة كادت تشق السفينة وبدت الأمواج كمن فقدت عقلها فراحت ترتفع كالجبال وتهبط كالوديان وتلعب بأخشاب المركب. راحت الأمواج تكتسح سطح المركب وتصدم الواقفين فوقه وتغرق ملابسهم بالمياه

    ووراء السفينة كان حوت عظيم يشق المياه وهو يفتح فمه صدرت الأوامر إلى أحد الحيتان العظيمة في قاع البحر أن يتحرك إلى السطح. وأطاع الحوت الأمر الصادر إليه من الله وأسرع إلى سطح البحر مضى يتعقب السفينة كما تقضي الأوامر واستمرت العاصفةوأهاب رئيس النوتية بالأيدي أن تخفف أحمال السفينة، وطرحت الصناديق والرزم والجرار فضاع صوت جلبتها وهي تلقى في الماء وزاد صراخ الرياح وهب يونس فزعا من نومه فرأى كل شيء يهتز في الغرفة. عبثا حاول أن يقف معتدلا فلم يستطع. صعد إلى السطح لم يكد يراه القبطان حتى تذكر شكوكه وصرخ
    ـ لقد ثارت العاصفة في غير وقتها المعهود معنا على سطح السفينة رجل خاطئ ثارت بسببه العاصفة سنجري القرعة على الركاب من خرج اسمه ألقيناه في البحر

    كان يونس يعرف أن هذا تقليد من تقاليد السفن عندما تواجه العواصف، وهو تقليد وثني غريب، ولكنه كان متبعا أيامه. وبدأ بلاء يونس ومحنته. فها هو ذا النبي الكريم يتعرض للخضوع للقوانين الوثنية التي كانت تعتبر أن للبحر آلهة تثور وللريح آلهة تقرر ولا بد من إرضاء هؤلاء وهؤلاء

    وساهم يونس كارها فوضع اسمه مع أسماء الركاب وأجريت القرعة فخرج اسمه

    وأعيدت القرعة مرة ثانية كما هي العادة فخرج اسم يونس

    لم يعد هناك غير إجراء القرعة مرة ثالثة ثم يستقر الرأي على من يلقونه في البحر. وأحاطت الأنظار بيونس التفت حوله نظرات الشك مثل ثوب النار وأجريت القرعة للمرة الثالثة ودق قلب يونس وقبطان السفينة يقرأ اسمه للمرة الثالثة

    انتهى الأمر وتقرر أن يرمي يونس نفسه في البحر أدرك يونس وهو يعتلي خشب السفينة أنه قد أخطأ حين ترك قومه غاضبا وظن أن الله لن يوقع عليه عقوبة

    أخطأ يونس لأنه ترك قومه بغير إذن الله والآن فان الله سبحانه وتعالى يعاقبه وقف يونس على حاجز السفينة ينظر إلى البحر الهائج والأمواج السوداء وكانت الدنيا ليلا، وليس هناك قمر، والنجوم تختفي وراء ضباب أسود ولون المياه أسود والبرد ينفذ إلى العظام والمياه تغطي كل شيء

    وصرخ صوت القبطان: اقفز أيها المسافر المجهول

    واشتد عواء العاصفة الغاضبة وجاهد يونس ليحتفظ بتوازنه ويسقط في البحر معتدل القامة محتفظا بشجاعته وخيل إلى بحارة السفينة أنه يتباطأ في إلقاء نفسه فرفعوا إلى آلهة البحر يدا داعية، وأمسكوا يونس بالأخرى وطرحوه في البحر وهو مشفقون

    هوى يونس كأنه المرساة المطروحة وجد الحوت أمامه يونس وهو يطفوا على الموج ابتسم الحوت. ها قد أرسل الله إليه طعام العشاء تلقف الحوت يونس من جوف الهياج الجامح وأغلق أنيابه العاجية عليه كأنها مزاليج بيضاء يقفل بها باب سجنه وعاد الحوت إلى أعماق البحر عاد راضيا قد ملأ معدته


    وفوجئ يونس بنفسه في بطن الحوت، والحوت يجري به في جوف البحر، والبحر يجري في جوف الليل ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض ظلمة جوف البحر وظلمة قاع البحر وظلمة الليل تصور يونس أنه مات حرك حواسه وجد نفسه يتحرك هو حي إذن لكنه سجين وسط ظلمات ثلاث

    وبدأ يونس يبكي ويسبح لله بدأ رحلة العودة إلى الله وهو سجين وسط الظلمات الثلاث تحرك قلبه بالتسبيح لله وتحرك بعدها لسانه بقوله

    لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
    لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
    لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
    كان يونس منكفئا على وجهه في بطن الحوت ورغم ذلك فقد راح يسبح لله وكأن الحوت قد تعب من السباحة فرقد على بطنه في قاع البحر واستسلم للنوم واستمر يونس في تسبيحه لله لا يتوقف ولا يهدأ ولا ينقطع بكاؤه. لم يكن يأكل أو يشرب أو يتحرك. كان صائما طعامه هو التسبيح

    وسمعت الأسماك والحيتان والنباتات وكل المخلوقات التي تعيش في أعماق البحر صوت تسبيح يونس كان التسبيح يصدر من جوف هذا الحوت دون غيره واجتمعت كل هذه المخلوقات حول الحوت وراحت تقوم بتسبيح الله هي الأخرى كل واحد بطريقته الخاصة ولغته الخاصة. واستيقظ الحوت الذي ابتلع يونس على أصوات التسبيح هو الآخر فشاهد في قاع البحر مهرجانا عظيما من الحيتان والأسماك والحيوانات البحرية والطحالب والصخور والرمال وهي تسبح الله واشترك الحوت في التسبيح وأدرك أنه ابتلع نبيا أحس الحوت بالخوف ولكنه قال لنفسه: لماذا أخاف؟ الله هو الذي أمرني بابتلاعه

    ومكث يونس في بطن الحوت زمنا لا نعرف مقداره ظل طوال الوقت يقوم بتسبيح الله ويقول بقلبه ولسانه ودموعه

    لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
    ورأى الله سبحانه وتعالى صدق يونس في توبته سمع الله تعالى تسبيحه في جوف الحوت وصدرت الأوامر للحوت أن يخرج إلى سطح البحر ويقذف بيونس من جوفه عند جزيرة حددتها الأوامر وأطاع الحوت كان الحوت قد أرسى جسده على أقصى عظام المحيط

    ثم سمع الله عز وجل من الظلمات نداء النبي السجين التائب وأمر الله تعالى الحوت فجاء من عالم البرد الزمهرير وظلمة البحر يضرب صعدا نحو الدفء والشمس المنعشة ومتع الأرض وقذف يونس إلى البر فوق جزيرة عارية

    إن جسده ملتهب بسبب الأحماض في معدة الحوت. وكان هو مريضا، وأشرقت الشمس فلسعت أشعتها جسده الملتهب فكاد يصرخ من الألم لولا أنه تماسك وعاد للتسبيح

    وأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين وهو نبات أوراقه عريضة تقي من الشمس وأفهمه الله تعالى أنه لو لا التسبيح لظل في جوف الحوت إلى يوم القيامة

    قال تعالى في سورة الصافات

    وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ
    وقال تعالى في سورة الأنبياء

    وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ
    نريد الآن أن ننظر فيما يسميه العلماء ذنب يونس. هل ارتكب يونس ذنبا بالمعنى الحقيقي للذنب؟ وهل يذنب الأنبياء. الجواب أن الأنبياء معصومون غير أن هذه العصمة لا تعني أنهم لا يرتكبون أشياء هي عند الله أمور تستوجب العتاب. المسألة نسبية إذن

    يقول العارفون بالله: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا صحيح. فلننظر إلى فرار يونس من قريته الجاحدة المعاندة. لو صدر هذا التصرف من أي إنسان صالح غير يونس لكان ذلك منه حسنة يثاب عليها. فهو قد فر بدينه من قوم مجرمين

    ولكن يونس نبي أرسله الله إليهم والمفروض أن يبلغ عن الله ولا يعبأ بنهاية التبليغ أو ينتظر نتائج الدعوة ليس عليه إلا البلاغ

    خروجه من القرية إذن في ميزان الأنبياء أمر يستوجب تعليم الله تعالى له وعقابه

    إن الله يلقن يونس درسا في الدعوة إليه، ليدعو النبي إلى الله فقط

    إنما أرسله ليدعو فحسب هذه حدود مهمته وليس عليه أن يتجاوزها ببصره أو قلبه ثم يحزن لأن قومه لا يؤمنون إن لوطا مكث في قومه يدعوهم سنوات عديدة فلم يؤمن فيهم أحد ورغم ذلك لم يخرج لوط فرارا بأهله ونفسه ودينه من قريته ظل يدعوهم حتى جاءه أمر الله وأرسل إليه ملائكته بإذن الخروج ساعتها خرج لوط لو خرج قبلها لعوقب مثل يونس

    ولقد خرج يونس بغير إذن فانظر ماذا وقع لقومه. لقد آمنوا به بعد خروجه قال تعالى في سورة يونس

    فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ
    وهكذا أمنت قرية يونس

    ولو أنه مكث فيهم لأدرك ذلك وعرفه واطمأن قلبه وذهب غضبه غير أنه كان متسرعا وليس تسرعه هذا سوى فيض في رغبته أن يؤمن الناس، وإنما اندفع إلى الخروج كراهية لهم لعدم إيمانهم فعاقبه الله وعلمه أن على النبي أن يدعو لله فحسب

    ليس عليه أن يؤمن الناس ليس عليه هداهم[/align]






    رد مع اقتباس  

  5. #15  
    جـــــــــــــــزاك الله خير

    ومشكووووووور على الجهد

    أخــــــــــــــتوك

    حـــــــــــــــــــبايبنااا





    رد مع اقتباس  

  6. #16  
    مشكور اخ عمار على الجهد المبدول


    جزاك الله كل خير





    رد مع اقتباس  

  7. #17  
    المشاركات
    812
    الف الف شكر على جهودك اخوي


    فعلا قصص رائعة


    جزاك الله خيرا



    تقبل تقديري واحترامي.





    رد مع اقتباس  

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. القاب الانبياء
    بواسطة سمورة الامورة في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-Aug-2007, 04:10 PM
  2. من قصص الانبياء
    بواسطة معاك بجد في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-Jun-2007, 11:40 AM
  3. مع الانبياء
    بواسطة prince~~love في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 06-Jan-2007, 10:24 PM
  4. روماريو يعود إلى الريو
    بواسطة EnG.MiMo_755 في المنتدى كرة القدم المحلية و العربية و الاوربية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-Sep-2006, 02:24 PM
  5. قصص الانبياء
    بواسطة همسة وفاء في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-May-2006, 08:18 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •