بصائر من الأحداث
يستطيع من يتأمل في المشهد الحالي في العديد من الدول وما تمر به من أحداث تاريخية أن يميز بوضوح بين سمات الصادقين الراغبين والساعين في الإصلاح والنهضة (قبل الحدث وبعده)، وبين من يسبحون مع التيار ويدندنون حول حديث الساعة بما يتوافق مع مصالحهم وأغراضهم (في كل وقت وحين)، وبين فريق ثالث يميل إلى هذا تارة ويتوجس من ذاك تارة أخرى؛ لكنه - في كل الأحوال - يظل عائرا بين الجهتين حيران في الأرض متقوقعا حول هواجسه لا يحسن إلا التردد السالب!
فأما المصلحون الصادقون؛ فمن سماتهم التي تصدقها قراءة الواقع ومراجعة التاريخ:
ثبات مبدئهم، وقوة حجتهم، وسوابقهم المشهودة على مر السنين التي يعرفون بها في الشدة قبل الرخاء!
ومن سماتهم كذلك: انكبابهم على العمل المثمر المؤثر الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض أكثر من اعتلائهم منابر الكلام والدعاوى.
ومن سماتهم البارزة: قربهم من جماهير الناس وعامتهم؛ لما يحظون به من مصداقية وسوابق وعطاء.
وأما الفريق السابح مع التيار بشنشنة معروفة فجزء أساس من مشروعهم: نقد مشروع الآخر تمهيدا لنقضه!
وسمت بارز آخر: تغليب التشكيك والارتياب وسط النوازل والملمات؛ بألسنة مفوّهة طنّانة توهم السامع أنهم أهل بصيرة ونظر سديد!
ويساعدهم على ذلك: حرصهم على المنابر الإعلامية، خصوصا الأسرع انتشارا والأكثر تأثيرا؛ لتعوض قلة أتباعهم!
فيما يقبع الفريق الثالث في درب الحيرة؛ يرى: كل أمل شبحا، وكل صيحة عبثا، وكل صمت ضعفا؛ فلا هؤلاء موفقون، ولا هؤلاء صادقون، وكلهم - في زعمه - أصحاب مشارب مشبوهة، ومآرب دفينة!
وبين هذه الفئات الثلاث فئات ترتفع إلى هذه درجات، أو تهوي إلى تلك دركات؛ فتلحق بما يغلب عليها منها!
وهكذا تتضح ملامح المصلح الصادق في هذه النوازل وغيرها على مر التاريخ والأعصار:
فهو رجل عمل، ورجل عامة؛ يفعل الخير ولا ينتظر الشكر؛ ويلقي للناس الثمر وهو يتلقى الحجر تلو الحجر! ومع ذلك فهو عف اللسان عن خصومه، مشغول بقضاياه وهمومه.
كما تتضح ملامح السابح مع التيار؛ فهو رجل قول ومصلحة كامنة؛ أكثر من يتبعه إما رجل من شيعته، أو مغتر بقوله وسمته.
أما الثالث (السالب) فهو متربص؛ فإن كانت الحسنى فدعواه أنه ذو أناة وتريث وكان يتوقع هذه العاقبة لكنه آثر الصمت! وإن كانت الأخرى فهي انتصار آخر لصمته السالب الثاقب!
وفي كتاب ربنا جل وعلا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته، من ذكر أصناف الناس وتفاوتهم، في الرخاء والشدة، وعجائب النفوس والقلوب، بصائر تعين على مزيد تأمل وتفكر لمن أراد أن يذكّر!
فالناس: "كإبل مئة لا تجد فيها راحلة"؛ وهم يتفاوتون في الإيمان واليقين، والفهم والإدراك، والصدق والإخلاص، تفاوتا يبرز هذه الطوائف آنفة الذكر، وأخرى لا حصر لها {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} (الفرقان/20).
ولا معين في هذه الأحداث أفضل من الإقبال على كتاب الله وتدبره والاسترشاد بالمنهج الرباني وتأملات العلماء العاملين؛ في قراءة الواقع وتحليله؛ بشرط ألا يكون التأمل سالبا لا أثر له {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران/ 79).
fwhzv lk hgHp]he