♪♪♪
وتطلعت الى صورتها في مرآة خزانة الثياب فأذا بها تبدو كمتشردة صغيرة تعيش على الأحسان , فهل من الغرابة أن تتخذها راكيل فونسكا هدفا للتسلية وبعض العبارات المبطنة؟
فتحت الخزانة وأخرجت التنورة الخضراء والبلوزة ذات الكشكشة , وبينما كانت تغتسل وترتدي ثيابها تساءلت متى تصل ثيابها الجديدة من مدريد , كانت في البداية تتمنع في الموافقة على طلبها , أما الآن فهي مسرورة لأنه تم طلبها , وبما أن دون جوان وصي عليها فستضطر الى مقابلة أصدقائه وهو لا يرغب أن يحرج بسببها , ولا هي تريد أن تهينها فتيات لم يعرفن أبدا ما معنى أن تكون الفتاة يتيمة ثم خادمة تعمل من الفجر الى أن تأوي الى فراشها.
كان غداء بهيجا بالنسبة الى راكيل التي كانت خبيرة بكل الأساليب التي تفتن الأسباني , فيها دلال وغنج وتظاهر بالرزانة , وخيل لأيفين أن وصيها المترفع مسحور براكيل , كان يصغي اليها والأبتسامة على شفتيه , كما ضحك عندما وصفت الحفل الذي حضرته على ظهر يخت يملكه ميتادور مشهور.
" كانت أزرار قميصه ماسية , يا جوان , وقال أنه في المرة القادمة التي يزور فيها أشبيلية علي أن أراه وهو يصارع الثيران في الحلبة وقال سيقدم أليّ أذن الثور".
" يا للفظاعة!".
نطقت أيفين بالعبارة قبل أن تتمكن من حبسها , ثم تابعت:
" أقصد بالنسبة الى الثور , لا الأزرار الماسية".
نظرت اليها راكيل ببرود , وتركت شوكتها فوق طبقها المملوء بالحلوى , وقالت:
" من السخرية أن تظن البريطانية أننا قساة بسبب مصارعة الثيران , أليس صحيحا أن مواطنيك يذهبون للصيد بستراتهم الحمراء , وأعتقد أنهم يطاردون الثعلب أو الأيل؟".
" أنا أكره الصيد كذلك".
قالت أيفين ذلك وقد شحب وجهها , لأنها تذكرت صوت الأبواق في صباح ضبابي , وتذكرت موت أبيها في أصطبلات بيت ساندل الريفي , وتابعت:
" الذين يعتقدون أن الرياضة هي مهاجمة الطرائد وتمزيقها لا يشعرون بأي شيء سوى الأثارة من وراء قسوتهم , وأتمنى أن تحظر بلادي الصيد".
وتحدث دون جوان بهدوء مع شيء من الصرامة في صوته:
" أن مصارعة الثيران شيء مزر , لقد كنت أكره دائما حجب عيون أحصنة البيكادور ( الفارس الذي يهيّج الثور ويغرز الرماح في عنقه)".
" أنت تقول ذلك يا جوان لأن الحصان ".
وحسم جوان الموضوع قائلا:
" لن نناقش المسألة يا راكيل".
ولاحظت أيفين أنه أبتسم ولكن عينيه كانتا ساكنتين كالبحيرات التي قد تخفي أعماقها أشياء كثيرة غامضة , ثم غيّر الموضوع قائلا:
" ستكون هناك حفلة موسيقية في نادي هيدالغو , وأظن أن أيفين قد تستمتع بها".
ونظرت راكيل عبر المائدة الى أيفين وهي بثوبها الريفي وشعرها المضفر ورقبتها النحيلة العارية من الحلي , وأبرزت الفتاة الأسبانية حليها وقالت برزانة:
" أمتأكد يا جوان أن موسيقانا ستعجب الآنسة بلغريم؟ أنها تختلف عن موسيقى الغيتار الشعبية التي تسمعها في بلادها"
ونظر الى أيفين وسألها:
" هل أنت من عشاق الموسيقى الشعبية؟".
" في الواقع يا سيدي لم يكن لدي الوقت لأعرف , بين حين وآخر كانت هناك حفلات رقص في البيت وكان يتم أستئجار فرقة موسيقية للمناسبة , غير أن أصدقاء مخدومي لم يكونوا من أفراد المجتمعات الدولية".
وأبتسم , وفي لحظة محيرة بدا كما لو أنها نفدت الى عينيه السوداوين ووجدت فيهما وعدا بالعطف والملاطفة.
" أعتقد أننا نستطيع الأطمئنان يا راكيل أن أيفين لم تفقد بعد قيمها البريئة , وموسيقى عازف الغيتار مانريك كورتيز لن تشيع سدى".
وبدا وكأن قلب أيفين تخطى أحدى دقاته , أنها ستكون برفقة دون جوان عندما ترى ثانية الشاب الذي سمّاها فتاة الواحدة ( سوليداد ) , هذه الحفلة المتوعة ستكون مثيرة!
♪♪♪