[gdwl]
كنت منكبا على بعض الكتب أدرس في جد فالإمتحانات باتت على الأبواب وماهجرت وطني إلا للدراسة . توقفت للحظة وطالعت تلك الصورة التي وضعتها عمدا بين صفحات أحد الكتب . أمعنت النظر في تلك الصورة التي حفظت تفاصيلها عن ظهر قلب لفترة حتى بدأ النعاس يتسرب بين جفوني فوضعت رأسي على سطح مكتبي مستسلما .


"ياسيد الرجال" . أيقضني الصوت . رحت أتلفت يمنة ويسرة وذلك الصوت يعاود النداء . صوت مألوف وعبارة لازالت تسكن ذاكرتي في وضوح . راح شبح رجل طويل القامة رشيقها يتقدم نحوي في هدوء . ثوب أبيض مألوف . "أيعقل هذا؟" . قلتها متسائلا . وأنا أبحت في ذاك السراب . تقدم ذلك الرجل الشيخ مني حتى أنني لمحت إبتسامته المألوفة . وشيأ فشيأ بدت ملامحه واضحة . ذلك الوجه الوسيم والعينان الحانيتان . تلك الإبتسامة الوقور . تلك اللحية القصيرة ناصعة البياض . هذه الملامح . ماأشبهها بملامح شيخ الشهداء عمر المختار . تلك القامة . ماأشبهها بقامة صلاح الدين الأيوبي . إبتسم هو في حنان ومد يده ليدي قائلا "هيا لنمضي" . لعجبي إلتفت يدي دونما شعور وأمسكت بيده . وهو مازال مبتسما مضيفا "هيابنا ياسيد الرجال فالمغرب سيؤذن له قريبا" . لعجبي إصتفت أشجار البرتقال من حولي . وصفت السماء من فوقي تملأها زقزقة العصافير . خضرة ودفء غريب إنتشرت في المكان . ريح من مسك وجد طريقه لأنفاسي . ووجدتني أمشي بمحاذات الشيخ وهو يتكأ على عصاه بيمينه ممسكا بمسبحته التي لم تغاذره يوما . وبدأ فمي لعجبي بالكلام ليقص بطولاتي عن تحصلي على أعلى الدرجات في أحد المواد اللتي خلتني قد نسيت كنهها منذ سنين . ماكان من حديث بيني وبين رفاقي في المدرسة على ماأعتقد . شجار لي مع أخي رغم أني لم أره منذ سنتين . لعبة أريد أن أشتريها . إسم جواد أحلم بإمتلاكه . شهادة الدكتوراة . هلوسات رحت أنطق بها دون وعي . وذلك الشيخ يبتسم تارة ويقهقه تارة أخرى وهو يسير بجانبي في بطء . راحت قدماي تقودانني بلاإرشاد مني إلى ذلك البيت العتيق . مازال فمي يتكلم دون وعي مني . صوت حاد لطفل صغير يصدر منه دونما توقف . فجأة نطقت "كيف عدت" . إختلط ذلك الصوت الطفولي الفرح بصوت غليظ رصين . فتوقف الشيخ معتدلا و تلفت بإتجاهي مستطردا في حب"لقد كبرت ياولدي" ثم ربت على رأسي في حب مضيفا "كبرت وتغيرت يازيـــاد" . تعجبت أنا لقوله وأنا أتابعه يلتفت ناحية البيت العتيق وهو يضيف من جديد "ولكنك ستبقى سيد الرجال" و في بطأ غاذرت يداه الدافئتان يداي . أحسست بزمهرير الكون يعصف بي حينها . فجأة عصفت الدنيا وأمطار باردة هطلت في قوة لتضربني دون شفقة وأنا أصيح "إنتظر . أتتركني هكذا؟ . أتتركني وحيدا هنا؟" . إلتفت هو وذلك الظباب الكثيف يخفي ملامحه شيأ فشيأ إلا تلك البسمة الدافئة وهو يقول " أتخاف الوحدة ياسيد الرجال؟" .إبتسم ثم إلتفت وعاود المسير وسحب الضباب تخفيه عني في حزم . إنهرت أنا باكيا في وهن صائحا في حرقة " لاتذهب . أرجوك . لاتذهب" وما من مجيب


"زياد . زياد . إنهض يارجل . مابك؟" . فتحت عيناي في تهالك ووجه مألوف يقول "أتبكي؟ . مابك يارجل؟ . هل أنت بخير؟" . تلفتت حولي في إستغراب لأجد تلك الصورة مغرورقة بدموعي . هي صورة لي و جدي الحبيب اللذي شاء الله أن يتوفاه القدر وأنا بعيد عنه . هنا . في هذه البلاد الباردة . بعد أن غاذرته واعدا إياه بجلب رداء الدكتوراة له يوما ليكون أول مرتديه . رجل عظيم هو ذاك الرجل . رجل زرع في نبتة حلم . زرع في جذورا من طموح . اللهم أسألك أن تحيطه برحمتك وأن تسكنه في ظلك قرب الصديقين والصديقات .


شكرا أحبائي


rwi .dhvi lk hguhgl hgohv[n