قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وكذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته) متفق عليه.
وتأملي يا أختي في قوله صلوات الله وسلامه عليه: (كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته) كيف جعل هذه الذرية وأمثالها ممن استرعانا الله جل وعلا رعيّة؛ أي أنها تحتاج إلى راعية، فشأنها شأن الراعي الذي يحوطها بالحفظ والصيانة وينزلها أفضل المواقع الذي تكون فيه أسعد حالاً وعلى أتم صفة، فهذا هو شأن الراعي أنه حريص على رعيته، وأنت بحمد الله عز وجل يظهر منك هذا الخلق الكريم بكل جلاء وبكل وضوح، فالحمد لله الذي وفقك لهذا الفضل.
وأيضاً؛ فإنك ساعية في تربيتهم وتنشئتهم على طاعة الرحمن، ولا ريب أنك بهذا السعي تكونين قائمة بما أمر الله جل وعلا به من جهة وأيضاً مؤدية الأمانة، فإن هذه الذرية هي أمانة في العنق، فقد استرعى الله جل وعلا الأمانات لعباده وأمرهم أن يحفظوها؛ قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}. فكل طاعة الله جل وعلا أمانة، ولا ريب أن من أعظم هذه الأمانات هذه الذرية التي أولانا الله جل وعلا رعايتها والقيام عليها.
وأما ما أشرت إليه من أنك قد قمت بتعليم ولدك نصف جزء من القرآن ثم بعد ذلك لم تستطيعي أن تكملي المسيرة معه؛ فإن هذا يحتاج منك أن تراجعي سبب حصول هذا التأخير في تقدمه في حفظ كتاب الله عز وجل، لاسيما وأنك قد بدأت معه هذه البداية الحسنة منذ نعومة أظافره، وهذا لو نجحت فيه مع ولدك أحمد – حفظه الله تعالى ورعاه – فسوف تنجحين - بإذن الله جل وعلا – فيه مع باقي أولادك الأحبة الإكرام، فالذي يطلب منك الآن هو تنظيم الأوقات وذلك بأن تنظري كيفية ترتيب الوقت الذي يستطيع من خلاله (أحمد) أن يأخذ نصيبه من الدراسة في مدرسته وكذلك نصيبه من حفظ كتاب الله عز وجل، بل ومن أمور أخرى كتعلم بعض الأحكام التي تناسب سنه وعمره لاسيما ما يتعلق بأمور العقيدة، وكذلك شيئاً من تعليم كيفية الصلاة والوضوء لأنه في سن ينبغي أن يؤدب على الصلاة كما ثبت عن النبي - صلوات الله وسلامه عليه – أنه أمرنا أن نعلم أولادنا الصلاة لسبع وأن نضربهم عليها لعشر إذا تركوها وقصروا فيها، والحديث بذلك ثابت في سنن أبي داود.
والمقصود أن تبدئي بترتيب الأوقات، فإذا قدم ولدك – حفظه الله تعالى – من المدرسة مثلاً فليأخذ قسطه من الراحة وذلك بتناوله طعامه ثم بعد ذلك أخذه غفوة ينام فيها وهي القيلولة الحسنة التي تمده بالقوة حتى إذا استيقظ من نومة القيلولة شعر وكأنه استقبل يوماً جديداً، فحينئذ أول ما تبدئين معه هو أن يجلس ويحفظ شيئاً من كتاب الله عز وجل ولو كان ذلك بمقدار ساعة واحدة وأن تعوّديه على ذلك، وهذا قبل أن يبدأ بواجباته المدرسية، فإذا أعطيته ساعة كاملة في حفظ شيء من كتاب الله عز وجل فإنه سوف يحصل هذا المحفوظ ويضبطه ضبطاً جيدّاً لاسيما وأنك سوف تقومين بضبطه له، ثم بعد ذلك أن يكرره مدة حتى يستقر في ذهنه، هذا مع تخصيص وقتٍ من هذه الساعة لمراجعة محفوظه القديم، وبعد ذلك يرتاح ويأخذ راحة ويلعب مع إخوانه ثم بعد ذلك يقوم لحلّ واجباته المدرسية، ولا مانع من الإشراف عليه مع إعطاءه قدراً من الاعتماد على نفسه حتى لا يتعود ويتكل تماماً عليك، وبعد ذلك يكون قد تهيأ لطعام العشاء فيتناول طعامه ويجلس ما تيسر مع والديه وإخوته ثم ينصرف راشداً إلى نومه. فهذا نظام يومي يمكنك أن تقومي به وأن تنطلقي من أوقات الصلوات مرتبة أوقاته، هذا مع حثه على أداء الصلوات في أوقاتها وعدم التساهل في ذلك بحيث يتعود على أن يؤدي الصلاة في وقتها، وإن كان أبوه يذهب به إلى الصلاة في الجماعة فهذا هو الأكمل والأفضل، فإن عدم ذلك فليصلي في البيت ولتحثيه على ذلك ولتتابعيه في هذا الأمر.
وأما بالنسبة لـ (أيمن) و(أصيل) – حفظهما الله تعالى ورعاهما - فإنهما صغيران على تعلم الصلاة، ولكن لا مانع أن يؤديَا الصلاة وإن كان ذلك من باب الصورة والهيئة من باب التدريب والتعليم.
وأما عن تعليم (أصيل) – حفظها الله تعالى ورعاها - فهذا الآن لا يمكن نظراً لأنها في سن لا يمكن أن تحصل فيه الحفظ كما هو معلوم، فلتتركيها إذن تأخذ راحتها وطفولتها البريئة.
وأما ولدك (أيمن) – حفظه الله تعالى ورعاه – فينبغي أن تبدؤوا معه شيئاً فشيئاً وذلك بقصار السور كحفظ سورة الفلق والناس، فليبتدئ من آخر القرآن ثم ليرتقي بعد ذلك شيئاً فشيئاً، فلن يمر وقت طويل حتى تجدي - بحمد الله عز وجل - أنه قد حفظ نصف الجزء كما حفظه أخوه (أحمد)، لاسيما وأنك سوف تدعين أخيه يقرأ معه وتشجعيهم على ذلك بالهدايا كأن تقولي: إن من حفظ ربع حزب فسوف أقدم له هدية حسنة وإن حفظ نصف جزء فسوف أقيم له حفلة، ونحو هذه الأمور المشجعة التي تجعلهم أكثر إقبالاً على كتاب الله عز وجل؛ فهذا من حيث التعليم المنزلي.
وأما إن أمكن إلحاقه بمركز لتحفيظ كتاب الله عز وجل مع وجود شيخ متقن يعلمه مخارج الحروف والتجويد وبعض أحكامه، فهذا هو الأولى والأجدى في حقه، فإن تعذر ذلك فليس أقل من أن تعلميه بنحوٍ من هذه الطريقة التي أشرنا إليها، هذا مع تعليمه بعض الأمور الضرورية في عقيدته كتعليمه معنى الشهادتين وتعليمه التفريق بين الشرك وبين التوحيد وتعليمه كذلك تعظيم الرسول - صلوات الله وسلامه عليه – وطرف من أخباره الشريفة حتى يحب نبيه - صلوات الله وسلامه عليه – ويكون عارفاً بصفاته الكاملة الجليلة - صلوات الله وسلامه عليه – .
ومن ذلك أيضاً: ذكر الجنة أمامه وترغيبه فيها، وذكر ما أعده الله جل وعلا فيها لعباده المؤمنين بأسلوب شيّق يفهمه ويناسب عقله. ومن ذلك التحذير من المحرمات وبيان أن الله جل وعلا لا يرضى عن من يفعل تلك المحرمات مع ذكر أنواعها بأسلوب قريب يفهمه لاسيما الأمور التي يقع فيها الأطفال وقد لا يتجنبونها كالكذب وكالوقوع في الغيبة وكأذية الأطفال الآخرين، ونحو ذلك من الأمور التي تحتاجين إليها.
والمقصود هو أن تحرصي على تربية ولدك وأن تجعليه يجمع بين هذه الصفات، بين طلب العلم وبين التأدب بالأخلاق الفاضلة وبين حفظ كتاب الله عز وجل، فكل ذلك مطلوب. وبما أنك تحرصين على أن يكون ولدك إماماً عالماً ينفع هذه الأمة ويكون من أئمة المسلمين فلتوجهيه من صغره إلى حب تعلم العلوم الشرعية حتى إذا بلغ ونشأ ووصل إلى درجة التخصص استطاع أن يختار المجال الذي يناسب دراسة العلوم الشرعية حتى تريه قرة عينٍ - بإذن الله جل وعلا – وإماماً صالحاً من أئمة الدين، فهذا يحتاج إلى توجيه من البداية وترغيب وعناية بذلك، حتى إذا وصل إلى قدر يستطيع أن يطلب فيه العلم الشرعي وذلك بأن يطلبه على الأصول المعتبرة في ذلك فحينئذ يحتاج إلى نظام دراسي في داخل مدرسته وأيضاً خارج المدرسة وذلك أمر يحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه وليس هذا وقته، فنسأل الله عز وجل أن يجعلهم من رجالات الإسلام وأن ينشأوا على حب الله تعالى وحب رسوله - صلوات الله وسلامه عليه – وأن يجعلهم من أئمة الدين الذين قال تعالى فيهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}، والله يتولاك بحرمته ويرعاك بكرمه، ونسأل الله عز وجل أن يجعلهم من أئمة الهدى الصالحين وأن يقر عينك بهم.
'vr u]d]m jsu] fih hgh'thg 2013