رسالة من تحت التراب
أنا طفل فلسطيني
ازددت في غزة
سني بضعة أعوام
قُتلتُ بضعة أيام
لا أذكر شيئا كثيرا عن حياتي
ولا أفهم شيئا كثيرا عن وفاتي
كل ما أذكر هو بيتنا العتيق
و عن جنود غرباء مجهولون
يتربصون من أعلى الطريق
و دبابات تدوس القمح و الزيتون
تنفث النار والحقد العميق
كل ما أذكر هو أبي المسكين
حين يعود من الطابور الطويل
فارغ اليدين دون خبز و لا طحين
فنأكل من الأمس فتاته القليل
نمسح دمع أبي و نقبّل الجبين
كل ما أذكره هي أمي الأميرة
و هي تحكي لنا كل مساء
حكايات شهرزاد الأسيرة
حتى ننام قبل حضور حساء
لا يوجد أصلا
إلاّ في مخيلتنا الصغيرة
أنا طفل لم أنهل من رضّاعات سياسية
حتى أفهم ما هو الحصار
و لم ألعب يوما بمسدسات بلاستيكية
حتى أفهم ما هو الدمار
و لم أعرف حتى ما هي الكراهية
حتى أُغتال بالنار
ذنبي أني وُلدت في عالم بلا إنسانية
يحْكمه بيت يُقال أنه "أبيض"
بجواره تمثال يُقال "للحرية"
و حصان في الشرق حبيس المرْبض
يُسمونه مجازا "جامعة عربية"
أنا طفل فلسطيني من غزة
و حكايتي كانت نسْياً منْسيا
و حين قُتلتُ في بلاد العِزة
تداولتني الفضائيات حصريا
كأن وجودي من قبل دون إوزة
و موتي اليوم سبقاً صحافيا
فياحسرتي عليكم معشر العربْ
و يا أسفي على الشرف و الذمّة