معارضاً
اعجبت بهذا المقال وانا اتصفح الانترنت واردت ان انقله اليكم انقلاب الحال
بقلم / علي الصراف
وانا انظر لعراق السبعينات والثمانيات من هذا المرتفع الزمني، أدرك انك كنت تعمّر شاهقا. كانت لديك رؤية خارقة لما يجب ان يكون عليه عراق المستقبل. أشعر انك كنت عراقيا أكثر من ملايين العراقيين. قسوة نظامك حالت دون ان نرى ما كنت تراه، ربما، ولكنك كنت تمضى قدما.
الكتابة اليك، فى أى وقت آخر، كان يمكن ان تكون موضوعا لسوء الفهم. ولكن بما انك سجين، فما من احد يستطيع اتهامى بالسعى للحصول على "كابون نفط" ولا على سيارة مرسيدس من تلك التى كنت تشحنها لكل كويتي يمتدحك.
فى الواقع، عندما كانت تنهال عليك المدائح وقصائد الشعر والاغانى والاهازيج، وعندما كانت طلعتك تشكل بمفردها مناسبة للبهجة والاحتفال، كنت واحدا من معارضيك. وكنت لا استهين بسياساتك القمعية وحدها، ولكنى كنت أسخر حتى من اللغة الملتوية التى تستخدمها للتعبير عن أفكارك والتى كان "المثقفون" العراقيون من موظفيك يعتبرونها قمة العبقرية. كل شيء فيك كان يثير حفيظتى وخوفي. كنت أرى السلطة، لا المشروع. الغطرسة لا المعني. الفرد لا المجموع، وبطبيعة الحال. القسوة والعنف لا العنفوان والقوة. وإذ جعلت الفاصل بين العراق وبينك صعباً، فقد زادت الهوة حتى صرتُ، كالكثيرين، مغتربا قبل أن أهرب لابحث عن وطن آخر أقل وحشية.
لقد غادرتُ العراق منذ ان اصبحتَ رئيساً. كنت أقول، ممازحا، ان هذا البلد لا يمكنه ان يتحملنا معاً. فإما أنا وإما أنت. وكنت ما أزال شابا، فيه من الحماقة اكثر مما فيه من النضج. وفيه من الجهل أكثر مما فيه من المعرفة. وبطبيعة الحال، فقد كنت أقول ". ومن أنت؟"
الآن فقط، أشعر كم ان كلاما مثل هذا، قاس ومروع. والآن أقول بخجل ".ومن أنا؟".
كان نظامك فى نظرى وحشيا فى عنفه، بل وذا طبيعة نازية أيضا، اذا اخذت بعين الاعتبار شموليته وسطحيته وتعاليه. ما من طبع من "طبائع الاستبداد" إلا وكان ظاهراً فى ظل سلطتك. وبالحشد الهائل من أنصاف الأميين الذين كانوا يلتفون حولك، فقد كان من المستحيل حتى على الأشياء الحسنة التى فعلتها، وهى ليست قليلة، ان تحتفظ بقيمت ها او ان تتحول الى شيء يمكن البناء عليه.
سهلٌ جدا القول، ان هؤلاء كانوا هم السبب فى تحويلك الى فرعون متجبر، أو انهم هم الذين يتحملون جملة الاخطاء التى ارتكبت فى هذا الشأن او ذاك. ولكن ذلك لا يعفيك أبدا من المسؤولية عنهم. فقد كنت أنت نفسك تفترض ان "أهل الولاء" يجب ان يكونوا أقرب اليك من "أهل الخبرة". ولا شك لدى بانك تعرف جيدا الآن، بأن غباء وتهافت "أهل الولاء" هو آخر ما يفيد لحفظ سلطة او لتحقيق أى هدف. انهم مثل العسل المسموم، لذيذ فى مذاقه، مدمر فى عواقبه. فى حين كان يمكن لـ"أهل الخبرة" ان يكونوا مثل العلقم الشافي، قد يقولون كلاما مُرا ولكن نقدهم يبني.
بيد اني، وانا انظر لعراق السبعينات والثمانيات من هذا المرتفع الزمني، أدرك انك كنت تعمّر شاهقا. كانت لديك رؤية خارقة لما يجب ان يكون عليه عراق المستقبل. أشعر انك كنت عراقيا أكثر من ملايين العراقيين. قسوة نظامك حالت دون ان نرى ما كنت تراه، ربما، ولكنك كنت تمضى قدما.
عندما كانت قواتك تضطهد الأكراد، حملتُ السلاح لأقف الى جانبهم. لحسن الحظ، كان سلاحى الرئيسى هو قلمي. اما سلاحى الآخر "مسدس ذو سبع طلقات"، فقد كان ابعد ما يكون عن ان يش كل خطرا على أى احد، أكثر من خطره على نفسي. كنت اريد ان استخدمه للانتحار، لكى أتحاشى الوقوع بين أيدى اجهزة مخابراتك. وبما انى كنت ضحية تعذيب سابقة على يد احدى تلك الاجهزة، فقد كنت، وما ازال أدرك، ان الموت أرحم مائة مرة من التعذيب. وكنت كثيرا ما أسأل:
هل كان من الضرورى ان تكون قاسيا الى تلك الدرجة؟
هل كان يجب التضحية بكل أولئك البشر لكى تقيم عراقا آخر موجوداً فى مخيلتك؟
هل كان من الصحيح ان تقيم نظاما شموليّا يعدّ على الناس أنفاسهم؟
كلنا يمكن ان نتفلسف فى تقديم الأجوبة. وأجوبتنا غالبا ما تكون قاطعة وحاسمة.
اليوم، ومن مرتفع الخراب الذى يحل بالعراق، فما من جواب يصلح ان يكون جوابا.
الشك، والحيرة المليئة بمشاعر الخزي، هى جوابى الوحيد.
ربما كنا نستحق كل ما كنت تفعل.
عندما تنظر اليوم الى اللصوص الذين ورثوا سلطتك، والخونة الذين امتطوا دبابات الغزو ليركبوا على ظهر العراق، والطائفيين الذين يقتلون الناس بالجملة، والمجرمين الذين يمارسون أعمال التعذيب، ألا يخطر لك ان تسأل من أى "سبتيتنك" "بالوعة" خرج كل هؤلاء الوحوش والمشوهون؟
ثم، ألا يخطر لكل معارض ذى ضمير ان يسأل، من أ ى خزى جاء كل هؤلاء النصابون؛ من أى غابة خرجوا، لينهبوا ويدمروا ما كان يفترض انه بلدهم؟
وهل بقى أى شرف فى القول "انى كنت معارضا".
أنظر اليهم، وسترى انهم العار مجلجلا بعينه.
يا سيدي، يستطيع أى منا ان يقول ان الدكتاتورية لا تبنى وطنا. ومجتمع الدكتاتورية هو بطبيعته خراب يغمره العفن. ووحدته الزائفة ليست سوى غطاء مهلهل لشروخ وتمزقات وتشوهات انسانية وأخلاقية لا سبيل الى حصرها.
انت مسؤول عن الكثير مما آل اليه حالنا.
ولكن، فى غمرة الشك، ربما كان من الجائز ان نسأل عما اذا كان العراقيون انفسهم أقل أهلية ليكونوا بمستوى الرقى الذى كنا نزعم اننا نأتى منه.
الوحشية ربما كانت وحشية العراقيين انفسهم أيضا. أخلاقياتهم وقيمهم المزيفة ربما كانت هى نفسها السبب فى ان تجعلك ديكتاتورا. وإلا فما الذى يجعلهم اليوم، مثل الذئاب ينهشون لحم بعضهم بعضا. وكيف يجوز لهم التواطؤ مع مجرمين وخونة ولصوص، ليس لتغيير نظام بل لسحق العراق برمته وتمزيقه وتدميره. أتراهم "وطنيون" بأى معنى من المعاني؟ هل لديهم شرف أصلا؟
منذ متى أصبح الشيعى يقتل السني؟ كيف، وثلاثة أرباع الزيجات بينهم مختلطة؟
أهذا عراق أم مزبلة؟
الكثير من العراقيين يستطيعون ان يروا اليوم ان نظامك "الدكتاتورى جدا" استطاع فى غضون ستة أشهر بعد انتهاء الحرب مع ايران ان يعيد بناء كل ما تهدم من البنية التحتية، وربما بالقليل جدا من التكلفة. بل ان اعمال الاعمار والتنمية لم تتوقف أصلا.
أنظر الى مرحلة "ما بعد الدكتاتورية"، فماذا ستري؟
عشرات المليارات من الدولارات من اموال النفط التى احتجزتها الأمم المتحدة ضاعت بين اللصوص واحزاب الاحتلال وشركاته. وما من شيء يعمل. عراق الجعفرى والحكيم والجلبى وعلاوى والطالبانى والبارزانى وصولاغ وخرازادة ليس سوى مرآة لانحطاط ثقافتهم ومستواهم الأخلاقى المتدني. لقد صنعوا بلدا يشبههم تماما؛ بلدا أسوأ من أسوأ برميل قمامة؛ بلدَ لصوص ومجرمين وقتلة، لانه الوحيد الذى يسمح لهم بالثراء، والوحيد الذى يمنحهم الفرصة لتقاسم حصص النفوذ والسلطة، ولانه الوحيد الذى يجعل دناءتهم وخستهم شيئا يتوافق مع اخلاقيات الديمقراطية كما يتصورها نازيو البيت الأبيض. ولأنهم كثر، فقد كان من المناسب ان يتحول كل منهم الى تاجر حرب، او تاجر ديمقراطية "لا فرق" وان يجلس كل واحد منهم على تلته الخاصة ليرى من خلا لها نفسه "زعيما" و"قائدا" و"مرشحا" لجميع المناصب الممكنة وغير الممكنة.
فى وقت من الأوقات، اشتهر العراقيون بسحل المعارضين.
كان ذلك تعبيرا عن وحشية خالصة. ويستطيع المرء ان يفهم من اين جاءت دكتاتوريتك بفظائعها الجليلة.
ولكن بالشك نفسه، وبمشاعر الخزى المحيرة، صار يحسن التساؤل: هل يكفى السحل لطيّ صفحة العار الذى يمثله هؤلاء؟ أم هل يكون من الأفضل استخدام أسلحة كيميائية؟
دكتاتوريتك ربما كانت مشكلة لبعضنا، ولكنها لم تكن هى المشكلة بالنسبة لصهاينة واشنطن ولندن.
فى الواقع، لم يفعل أولئك الصهاينة شيئا أكثر من دعم الدكتاتوريات. على طول الخط.
هل هو النفط إذن؟
المسألة تقبل الجدل. الهيمنة على ثانى أكبر احتياطى للنفط فى العالم، إغراء استراتيجى كاف. وبالنسبة لشركات لصوصية ونهب يشرف عليها مسؤولون كبار فى الادارة الامريكية، فان شيئا من ذلك الاغراء الاستراتيجى كان إغراءً على المستوى الفردى أيضا.
ولكن النفط مبذول . وفى النهاية، فانه سلعة للبيع. وشراؤها، والتحكم بأسعارها، ممكن باحتلال أو من دونه.
المشكلة الحقيقية هى انك كنت تريد ان تحوّل العراق الى قوة إقليمية. قوة تقف شوكة فى خصر اسرائيل. قوة ردع نووية مستقلة. قوة لا يعود بوسع الولايات المتحدة او بريطانيا ان تمارس ضدها سياسات "البلطجة" التقليدية.
قوة كهذه، فى موقع العراق الجغرافي، كانت ستعنى الكثير جدا بالنسبة لاستراتيجيات الهيمنة الغربية، والكثير جدا بالنسبة لتطلعات اسرائيل الاقتصادية فى المنطقة ولنظرتها الخاصة لعملية السلام، بل ولوجودها نفسه.
لم تكن دكتاتوريتك هى المشكلة، ولا انتهاكات نظامك لحقوق الانسان، بل أسلحتك للدمار الشامل.
كنت تريد ان تبنى وطنا قويا وأمة حرة. وكنت تطالبنا بالولاء الأعمي، لانك كنت تنظر الينا ليس من حيث نقف، بل من حيث ترى نفسك فى أعلى نقطة.
نحن لم نر. ولكنهم كانوا يرون، وكانت فرائصهم ترتعد من المستقبل الذى تقترحه على هيمنتهم وغطرستهم واحتلالهم.
الآن، نستطيع ان ندرك، أنت وأنا، لماذا جلبوا لصوصا وإمعات ليحكموا العراق بعدك، ولماذا أشاعوا الخراب فى كل جزء من أجزائه، ولماذا يغتالون علماءه واساتذته وخبراءه، ولماذا أحرقوا المكتبة الوطنية ونهبوا المتحف الوطني، ولماذا دمروا بنية البلد التحتية ولم يعيدوا إعمارها، ولماذا مزقوا بين العراقيين على أسس طائفية وعرقية ، ولماذا نهبوا أمواله وثرواته، ولماذا يزمعون دفعه الى هاوية حرب أهلية، ولماذا يرفضون الانسحاب قبل "يكملوا المهمة"؟
سيدى الرئيس، لقد أخطأت كثيراً وأصبت كثيراً. ولكنك كنت دكتاتورا رائعاً. أما أنا، فقد كنت على خطأ دائماً.
وأنا أعتذر.
أعتذر وأبكى من مقلتى دماً على عراق ضاع كما لم يَضع بلد
luhvqhW pk gg];jhj,vdm !!!!!!!!!!!!!!