فقالت الفتاة بنبرة جادة: لقد بحثت عن السعادة في كل شيء فما وجدتها!
لقد كنت ألبس أفخر الملابس وأفخمها من أرقى بيوت الأزياء العالمية ظنا مني أن السعادة ستحصل حين تشير إلى ملابسي فلانة أو تمدحها وتثني عليها فلانة أو تتابعني نظرات الإعجاب من فلانة لكنني سرعان ما اكتشفت الحقيقة الأليمة إنها سعادة زائفة وهمية لا تبقى إلا ساعة بل أقل ثم يصبح ذلك الفستان الجديد الذي كنت أظن السعادة فيه مثل سائر ملابسي القديمة ويعود الهم والضيق والمرارة إلى نفسي وأشعر بالفراغ والوحدة تحاصرني من كل جانب ولو كان حولي مئات الزميلات والصديقات!!
ظننت السعادة في الرحلات والسفر والتنقل من بلد لآخر ومن شاطئ لآخر ومن فندق لفندق فكنت أسافر مع والدي وعائلتي لنطوف العالم في الإجازات ولكني كنت أعود من كل رحلة وقد ازداد همي وضيقي وازدادت الوحشة التي أشعر بها تجتاح كياني
وظننت السعادة في الغناء والموسيقى فكنت أشتري أغلب ألبومات الأغاني العربية والغربية التي تطرح إلى الأسواق فور نزولها وأقضي الساعات الطوال في غرفتي في سماعها والرقص على أنغامها طمعا في تذوق معنى السعادة الحقيقية ورغبة في إشباع الجوع النفسي الذي أشعر به وظنا مني أن السعادة في الغناء والرقص والتمايل مع الأنغام ولكنني اكتشفت أنها سعادة وهمية لا تمكث إلا دقائق معدودة أثناء الأغنية ثم بعد الانتهاء منها يزداد همي وتشتعل نار غريبة في داخلي وتنقبض نفسي أكثر وأكثر فعمدت إلى كل تلك الأشرطة فأحرقتها بالنار عسى أن تطفئ النار التي بداخلي
وظننت أن السعادة في مشاهدة المسلسلات والأفلام والتنقل بين الفضائيات فعكفت على أكثر من ثلاثين قناة أتنقل بينها طوال يومي وكنت أركز على المسلسلات والأفلام الكوميدية المضحكة ظنا مني أن السعادة هي في الضحك والفرفشة والمرح
وبالفعل كنت أضحك كثيرا وأنا أشاهدها وأنتقل من قناة لأخرى لكنني في الحقيقة كنت وأنا أضحك بفمي أنزف وأتألم من أعماق قلبي وكلما ازددت ضحكا وفرفشة ازداد النزيف الروحي
وتعمقت الجراح في داخلي وحاصرتني الهموم والآلام النفسية
وسمعت من بعض الزميلات أن السعادة في أن ارتبط مع شاب وسيم أنيق يبادلني كلمات الغرام ويبثني عبارات العشق والهيام ويتغزل بمحاسني كل ليلة عبر الهاتف وسلكت هذا الطريق وأخذت أتنقل من شاب لآخر بحثا عن السعادة والراحة النفسية ومع ذلك لم أشعر بطعم السعادة الحقيقية بل بالعكس مع انتهاء كل مقابلة أو مكالمة هاتفية أشعر بالقلق والاضطراب يسيطر على روحي وأشعر بنار المعصية تشتعل في داخلي وأدخل في دوامة من التفكير المضني والشرود الدائم وأشعر بالخوف من المستقبل المجهول يملأ علي كياني فكأنني في حقيقة الأمر هربت من جحيم إلى جحيم أبشع منه وأشنع
سكتت الفتاة قليلا ثم تابعت قائلة: ولذلك لا بد أن تفهموا وتعرفوا نفسية ودوافع أولئك الفتيات اللاتي ترونهن في الأسواق وهن يستعرضن بملابسهن المثيرة ويغازلن ويعاكسن ويتضاحكن بصوت مرتفع ويعرضن لحومهن ومحاسنهن ومفاتنهن للذئاب الجائعة العاوية من الشباب التافهين إنهن في الحقيقة ضحايا ولسن مجرمات إنهن في الحقيقة مقتولات لا قاتلات إنهن ضحايا الظلم العائلي إنهن حصاد القسوة والإهمال العاطفي من الوالدين إنهن نتائج التفكك الأسري والجفاف الإيماني إن كل واحدة منهن تحمل في داخلها مأساة مؤلمة دامية هي التي دفعتها إلى مثل هذه التصرفات الحمقاء وهي التي قادتها إلى أن تعرض نفسها على الذئاب المفترسة التي تملأ الأسواق والشوارع وإن الغريزة الشهوانية الجنسية لا يمكن أن تكون لوحدها هي الدافع للفتاة المسلمة لكي تعرض لحمها وجسدها في الأسواق وتبتذل وتهين نفسها بالتقاط رقم فلان وتبيع كرامتها بالركوب في السيارة مع فلان وتهدر شرفها بالخلوة مع فلان
فبادرها ( محمد ) قائلا: ولكن يبرز هنا سؤال مهم جدا، وهو: هل مرورها بأزمة نفسية ومأساة عائلية يبرر لها ويسوغ لها أن تعصي ربها تعالى وتبيع عفافها وتتخلى عن شرفها وطهرها وتعرض نفسها لشياطين الإنس هل هذا هو الحل المناسب لمشكلتها ومأساتها هل هذا سيغير من واقعها المرير المؤلم شيئا
فأجابت الفتاة: أنا أعترف بأنه لن يغير شيئا من واقعها المرير المؤلم بل سيزيد الأمر سوءا ومرارة وليس مقصودي الدفاع عن أولئك الفتيات إنما مقصودي إذا رأيتموهن فارحموهن وأشفقوا عليهن وادعوا لهن بالهداية ووجهوهن فإنهن تائهات حائرات يحسبن أن هذا هو الطريق الموصل للسعادة التي يبحثن عنها
سكتت الفتاة قليلا ثم تابعت قائلة: لقد أصبحت أشك هل هناك سعادة حقيقية في هذه الدنيا؟!! وإذا كانت موجودة بالفعل فأين هي؟!! وما هو الطريق الموصل إليها فقد مَلِلت من هذه الحياة الرتيبة الكئيبة
فقال لها الشيخ ( محمد ): أختاه لقد أخطأتِ طريق السعادة ولقد سلكتِ سبيلا غير سبيلها فاسمعي مني لتعرفي طريق السعادة الحقة!!
إن السعادة الحقيقية أن تلجأي إلى الله تعالى وتتضرعي له وتنكسري بين يديه وتقومي لمناجاته في ظلام الليل ليطرد عنك الهموم والغموم ويداوي جراحك ويفيض على قلبك السكينة والانشراح
أختاه: إذا أردتِ السعادة فاقرعي أبواب السماء بالليل والنهار بدلا من قرع أرقام الهاتف على أولئك الشباب التافهين الغافلين الضائعين
صدقيني يا أختاه إن الناس كلهم لن يفهموك ولن يقدروا ظروفك ولن يفهموا أحاسيسك وحين تلجأين إليهم فمنهم من يشمت بك أو يسخر من أفكارك ومنهم من يحاول استغلالك لأغراضه ومآربه الشخصية الخسيسة ومنهم من يرغب في مساعدتك ولكنه لا يملك لكِ نفعا ولا ضرا
أختاه: إنكِ لن تجدي دواء لمرضك النفسي لعطشك وجوعك الداخلي إلا بالبكاء بين يدي الله تعالى ولن تشعري بالسكينة والطمأنينة والراحة إلا وأنتِ واقفة بين يديه تناجينه وتسكبين عبراتك الساخنة وتطلقين زفراتك المحترقة على أيام الغفلة الماضية
قالت الفتاة والعبرة تخنقها: لقد فكرت في ذلك كثيرا ولكن الخجل من الله والحياء من ذنوبي وتقصيري يمنعني من ذلك إذ كيف ألجأ إلى الله وأطلب منه المعونة والتيسير وأنا مقصرة في طاعته مبارزة له بالذنوب والمعاصي