[align=center] [/align]
|
المووت, رائحة
(رائحة الموت قصة قصيرة من السعودية)
رائحة الموت:
تشبث الصغير باكيا بثياب أبيه وهو يغادر منزله الريفي المتواضع إلى البلدة ، وما كان الأب يحب أكثر من اصطحابه معه حيثما ولى وجهه ولكن هذه المرة الأمر مختلف تماما ، والصغير حتما لا يدرك مغبة الخروج من البيت في مثل هذه الأيام التي تتناثر فيه أشلاء الرجال والنساء والأطفال وتجثو على البلدة غمامة دخان سوداء .
كم كان الأب يتألم وهو يصفع صغيره على وجهه ليضع حدا لبكائه وعويله الذي خشي من أن يضعف أمامه ، ولكن أفضل أن يبكي هو للحظة على أن أبكيه أنا مدى الحياة .
تمتم الأب بها وخرج مهرولا وكأنه يريد الابتعاد عن ذلك الصوت المخنوق الذي يصدره الصغير ، ولكن سرعان ما ابتعد عن المنزل وعاد ليثقل خطاه ربما ما كان يجدر بي أن أصفعه
شبك كفيه خلف ظهره وراح يسير صوب البلدة وهو يسترجع كل ذلك الحوار الذي دار بينه وبين أحد الرجال صبيحة هذا اليوم
ترى ما الذي سيحدث الليلة ,,, ؟
هل سيستمرون في إطلاق النار ؟
لا أظن فالعالم كله يستنكر ويشجب كل تلك الممارسات
يستنكر … تذكر أنه وقتها ضحك بشكل أحس معه أن صاحبه لم يخف امتعاضه واستيائه ، وتذكر أنه عاد ليلطف الموقف بقوله :
لا أشك أن هذه الإدانة الدولية والاستنكار العالمي تعني الكثير ولكنها لم توقف كل حمامات الدماء التي يغذيها شعبنا الأعزل
الأعزل ……… ؟
ما هذا الهراء … ؟
من قال لك أن شعبنا أعزل ؟
وأين ذهبت الحجارة ,, ؟ توقف عن السير فجأة وهو ينظر تحت قدميه ,,, :
يا إلهي ما كل هذه الحجارة ؟
أطرق لحظة وعاد يجول بنظره أرجاء المكان ويلوح له في الأفق دخان كثيف ، بدا له كعمود يصل الأرض بالسماء ليسهل على الناس أن يتسلقوه سريعا إلى بارئهم …
بدت أصابعه ترتعش عندما تذكر كل تلك الصور التي شاهدها خلال حياته ,, تذكر أناسا تطايرت رؤوسهم تذكر أيدي ، وأرجل ,, في كل مكان ,, تذكر نحيب الثكالى والأرامل تذكر أخاه الأكبر عندما ابتلعه حجر تذكر يومها أنه لم يقذف بيده حجرا ولم يجرؤ على ذلك طيلة حياته وكان يقف مشدوها أمام أولئك الصغار الذين تستحيل أيديهم الصغيرة إلى راجمات تصب جام غضبها على العدو فيرد عليهم العدو بكتل من نار ودخان لا تزيدهم إلا إقداما
أحس في هذه اللحظة بضعفي وعجزي
أحس في هذه اللحظة أنني لا أقدر على أن ألتقط ذلك الحجر الصغير الذي تحت قدمي لأرى مدى قوتي في إيصاله إلى ذلك المستنقع القريب
انتابته لحظة بكاء ولكنه تجرع غصته وراح يفرك ذراعيه ليبث فيهما بعض الدفء ولم يفق من هذا كله إلا عندما أحس حركة خلفه ,,
ولكنه لم يجرؤ على الالتفات بدأ الصوت يقترب ,, :
إنها خطوات سرعان ما توقفت خلفه ولكنه لم يلتفت إلا عندما ذلك الصوت الذي يعرفه جيدا ويألف كل نبراته إلى درجة أن قلبه كاد أن يقفز من مكانه
أبي … !
محمد …… ؟
هل جننت يا محمد ؟
كيف تجرؤ على قطع كل هذه المسافة وحيدا ؟
هل تعلم أمك ؟
هل تعصي أوامري … ؟
قطب حاجبيه غاضبا وكاد أن ينقض عليه لولا تلك النظرة البريئة العذبة التي مسح بها محمد وجهه الوديع وهو ينظر إلى أبيه . فلم يستطع الأب حراكا من مكانه بل أنه جثا على ركبتيه وفتح ذراعيه ورسم ابتسامته الشاحبة لينطلق الصغير بين ذراعيه .
لم يعلم الأب كم بقي محمد بين ذراعيه ولكنه دس أنفه في عنق الصغير وراح يقبله وكأنه يعتذر عن تلك الصفعة التي لا يعلم كيف استطاعت كفه أن تفعلها .
انتصب الأب قائما وأمسك بكف الصغير وراحا يعدوان وكأنهما في سباق وضحكاتهما تشق هدوء المكان .
كل ركن في البلدة تفوح منه رائحة الموت رائحة تعود أنفه عليها ولكن شيئا ما هذه المرة يخيفه . ربما لأن صغيره يرافقه عاد ليضغط على كف الصغير وكأنه يقبض عليه خوفا من أن يسلب منه حاول الأب أن يظهر أمام محمد رباطة جأش مصطنعة تفضحها عيناه وكثرة تلفته خلفه
كان الهدوء يعم المكان إلا من بعض أعمدة دخان تنبعث من إطارات على جانبي الطريق .
الجميع في حالة انتظار ,,, هناك تقف سيارات كثيرة لها لون الأرض التي سلبت …
جنود في كل مكان كلهم يحملون الموت بأيديهم متاريس أسلاك شائكة
ليتني بقيت في القرية هذا اليوم
في الجانب الآخر فتيان يتجمعون كل شيء ينذر بانفجار قريب يحث الأب خطاه فلا يجاريه الصغير :
هيا يا محمد أسرع فقد تأخرنا عن عملنا يجب أن نعود سريعا قبل حدوث شيء .
يخرج أحدهم ليلقي زجاجة على الجنود أشعلت النار تحتهم تلتها صيحات حجارة كثيرة تعبر الأفق يسرع الأب عله يجد ملاذا من هذا كله ولكن الجنود ما لبثوا أن فتحوا النار على الجانب الآخر …
تعالت أصوات الأعيرة النارية قنابل دخانية
أدرك الأب أثناء كل هذا أنه لن ينجو هذه المرة ,, يرتمي مع صغيرة خلف كتلة خرسانية قد تحميه ومحمد من الجحيم الذي يحرق المكان …
يرفع يديه متوسلا أن يتركوهما وشأنهما فهم يعرفون أنهما لم يكونا معهم ولكن أزيز الرصاص يصم الآذان يبكي الصغير وينزوي خلف أبيه محتميا به
تعالت الأصوات الطفل … الطفل …
يزداد القصف وسحب الدخان تملأ المكان
يمد الأب يده خلف ظهره عله يحمي صغيره ولكن من يقدر على قهر الموت المتناثر في كل مكان .
تمنى في هذه اللحظة لو أنه حمل حجرا يفجر به كل تلك السنين التي أضاعها وهو يلتحف بخوفه تمنى لو أنه يفتدي صغيره بكل تلك الرعشة التي انتابت يديه عندما هم بالتقاط حجر .
تمنى لو أنه لا يفيق بعد هذا كله فلا يجد صغيره .
بكى ومحمد أيضا بكى وكل من رآهما بكى وأخال تلك الصماء التي احتميا بها كانت تبكي وهما يلوذان بها .
كل هذا والصغير يصرخ بأبيه وصوت الرصاص يصم الآذان
وفجأة تهدأ كل تلك الأصوات مع آخر صيحة أطلقها محمد وآخر رصاصة لفظتها بندقية من يحمل بيمينه الموت وبصدره كل حقد الدنيا الذي لم يرحم بكاء محمد …vhzpm hgl,,j
[align=center] [/align]
التعديل الأخير تم بواسطة جنات الخير ; 12-Aug-2006 الساعة 10:31 PM
بارك الله فيك
الف شكر ليك جنات
بارك الله فيك اختى
مشكوره
« معلومة جميلة عن الطواف | لو ان العمر لحظات فأي لحظه ستختار » |
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع |