خطورة الشرك
عباد الله: إنها قضية عظيمة حري بنا أن نتفحص أنفسنا بها، وأن نحاسب أنفسنا أين نحن من توحيد الله؟ أين نحن من الإيمان بالله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] لما نزلت هذه الآية قال الصحابة: (وأينا لم يظلم نفسه يا رسول الله! قال: ليس هو الذي تذهبون إليه، ألم تسمعوا إلى قول الله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ) هذا هو الظلم الذي لا يقبل الله به صرفاً ولا عدلاً، لو أتيته بقراب الأرض ذهباً وفضة وافتديت به لله لا يقبل الله ذلك؛ لأن الله كتب أنه من أشرك به فقد أحبط عمله.
التوحيد -يا عباد الله- هو أن تصرف جميع أنواع العبادة لله.
ومن الشرك ما يكون أصغر لا يخرج صاحبه من الملة، لكن صاحبه قد يقع في الشرك الأكبر وهو لا يدري، ومن الشرك الأصغر: الرياء، وهو أن تصلي لله -مثلاً- ولكن تريد مع الله غيره، فإذا جئت إلى المسجد وعلمت أن من الناس من ينظر إليك حسنت الصلاة، وأطلتها وجملتها؛ هذا من الشرك بالله، لا يقبله الله جل وعلا، وإن كان أصغر لكنه ربما يؤدي بك إلى الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة، أو إذا رأى بعض الناس جلوساً أخرج من جيبه مالاً ليتصدق، كأنه يقول: انظروا إليَّ، فهذا لم يعبد الله في هذه العبادة، بل عبد غير الله جل وعلا، فلنحذر من الرياء يا عباد الله! الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:6-7] توعدهم الله بالويل.
أعلى الصفحة
أهمية تعلم التوحيد
عباد الله! لنسلَم توحيدنا من الشرك، ونخلَصه من الكفر، وكل منا يتعلم التوحيد، ولا يظن أحدنا أنه سيظل على الفطرة إلى أن يموت، انظروا في الناس لتعلموا أن من الناس من إذا مرض أو افتقر لا يلتجئ إلى الله، وإذا أصابته مصيبة توجه إلى غير الله ودعا غيره، لنعلم أن بعض الناس وإن ادعى الإيمان فإنه مشرك بالله جل وعلا.
أقول: إن هذه القضية على خطورتها يجهلها كثير من الناس، وإن كان البعض يظن أنها معلومة، ولكن الله عز وجل لعله عافاه، فإن كثيراً من المسلمين في هذا الزمان -ونحمد الله أن سلم مجتمعاتنا- يجهلون التوحيد، يظن أن التوحيد هو شد الرحال إلى قبرٍ من القبور في بلد من البلاد، يطلب منه أن يأتي له بالولد، أو يرزقه المال، أو يشفي مريضاً له، وإن كثيراً من الناس إذا مرض له مريضاً ذهب به إلى المشعوذ أو الكاهن ليعطيه ورقات، أو خيط، أو كيس لا يدري ما فيه، أو يأمره بذبح شاة لونها كذا وكذا لا يذكر اسم الله عليها، أو يأمره بكذا وكذا؛ كل هذا -يا عباد الله- من الشرك! وبعضه من الشرك الأكبر الذي لا يقبل الله به ديناً ولا يدخل صاحبه الجنة.
أعلى الصفحة
معنى شهادة أن محمداً رسول الله
أما القضية الثانية يا عباد الله! فهي: شهادة أن محمداً رسول الله، محمد عليه الصلاة والسلام هو الرسول الذي لا طريق إلى الجنة إلا من طريقه، ولا يعرف الله إلا من خلاله، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: أن نطيعه فيما أمر، ونجتنب ما نهى عنه وزجر، ونصدقه في كل ما أخبر، ولا يعبد الله إلا بما شرع عليه الصلاة والسلام، دين محمد عليه الصلاة والسلام كامل، ففي حجة الوداع أنزل الله عليه قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فقام في الناس يبلغهم فقال: (ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقال: اللهم فاشهد! اللهم فاشهد! اللهم فاشهد! ) يشهد الله على أن الدين كامل لا يحتاج إلى إضافة أو تصحيح، فمن زاد في الدين فقد قال في النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) فمن صلى صلاة لم يشرعها الله ولا رسوله، أو أتى بذكر أو بعبادة مبتدعة فإن (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ).
عباد الله! كل دين جديد، وكل عبادة لم يأذن بها عليه الصلاة والسلام فاعلم أن صاحبها على خطر.
قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) فلا ينفع مع البدعة أن تقول: أستغفر الله، حتى تدعها وتتركها فيتوب الله عز وجل عليك.
عباد الله: إن البدعة أمرها خطير، ولهذا قال العلماء: إنها شر من المعصية، ولأن البدعة بريد إلى الكفر والشرك بالله، حتى قال الإمام مالك : "من زعم أن في الدين بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خائن". أي من قال: هذه بدعة لكنها حسنة، فقل له: كلامك يستلزم أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد خان الرسالة، كيف تكون حسنة ولم يخبرنا بها عليه الصلاة والسلام؟! ولم يبلغنا إياها؟! وهو الذي قال: (ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به ) وقال: (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) ولهذا يأتي يوم القيامة على الحوض يرد مع الناس فتأتي الملائكة تدفع بعضهم وتزيح بعضهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي! فيقولون: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) لقد زادوا وشرعوا وابتدعوا في دين الله.
عباد الله: إن القضية الكبرى؛ قضية أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والمسألة شديدة، والمسألة كبيرة؛ لأن بها يدخل الناس الجنة وينجون من النار، فعلينا أن نتعلم ما معنى لا إله إلا الله؟ وما شروطها؟ وأركانها؟ ومقتضياتها؟ ونتعلم معنى أن محمداً رسول الله؟