الجمجمة, الفريضة, رمضان
في هذه الواحة الرمضانية البديعة المُتمثِّلة في هذا الشهر الكريم المُبارك، تَمَكَّنَتْ الروح مِنْ أنْ تقطع - حتَّى الآن - شوطاً لا بأس به على طريق مُجاهدة الجسد الذي يأمر فيُطاع ويطلب فيُستجاب، وكما أنَّ لكُلِّ فصلٍ مِنْ فصول العام لونه ومناخه الخاص، فإنَّ للشُّهور - رغم مظاهر التشابه - لوناً وطابعاً يختلف مِنْ شهرٍ إلى آخر باختلاف موقعه مِنْ حركة دوران الأرض، مِنْ ناحيةٍ، ومِنْ زاوية تلقّيه لأضواء الشمس وظلالها، مِنْ ناحيةٍ ثانية، ويبقى الشهر الكريم المُبارك - رمضان - أكثر شُهور العام تعبيراً عن التميُّز والاختلاف، بما له - بفضل فريضة الصوم التي ارتبطت به - مِنْ دفءٍ روحيٍّ حميمٍ ومقدرةٍ على التغيير في حياة المُسلمين في جميع أنحاء الأرض.
وحتَّى الطبيعة، تبدو في هذا الشهر مُختلفةً عنها في سائر شُهور العام، للشروق في رمضان كما للغروب معانٍ غير تلك التي كانت لها في شُهورٍ سابقةٍ أو أُخرى لاحقةٍ، حيث تنهمر حالة إشعاعٍ نادرةٍ تعكس نفسها على مُحيط الصائم أينما كان وتحت أيِّ ظرفٍ يكون، وتبدو معها المباني والشوارع والجبال ووجوه الناس في وضعٍ أعذب وأجمل ممَّا كانت عليه، فضلاً عن أنَّ نجاح هذه الحالة داخل النفس يجعل ما كان يبدو كامناً ومُضمراً في السريرة الإنسانية، وَقَدْ أصبح حقيقةً ماثلةً في الواقع يكاد الصائم يلمسها بيديه ويدركها بحواسِّه الخمس.
وإذا كانت بعض العبادات المُلزمة للمُسلم تجنح نحو التجريد الروحي، فإنَّ فريضة الصوم واحدةٌ مِنَ الفرائض العملية التي ترتسم خطوطها ويتكامل أداؤها عبر الروح والجسد معاً، وعبر تحرير النفس مِنَ الخضوع للعادة وتجاوز المألوف والمُعتاد والخروج مِنْ دوائر التكرار، وما كان للإنسان المُسلم أنْ يُؤدِّيها بانتظامٍ والتزامٍ لَوْ لَمْ تَكُنْ رُكناً دينياً وفريضةً واجبة الأداء يتأكَّد بها ومعها أنَّ الإنسان ليس جسداً فحسب، وليس فماً مفتوحاً سائر الوقت لا يكفّ عن المضغ والبلع، وإنَّما هو - كذلك - روحٌ تُقاوم وتنشد الصفاء والنقاء والتخفُّف مِنْ رغبات الجسد، بما فيها تلك الرغبات المشروعة، وحكمة الصوم تتوقَّف على نجاحه في الخروج بالمُسلم طوعاً مِنْ دائرة التكرار والدوران في يومٍ لا يتغيَّر، يبدأ مع الإفطار ويتوسَّط مع طعام الغداء وينتهي مع تناول وجبة العشاء.
إنَّ الإنسان - بوصفه مخلوقاً أرضياً خاضعاً لمُتطلَّباتٍ ورغباتٍ نفسيةٍ - بحاجةٍ إلى قانونٍ روحيٍّ ينقذه ويحفر في أعماقه المزيد مِنَ القُوَّة في مُقاومة هذا الخضوع وتطويعه تدريجياً للخلاص مِنْ تأثير العادات اليومية وما تفرضه مِنْ آليةٍ تتحكَّم بحياته، ومِنْ هُنا تبدو الأهمّيَّة الاستثنائية لشهر رمضان، هذه الواحة السنوية التي تمنحنا القُدرة على التأمُّل والمُخالفة وعدم النظر إلى العالم والحياة في إطارٍ ثابتٍ ينطوي على إدمان الحالة اليومية الواحدة ومظاهرها التي لا تعرف الاختلاف الداعي إلى البحث عن حالةٍ مِنَ الطمأنينة، ليس للإنسان وحده، وإنَّما للوجود - أيضاً - هذا المكان الواسع الذي يعيش فيه.
تأمُّلات شعرية
كُلَّما كانتْ الرُّوحُ أعظمَ
والنَّفسُ أقوى،
تكُوْن المُهمَّةُ أسمى
وتبدو الحياةُ على الأرض
أجملَ في كُلِّ آنْ.
يا سيِّدَ العام.
ماذا يُفيد الضِّياءُ إذا أظلمَ الرُّوحُ
وانطفأتْ في الشُّعور القناديلُ
واحترقتْ هالةُ الشَّمعدانْ؟!
vlqhk hgtvdqm ,hgshuhj hg[ldgm