[frame="7 80"]
[glint]فصل المرض نوعان مرض القلوب ومرض الأبدان [/glint]
وهما مذكوران في القرآن
ومرض القلوب نوعان مرض شبهة وشك ومرض شهوة وغي وكلاهما في القرآن قال تعالى في مرض الشبهة في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال تعالى وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرى والسنة فأبى وأعرض وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم أرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون فهذا مرض الشبهات والشكوك وأما مرض الشهوات فقال تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقتين فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض فهذا مرض شهوة الزنا والله أعلم فصل وأما مرض الأبدان فقال تعالى ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة حفظ الصحة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة وفي هذه المواضع الثلاثة فقال في آية الصوم فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فأباح الفطر للمريض لعذر المرض وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركه وما يوجبه من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة وتضعف فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته وقوته عما يضعفها وقال في آية الحج فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة
أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام استفراعا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر فإذا حلق رأسه ففتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة منها فهذا الاستفراغ يقال عليه كل استفراغ يؤذ انحباسه والأشياء التي يوذى انحباسها ومدافعتها عشرة الدم إذا هاج والمني إذا تتابع والبول والغائط والريح والقىء والعطاس والنوم والجوع والعطش وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى وأما الحمية فقال تعالى في آية الوضوء وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ومجامع قواعده ونحن نذكر هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ونبين أن هديه فيه أكمل هدي فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وأن تكون مؤثرة لمرضاته ولمحابة متجنبة لمناهيه ومساخطه ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل ما يظن من حصول صحة القلب بدون أتباعهم فغلط ممن يظن ذلك وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية وصحتها وقوتها وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل
ومن لم يميز هذا وهذا فليبك على حياة قلبه فإنه من الأموات وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات فصل وأما طب الابدان فإنه نوعان نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه وبهيمة فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب كطب الجوع والعطش والبرد والتعب بأضدادها وما يزبلها والثاني ما يحتاج إلى فكر وتأمل كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج بحيث يخرج بها عن الاعتدال إما إلى حرارة أو برودة أو يبوسة أو رطوبة أو ما يتركب من اثنين منها وهي نوعان إما مادية وإما كيفية أعنى إما أن يكون بانصباب مادة أو بحدوث كيفية والفرق بينهما أن امراض الكيفيةتكون بعد زوال المواد التي أوجبتها فتزول موادها ويبقى أثرها كيفية في المزاج وأمراج المادة أسبابها معها تمدها وإذا كان سبب المرض معه فالنظر في السبب ينبغي أن يقع اولا ثم في المرض ثانيا ثم في الدواء ثالثا أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئتة إما في شكل أو تجويف أو مجرى او خشونة أو ملامسة أو عدد أو عظم أو وضع فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمى تألفها اتصالا والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الاتصال أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية والأمراض المتشابهة هي التي يخرج بها المزاج عن الاعتدال وهذا الخروج يسمى مرضا بعد أن يضر بالفعل إضرارا محسوسا وهي على ثمانية أضرب أربعة بسيطة وأربعة مركبة والبسيطة البارد والحار والرطب واليابس والمركبة الحار الرطب والحار اليابس والبارد اليابس وهي إما أن تكون بانصباب مادة أو بغير انصباب مادة وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجا عن الاعتدال صحة
وللبدن ثلاثة أحوال حال طبيعية وحال خارجة عن الطبيعية وحال متوسطة بين الأمرين فالأولى بها يكون البدن صحيحا والثانية يكون بها مريضا والحال الثالثة هي متوسطة بين الحالتين فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط وسبب خروج البدن عن طبيعته إما من داخله لأنه مركب من الحار والبارد والرطب واليابس وإما من خارج فلأن ما يلقاه قد يكون موافقا وقد يكون غير موافق والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال وقد يكون من فساد العضو وقد يكون من ضعف في القوى أو الأرواح الحاملة لها ويرجع ذلك إل زيادة ما الاعتدال في عدم زيادته أو نقصان ما الاعتدال في عدم نقصانه أو تفرق ما الاعتدال في اتصاله أو أتصال ما الاعتدال في تفرقه أو امتداد ما الاعتدال في انقباضه أو خروج ذي وضع وشكل عن وضعه وشكله بحيث يخرجه عن اعتداله فالطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه أو يجمع فيه ما يضره تفرقه أو ينقص منه ما يضره زيادته أو يزيد فيه ما يضره نقصه فيجلب الصحة المفقودة أو يحفظها بالشكل والشبه ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ويخرجها أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافيا كافيا يحول الله وقوته وفضله ومعونته.
[/frame]