عناصر الدرس
محاضرتي هذه الليلة تدور على أربعة عناصر:
أولها: الأخوة في كتاب الله عز وجل.
ثانيا: ما ورد في السنة المطهرة عن معاني الأخوة.
ثالثها: كيف تآخى السلف .
رابعها: ما هو واجبنا نحو إخواننا من المؤمنين ومن المسلمين، وبالخصوص من الدعاة الذين يغضبون إذا انتهكت محارم الله عز وجل، والله عز وجل ذكرنا بأخوة الإيمان، ونادانا وأوجب علينا تلك الأخوة.
ثم أتعرض لمسائل، منها: الخلاف الفرعي لا يوجب الفرقة.
ومنها: إذا اختلفنا من هو الحاكم في المسألة.
ومنها: حسنات الناس لا تهدر بسيئاتهم إن قلَّت.
ومنها: لنكن شهوداً وعدولاً ولا يغلبنا الهوى.
أعلى الصفحة
الأخوة في كتاب الله
اسمعوا أيها الناس، اسمعي أيتها الأمة المحمدية الرائدة، اسمعي يا أمة لا إله إلا الله، اسمعوا يا من كنتم كوكبة واحدة في وجه الباطل، وكنتم كتيبة واحدة ضد الطغيان، اسمعوا يا من ركبوا متن البحر والمحيط ليرفعوا لا إله إلا الله، اسمعوا يا أبناء عقبة بن نافع الذي وقف على ساحل الأطلنطي بفرسه، وقال: والذي نفسي بيده لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتك بفرسي لأفتح تلك الأرض.
الشهيد مع الشهيد، العالم مع العالم، الداعية مع الداعية:
يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل
وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل
سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل
وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل
أنتم الأمة الخالدة الواحدة يقول الله لكم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] حبل الله: كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران:103] يا أمة الإبل والغنم، يا أمةً كانت حقودة حسودة ماردة قبل الإسلام فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103].
لنزول هذه الآية سبب أورده كثير من المفسرين، أتعرفون الأوس والخزرج؟
يقول طه حسين في كتابه، متهجماً على الإسلام ودعاة الإسلام: حرب بدر هي عداء بين قريش والأوس والخزرج! كذبت، ليس عداء بين القبيلتين والعنصرين، إنما هو عداء بين الإسلام والكفر، وبين الضلال والرشاد، وبين النور والظلام.
الأوس والخزرج تقاتلتا، تذابحتا، تباغضتا، تقاطعتا، فلما أتى صلى الله عليه وسلم ألف بين قلوبهم، آخى بينهم، فكانوا تحت مظلة واحدة، وفي جلسة واحدة، وفي مسيرة واحدة؛ ولكن الشيطان أبى أن يتآخوا، فدخل بينهم فذكرهم حرب بعاث؛ فاخترط أنصاري من الأوس سيفه، وقال: يا لثارات بعاث! واخترط خزرجي سيفه، ونادى: يا لثارات بعاث! فاجتمعوا في الصحراء بعد الإيمان والقرآن والإسلام؛ لأن الهوى قد يغلب العقل، فذهبوا إلى الصحراء واجتمعوا هناك، فسمع صلى الله عليه وسلم الصوت، وقالوا له: يا رسول الله أدرك الناس، فإن الذبح قريب منهم! قال: من؟
قالوا: الأوس والخزرج، قال: وأنا بين أظهرهم؟! والقرآن ينزل علي؟!
اليهود هم الذين وشوا بهذه، وهم يوشون بها دائماً في الساحة، وفي خارج الساحة.
فأخذ صلى الله عليه وسلم إزاره وأخذ يهرول، ودخل بين الصفين، وناداهم بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرهم بنعمة الإيمان والإسلام، وبث فيهم روح الإخاء، ووزع عليهم باقات الود فدمعت العيون، وسقطت السيوف من الأيدي، وتركت الرماح. يقول البحتري :
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها
وتعانقوا والبكاء يملأ الساحة، وكأن الإسلام بدأ من هذا اليوم، وكأن القرآن نزل الآن، وعاد صلى الله عليه وسلم بالجميع في مسيرة حبٍّ في الطريق إلى المدينة .
فأنزل الله صدر الآيات يحذر من اليهود، يحذر من الصهيونية العالمية ، من الخطط التي شتتت الصفوف، وفرقت بين الإخوة والأحباب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:100-103].