مناسبة, موتُه, بينوشيه
يوم الأحد 10 ديسمبر الماضي توفي ديكتاتور من أشهر من حكموا بلادهم بالحديد والنار "أوجستو بينوشيه" ديكتاتور تشيلي الأشهر، الذي فارق الحياة عن عمر يناهز 91 عاما "بينوشيه" تميز وسط أقرانه بأنه ديكتاتور من طراز آخر
لقد تعودنا أن نسمع أن أي ديكتاتور له علاقة بطريقة أو بأخرى بالشيوعية والنظم الاشتراكية ولكن هذا التشيلي كان ديكتاتورا من طراز مختلف الطراز الأمريكي!
ولكي تفهم علاقة "بينوشيه" بالولايات المتحدة يجب أن نعود إلى "سلفادور ألليندي" (أو أيندي كما تنطق بالإسبانية)، الرئيس التشيلي الذي سبقه في حكم البلاد. ففي نوفمبر عام 1970 وصل الزعيم الاشتراكي "ألليندي" إلى رئاسة تشيلي في انتخابات حرة ومباشرة، في وقت كانت الاشتراكية ترتفع فيه في أمريكا اللاتينية، الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، التي كانت تتجه وبكل قوة نحو الاشتراكية بينما الحرب الباردة في أوج شدتها.
وفي هذه الأوقات العصيبة للولايات المتحدة كان "سلفادور ألليندي" الذي عرف بطبيب الفقراء يتخذ سياسات شجاعة ضربت مصالح الإمبراطورية الأمريكية في تشيلي بانتصارها لجانب الفقراء، وميولها الاشتراكية الواضحة
الوجه الآخر:
وهنا أصبح "ألليندي" خطرا كبيرا يهدد معقل الرأسمالية الأمريكية، وهنا برز الوجه الآخر للديمقراطية الأمريكية ففي 11 سبتمبر 1973 كان الجنرال "أوجستو بينوشيه" قائدا للجيش، وبإيعاز من الولايات المتحدة يحاصر القصر الرئاسي بدباباته مطالباً "سلفادور ألليندي" بالاستسلام والهرب، لكن "ألليندي" رفض، "وارتدى الوشاح الرئاسي الذي ميز رؤساء تشيلي طوال قرنين من الزمان، ليسقط شهيداً في القصر الرئاسي رافضاً التخلي عن حقه الشرعي".
وتسلم "بينوشيه" مقاليد الحكم؛ فبدأ في معاداة كل مفكري وكتاب أمريكا اللاتينية، أصحاب التوجه الاشتراكي بالطبع، ليتجه نحو تأسيس تحالف مؤيد للولايات المتحدة مع من هم على شاكلته، فتحالف مع "نوريجا" الذي تولّى الحكم في بنما بعد اغتيال الجنرال "عمر توريخوس" رجل بنما القوي، والذي كان عائقاً في وجه الهيمنة الأمريكية الشاملة على القناة، كما تحالف مع "رافاييل ليونداس تروخيليو" حاكم الدومينيكان الذي عُرف بأنه أسوأ وجوه الديكتاتورية التابعة لأمريكا في العالم.
اقتل تحكم:
استهل "أوجستو بينوشيه" حكمه بقتل الرئيس الشرعي "ألليندي" وحل الكونجرس التشيلي، وتعليق الدستور، أعلن ورفاقه أنفسهم المجلسَ العسكريَ الحاكم، ومنعوا أي نشاط سياسي طاردوا اليساريين في كل أنحاء البلاد، وتقول المصادر الدولية إنه "نتيجة لأفعال المجلس العسكري قُتل أكثر من ثلاثة آلاف تشيلي أو اختفوا، كما عُذب وسُجن أكثر من سبعة وعشرين ألفاً، ونُفي الكثيرون أو هربوا طالبين اللجوء السياسي، ومنهم السياسية التشيلية "إيزابيل ألليندي" ابنة "سلفادور ألليندي"، والروائية التشيلية الأعظم "إيزابيل ألليندي -ابنة أخيه-".
وفي عام 1980 أقر "بينوشيه" دستورا جديدا للبلاد، واستفتاءً بمرشح واحد للسلطة، وعلى الرغم من كل هذا فإنه في عام 1988 رفض الكونجرس إقرار دستور يتيح لـ"بينوشيه" حكم البلاد طوال حياته؛ ففضل أن يتنازل عن رئاسة البلاد لـ"باتريشيو أيلوين" الرئيس المنتخب عام 1989، وذلك في العام 1990، لكنه في الوقت نفسه حافظ على منصبه كقائد للجيش حتى 1998، حين أخذ مقعداً في مجلس الشيوخ طبقاً لتعديلات دستورية أقرت في 1980
بداية النهاية:
وبدأت نهاية الديكتاتوري التشيلي في عام 2002 عندما سافر إلى بريطانيا لإجراء فحوص طبية، وهناك اعتقل بتفويض قضائي أصدره القاضي الإسباني "بالتاسار جارسون"، وبقي قيد الإقامة الجبرية لأكثر من سنة، قبل أن يتم إطلاق سراحه لأسباب طبية؛ ليعود إلى تشيلي ويترك مقعده كسيناتور، بعد قرار من المحكمة العليا بأنه يعاني من الخرف، لا يمكن معه أن يُحاكم لأفعاله، وفي مايو 2004 تحكم محكمة تشيلي العليا بناء على تصرفاته بأنه قادر على الصمود في محاكمة، لتبدأ محاكمته في ديسمبر من العام نفسه بتهم تتعلق بحقوق الإنسان.
واستمرت محاكمة "بينوشيه" بدون نهاية أو حكم نهائي، وفي يوم 3 ديسمبر 2006، بعد أيام من وضعه رهن الإقامة الجبرية، تعرض الديكتاتور لأزمة قلبية لترفع عنه الإقامة الجبرية في 4 ديسمبر بأمر من محكمة الاستئناف التشيلية، وتأتي النهاية في 10 ديسمبر 2006 عندما أخذ "بينوشيه" إلى وحدة العناية المركزة، ليتوفي بعدها بسبب فشل في عمل القلب وتراكم مياه في الرئتين
"بينوشيه" بين المعارضة والموالاة:
وحتى بعد وفاته ظل "أوجستو بينوشيه" مثيرا للنزاع في بلاده، فبعد أن أُعلِن نبأ وفاته وقعت مصادمات في الشارع "التشيلي" بين أنصاره ممن يرون أنه تفادى ما أسموه "بداية الشيوعية في تشيلي"، وقتاله "الجماعات الإرهابية الثورية"، وتطبيق سياسات السوق الليبرالية الجديدة التي وضعت الأساس للنمو الاقتصادي السريع الذي استمر حتى الثمانينيات، وبين معارضيه الذين يرون أنه حطم ديمقراطية تشيلي واتّبع سياسية إرهاب الدولة المنظم، والتي قتلت وعذّبت آلاف المعارضين، وفضل مصالح الفئة الثرية الحاكمة بتبني سياسيات اقتصادية آذت ذوي الدخل المتدني.
الآلاف من معارضي "بينوشيه" خرجوا للرقص في شوارع العاصمة "سانتياجو" احتفالا بموته؛ ليصطدموا في الطريق بأنصاره الذين خرجوا للبكاء عليه، لتتدخل الشرطة باستخدام خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع ولتعلن إصابة 24 من عناصرها بعد السيطرة على هذه الحشود
مات "بينوشيه" قبل أن يدان في أي من جرائمه، سواء تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، أو المتعلقة بفضائح مالية تجاوزت أرقامها الملايين مات ليعيد إلى الأضواء مرة أخرى الوجه الآخر للولايات المتحدة الوجه الذي برز في فنزويلا من خلال تمويل معارضة الرئيس المنتخب "شافيز" وظهر في فلسطين والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى!
"fdk,adi" l,jEi lkhsfm ggvrw ,hgf;hx!