البدعة, بين, عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه
أخواتي الحبيبات في الله
يقبل علينا شهر محرم الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم :
(( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم )) رواه مسلم
في الوقت الذي يذكرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
وبداية ظهور الدعوة وقيام دولة الإسلام .
نجد فيه يوماً آخـر يذكرنا بإنتصار نبي آخر هو موسى عليه الصلاة والسلام
ذلكم هو يوم عاشوراء ، فهو يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام ومن معه
وأهلك فيه فرعون وحزبه فصامه موسى شكرا لله عزوجل .
فضل صيام يوم عاشوراء :
قال صلى الله عليه وسلم (( صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )) رواه مسلم
والمراد من تكفير الذنوب : الصغائر بشرط اجتناب الكبائر لقوله تعالى :
فقد ضمن الله تعالى في هذه الآية الكريمة لمن اجتنب الكبائر أن يكفر عنه سبحانه الصغائر ويدخلــه الجنة
قال عليه الصلاة والسلام : (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر ))
وهذا من فضل الله تعالى وكرمه
والمراد بالكبائر :
* ما ورد فيه حدٌ في الدنيـــــا ( بقتل أو جلد أو قطع يد أو رجم ) كالزنــــا والسرقة وشرب الخمر
* أو ما ورد فيه وعيد في الآخرة ( بلعنـــة أو غضب أو نار أو نفي إيمان ) كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والربــا ونحو ذلك
قال البيهقي : [ وهذا فيمن صادف صومــه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها ، فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيـــادة له في درجاته ]
الأمر بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء :
بعد قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء أي في السنة الثانية من الهجرة ، فقال لهم (( ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم نجا الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ))
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود فعزم أن لا يصوم عاشوراء منفردا .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : إنه يومٌ تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع )) رواه مسلم
فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود وتتخذه عيدا فقال صلى الله عليه وسلم (( فصوموه أنتم ))
قال ابن رجب : وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا ، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين .
فإن الصوم ينافي اتخاذه عيدا ، فيوافقون في صيامه مع صيام يومٍ آخر معه فإن في ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضا فلا يبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية .
مراتب الصيام في عاشوراء :
قال ابن القيم : فمراتب صومه ثلاث أكملها أن يصام يومٌ قبله وبعده يوم معه .
يلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث .
ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم .
والسؤال : هل يكره صوم يوم عاشوراء وحده
كراهة صوم يوم عاشوراء مفردا ليس أمراً متفقا عليه بين أهل العلم لأن منهم من يرى عدم كراهة إفراده ولكن الأفضل أن يصام يوم قبله أو يوم بعده والتاسع أفضل من الحادي عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لئن بقيت إلى قادم لأصومن التاسع )) ولكن من لم يصم التاسع فليصم الحادي عشر لتحصل له مخالفــة اليهود التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم .
وينبغي للمسلم أن ينتهز هذه الفرصــة وأن يصوم الأيــام الثلاثــــة : اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر ليحصل على فوائد متعددة :
الأولى : أنه يكتب له أجر صيام الشهر كله لأن الحسنة بعشر أمثالها ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويأمر بها .
الثانية : أن صوم هذا الشهر أفضل الصوم بعد رمضان كما نص عليه الحديث المتقدم .
الثالثة : مخالفــة اليهود بصوم التاسع والحادي عشر مع العاشر .
الرابعة : الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وكل الخير في الإقتداء به صلوات ربي وسلامه عليه .
الخامسة : أنه يكفر ذنوب سنة كاملة .
السادسة : أن الصوم غير محدود الأجر كما قال صلى الله عليه وسلم : (( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عزوجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) متفق عليه
أعمال الناس في عاشوراء في ميزان الشرع :
الناظر في أحوال الناس اليوم يرى أنهم يخصصون عاشوراء بأمورة عديدة
وحتى نعرف مدى شرعية تلك الأعمال فتكون مقربة إلى الله تعالى أو عدم مشروعيتها لتصير بدعا ومحدثات تُبعد العبد عن الله ، فإنه لابد أن نعلم جيدا أن للعمل المقبول عند الله تعالى شروطا منها :
أن يكون العامل متابعــا في عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويتحقق الإتباع بموافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ستة أمور :
1 ) كون سبب العمل مشروع : فالتهجد في ليالي معينة كعاشوراء سبب غير مشروع لأنه لم يرد في تخصيصها نص شرعي .
2 ) الجنس : فالتضحية بفرس غير مقبولة لأنها لم تشرع
3 ) القدر أو العدد : فإذا صلى المغرب أربـعــا لم تقبل لمخالفة الشرع في العدد
4 ) الكيفيــة : فإذا توضأ وضوءاً منكساً لم يقبل
5 ) الزمان : فلو ضحى في شعبان لما صحت منه
6 ) المكان : فلو اعتكف في بيته لما صح منه ذلك لمخالفة الشرع في المكان
وإذا نظرنــا في أفعال الناس في عاشوراء سواء ماكان منها في الحاضر أو الماضي أو الماضي القريب رأينا أنها على صور عدة :
( أ ) ما كان في بـــــاب العبادات :
حيث خصوا هذا اليوم ببعض العبادات كقيام ليلة عاشوراء ، وزيارة القبور فيه ، والصدقة وتقديم الزكاة أو تأخيرها عن وقتها لتقع في عاشوراء ، وقراءة سورة فيها ذكر موسى عليه السلام فجر يوم عاشوراء .
فهذه ونحوها وقعت فيها المخالفة في سبب العمل وهو تخصيصه بوقت لم يخصه الشرع بهذه الأعمال ، ولو أراده لحث عليه كما حث على الصيام فيه ، فيمنع من فعلها بهذا التقييد الزمني وإن كانت أعمالا مشروعة في أصلها .
ولأن باب البدع لا يقف عند حد فإن البدع في العبادات قد تنال كيفية العبادة ، فقد اختلقوا حديثا موضوعا مكذوبــا في صلاة أربع ركعات ليلة عاشوراء ويومها يقرأ فيها ( قل هو الله أحد ) إحدى وخمسين مرة وكالمنكرات المصاحبة لزيارة القبور غيرها من البدع .
( ب ) ما كان في باب العادات :
التي تمارس في عاشوراء تشبيهاً له بالعيد ومن ذلك :
الإغتسال والإكتحال واستعمال البخور ، والتوسع في المآكل والمشارب وطبخ الطعام المخصوص ، والذبح لأجل اللحم وإظهار البهجة والسرور وعادات أخرى لا تخلو من منكرات قبيحة .
أما ما روي من أحاديث في فضل التوسعة على العيال في عاشوراء فإن طرقها ضعيفة .
أما الإغتسال والإكتحال فلم يثبت منه شيء .
وأشار ابن تيمية رحمه الله إلى ما روي من أحاديث في فضل عاشوراء قال :
[ وكل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه ]
وبهذا نعرف أن الشرع لم يخص عاشوراء بعمل غير الصيام وهذا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكم فات أولئــــك المنشغلين بتلك البدع من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته
وأخيـــــــــــــرا
وقفات وفوائـــــــد
( 1 ) مخالفة أهل الكتاب من أعظم مقاصد الشريعة :
ومن أبرز مظاهر تحقيق الولاء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به وقد شدد الشرع على المتشبهين بهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من تشبه بقوم فهو منهم )) وفي ترك إفراد عاشوراء بالصوم درس عظيم فإنه مع فضل صوم ذلك اليوم وحث النبي صلى الله عليه وسلم على صومه وكونه كفارة سنة ماضية إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود وعزم على ضم التاسع إليه ، فإذا كنا قد أمرنا أن نخالفهم في صوم عاشوراء مع أنه مشروع في الشريعتين أو أنه مشروع لنا وهم يفعلونه ، فكيف بما سوى ذلك من المباح أو المحرم وما كان من شعائر دينهم !!!!!
( 2 ) حقيقة الإنتمــــــاء :
علل اليهود صيامهم عاشوراء بمتابعتهم موسى عليه السلام حين صامه شكرا لله عزوجل على إنجائه من فرعون .
وهنا أمران :
أولهما : هل يكفي صيامهم عاشوراء برهانــــا للمتابعة وسببا للأولوية بموسى عليه الصلاة والسلام
ثانيهما :
هل وقع لهم ما أرادوا من موافقة عاشر المحرم فعلا
جواب الأول : لا يكفي صومهم عاشوراء أن يكون دليلا لكونهم أولى بموسى عليه السلام أبدا ، إذ الحكم في ذلك بحسب تمام المتابعة والإلتزام للمنهج قال الله تعالى :
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه أولى بنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام منهم كما قال صلى الله عليه وسلم (( نحن أحق وأولى بموسى منكم ))
وهكذا تتوحد المشاعر ، وترتبط القلوب مع طول العهد الزماني ، والتباعد المكاني ، فيكون المؤمنون حزبــــاً واحداً هو حزبُ الله عزوجل فهم أمة واحدة من وراء الأجيال والقرون والمكان والأوطان ، لا يحول دون الإنتماء إليها أصل الإنسان أو لونه أو لغته أو طبقته ، إنما هو شرطٌ واحد لا يتبدل وهو ( تحقيق الإيمان )
ولذا استحقت هذه الأمة ولايـــــة موسى عليه السلام دون اليهود المغضوب عليهم
أما جواب الثاني :
وهو هل وافقوا صيام عاشوراء فعلا ؟!
ذكر بعض أهل العلم أن حساب اليهود كان بالسنة الشمسية والمحرم شهرٌ هلالي لا شمسي وهذا يوقع الشك في إصابة اليهود يوم عاشوراء .
أما المسلمون فحسابهم بالأشهر الهلالية فأصابوا تعيين عاشوراء وإذا ظهر خطأ اليهود تبينت أولوية المسلمين من هذا الوجه أيضا .
( 3 ) عبادة الله أبلغ الشكر :
كانت نجاة موسى عليه السلام وقومه من فرعون منةً كبرى أعقبها موسى بصيام ذلك اليوم فكان بذلك وغيره من العبادات شاكراً لله تعالى إذ العمل الصالح شكرٌ لله كبير قال تعالى :
(( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ))
وأساس الشكر مبنيٌ على خمس قواعد :
* الخضوع للمنعم
* وحبه
* والإعتراف بنعمته
* والثناء عليه
* وألا تصرف النعمة فيما يكرهه المنعم
ويجب التنبه إلى أن أمر العبادة قائم على الإتباع فلا يجوز إحداث عبادات لم تشرع
كما لا يجوز تخصيص عاشوراء ولا غيره من الأزمان الفاضلة بعبادات لم ينص عليها الشرع
أما الأنبياء فعبادتهم شرعٌ معصوم مبنيٌ على وحي من الله عزوجل إليهم
فلنقتفي آثـــار الأنبياء عليهم السلام ، ولنجتهد في تطبيق السنة
وهذا هو الشكر بعينــه
( 4 ) في التعويـد على الخير تثبيت عليه :
لقد بلغ بالصحابة رضي الله عنهم الحرص على تعويد صغارهم الصيام حتى أنهم احتالوا في تمرينهم عليه حتى يتموه ، فصنعوا لهم اللعب يتلهون بها عن طلب الطعام كما في حديث الرُبيع بنت معوذ قالت : [ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة (( من كان منكم صائمــــا فليتم صومه ، ومن كان مفطرا فليتم بقية يومه )) فكنا بعد ذلك نصومه ونصِّوم صبياننــا الصغار منهم ونذهب بهم إلى المسجد ونصنع لهم اللعبـة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونـــا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم ]
وذلك لكون تعويد الصغير على الخير مكمن قوة في استقامته عليه في الكبر لأنه يصير هيئة راسخـــة في نفسه يتعسر زعزعتها .
فلنتب اخواني أخواتي إلى الله تعالى في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات
لعل الله أن يتوب علينـــا ويغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين
وصلي اللهم وسلم على سيدنـــا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
<<<تعــــــ قلبـــــــــ ــــــي ــــــب>>>
uha,vhx fdk hgf]um ,hghrj]hx