الشعر, حاجة, إنسانية, كلمات
حمـــــــــدي السباني
الشعر غير أنواع الكتابة الأخرى
الشعر غير الكلام العادي، وغير النثر، وهو مختلف عن كل أنواع الكتابة، إلاّ ما استطعنا أن نفرزه من بينها بمقتضى الإحساس، الخاص والتذوق الموروث، والفهم المتاح، والمعرفة المكتسبة بأن هذا هو الشعر. وهو لا يحتاج الى تعريف، خاصة وان التعريفات قد أعيت طالبيها من الكتّاب والنقاد!! فكيف بتعريف الشعر بداية من القول بأنه الكلام الموزون المقفى، وكثيراً ما عرفنا شعراً خالياً من الوزن والقافية والنظم. وأنه شكلٌ من أشكال الكتابة، وعرفنا كذلك الشعر خارج الشكل، طالما وجدنا في النص المحتوى الفني والمضمون الدلالي في إطار أو جسد من الشكل والماهية. وفي التراث الشعري العربي فرزٌ حقيقي لما اعتبره النقاد والدارسون والمؤرخون شعراً. وكذلك الأمر بالنسبة لعصرنا الراهن، ولذا لانستطيع أن نقول بأن أية كتابة باللغة العربية تأخذ صفة الشعر من صورته ونمطه الذي يأتي على غرار ما كتبه الشعراء السابقون، ونقول انها هي شعر، وما هي الاّ مجرد رصف منمق للكلام والمعاني لا تهز الوجدان او تحرك الذائقة أو تستثير الدواخل.
ونحن هنا مع من يذهبون الى اننا في كل مرحلة وفي كل عصر علينا ان نؤسس فيه مفهومنا للشعر، فإذا لم يستطع الشعر أن يحقق ذاته وأن يفرض علينا المراد من وجوده يبق كلاماً منفياً خارج الشعر، في هذا الصدد لا يكون الخروج عن المألوف شعراً أو عدم الالتزام بالوزن والقافية في كتابة معينة شعراً إلاّ إذا استدعى شروط الشعر والتزم تحت هذا المسمى بالمعايير التي أشرنا اليها سابقاً الإحساس بالنص والتذوق له وقدرة النص على تحريك الداخل في النفس البشرية.
الشعر حاجة انسانية لا غنى عنه
في ذات الإنسان ووجدانه وربما في أعماقه التي نجهلها معامل رهيبة بحاجة لأن تختبر وبحاجة لأن تنتج سلعاً من الخامات التي تتلقاها آنياً ويومياً أو بين حين وآخر في أشكال عديدة من تلك السلع والانفعالات الكلامية والكتابية والصراخية والهذيانية وغيرها، وإلاّ فإن تلك المعامل تتدمر أو تتعطل. وهي في قوتها لاتقاس بأي أمر مادي، ولكنها قابلة للنمو المستمر، بفضل الانشطارات وتفاعل العاطفة وحركة الأحاسيس وزناد الخيال. ذلك أن اختبار العاطفة واختبار الخيال بكل ما ينصهران به من المتلقيات اليومية كلاماً وإبصاراً وقراءة او رؤية تلك المتلقيات لا تذهب الى مكان سابت أو الى مزبلة في الذهن والمشاعر وإنما الى معمل يعيد تفعيلها وتفاعلها بشكل قوي وشديد. فمشهد البحر مثل لحظة العناق وحالة الذروة مثل كل صدمة أو دهشة يعيشها ويتلقاها الإنسان الشاعر تدخله في اختبارات متعددة، وتنتج الشعر عند الشاعر وان بلا شعور منه ولكن في النهاية بإرادته، وعند آخر غير شاعر ربما تجعله يتكلم فينتج كلمة معتبرة أو خطبة عصماء، وعند آخر أو ثالث هذياناً بكل معنى الهذيان! ذلك أن اختبار العاطفة والخيال في معامل الانصهار في الوجدان والملكات الخاصة التي يتمتع بها الانسان تعمل على تواصل الانتاج في اللحظات التي تكتمل فيها العوامل والاسباب ويبلغ المخاض الإبداعي ذروته. ذلك ان كل ما تستقبله المفاعل في داخل الإنسان قابلٌ كخامة اولية الى التحول مع تفاعل المعامل معه كما تتعامل المعدة مع الطعام والشراب عصراً وهضماً فيكون الاطمئنان النفسي وتكون النشوة الذاتية ويتحقق الرضى وربما العلاج والشفاء من ادواء كامنة، كما يذهب الى ذلك البعض وليس لديّ معلومات اخرى. ذلك ان مفعلات العاطفة وكل ملاقط الشعور وفعل الخيال وهو أعظمها قوة وجبروتاً وهدوءاً في الانتاج والتصدير كلها تفعل فعلها الذي تنتظم الإرادة في عملية التعامل معها بالصورة التي يتأتى بها الإنتاج الشعري، محور حديثنا. او فلنقل أيسر ذلك الانتاج وأغزره هو الكلام وأعقده الفكر والفلسفة واروع ذلك وأجمله هو الشعر. فما هو الشعر؟ من الغواية ان يبحث الانسان عن تعريف للشعر -كما اسلفنا في المقدمة- وبالتالي هو تمثلٌ وتذوق قبل ان يكون مادة يسهل احتواؤها في تعريف لا يشترط ان يكون جامعاً مانعاً لأن ذلك يستحيل. لأن الشعر موجود حتى خارج اللغة والكلام بصورة وبأخرى يعرف. وقد استعصى مثل هذا التعريف على امتداد العصور وعلى جهابذة علماء اللغة والأدب والكلام والبيان والبلاغة.
# من ورقة مقدمة الى المؤتمر الدولي الاول للشعر القاهرة 10-13 فبراير 2007م
;glhj ,vcn: hgauv ph[m Ykshkdm lj[]]m