المتنبي, العراق, سارع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من بين كل التفجيرات التي تحدث في العراق بشكل يومي في كل صباح ومساء، يظل التفجير الذي حدث في شارع "المتنبي" يوم 5 مارس الماضي استثنائيا ليس لأنه خلّف وراءه عددا كبيرا من الضحايا وصل إلى 30 قتيلا وإصابة 65 آخرين وليس لأنه تم تنفيذه من خلال شخص انتحاري -أيوه انتحاري وليس استشهادي طبعا- وليس لأنه حلقة جديدة في سلسلة التفجيرات التي تتوالى في العراق الآن وكأن تيارا كهربائيا مجنونا يسري في أوصاله ليس لهذا أو لذاك، وإنما لأنه جاء في قلب الشارع الذي يعد رمزا ثقافيا عربيا أصيلا، وكأن من فجروه يريدون توصيل رسالة للعراقيين وكل المهتمين بشأنهم: "لا استقرار ولا أمن ولا كتب حتى تقومون بقراءتها".
ترجع أهمية شارع المتنبي الذي يقع ما بين نهر دجلة وشارع الرشيد "أشهر شوارع بغداد" إلى أنه يعرف باسم "شارع المكتبات"، يشبه في ذلك عندنا شارع الفجالة -قبل أن يتحول إلى شارع السيراميك والأدوات الصحية- وسور الأزبكية -تخيل أنت شعورك إذا ما استيقظت يوما على صوت انفجار في سور الأزبكية ووجدت الكتب هناك وقد اختلط حبرها بلون دماء الضحايا.
وأنشئ "شارع المتنبي" في عصر الخلافة العباسية "132هـ- 656هـ" والتي كانت بغداد عاصمتها طوال ما يزيد على خمسمائة عام، وانتعشت في هذه السنوات حركة التأليف والكتابة والترجمة والشعر والأبحاث العلمية وكان يسمى بـ"درب زاخي"، قبل أن يغيره الحكم العثماني إلى "الخامنية" وهي كلمة تركية تعني ثكنات الجيش التي يمكن مشاهدتها من أحد المقاهي الموجودة بالشارع.
وفي عام 1917 أصبح اسم الشارع "المتنبي" تقديرا لاسم الشاعر العربي الكبير، ومن يومها ارتبط اسمه بتجارة الكتب والمجلدات في كل الأنواع والمجالات، وأصبح مقصدا أساسيا لكل محبي الثقافة والقراءة وحتى المناقشات الفكرية، وكان الشارع مزدحما على الدوام معظم أيام الأسبوع بما فيه أيام العطل.
وبعد الغزو العراقي للكويت والعقوبات الاقتصادية الخانقة التي فرضتها الأمم المتحدة على بغداد عام 1991 تراجع الاقتصاد العراقي وكان لذلك أكبر الأثر على شارع "المتنبي"؛ حيث اختفت المجلدات والمطبوعات الفاخرة وتحول الشارع إلى سوق للكتب المستعملة، إذ أصبح من الصعب أن يبحث العراقيون عن كتب جديدة للقراءة -رغم المعروف عنهم من حبهم الشديد للتطلع والمعرفة- ولا أحد فيهم يعرف كيف يمكن أن يوفر له ولأسرته رغيف عيش.
واللافت أن الشارع عاد للازدهار بعد تمام سقوط نظام "صدام"، إذ انتعشت الحركة والتجارة فيه من جديد، وظل السائرون فيه يتحركون بحرية وبأمان غير متصورين أنهم من الممكن أن يكونوا هدفا لانتحاري –لا يعرف أحد من أين أتى وكيف يقنع نفسه بأن ما يفعله من قتل لشباب ورجال وشيوخ ونساء وأطفال هو عمل يقره الدين أي دين-، حتى جاء الخامس من مارس ليضم الكتب إلى باقي ضحايا فوضى العراق المذيلة بتوقيع أمريكي.
لو قرأت التقرير الذي نشرته وكالة رويترز عن تفجير شارع "المتنبي" لعرفت قدر الكارثة "واثق أحمد" قال إن "مكتبته التي تضم مئات من الكتب الدينية والتاريخية القديمة والحديثة لم يعد يتبقى منها سوى أنقاض" "إحسان عبد الهادي" قال باكيا إن "المكتبة العصرية التي تعد أقدم مكتبة في الشارع وتضم آلاف الكتب التاريخية النادرة التي لا تقدر بثمن احترقت بالكامل" ليس هذا فحسب "مكتبة النهضة وهي أكبر مكتبة في الشارع احترقت هي الأخرى بالكامل وهي التي كانت تضم كتبا تحكي تاريخ العراق القديم والحديث"40 مكتبة احترقت بالكامل 15 مطبعة دمرت تماما.
يذكر التاريخ أن "هولاكو" زعيم المغول عندما دخل بغداد منذ ما يقرب من 900 عام غازيا ومحتلا ومجنونا لم يكتفِ بالقتل والتدمير والاغتصاب، وإنما أمر جنوده بالذهاب إلى كل المكتبات المنتشرة في أنحاء بغداد -لعلهم ذهبوا إلى شارع "المتنبي"- حتى يلقوا بالكتب في نهر دجلة وقيل وقتها إن مياه النهر اصطبغت باللون الأسود نسبة للون الحبر المطبوع به الكتب التي غرقت فيه.
لم يصطبغ دجلة بالأسود هذه المرة الكتب هذه المرة هي التي اصطبغت بالأحمر يبدو أن لـ"هولاكو" أحفادا تجري في عروقهم دماؤه.
ahvu "hgljkfd" ]lhx "i,gh;," td hguvhr!