الموضوع: فَاتِحَة الْكِتَاب * الْوَاقِيَة * الْكَافِيَة

الْوَاقِيَة, الْكَافِيَة, الْكِتَاب, فَاتِحَة

[grade="00BFFF FFA500 B22222 4B0082 FF1493"]السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،[/grade]
ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل مثل أم القرآن، و هي السبع المثاني، و هي مقسومة بيني و بين عبدي، و لعبدي ما سأل / صحيح الجامع
إنها سورة الفاتحة التي نرددها في كل ركعة، فما سرها ؟
نكررها مراراً و تكراراً، و لكن هلا تفكرنا في معانيها ؟
إن في هذه السورة من مبادئ العقيدة الإسلامية و التوجيهات, ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة , وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها. فتعالوا ننهل معاً من معين أم الكتاب، لعلنا ان استشعرنا معانيها، أضفت إلى صلاتنا سكينة و حلاوة





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
القرآن الكريم نزل مقروناً باسم الله سبحانه وتعالى، لذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ البداية نفسها التي أرادها الله عز و جل.

ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ باسم الله تلاوة القرآن فقط ؟

من السنة المطهرة أن نبدأ كل أفعالنا "بسم الله الرحمن الرحيم"
فما معنى باسم الله ؟
إذا قلت "بسم الله الرحمن الرحيم" لدى الشروع بأمر، فلها معنيان :

الأول : أن هذا الذي بين يديك إنما هو من نعمِ الله عز وجل، فهل تفكرت في هذه النعم ؟
الثاني : هل أنت مطبق لسنة رسول الله عليه السلام في هذه النعمة؟

فإذا قلت مثلاً "بسم الله الرحمن الرحيم" عند الشرب، لا ينبغي أن تشرب خلاف السنة في شرب الماء

و إذا قدت سيارتك وقلت "بسم الله الرحمن الرحيم"، فليبادر ذهنك إلى أين أنت ذاهب ؟ هل أنت ذاهب إلى مكان لا يرضي الله عز جل؟ فيتناقض ذلك مع البسملة، فتعيد التفكير في ذهابك عندئذ


الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال بعضهم : "الرحمن" في ذاته ، و "الرحيم" في أفعاله، و هذا من أوجه التفسيرات.
أي أن الرحمن تتعلق بذاته ، بينما الرحمة تتعلق بالمرحومين.

قد تلتقي بطبيب يرى مريضاً فيسرع إلى إنقاذه أمام ملأ من الناس. إنقاذُ هذا المريض يكسب الطبيب سمعة طيبة، فنقول : هذا الطبيب رحيم. لكن الطبيب لم ينطلق في عمله من رحمة في قلبه، بل فعل هذا ابتغاء السمعة، فهو رحيم.

الرحمة في كل شيء يرتاح له الإنسان. أن تعمل أجهزة الجسم عملاً منتظماً فهو من رحمة الله ، وأن تأكل طعاماً لذيذاً فهو من رحمة الله ، وأن تشرب ماءً عذباً فهو من رحمة الله، وأن ترى طفلاً يتحرك في البيت، فهو من رحمة الله.

أما أن يقول الإنسان : سبحان الله ، خلقنا الله ليعذبنا ؛ هذا كلام الشيطان! ما خُلقنا للعذاب بل خُلقنا للرحمة، كي يسعدنا في الدنيا والآخرة. في الدنيا إذا آمنت به يمتعك؛ فيها سعادة ، و فيها سرور لمن أطاع الله عز وجل. ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم، ولكن العذاب الذي يعذبنا الله به من صنع أيدينا ، من معاصينا و ضلالنا و انحرافنا من طغياننا ، وبُعدِنا ، و تقصيرنا حتى الهمُّ يهتم له الإنسان، يكون انعكاساً لأعماله الزائغة.


الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الحمد على النعمة أمان من زوالها * ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها

كيف ؟
يعني إذا أعطاك الله نعمة الصحة ، وكنت شديداً عتيداً قوياً نشيطاً، لا بد من سنوات تمضي و تمضي حتى يأتي الأجل و يموت الانسان، فأين هذه النعمة ؟ زالت
لكنك إذا حمدت الله عليها، و ارتقت نفسك في مدارج الحمد، و سَمَت، سعدت بحمدك إلى الأبد

إذاً، الحمد على النعمة أفضل من النعمة نفسها
ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ / صحيح الجامع
ماذا أعطى العبد؟ هذه الكلمة؛ كلمة "الحمد لله"

كلمة الحمد لله يعني أنك تعرف الله، وإذا عرفته عرفت كل شيء، وإذا فتّه فاتك كل شيء.

الصلاة المفروضة وحدها في اليوم سبعة عشر ركعة، ومثلها سنن، يعني تقول "الحمد لله" في الصلاة حوالي أربعين مرة
هل أنت في مستوى هذه الآية ؟
يعني راض عن قضاء الله عز وجل فيك، راضٍ عن صحتك، عن زوجك، عن عملك؟
راضٍ ، أم ترى نفسك دائماً محروماً ؟

أكبر نعمة هي أن الله سبحانه وتعالى علمنا كيف نحمده. فمن رحمته أنه جعل الشكر في كلمتين. في شكر الناس نظل ننتقي الكلمات؛ فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. إذاً نحمده على أنه علمنا كيف نحمده.

الحمد يعطي كثيراً من النعم، وهو ليس كلمة ولكنه معنى وشعور في القلب وانفعال بالجوارح.
نعمة الإيجاد، الخلق، نعمة الإمداد، الرزق، نعمة الحياة الروحية، الهدى، ونعمة التقويم لله على كل شيء و إذا كان فهمك عميقاً جداً تحمده على المصيبة.
أحياناً يقسو المعلم على تلميذه كي يكون الأول في الصف، فإذا صار الأول يحمده على قسوته لا على جوائزه.

عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، و ليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، و إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له / حديث صحيح
كان إذا أصابه شيء يسره يقول : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وإذا جاءت الأمور على غير ما يريد ، يقول: الحمد لله على كل حال.



رَبِّ الْعَالَمِينَ

"الرب" هو من اجتمعت فيه ثلاثة أوصاف : الخلق، والملك، والتدبير

فالخالق الذي خلق، والرب هو الممد ، والإله هو المسير
ولكن معنى الربوبية يشمل التربية النفسية أيضاً ، فكل أنواع المصائب مشتقة من قولـه تعالى "الحمد لله رب العالمين"

الأب مثل مصغر، و لله المثل الأعلى : يمد ابنه بكل ما يحتاج؛ حاجاته، أدواته، كتبه، ألبسته، غرفته، بما فيها تدفئة ،طاولة إنارة ، سرير، وسائد مثلاً. هذا إمداد ، فإذا ضبطه يكذب فقد يضربه ليربيه.

التربية لها معنيان :
الأول : الامداد
الثاني : التربية النفسية

كل إنسان يتلقى من الله عز وجل تربيتين: تربية لجسمه، و تربية لنفسه.
كل ما يحدث لك فهو من الله عز وجل ، بناءً على واقعك

اختيار كلمة "رب" لأنها تناسب ما بعدها "اهدنا الصراط المستقيم"
ذلك أن من معاني الرب المربي، وهي أشهر معانيه. و أولى مهام الرب الهداية، لذا اقترنت الهداية كثيراً بلفظ الرب ، كما اقترنت العبادة بلفظ الله

"العالمين" قال العلماء: كل ما سوى الله فهو من العالَم. وُصفوا بذلك لأنهم عَلَم على خالقهم سبحانه وتعالى. ففي كل شيء من المخلوقات آية تدل على الخالق: على قدرته، وحكمته، ورحمته، وعزته، وغير ذلك من معاني ربوبيته.


الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الرحمن الرحيم إسم جامع لأسماء الله الحسنى ، فقوته ضمن رحمته ، ولطفه من رحمته ، وبطشه من رحمته ، وأفعاله نابعة من رحمته

إن ربوبية الله عز و جل مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة، لأنه تعالى لما قال : "رب العالمين"، كأن سائلاً يسأل : "ما نوع هذه الربوبية ؟ هل هي ربوبية أخذ و انتقام، أم ربوبية رحمة و إنعام؟" قال تعالى : "الرحمن الرحيم"


مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
و تقرأ ملك. فمالك بيده تحديد الموعد ، والملك هو المتصرف الوحيد فيه.

"مالك يوم الدين"
فيها إثبات ملك الله عز و جل، وملكوته يوم الدين. فإن قال قائل : أليس مالك يوم الدين - و الدنيا ؟
الجواب : بلى، لكن ظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه، إنما يكون في ذلك اليوم، لأن الله تعالى ينادي : " لمن الملك اليوم؟" فلا يجيب أحد، فيقول تعالى : " لله الواحد القهار".

"مالك يوم الدين"

لو عقلنا معناها لارتعدت فرائصنا نحن الآن مخيرون ما دام القلب ينبض.
إذا وصل الإنسان إلى يوم الدين، فقد انتهى اختياره، وانتهت الفرص كلها.
أمّا الآن فالفرص كلها مفتحة. أبوا ب الرحمة مفتحة ، أبواب التوبة مفتحة ، أبواب الاستقامة مفتحة ، أبواب العمل الصالح مفتحة. ما علينا إلا أن نشمر عن ساعد الجد ونعمل لذلك اليوم الرهيب.
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى. طه82

أما إذا جاء يوم الدين فلا اختيار لنا. هذه الأمانة التي أودعها الله فينا، هذا التكليف وهذا الاختيار الذي منحنا الله إياه، هذا العقل والفكر الذي ميزنا الله به. كله انتهى
هو في الدنيا مالك، وأنت مختار. لكن في الآخرة ملك الله تعالى كل شيء : ملك اختيارنا، فلا نستطيع أن نفعل شيئاً.

لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. المائدة 120
حرف "ما" يستعمل في اللغة لغير العاقل، وهذا دليل على سلب الاختيار في الآخرة.

أعلى مرتبة يبلغها الإنسان في الأرض، أن يدرك أن حق العبادة لله وحده. وأعلى مقام بلغه النبي عليه السلام، أنه كان عبداً لله؛ عبداً حقيقياً، فتطابقَ اختياره مع أمر الله تماماً. أحياناً لا يتطابق اختيارنا مع أمر الله ، تطبق مثلاً تسعين بالمئة، وتبقى عشرة بالمئة لا تطبقها في عملك، فلست إذاً عبداً كاملاً. العبودية الكاملة أن يكون اختيارك موافقاً مائة بالمائة ما أمر الله عز وجل. وإن لم تكن عبداً لله، فلا بد أن تكون عبداً لشهوتك. وإن لم تكن عبداً لشهوتك، فأنت عبد لعبدٍ من عبيد الله؛ عبد لعبد لئيم : كن للهِ عبداً فعبد الله حر.
إياك نعبد فإن العبادة : طاعة تامة ، مبنية على معرفة يقينية ، و منتهية بسعادة حقيقية.

تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة. / حديث صحيح


إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين
العبادة غاية الحب، بغاية الخضوع
قدم المفعول وهو إياك، و كرر للاهتمام والحصر
أي لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة

"نعبد" بصيغة الجمع، للاعتراف بقصور العبد عن الوقوف بباب ملك الملوك، لذا انضم إلى سلك المؤمنين.

تقديم العبادة على الاستعانة هو من باب تقديم الغايات على الوسائل. فالعبادة غاية العباد التي خلقوا لها، و الاستعانة وسيلة إليها.

"نستعين" الاستعانة تجمع أصلين : الثقة بالله و الاعتماد عليه

إن أفضل العبادة هو العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت و وظيفته؟ فأفضب العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، و إن آل إلى ترك الأوراد، من صلاة الليل و صيام النهار، بل و من ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن. و الأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً، القيام بحقه، و الاشتغال به عن الورد المستحب. و هكذا.
و صاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره. بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت.

أصل العبادة محبة الله، بل إفراده بالمحبة، فلا يحب معه سواه، و إنما يحب لأجله و فيه.
تتحق هذه العبودية و المحبة باتباع أمره و اجتناب نهيه

بنى "إياك نعبد" على أربع قواعد : التحقق مما يحبه الله و رسوله و يرضاه من قول اللسان و القلب، و عمل القلب و الجوارح.
قول القلب : اعتقاد ما أخبر الله تعالى عن نفسه.
قول اللسان : الدعوة إليه .
عمل القلب : كالمحبة له و التوكل عليه و الإنابة إليه، و الخوف و الرجاء و الصبر و الرضى و الموالاة فيه.
عمل الجوارح : كالصلاة و الجهاد و الإحسان إلى الخلق.


اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقيم
َهذا الدعاء الصريح الذي هو حظ العبد من الله تعالى، وهو التضرع إليه والإلحاح عليه أن يرزقه هذا المطلب العظيم، الذي لم يعط أحد في الدنيا والآخرة أفضل منه.


صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ
"أنعمت عليهم" بالمعرفة، وليس بالمال والجاه. هؤلاء يجب التعرف عليهم من خلال سيرهم، وبذلك يسهل السير على دربهم.

قوله تعالى "صراط الذين أنعمت عليهم" عطف بيان لقوله تعالى "الصراط المستقيم"
والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله تعالى:

مَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً. النساء69


غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين
"المغضوب عليهم" هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، و "الضالون" هم العاملون بغير علم.
الأولى صفة اليهود، و كل من علم بالحق و لم يعمل به.
الثانية صفة النصارى، و كل من عمل بغير الحق جاهلاً به.

نحن نقول في كل يوم يا رب لا تجعلني من هؤلاء المغضوبين والضالين.
فكم من مجلس علم حضرناه لنخرج من طريق الضالين، وهل عملنا بكل ما علمنا ؟ لهذا كان من دعائنا في كل ركعة من صلاتنا :

"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ "
هذا الدعاء تكرره وتجدده ليس لمجرد التثبيت على الحق، مع أن الثبات على الحق مطلوب، وسؤال الله تبارك وتعالى التثبيت عليه أمر عظيم، ولكن لتجدد حاجة الإنسان إلى معرفة الصراط المستقيم في كل وقت وفي كل حين. نحتاج أن يهدينا الله عز وجل, وأن نعرف الصراط المستقيم وأن نستقيم عليه دائماً في كل أمر من أمورنا.



يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين. فنصفها لي ونصفها لعبدي, و لعبدي ما سأل. إذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين. قال الله : حمدني عبدي. و إذا قال : الرحمن الرحيم. قال الله : أثني علي عبدي . فإذا قال : مالك يوم الدين . قال الله : مجدني عبدي . وإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين . قال : هذا بيني وبين عبدي و لعبدي ما سأل . فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . قال : هذا لعبدي، و لعبدي ما سأل." / حديث صحيح


المصادر : شرح الدكتور محمد راتب النابلسي / كتاب "شرح إياك نعبد و إياك نستعين" لابن القيم رحمه الله

---

tQhjApQm hgX;AjQhf * hgX,QhrAdQm * hgX;QhtAdQm