اخوي الارجواني
موضوع جدير بالقراءه لي عوده بإذن الله
وقد قرأت اسفار الجيل القديم
فعلا هناك صعوبه فائقه في قبول العقل لها فالتحريف فيها واضاح
|
الـحَـق, يشفق, يـَـضِـيـع, ولـَـن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لـ الله رب العالمين على نعمة الإسلام وتوفيق الإيمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ، ولا معبودٍ سواه ، وأشكره على أن جعلنى من خير أمة أخرجت للناس ، وأكرمنا بكاشف كل غمة ، سيد الخلق جميعآ (محمد رسول اللهالنبى الخاتمى والرسول الأعظم صاحب اللواء المعقود ، والحوض المورود والمقام المحمود إمام كل رسولآ ونبيآ وسيد كل عالم وتقى هدى العباد صراطآ مستقيمآ وداوى به من أمراض الضلالة والجهالة وقلوبآ وعقولآ من جاهد فى الله حتى أتاه اليقين فعبد ربه حتى ورمت قدماه وكان لا ينام قلبه وتنام عينه( صلى الله عليه وسلم).
وبعد
السلام علي المسلمين والمسلمات ورحمة الله وبركاته
السلام على إخواننا فى الإنسانية (النصارى)
السلام على اليهود
السلام على الملحدين
السلام على الكفار
إلى اخواننا في الإنسانية المسيحيين ، الراغبين في معرفة الحق والحقيقة ، في موضوع المسيح و المسيحية والإسلام ، الجادين في البحث عنهم أقدم هذا الموضوع ليكون نبراساً لهم في هذا الطريق.
وإذا كنتم ممن يجدون صعوبة في التخلي عن بعض المعتقدات والعادات الخاطئة. وقد يحاول الأقرباء والأصدقاء إقناعكم بعدم تغيير معتقداتكم ، فلتتذكروا إذن بأن إرضاء الله سبحانه أهم بكثير من إرضاء الناس كما في سفر الأمثال 29 : 25 ، متى 10 : 36 ، 37 ، وأننا سنقف أمام خالقنا يوم للمحاسبة دون أن ينفعنا مال أو أهل أو ولد.
" وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَ اتخذ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا " [ قرآن 4 : 125 ]
" وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " [ قرآن 2 : 130 ]
" مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [ قرآن 3 : 67 ]
تدعون أن المسيح – عليه السلام – اتخذ لنفسه كل الأسماء التي ينسبها العهد القديم لله سبحانه تعالى ، الأمر الذي يؤكد انه هو الله .
وللرد عليكم أقول :
هذه دعوى باطلة ، والدليل على بطلانها ان الله سبحانه وتعالى تفرد و تميز في العهد القديم بمجموعة من التسميات التي لم ينلها المسيح في العهد الجديد ، فمن ذلك على سبيل المثال :
1 – قيل عن الله بأن اسمه ( يهوه ) وذلك في مواضع كثيرة من العهد القديم ، كما في سفر الخروج 3 : 15 من قوله : " هذا اسمي إلى الأبد ". أي يهوه ، وكما في المزمور 83 : 18 من قوله : " ويعلموا أنك اسمك يهوه ". ومواضع أخرى كثيرة ، بينما لم يطلق هذا الاسم على المسيح ولو لمرة واحدة !
2 – قيل عن الله بأن اسمه ( الغيور ) ويرد هذا الاسم كثيرا في أسفار موسى الخمسة ، وبخاصة في المرات الثلاث التي تذكر فيها الوصايا العشر ( خر 20 : 5 ، 34 : 14 ، تث 5 : 9 ) ، فيقال عن الله إنه " غيور " وبخاصة في الآية : " لأن الرب اسمه غيور ، إله غيور هو " ( خر 34 : 14 ) وهي تشير إلى الغيرة الصالحة ، بينما لم يطلق هذا الاسم على المسيح ولو لمرة واحدة !
3 – قيل عن الله سبحانه وتعالى بأن اسمه ( رب الجنود ) في أكثر من 200 موضع ، كما في اشعيا 47 : 4 من قوله : " فادينا رب الجنود اسمه " . وكما في ارميا 46 : 18 من قوله : " حيّ انا يقول الملك رب الجنود اسمه " . بينما لم يطلق هذا الاسم على المسيح ولو لمرة واحدة !
4 – وقد سُمّي بـ ( عزيز يعقوب ) في مواضع كثيرة كما في تك 49 : 24 ، مز 132 : 2 ، مز 132 : 5 ، اش 49 : 26 ، اش 60 : 16 . بينما لم يطلق هذا الاسم على المسيح ولو لمرة واحدة !
5 - وقيل عنه : ( الإله العلي ) كما في تك 14 : 22 وأيضاً : ( الله العلي ) كما في تك 14 : 19 ، بينما لم يقل العهد الجديد ذلك عن المسيح ولو لمرة واحدة !! الا انه سمي بـ ( ابن العلي ) في إنجيل لوقا 1 : 32 ، و بما ان الله هو ( العلي ) فتكون له وحده العلياء الاختياري. وبما ان يسوع هو ( ابن العلي ) فهذ يعني انه لا يمكن أن يكون العلي بذاته. وان الاستعمال اللغوي للاب والابن عن الرب وعن المسيح ، يوضح انهما ليسا ذات الكيان. في حين يتشابه الابن مع أباه الا انهما لا يمكن أن يكونا ذاتاً واحدة .
6 - لقد قال الله سبحانه وتعالى عن نفسه مرارًا وتكراراً وبكل صراحة : " اني انا الرب الهكم ". خر 6: 7 ، لا 20: 7 ، تث 29: 6 ، حز 20: 20 ، يؤ 2: 27 . بينما المسيح لم يقل ذلك عن نفسه وهو على الأرض يومًا قط .
الله هو الذي أعطى المسيح وأخضع الله له كل شيىء
يتخذ المسيحيون من الأعمال المعجزية التي قام بها المسيح – عليه السلام – كأحياء الموتى وشفاء المرضى وغير ذلك ، دليلاً قوياً على سلطانه ولاهوته المزعوم ، إلا أنهم يتناسون في الوقت ذاته بأن الله سبحانه وتعالى هو المنعم والمعطي الحقيقي الذي أخضع للمسيح كل شيىء ، وان المسيح – عليه السلام - برىء من تلك الطبيعة اللاهوتية المنسوبة إليه ، بدليل الآتي :
1- من رسالة بولس لأهل كورنثوس 15 : 24 بحسب الترجمة العربية المشتركة :
" ويكونُ المُنتَهى حينَ يُسَلِّمُ المَسيحُ المُلْكَ إلى الله الآبِ بَعدَ أنْ يُبيدَ كُلَّ رئاسَةٍ وكُلَّ سُلطَةٍ وقُوّةٍ. فلا بُدَّ لَه أنْ يَملِكَ حتّى يَضَعَ جميعَ أعدائِهِ تَحتَ قدَمَيهِ. والموتُ آخِرُ عَدُوٍّ يُبيدُه. فالكِتابُ يَقولُ إنَّ اللهَ : أخضَعَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ قدَمَيهِ. وعِندَما يَقولُ : (( أخضَعَ كُلَّ شيءٍ )) ، فمِنَ الواضِحِ أنَّهُ يَستَثني اللهَ الآبَ الّذي أخضَعَ كُلَّ شيءٍ لِلمَسيحِ " .
2 – من رسالة بولس لأهل أفسس 1 : 22 بحسب الترجمة العربية المشتركة :
" وأيّ قُوَّةٍ عظيمةٍ فائِقَةٍ تَعمَلُ لأجلِنا نَحنُ المُؤمنينَ وهِيَ قُدرَةُ الله الجَبّارَةُ الّتي أظهَرَها في المَسيحِ حينَ أقامَهُ مِنْ بَينِ الأمواتِ وأجلَسَهُ إلى يَمينِهِ في السَّماواتِ، فوقَ كُلِّ رِئاسَةٍ وسُلطانٍ وقُوَّةٍ وسِيادَةٍ، وفَوقَ كُلِّ اسمِ يُسَمَّى، لا في هذا الدَّهرِ فقط، بَلْ في الدَّهرِ الآتي أيضًا، وجعَلَ كُلَّ شيءٍ تَحتَ قَدَمَيْهِ ورَفَعَهُ فَوقَ كُلِّ شيءٍ رَأْسًا لِلكنيسَةِ " .
3 – من انجيل يوحنا 5 : 26 بحسب ترجمة فاندايك :
" لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ " .
4 – من انجيل يوحنا 5 : 30 بحسب ترجمة فاندايك :
" وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ ".
5 – من انجيل يوحنا 3 : 35 بحسب ترجمة فاندايك :
" اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ " .
6 – من إنجيل يوحنا 13 : 3 بحسب ترجمة فاندايك :
" يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجَ وَإِلَى اللَّهِ يَمْضِي " .
7 – من انجيل يوحنا 5 : 36 بحسب ترجمة فاندايك :
" لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا هَذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي ".
8 – من إنجيل يوحنا 5 : 22 بحسب ترجمة فاندايك :
" لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَداً بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ ".
9 – من سفر الاعمال 2 : 36 بحسب ترجمة فاندايك :
" فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً وَمَسِيحاً " .
10 – من انجيل متى 28 : 18 بحسب ترجمة فاندايك :
" فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ " .( hgJpQJr pQJr ,gJQJk dJQJqAJdJu tJiQJg hglQJJsJJJdJp iEJJJJ, hggi )
اخوي الارجواني
موضوع جدير بالقراءه لي عوده بإذن الله
وقد قرأت اسفار الجيل القديم
فعلا هناك صعوبه فائقه في قبول العقل لها فالتحريف فيها واضاح
عرض القرآن الكريم صورة المسيح الحقيقية ، من لحظة ولادته إلى نهاية وجوده على وجه الأرض ، موضحاً حقيقة هذه الشخصية ، وهدف دعوتها ، وأركان رسالتها ، وما أختصها الله سبحانه وتعالى بالمعجزات . وذلك على النحو التالي :
1 - عيسى ابن مريم - عليه السلام - هو بشر مخلوق ، وعبد للخالق عز وجل ، وليس هو إله ، ولا بابن إله ، وأمه امرأة طاهرة ظهرت براءتها على لسان رضيعها ، وكانت هذه هي الحقيقة الأولى التي نطق بها المسيح وهو في المهد ، حيث انطقه الله القادر على كل شيىء ، وذلك قوله سبحانه وتعالى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } [ مريم 29-30 ]
فالمسيح ليس إلا بشراً مخلوقاً ، ونبياً مرسلاً ، كما قال الله سبحانه وتعالى عنه : { إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الزخرف : 59 ] وكما قال ايضا ً : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ } [ المائدة : 75 ] .
نلاحظ في هاتين الآيتين وجود أداة الاستثناء والحصر ( إلا ) من قوله : { إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ } وقوله : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُول } فالمسيح ما هو الا عبد رسول من عند الله لا أكثر ولا أقل.
والمسيح عليه السلام لن يستكبر عن الخضوع لخالقه ، بل يتشرف في كونه عبداً للخالق العظيم سبحانه وتعالى ، وهذا مصداق قوله سبحانه وتعالى : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } [ النساء : 172 ]
وما كانت ولادته - عليه السلام - بهذا الشكل المعجز ، إلا لأنه آية للناس ، على قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق .
ولقد سبقه في هذه الطريقة المعجزة التي خلق بها ، في تميزها وغرابتها ، مثل قديم ، وهو آدم أبي البشر - عليه السلام - ، قال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ]
2 _ عيسى ابن مريم - عليه السلام - نبي ورسول من عند الله عز وجل ، كغيره من الانبياء والمرسلين ، جاء ليدعو إلى توحيد الخالق سبحانه وتعالى ، ويصحح انحراف اليهود عن دينهم ، وبعدهم عن شريعتهم : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [ المائدة : 75 ] .
وقوله تعالى :{ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }[ الزخرف : 63 ]
وقوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ البقرة : 253 ]
وقوله تعالى : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ } [ الحديد : 27 ]
3_ عيسى ابن مريم - عليه السلام - إنسان بار بوالدته ، ليس بجبار ولا شقي .
قال الله سبحانه وتعالى على لسانه : { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } [ مريم : 32 ]
وهذه الحقيقة القرآنية تنفي بوضوح كل ما جاء في الانجيل الحالي ، من أن المسيح - عليه السلام - كان إنساناً مستهتراً بأمه ، يناديها بكل لا مبالاه قائلاً : " مالي ولك يا إمرأة ؟! " [ يوحنا 2 : 4 ]
4 _ عيسى ابن مريم - عليه السلام - في القرآن الكريم هو قدوة صالحة ، وأنموذج رائع للإيمان والعبادة والإخلاص لله سبحانه وتعالى ، يقول الله تعالى على لسانه : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } [ مريم : 30 _ 31 ]
5_ حقيقة رسالة المسيح - عليه السلام - ، ومحدوديتها ، إذ بعثه الله تعالى إلى طائفة محددة من البشرية ، فليست رسالته عامة لكافة الناس ، وإنما هو نبي مرسل إلى بني اسرائيل ، وفقط ، والآيات القرآنية واضحة في هذه النقطة ، حيث تبين محدودية رسالة المسيح ، واختصاصها ببني اسرائيل وحدهم ، يقول الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } [ الصف : 6 ] وقوله تعالى : { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ آل عمران : 48 ]
وهذ النصوص فيها رد واضح على كل دعوى تقول : إن المسيحية دين عالمي ، وأن التبشير به من أركان ذلك الدين .
6 _ يعرض القرآن الكريم حقيقة المسيح - عليه السلام - ومهمته التي جاء لأجلها ، وأن له وقتاً محدداً سوف يمضي فيه بدعوته إلى الله تعالى ، حيث سيبلغ رسالة ربه المتمثله في الإنجيل ، وليتابع شريعة وسيرة التوراة ، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 46 ]
7_ يذكر القرآن الكريم إحدى أهم وظائف المسيح - عليه السلام - وهي الإخبار والتبشير بمجيىء النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين } [ الصف : 6 ]
8 _ المسيح - عليه السلام - هو كلمة الله تعالى ، يقول الله عز وجل : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [ النساء : 171 ]
تأمل أخي القارىء كيف ورد قوله تعالى " وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " في سياق واضح وقوي ينهى النصارى عن الغلو، إذ أنهم تجاوزوا الحد في المسيح حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها. والمقصود بالكلمة هنا في قوله : " وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " : هو الأمر الإلهي ، الذي صدر عن الله تعالى بلفظ ( كن ) ، من غير واسطة أب ، فالمسيح مخلوق بالكلمة وليس هو الكلمة . ولهذا قيل لعيسى إنه كلمة الله لأنه لم يكن له أب تولد منه وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ]
فالخالق العظيم وهو اللَّه يَخْلُق مَا يَشَاء إذَا قَضَى أَمْرًا أَرَادَ خَلْقه فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون .
9_ المسيح - عليه السلام - هو روح من الله تعالى ، يقول الله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [ النساء : 171 ]
مرة أخرى تأمل أخي القارىء كيف ورد قوله تعالى " وَرُوحٌ مِنْهُ " في سياق واضح وقوي ينهى النصارى عن الغلو، وكيف أن المسيح لن يستنكف أن يكون عبداً لله
وكلمة روح هنا ليست خصيصة اختص الله تعالى بها في قرآنه المسيح - عليه السلام - فهناك معان أخرى لكلمة روح ، وهناك من أطلقت عليه هذه اللفظة أيضاً :
يقول الله تعالى عن آدم عليه السلام : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ]
والقرآن الكريم هو نفسه روح من أمر الله تعالى ، قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ]
ووحي الله تعالى لكل أنبيائه ، سمي في القرآن روحاً من أمر الله تعالى ، يقول الله تعالى : { يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ } [ النحل : 2 ]
وجبريل أمين الوحي - عليه السلام - سمي في القرآن روحاً من الله تعالى وذلك في قوله تعالى : { فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } [ مريم : 17 ] وقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 192 ]
وقد سمى القرآن الكريم معونة الله تعالى ، وتأييده ، ونصره للمؤمنين ، عند القتال بالروح منه ، قال الله تعالى : { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } [ المجادلة : 22 ]
وإذا انتقلنا إلي كتب النصارى نجد أن كاتب رسالة يوحنا الأولى [ 4 : 1 ] قد صرح بأن الروح التي هي من الله ليست هي الله وإنما هي شخص أو إنسان فقال : " أيها الأحبة لا تصدقوا كل روح ، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله ؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم ". ( ترجمة فاندايك )
إن قول يوحنا : " لا تصدقوا كل روح " يفيد أن الروح شخص ، فهو صادق إذا قامت البراهين على صدقه ، وكاذب إن دلت الأدلة على كذبه .
إن إقرار القرآن الكريم بشأن المسيح عليه السلام بأنه ( روح منه ) ، المراد بذلك أن المسيح روح خيرية علوية ، وليس هو من الأرواح الشيطانية النجسة كما كان يتهمه اليهود : " لأنهم قالوا إن معه روحاً نجساً " مرقص 3 : 30 ، " وأنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين " مرقص 3 : 22 . ، " وأجاب الجميع وقالوا بك شيطان " يوحنا 7 : 20 .
فنطق القرآن الكريم في شأن المسيح عليه السلام بما ينفي عنه وصمة ما ألصقه أعداؤه به قائلاً : " وروح منه " ، مقرراً أنه ليس هو كما يقول اليهود عنه بأنه روح شيطانية أرضية شريرة ، بل هو روح خيرية علوية قدسية . وهو تـفنيد أيضاً لمن يعتـقـد بأن المسيح إله أو انه إله مع الله ، فجاء الرد الإلهي بأنه روح منه أي كباقي الأرواح التي خلقها الله سبحانه وتعالى .
10_ معجزات السيد المسيح - عليه السلام - :
السيد المسيح - عليه السلام - نبي كسائر الأنبياء - عليهم السلام - دعا قومه إلى الايمان بالله تعالى ، وبين لهم شرائع اختلفوا فيها ، ومنهجاً للحياة السعيدة ، يقول الله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [ الزخرف : 63 ]
ومع هذه الدعوى إلى الله تعالى : كان لا بد من معجزات تظهر تأييد الله عزوجل لرسوله بدعوته ، وهذه المعجزات تتناسب مع أحوال كل قوم من الأقوام .
والمعجزات المذكورة في القرآن الكريم عن المسيح - عليه السلام - هي :
1 . إبراء الأكمة .
2 . إبراء الأبرص .
3 . إحياء الموتى .
4 . نزول المائدة من السماء .
5 . تصوير الطين ، والنفخ فيه ، فيصبح حياً بإذن الله سبحانه وتعالى .
6 . الإخبار ببعض المغيبات . التي اطلعه الله عليها .
7 . الكلام في المهد .
وكل هذه المعجزات هي بأمر الله تعالى وإذنه ، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [ الرعد : 38 ]
والآيات التي ذكرت تلك المعجزات لم تغفل هذه الناحية ، حيث بينت أن هذه المعجزات هي لإثبات نبوة المسيح عليه السلام وكلها تجري بأمر الله تعالى وتأييده .
يقول الله تعالى : { وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 49 ]
ارجو ان نتنبه إلي قوله تعالى : ( بِإِذْنِ اللّهِ ) فهو ينفي أن يكون المسيح فعل ذلك بذاته ، والذي يفعل ذلك بإذن غيره ، يدل على أنه في الأصل عاجز عن ذلك ، والإله لا يوصف بالعجز أو صفات النقص ، ومن يوصف بذلك ليس بإله .
ثم ان الله لم يذكر عن المسيح خلقاً مطلقاً ، ولا خلقاً عاماً ، كما ذكر عن نفسه تبارك وتعالى ، في كثير من الآيات كقوله سبحانه : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } ، و كقوله : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } ، وقوله : { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. وأما المسيح عليه السلام فقال فيه : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي } .. وقال المسيح عن نفسه : { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ } .. فلم يذكر إلا خلق شيء معين خاص بإذن الله ، فكيف يكون هذا الخالق هو ذاك ؟!
وقد ذكرنا في بداية المقال قول الله تعالى عن المسيح في سورة الزخرف : 59 : { إِنْ هُوَ إِلا عَبْـــدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ }.
مرة أخرى ارجو ان نتنبه الى أداة الحصر وهي حرف ( إلا ) في قوله تعالى : " إِنْ هُوَ إِلا عَبْــدٌ "
فالمسيح ليس إلا عبــد بشر بنص الآية الكريمة
11_ نهاية المسيح عليه السلام :
أراد اليهود قتل نبي الله عيسى عليه السلام فتآمروا على ذلك ، إلا ان الله سبحانه وتعالى أنجاه منهم فرفعه إليه ولم يتمكنوا منه قال الله تعالى عن اليهود : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً} [ النساء : 157 ]
وفي قولهم - أي قول اليهود كما حكاه الله عنهم - وهو : { إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } دلالة ظاهرة على منتهى جرأتهم وقبح أفعالهم وتمردهم على الحق فهم لم يكتفوا بتكذبيه بل سعوا إلى قتله وعزموا على ذلك وأعلنوا فعلتهم الشنعاء وأنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وأشاعوا ذلك بين الناس ، إلا أن الحقيقة هي ان الله سبحانه وتعالى حفظ المسيح عليه السلام ورفعه إلى السماء ولم يتمكنوا منه وكان الله عزيزاً حكيماً
وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبدالله - عليه الصلاة والسلام - رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه ، وأنه لم يمت ولم يقتل ولم يصلب ، وأنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال ، ويكسر الصليب ، ويحرم أكل الخنزير ، ويضع الجزية بمعنى أنه لا يقبل إلا الاسلام ، وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة ، وقد أجمع علماء الاسلام الذين يعتمد على أقوالهم على ماذكرناه ، وإنما اختلفوا في معنى التوفي المذكور في قول الله عز وجل : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [ آل عمران : 55 ] على أقوال :
أحدها : أن المراد بذلك وفاة الموت ، لأنه الظاهر من الآية بالنسبة إلى من لم يتأمل بقية الأدلة والقرائن ، ولأن ذلك قد تكرر في القرآن الكريم بهذا المعنى ، مثل قوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ السجدة : 11 ] ، وقوله سبحانه : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ } [ الانفال : 50 ] وعلى هذا المعنى يكون في الآية تقديم وتأخير .
القول الثاني : معناه القبض ، نقل ذلك ابن جرير في تفسيره عن جماعة السلف ، واختاره ورجحه على ما سواه ، ومن هذا المعنى قول العرب : توفيت مالي من فلان أي قبضته كله وافياً وعليه يكون معنى الآية : إني قابضك من عالم الأرض إلى عالم السماء وأنت حي ورافعك إلي .
القول الثالث : إن المراد بذلك وفاة النوم ، لأن النوم يسمى وفاة ، كقوله تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الزمر : 42 ]
والقولان الأخيران أرجح من القول الاول .
ومهما يكن من أمر فالحق الذي دلت عليه الأدلة البينة ، وتظاهرت عليه البراهين ، أنه عليه الصلاة والسلام رفع إلي السماء حياً ، وأنه لم يمت ، بل لم يزل عليه السلام حياً في السماء ، إلى أن ينزل في آخر الزمان ويقوم بأداء المهمة التي أسندت إليه ، المبينة في أحاديث صحيحة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسيكون نزوله عليه الصلاة والسلام علامة من علامات الساعة . لقوله سبحانه وتعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } أي أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان ، ويكون نزوله ، علامه من علامات الساعة .
ثم يموت بعد ذلك الموته التي كتبها الله عليه مصداقاً لقوله تعالى : { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا }
وأما من زعم أن اليهود قد تمكنوا منه وأنهم قتلوه أو صلبوه فصريح القرآن يرد قوله ويبطله ، والأدلة على ذلك كثيرة معلومة ، منها قوله سبحانه وتعالى في شأن عيسى عليه السلام : { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مبين } [ المائدة : 110 ] فقد كف الله سبحانه اليهود عن المسيح حين هموا بقتله وانجاه من كيدهم .
ومن ذلك قوله تعالى على لسان المسيح : { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ } ولا شك ان السلام على المسيح حين يموت لا يكون بتعليقه على الصليب ودق المسامير في يديه حتى يموت معذباً.
ومن ذلك قوله تعالى : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [ النساء : 157 ]
12 _ إبطال وقوع صلب المسيح بالدليل التاريخي :
يدعي النصارى أن المسلمين بقولهم بنجاة المسيح من الصلب ينكرون حقيقة تاريخية أجمع عليها اليهود والنصارى الذين عاصروا صلب المسيح ومن بعدهم.
فكيف لنبي الإسلام وأتباعه الذين جاءوا بعد ستة قرون من الحادثة أن ينكروا ذلك؟ !!
قد يبدو الاعتراض النصراني وجيهاً لأول وهلة، لكن عند التأمل في شهادة الشهود تبين لنا تناقضها وتفكك رواياتهم.
ولدى الرجوع إلى التاريخ والتنقيب في رواياته وأخباره عن حقيقة حادثة الصلب، ومَن المصلوب فيها ؟ يتبين حينذاك أمور مهمة:
- أن قدماء النصارى كثر منهم منكرو صلب المسيح، وقد ذكر المؤرخون النصارى أسماء فرق كثيرة أنكرت الصلب.
وهذه الفرق هي: الباسيليديون والكورنثيون والكاربوكرايتون والساطرينوسية والماركيونية والبارديسيانية والسيرنثييون والبارسكاليونية والبولسية والماينسية، والتايتانيسيون والدوسيتية والمارسيونية والفلنطانيائية والهرمسيون.
وبعض هذه الفرق قريبة العهد بالمسيح، إذ يرجع بعضها للقرن الميلادي الأول ففي كتابه "الأرطقات مع دحضها " ذكر القديس الفونسوس ماريا دي ليكوري أن من بدع القرن الأول قول فلوري: إن المسيح قوة غير هيولية، وكان يتشح ما شاء من الهيئات، ولذا لما أراد اليهود صلبه؛ أخذ صورة سمعان القروي، وأعطاه صورته، فصلب سمعان، بينما كان يسوع يسخر باليهود، ثم عاد غير منظور، وصعد إلى السماء.
ويبدو أن هذا القول استمر في القرن الثاني، حيث يقول فنتون شارح متى: " إن إحدى الطوائف الغنوسطية التي عاشت في القرن الثاني قالت بأن سمعان القيرواني قد صلب بدلاً من يسوع".
وقد استمر إنكار صلب المسيح، فكان من المنكرين الراهب تيودورس (560م) والأسقف يوحنا ابن حاكم قبرص (610م) وغيرهم.
ولعل أهم هذه الفرق النكرة لصلب المسيح الباسيليديون؛ الذين نقل عنهم سيوس في " عقيدة المسلمين في بعض مسائل النصرانية " والمفسر جورج سايل القول بنجاة المسيح، وأن المصلوب هو سمعان القيرواني، وسماه بعضهم سيمون السيرناي، ولعل الاسمين لواحد، وهذه الفرقة كانت تقول أيضاً ببشرية المسيح.
ويقول باسيليوس الباسليدي: " إن نفس حادثة القيامة المدعى بها بعد الصلب الموهوم هي من ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب على ذات المسيح".
ولعل هؤلاء هم الذين عناهم جرجي زيدان حين قال: " الخياليون يقولون: إن المسيح لم يصلب، وإنما صلب رجل آخر مكانه ".
ومن هذه الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلاً عنه: الكورنثيون والكربوكراتيون والسيرنثيون. يقول جورج سايل: إن السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرق النصارى، قالوا : إن المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبهاً تاماً، وهناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصاً آخر صلب بدلاً من المسيح.
وثمة فِرق نصرانية قالت بأن المسيح نجا من الصلب، وأنه رفع إلى السماء، ومنهم الروسيتية والمرسيونية والفلنطنيائية. وهذه الفرق الثلاث تعتقد ألوهية المسيح، ويرون القول بصلب المسيح وإهانته لا يلائم البنوة والإلهية.
كما تناقل علماء النصارى ومحققوهم إنكار صلب المسيح في كتبهم، وأهم من قال بذلك الحواري برنابا في إنجيله.
ويقول ارنست دي بوش الألماني في كتابه " الإسلام: أي النصرانية الحقة " ما معناه: إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس، ومن شابهه من الذين لم يروا المسيح، لا في أصول النصرانية الأصلية.
ويقول ملمن في كتابه " تاريخ الديانة النصرانية " : " إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن ".
وأخيراً نذكر بما ذكرته دائرة المعارف البريطانية في موضوع روايات الصلب حيث جعلتها أوضح مثال للتزوير في الأناجيل.
ومن المنكرين أيضاً صاحب كتاب " الدم المقدس، وكأس المسيح المقدس " فقد ذكر في كتابه أن السيد المسيح لم يصلب، وأنه غادر فلسطين، وتزوج مريم المجدلية، وأنهما أنجبا أولاداً، وأنه قد عثر على قبره في جنوب فرنسا، وأن أولاده سيرثون أوربا، ويصبحون ملوكاً عليها.
وذكر أيضاً أن المصلوب هو الخائن يهوذا الأسخريوطي، الذي صلب بدلاً من المسيح المرفوع.
وإذا كان هؤلاء جميعاً من النصارى، يتبين أن لا إجماع عند النصارى على صلب المسيح، فتبطل دعواهم بذلك.
ويذكر معرِّب " الإنجيل والصليب " ما يقلل أهمية إجماع النصارى لو صح فيقول بأن أحد المبشرين قال له: كيف يُنكر وقوع الصليب، وعالم المسيحية مطبق على وقوعه ؟
فأجابه: كم مضى على ظهور مذهب السبتيين ؟ فأجاب القس المبشر: نحو أربعين سنة.
فقال المعرِّب: إن العالم المسيحي العظيم الذي أطبق على ترك السبت خطأ 1900 سنة، هو الذي أطبق على الصلب.
وأما إجماع اليهود فهو أيضاً لا يصح القول به، إذ أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس المعاصر للمسيح والذي كتب تاريخه سنة 71م أمام طيطوس لم يذكر شيئاً عن قتل المسيح وصلبه.
أما تلك السطور القليلة التي تحدثت عن قتل المسيح وصلبه، فهي إلحاقات نصرانية كما جزم بذلك المحققون وقالوا: بأنها ترجع للقرن السادس عشر، وأنها لم تكن في النسخ القديمة.
ولو صح أنها أصلية فإن الخلاف بيننا وبين النصارى وغيرهم قائم في تحقيق شخصية المصلوب، وليس في وقوع حادثة الصلب. { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه } (النساء: 157) وهذا حال اليهود والنصارى فيه.
ولكن المؤرخ الوثني تاسيتوس كتب عام 117م كتاباً تحدث فيه عن المسيح المصلوب.
وعند دراسة ما كتبه تاسيتوس، يتبين ضعف الاحتجاج بكلامه، إذ هو ينقل إشاعات ترددت هنا وهناك، ويشبه كلامه أقوال النصارى في محمد صلى الله عليه وسلم في القرون الوسطى.
ومما يدل على ضعف مصادره، ما ذكرته دائرة المعارف البريطانية، من أنه ذكراً أموراً مضحكة، فقد جعل حادثة الصلب حادثة أممية، مع أنها لا تعدو أن تكون شأناً محلياً خاصاً باليهود، ولا علاقة لروما بذلك.
ومن الجهل الفاضح عند هذا المؤرخ، أنه كان يتحدث عن اليهود - ومقصده: النصارى. فذكر أن كلوديوس طردهم من رومية، لأنهم كانوا يحدثون شغباً وقلاقل يحرضهم عليها " السامي " أو " الحسن " ويريد بذلك المسيح.
ومن الأمور المضحكة التي ذكرها تاسيتوس قوله عن اليهود والنصارى بأن لهم إلهاً، رأسه رأس حمار، وهذا هو مدى علمه بالقوم وخبرته.
كما قد شكك المؤرخون بصحة نسبة العبارة إلى تاسيتوس، ومنهم العلامة أندريسن وصاحبا كتابي " ملخص تاريخ الدين " و " شهود تاريخ يسوع ".
وقد تحدث أندريسن أن العبارة التي يحتج بها النصارى على صلب المسيح في كلامه مغايِرة لما في النسخ القديمة التي تحدثت عن CHRESTIANOS بمعنى الطيبين، فأبدلها النصارى، وحوروها إلى: CHRISTIANOS بمعنى المسيحيين.
وقد كانت الكلمة الأولى ( الطيبين ) تطلق على عُبّاد إله المصريين "أوزيريس"، وقد هاجر بعضهم من مصر، وعاشوا في روما، وقد مقتهم أهلها وسموهم: اليهود، لأنهم لم يميزوا بينهم وبين اليهود المهاجرين من الإسكندرية، فلما حصل حريق روما؛ ألصقوه بهم بسبب الكراهية، واضطهدوهم في عهد نيرون.
وقد ظن بعض النصارى أن تاسيتوس يريد مسيحهم الذي صلبوه، فحرف العبارة، وهو يظن أنه يصححها. ويرى العلامة أندريسن أن هذا التفسير هو الصحيح.
وإلا كان هذا المؤرخ لا يعرف الفرق بين اليهود والنصارى، ويجهل أن ليس ثمة علاقة بين المسيح وروما.
وهكذا فإن التاريخ أيضاً ناطق بالحقيقة، مُثبت لما ذكره القرآن عن نجاة المسيح وصلب غيره.
وتذكر دائرة المعارف الكتابية سفرا اسمه " اعمال يوحنا " وهو من الاسفار التي حكمت الكنيسة بعدم قراءته وانه من الاسفار الأبوكريفية . و تقول المصادر المسيحية ان هذا السفر من المحتمل أنه قد كتب فيما بين 150 - 180 ميلادية . ومما جاء في هذا السفر أن صلب يسوع كان مجرد مظهر وهمي ، وأن الصعود حدث عقب الصلب الظاهري مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت أصلاً . هذا وقد كان لأعمال يوحنا تأثير واسع كما تذكر الدائرة .
ونجد في مخطوطات ( نجع حمادي ) المكتشفة في مصر؛ حيث كشف بعد الحرب العالمية الثانية عن ثلاثة وخمسين نصاً، تقع في ألف ومائة وثلاثة وخمسين صفحة، ومن هذه النصوص ما تحدث عن نجاة المسيح، وأنه لم يصلب.
ولم يرد في هذه المخطوطات أيُّ ذِكْرٍ لمحاكمة المسيح وصلبه، بل جاء في إنجيل بطرس على لسان بطرس: "رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: ما هذا الذي أراه يا سيد ؟ هل هو أنت حقاً من يأخذون ؟ أم أنهم يدقون قدميّ ويديّ شخص آخر ؟ قال لي المخلص من يُدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار ! انظر إلي ، وانظر إليه ". [ رؤيا بطرس 24-81.4، نجع حمادي 344 ] ( Pagels.TGGp.72)
وفي مخطوطة أخرى من هذه المخطوطات وهي كتاب " سيت الأكبر Second Treatise of Great Seth " جاء على لسان المسيح "كان شخص آخر، هو الذي شرب المرارة والخل، لم أكن أنا. كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه، كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه. وكنت أنا مبتهجاً في العُلا أضحك لجهلهم ". [ رسالة شيث الكبير الثانية 19-56.6 ، نجع حمادي 332] ( Pagels.TGGp.72-73)
وفي مخطوطة " مقالة القيامة ": ما يدل على أن المسيح مات موتاً طبيعياً، وأن روحه المقدسة لا يمكن أن تموت.
يقول البرفسور بورتون ماك Burton : (( أما بالنسبة لقصة الصلب والقيامة ، فإن مرقس _ أول من كتب القصة _ أخذ الفكرة الأساسية من أسطورة كريستوس غير أنه تجرأ بأن تخيل كيف يمكن أن تبدو قصة الصلب والقيامة لو كتبها تاريخاً فعلياً تمت أحداثه في القدس وهو ما كانت الأسطورة ترفضه ، وهكذا يمكننا أن نفهم قصة مرقس باعتبارها دمجاً لأحداث المسيح الحقيقي مع أسطورة كريستوس )) ويقول البرفسور: (( كافة القصص في الأسفار الأخرى تبدأ من مرقس ، فلا يغير أحد من المؤلفين بعد مرقس أساس القصة ) وايضاً : (( ثم بعد ذلك صار المسيحيون يتخيلون قصة مرقس الخيالية كما لو كانت تاريخاً واقعاً ) ( Mack WWNT p.152 )
وفوق كل ذلك نلاحظ أنه لا يوجد في سفرالأقوال Q ولا في سفر توما Thomas المكتشف حديثاً ، أي اشارة لا من قريب ولا من بعيد عن قصة الآلام والصلب ، مع أنهما كتبا في وقت مبكر أي حوالي ثلاثين عاماً قبل أن تكتب أي من الاسفار الاربعة القانونية .
ومن المعلوم ان المجامع الأولى قد حرمت قراءة الكتب التي تخالف الكتب الاربعة والرسائل التي اعتمدتها الكنيسة فصار أتباعها يحرقون تلك الكتب ويتلفونها ، وما يدرينا أن تلك الكتب التي فقدت وحوربت كانت تنكر الصليب ؟ فنحن لا ثقة لنا باختيار المجامع البشرية لما اختارته فنجعله حجة ونعد ما عداه كالعدم . وها هو مجمع (ترنت) الذي عقد في القرن الخامس عشر والذي صادق على قرارات مجمع ( قرطاج Carthage ) سنة 397 بشأن الاسفار السبعة وحكم بقانونيتها ، فجاءت الكنيسة البروتستنانية بعد ذلك في اوائل القرن السادس عشر ورفضت قرارات هذين المجمعين !
ومن الروعة أن نقارن كل ذلك مع ماورد في القرآن الكريم بهذا الموضوع : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [ النساء : 4 / 157 ]
ان احد الاستنتاجات الواضحة من العلاقة بين الرب والمسيح ، نجدها في تيموثاوس [ 2 : 5 ] فهو يقول : (( لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والإنسان يسوع المسيح ))
ان التمعن في هذه الكلمات المشار إليها أعلاه ، يوصلنا إلى الاستنتاجات التالية:-
لانه يوجد إله واحد فقط ، فلا يمكن ان يكون المسيح إله . وإذا كان الأب هو الرب ، والمسيح هو رب أيضا، فسوف نكون أمام إلهين . (( لكن لنا إله واحد وهو الأب )) [ الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 8 : 6 ]. لذلك كان من غير المعقول ان يكون هناك كيان آخر ، يسمى ( الله الابن ) كما يزعم أصحاب مقولة الثالوث الكاذبة. (( أليس لنا أب واحد لكلنا ، أليس إله واحد خلقنا )) سفر ملاخي [ 2 : 10 ]
ونجد في العهد القديم أيضاً وصف مماثل ( ليهوه ) بأنه رب واحد وهو الأب : اشعياء [ 63 : 16 ، 64 : 8 ].
فبالاضافة الى هذا الرب الواحد ، يوجد وسيط . انه الرجل يسوع المسيح ((.و وسيط واحد.)) و لاحظ عزيزي القارىء أن حرف الواو ( و ) يشير إلى ان المسيح يختلف عن الرب .
وأن المقصود بـ (( الوسيط )) هو ان المسيح يتوسط بين الانسان والرب . ولا يعقل ان يكون الرب وسيطاً وانما يجب ان يكون انساناً ذو طبيعة انسانية . وان قول بولس : (( الانسان يسوع المسيح )) لا يترك مجالا للشك في صحة هذا التفسير.
ورغم ان المسيح كان (( ابن انسان )) . وقد جاء في العهد الجديد ذكره مرارا بـ : (( الانسان يسوع المسيح )) . الا انه سمي (( ابن العلي )) [ انجيل لوقا 32:1 ] و بما ان الله هو (( العلي )) فتكون له وحده العلياء الاختياري . وبما ان يسوع هو (( ابن العلي )) فهذ يعني انه لا يمكن أن يكون الرب بذاته. وان الاستعمال اللغوي للاب والابن عن الرب وعن المسيح ، يوضح انهما ليسا ذات الكيان. في حين يتشابه الابن مع أباه الا انهما لا يمكن أن يكونا ذاتاً واحدة .
وقد جاءت في الاناجيل فروق واضحة بين الله والمسيح ، وهذه الفروقات تظهر بكل وضوح بأن يسوع لم يكن الرب بذاته :-
_ كتب يوحنا في [ 3 : 35 ] : (( الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده ))
فلا يمكن أن يكون الابن إله أزلي مساوي للآب في كل شيء والآب هو الذي دفع بيد الابن كل شيء.
_ وجاء في يوحنا كذلك الاصحاح الخامس قول المسيح : (( الحق أقول لكم ، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل )) وهنا نجد ان الابن لا يقدر ان يعمل من نفسه شيئاً .
_ وأورد يوحنا في [12 : 49 ] قول المسيح : (( لم أتكلم من نفسي ، لكن الأب الذي أرسلني ، هو أعطاني وصية ماذا أقول ، وبماذا أتكلم )) وهنا يصرح الابن بأنه لا يتكلم من نفسه بل الآب الذي أرسله هو الذي أعطاه الكلام وأوصاه ماذا يقول !
ونجد الابن نفسه يصرح قائلاً : (( والكلام الذي تسمعونه ، ليس لي ، بل للأب الذي أرسلني )) يوحنا [ 12 : 24 ]
فأي عاقل يقول بعد هذا ان الابن مساوي للأب ؟
_ وقد جاء في أعمال الرسل [ 1 : 7 ] : قول المسيح (( ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والاوقات التي جعلها الآب في سلطانه ))
فقد نفى الابن عن نفسه السلطان وأثبته للآب !
_ (( لأن الله غير مجرب )) [رسالة يعقوب 1: 13 ] و المسيح (( مجرب في كل شيء مثلنا )) [االعبرانيين 4 : 15 ].
_ الله لا يمكنه ان يموت والمسيح مات ثلاثة ايام كما يزعمون .
_ ولا يمكن للناس ان يشاهدوا الرب (( الله لم ينظره أحد قط )) يوحنا [ 1 : 18 ] وقد شاهد الناس المسيح .
_ قال بولس عن يسوع المسيح في رسالته إلى العبرانيين [ 1 : 4 ] : (( بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي ، صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم ))
وهنا نسأل أليس في قول بولس أن المسيح صار أعظم من الملائكة دليل على أن المسيح لم يكن أعظم منهم ثم صار أعظم منهم ؟ فلو كان يسوع المسيح هو الله ، فكيف يصير أعظم من الملائكة ؟
هنالك الكثير من الادله التي يعرضها الانجيل حول الطبيعة البشرية للمسيح ، حين يذكر بأنه منهمك ، وكان عليه أن يجلس لكي يشرب من البئر [ انجيل يوحنا 4 : 6 ] ونجده يبكي بموت لعازر [انجيل يوحنا 11 : 35 ]. وفوق كل هذا هنالك الوصف لمعاناته في النهاية : (( الآن نفسي قد اضطربت )) ونجده يشكر ويصلي للرب لكي ينقذه من حتمية الموت [انجيل يوحنا 12 : 27 ] : (( وكان يصلي قائلا يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكاس. ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت )) [انجيل متى 39:26] . وهذا يشير الى ان ( آراء ) المسيح وتطلعاته لم تكن مثلما هو عند الرب .
ونجد ان إرادته كانت مخضوعه لله فهو يقول : (( انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا. كما اسمع ادين ودينونتي عادلة لأني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الاب الذي ارسلني )) [انجيل يوحنا 30:5].
إن الاختلاف بين ارادة المسيح وارادة الرب ، هو دليل على ان يسوع لم يكن إله.
ونجد ايضا أن يسوع لم تكن له معرفة كاملة عن الرب منذ ولادته (( واما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس )) [انجيل لوقا 2 : 52]. (( وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح )) [انجيل لوقا 2 : 40 ] ان كلا الفقرتين تصفان نمو المسيح الجسدي بموازاة مع نموه الروحاني. واذا كان (( الابن هو الله )) كما يعتقد اثنازيوس والتيار الذي يتزعمه بالنسبة للثالوث فإن هذا الاعتقاد غير ممكن . وحتى في آخر حياته ، اعترف يسوع بأنه لا يعرف موعد رجوعه الثاني ، على الرغم من ان أبيه قد عرف ذلك [ انجيل مرقس 13 : 32 ].
وان حقيقة توسل المسيح من الرب لكي يخلصه من الموت تتعارض مع الفكرة بانه إله بذاته : (( اذ قدم بصراخ شديدة ودموع طلبات وتضرعات للقادر ان يخلصه من الموت وسمع له من اجل تقواه )) [الرسالة الى العبرانيين 5 : 7 ].
نلاحظ هنا أن المسيح قدم صراخ شديد ودموع للقادر !! فمن هو القادر ومن هو المقدور له وإذا كان المسيح ليست له القدره ويطلبها من الله القادر فلماذا يعبده النصارى ؟!
هذا وان الكثير من المزامير هي بمثابة نبوءات عن يسوع. وبما ان العهد الجديد يقتبس عدد من فقرات المزامير عن المسيح فقد جاءت في هذه المزامير الكثير من المناسبات التي تؤكد على حاجة المسيح لان يخلصه الرب:-
- مزامير [ 91 : 11 ، 12 ] نراها مقتبسة في انجيل متى [ 6:4 ] في الحديث عن يسوع. وفي المزامير [ 91 : 16 ] تكمن النبوءة عن تخليص يسوع: (( من طول الايام [ أي حياة ابدية ] اشبعه واريه خلاصي )).
- مزامير [ 69 : 1 ، 18 ، 21 ، 29 ] : (( خلصني يا الله. اقترب الى نفسي بسبب اعدائي أفدني .يجعلون في طعامي علقماً ، وفي عطشي يسقونني خلاً . . . خلاصك يا الله فليرفعني ))
- مزامير 89 هي تأويل لوعود الرب لداوود عن المسيح. وفي مزامير 89 : 26 يتنبأ عن المسيح : (( هو يدعوني [الرب] ابي انت. الهي وصخرة خلاصي )) .
لقد سمع الرب صلوات المسيح وإنجاه من الصلب وذلك من اجل روحانيته وليس لموضعه في الثالوث المكذوب . . . لقد انجا الله يسوع ومجده واعترف يسوع بهذا حين طلب من الرب ان يمجده : [انجيل يوحنا 17 : 5 ] ، [ 13 : 32 ] ، [ 8 : 54 ].
والحقيقة ان الله رفع من شأن المسيح ، وهذا يدل على تفوق الله عليه ، وعلى الفارق بين الله وبين يسوع. ولا يمكن للمسيح ان يكون باي شكل من الاشكال (( الله في الصميم. وخالد [مع] طبيعتين إلهية وبشرية )) وهذا ما يظهر في البند الاول من 39 بندا التي اقرتها الكنيسة الاتجليكانية. ومن تفسير كلمة كيان يمكن ان تكون طبيعة واحدة فقط. وتقول الكنيسة الدليل على ذلك بان المسيح كان من طبيعتنا البشرية.
وصدق الله العظيم إذ يقول :
(( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) سورة مريم الآية : 37
من إنجيل يوحنا 10 : 31 " فتناول الْيَهُودُ، أيضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَرَيْتُكُمْ أَعْمَالاً صَالِحَةً كَثِيرَةً مِنْ عِنْدِ أَبِي، فَبِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» فأجابه اليهود قائلين : لسنا نرجمك لأجل عمل حسن ، بل لأجل تجديف ، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً . فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي شَرِيعَتِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ ؟ فَإِذَا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ تَدْعُو أُولئِكَ الَّذِينَ نَزَلَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ آلِهَةً وَالْكِتَابُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ فَهَلْ تَقُولُونَ لِمَنْ قَدَّسَهُ الآبُ وَبَعَثَهُ إِلَى الْعَالَمِ: أَنْتَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: أَنَا ابْنُ اللهِ ؟ ". ( طبعة الفاندايك )
من خلال هذه المحاورة التي تمت بين المسيح واليهود نجد أن اليهود ضلوا بفهمهم الخاطىء لقول المسيح : أنا ابن الله ، فاعتبروه مجدفاً ، فما كان من المسيح إلا أن رد عليهم خطأهم وسوء فهمهم مستشهداً عليهم بما جاء في المزمور 82 : 6 من قول الرب للقضاة قديماً : (( أنا قلت : إنكم آلهة ، وبنو العلي كلكم )) . ثم أخذ يوضح لهم معنى هذا الاستشهاد قائلاً : (( فَإِذَا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ تَدْعُو أُولئِكَ الَّذِينَ نَزَلَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ آلِهَةً وَالْكِتَابُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ فَهَلْ تَقُولُونَ لِمَنْ قَدَّسَهُ الآبُ وَبَعَثَهُ إِلَى الْعَالَمِ: أَنْتَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: أَنَا ابْنُ اللهِ ؟ )) .
لقد ساغ للمسيح ان يعبر عن نفسه بأنه ابن الله كما عبرت الشريعة عن القضاة قديما بأنهم بنو العلي ( مزمور 82 : 6 ) ولا يقتضي كل من التعبرين أي تجديف حسبما فهمه اليهود خطأ .
فالمسيح يقول لهم : إذا كان كتابكم الذي بين أيديكم قد قال عن قضاتكم إنهم آلهة * وأبناء العلي ( مزمور 82 : 6 ) ولم تستطيعوا ان تتهموا هذا الكتاب بالتجديف ، فلماذا تتهمونني أنا بالتجديف مع اني لم أقل إلا ما قاله كتابكم. وبمعنى آخر إذا جاز لكتابكم أن يخلع هذا اللقب على بشر ، لأنهم كانوا يحكمون باسم الله ، فكم بالأحرى يحق لي أنا أيضا أن أقول عن نفسي : إني ابن الله حال كون الآب قد قدسني : ( اختارني وباركني وأرسلني ) ** : " فَهَلْ تَقُولُونَ لِمَنْ قَدَّسَهُ الآبُ وَبَعَثَهُ إِلَى الْعَالَمِ : أَنْتَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: أَنَا ابْنُ اللهِ ؟ "
فصرح عيسى عليه السلام بهذا أنه غير الآب، بل أن الآب هو الذي قدسه أساساً و أرسله، فهو رسولٌ لِلَّه و ليس هو عين الله ، متبرأً بهذا من أي تهمة تجديف.
وإذا كان الإنجيل ينعى على اليهود سوء فهمهم الذي أفضى بهم أن يفهموا خطأ معنى بنوة المسيح لله ، فلا يعقل أن يتبنى حملة الإنجيل اليوم نفس موقف ونفس فهم اليهود لكلمات المسيح لكي يصلوا من ذلك إلي أن المسيح ابن مريم إله والعياذ بالله !!
هذا وعندما قال المسيح لليهود في نفس سياق المحاورة : " لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ ". يوحنا 10 : 38 ، لم يكن في بال المسيح أية ألوهية يدعيها إذ أنه قد استعمل نفس العبارة في حق التلاميذ : " فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ ". يوحنا 14 : 20 ، مع ذلك فاليهود سارعوا ليمسكوه أيضاً دون أن يعطوه فرصة يوضح لهم هدفه.
لقد كان هدف اليهود وقادتهم أن يمسكوا أي شيءٍ على المسيح كي يحاكم ويقتل. لوقا 20 : 20 ، إذ لم يكونوا مقتنعين به أنه حقاً مسيح مرسل من عند الله كما في يوحنا 7 : 25 ، 26 ، 27 ، وكانوا ينكرون أن يظهر أي نبي من الجليل كما في يوحنا 7 : 52 . وكانوا يقولون له : " إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ ". يوحنا 8 : 48 ، وكانوا ينظرون اليه على انه ابن زنا : " فَقَالُوا لَهُ : إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا ". يوحنا 8 : 41 ، والمسيح نفسه واجههم بقوله : " وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ ". يوحنا 8 : 40 .
هذا وان كون المسيح في الآب أي ثبوته فيه بالمحبة والرضا ، ومعنى كون المؤمنين في المسيح أي ثبوتهم فيه بالمحبة والطاعة لما جاء به من عند الله ويكون الهدف والقصد واحد وهو هداية الناس إلي الله . وبهذا نعلم بأن الحديث عن الروابط بين الله والمسيح ، أو بين المسيح والمؤمنين ، أو بين الله والمؤمنين لا يسمح بالحديث عن (( روابط بين جواهر )) أو (( اتصال ذات بذات )) وإنما غاية القول فيه أن يكون حديثاً عن صلات روحية معنوية .
* الأصل العبري للكلمة هو : إلوهيم elohiym آلهة .
** كلمة قدسه بحسب قاموس الكتاب المقدس تعني الآتي :
قدّس يقدّس تقديساً:
(1) جعله قديساً بتغير القلب (2 تس 2: 13 و 1 بط 1: 2). وبالتقديس تُطهر النفس من دنس الخطيئة ومن سلطتها وتتزين بالنعم الروحية التي تعدها للأفراح السماوية (عب 12: 14). ويحصل التقديس بالاتحاد بالمسيح بالإيمان بحيث يقبل المؤمنون الحق فيسكن فيهم (يو 17: 17) ومن التقديس تنتج كل الأعمال الصالحة (تي 2: 11-14).
(2) تكريس الشيء أو الشخص للاستعمال المقدس (عد 7: 1 و 2 صم 8: 11 و 1 مل 8: 64). وكانوا يقدسون المدن والأبواب والبيوت وسمّي ذلك أيضاً تدشيناً (نح 12: 27).
لقد مكث المسيح عليه السلام فترة محدودة في دعوته لا تعدو ثلاث سنوات ، وما كان الناس في تلك الفترة يعرفونه أكثر من كونه نبياً من أنبياء بني إسرائيل .
وكان الجيل الأول من النصارى من أتباع المسيح وحواريه الذين عاشوا معه موحدين لله ، معترفين بأن المسيح عليه السلام لا يعدو أن يكون بشراً أرسله الله تعالى إليهم كما أرسل من قبله كثيراً من إخوانه المرسلين عليهم السلام هذا ما كانت تشهد به الجموع في كل مرة ، حينما كان المسيح يصنع المعجزات أمامهم فكانوا يفرقون بين الله وبين يسوع فكانوا يمجدون الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا وفي نفس الوقت يشهدون للمسيح بالنبوة . لوقا [ 7 : 16 ] فعندما رأت الجموع أعظم معجزة للمسيح وهي قيامه بإحياء الميت ما كان منهم سوى انهم مجدوا الله قائلين : (( قد قام فينا نبي عظيم )) . ثم تفرقوا على ذلك .
وإن الذي يراجع الأناجيل _ بوضعها الحالي رغم ما لحقها من التحريف سيجد إنها تحتوي على عشرات النصوص التي تدل صراحةً على أن المسيح رسول مرسل وليس إله . وقد قال المسيح : (( الحق الحق أقول لكم : ما كان الخادم أعظم من سيده ولا كان الرسول أعظم من مرسله )) [ يوحنا 13 : 16 ]
فإذا كان الرسول ليس بأعظم من مرسله كما يقول المسيح ، وان هناك فرق بين الراسل والمرسل ، فهيا إذن نثبت من الإنجيل ان الابن قد وقع عليه الارسال وانه مرسل من الله :
1 - يقول المسيح لتلاميذه : (( من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي ارسلني )) [ متى 10 : 40 ]
وهذا يدل على أن ( المسيح ) عليه السلام مرسل من عندالله ، وطاعته من طاعة الله ، وهذا موافق لقوله تعالى : (( ومن يطع الرسول فقد اطاع الله ))
2 _ قال يوحنا في رسالته الأولى : (( ان الله قد ارسل ابنه الوحيد الى العالم لكي نحيا به )) [ 4 : 9 ]
3 - وفي قصة المرأة الكنعانية التي يرويها متى [ 15 : 24 ] يقول المسيح : (( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )) وهذا اقرار منه بأنه مرسل ، فلو كان إلهاً فكيف يكون مرسلاً ؟
4 _ وفي إنجيل يوحنا نقرأ ما نصه : (( لان الذي ارسله الله يتكلم بكلام الله. لانه ليس بكيل يعطي الله الروح )) [ يوحنا 3 : 34 ]
وهكذا يعلن أنه نبي مرسل من الله يتكلم بكلامه كما يعلن أن روح القدس لا ينزل عليه وحده وإنما ينزل على جميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام
5 - ويقول المسيح : (( لا ني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني )) [ يوحنا 5 : 30 ]
6 _ ويقول : (( الآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي )) [ يوحنا 5 : 37 ]
7 _ وحين قام المسيح بإحدى معجزاته قال : (( ايها الآب اشكرك لانك سمعت لي . وانا علمت انك في كل حين تسمع لي .ولكن لاجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا انك ارسلتني .)) فقد فعل هذه المعجزة ليؤمن الجمع أنه رسول الله ، وهذه هي فائدة المجزة التي تجري على يد رسل الله جميعاً عليهم الصلاة والسلام . [ يوحنا 11 : 41 ]
8 _ وفي إنجيل لوقا 4 : 43 يبين المسيح عليه السلام أن مهمته أن يبشر بملكوت الله ولهذا أرسله الله : (( فقال لهم انه يبنغي لي ان ابشر المدن الأخر ايضا بملكوت الله لاني لهذا قد أرسلت . فكان يكرز في مجامع الجليل )) انظر إلى قوله : (( لأني قد أرسلت )) فهو نص واضح على أنه رسول الله ، بعث بمهمة وعظ الناس .
9 _ جاء في إنجيل يوحنا [ يوحنا 12 : 49 ] قول المسيح : (( لاني لم اتكلم من نفسي لكن الآب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول وبماذا اتكلم . ))
10 _ وورد في إنجيل يوحنا قوله : (( فقال لهم يسوع ايضا سلام لكم .كما ارسلني الآب ارسلكم انا .)) [ يوحنا 20: 21 ]
11 - إن يوحنا المعمدان قرر كما جاء في إنجيل يوحنا [ 3 : 34 ] بأن المسيح ( رسول ) ، (( لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله )) .
يلاحظ ان النصوص السابقة تتضمن لفظ ( أرسلني ) ومن المعلوم أن المرسل غير المرسل بداهــةً ثم ان هذه النصوص تفيد بأن الابن وقع عليه الإرسال والمسيح نفسه قال : (( ولا كان الرسول أعظم من مرسله )) [ يوحنا 13 : 16 ]
فصدق الله إذ يقول : (( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) [ المائدة: 75 ].
ان مما يستغرب ويعجب منه المسلم أن النصارى في صلواتهم وأدعيتهم يلجأون ويتضرعون إلى يسوع الناصري طالبين منه القوة والمعونة والمدد وفي المقابل نجد أن الانجيل يحكي أن يسوع الناصري لما نزل به الخوف والضعف ظهر له ملاك من السماء ليقويه ويشد من أزره !!!
هذا ما يقوله لوقا في إنجيله :
39 وخرج ومضى كالعادة الى جبل الزيتون .وتبعه ايضا تلاميذه .
40 ولما صار الى المكان قال لهم صلّوا لكي لا تدخلوا في تجربة .
41 وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلّى
42 قائلا يا ابتاه ان شئت ان تجيز عني هذه الكاس .ولكن لتكن لا ارادتي بل ارادتك .
43 وظهر له ملاك من السماء يقويه .
44 واذ كان في جهاد كان يصلّي باشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الارض " . [ لوقا 22 : 43 ]
فلماذا هذا الكفر بالله سبحانه وتعالى يا معاشر النصارى ؟ تتركون دعاء الله سبحانه وتعالى وتتجهون للمسيح المخلوق الضعيف ؟
ألم يقل يسوع الناصري : (( أنا لا أقدر أن أفعل شيئاً من نفسي )) [ يوحنا 5 : 30 ] . إن اللاشيء هو اللاشيء . إن يسوع ليست لديه القدرة على أن يفعل شيئاً بقدرته الذاتية . وقد نسب اليه قوله : (( دُفِعَ إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض )) [ متى 28 : 18 ] أي ان القدرة على فعل المعجزة ليست نابعة من المسيح ، ولكنها مدفوعة له من الله العلي القدير ( الذي أرسل المسيح ) . ولا شك أن الدافع هو غير المدفوع له .
ويزعم النصارى ان المسيح عبارة عن لاهوت اتحد بناسوت فصارا بالاتحاد شيئاً واحداً ، وإذا كان كذلك فلمن كان ظهور الملاك من السماء ؟
فإن قالوا ان الملاك ظهر ليقوي الناسوت ، أبطلوا الاتحاد إذ لم يبق ناسوت متميز عن لاهوت حتى يفتقر إلى التقوية والنصرة ، ثم ظهور الملاك من السماء لتقوية الناسوت يشعر بضعف اللاهوت عن تقوية الناسوت المتحد به حتى احتاج إلى التقوية ، وكيف يحتاج الإله إلى عبد من عبيده ليقويه وكل عباد الله إنما قوتهم بالله وحده ؟!!
أليس يسوع المسيح هو ابن الله المتجسد على الأرض فما حاجته لملاك مخلوق من السماء ليقويه ؟! أليس الأولى ان يقوي الجزء اللاهوتي فيه الجزء الناسوتي ؟!
أليس المتجسد على الأرض هو رب الأرباب وملك الملوك المساوي للآب في الجوهر ولاهوته لم يفارق ناسوته طرفة عين كما يقول الأرثوذكس ؟! فما حاجته لملاك مخلوق من السماء ليقويه ؟!!
أم ان القول بأن المسيح هو الله المتجسد هو افتراء واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ؟!
ثم ان كان المسيح بهذا الاتحاد المزعوم تصيبه عوارض البشر من الجوع والعطش والنوم والبكاء والحزن والخوف وغير ذلك فلا معنى لهذا الاتحاد ، فقد صار الاتحاد المنسوب للمسيح مجرد تسمية ساذجة عن المعنى .
هذا ويقول الله سبحانه وتعالى عن المسيح عيسى عليه السلام : (( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) [ المائدة: 75 ]
َقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله : " كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام " إِنَّهُ كِنَايَة عَنْ الْغَائِط وَالْبَوْل لأنه من كان يأكل الطعام لا بد له ان يخرج الفضلات ويتبول وبالتالي لقد كان المسيح عليه السلام يدخل الي الاماكن القذرة كالحمام ليقوم بهذه العملية وهذا يلزم ان يكون الله جل جلاله في هذه الاماكن القذرة والعياذ بالله وهذا لازم من أبطل اللوازم ومعلوم ان بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم .
ثم لا يخفى عليك أيها القارىء الفطن ما في هذا القول من دلالة مفحمة ، فهل الذي يتناول الطعام والشراب ويتبول ويتغوط يكون في مستوى إله متحد معه !!؟
والآن طبقاً للكتاب المقدس هل الله العظيم يكون إنسان ؟
إليك - أيها القارىء الكريم - بعض النصوص الواردة في الكتاب المقدس الواضحة الدلالة بأن الله سبحانه وتعالى لا يكون إنساناً :
1 ) ورد في سفر أخبار الأيام الثاني 6 : 18 عن الله : (( لأنه هل يسكن الله حقاً مع الإنسان على الأرض؟ إن كانت السماوات العلى لا تسعك، فكم بالأحرى هذا الهيكل الذي بنيت )) ( ترجمة الحياة )
2 ) وورد في سفر الملوك الأول 8 : 28 عن الله أيضاً : (( هل يسكن الله حقاً على الأرض؟ هو ذا السموات وسماء السموات لا تسعك )) وفي العدد 39 نجد : (( فاسمع أنت من السماء مكان سكناك ))
3 ) و جاء في سفر العدد 23 : 19 : (( ليس الله انسانا ))
4 ) وفي سفر هوشع 11 : 9 نجد قول الرب : (( لأني الله لا إنسان ، أنا القدوس ))
5 ) وفي سفر الخروج 33 : 20 نجد قول الرب لموسى : (( لا تقدر أن ترى وجهي لأن الانسان لا يراني ويعيش )) فإذا كان الانسان لا يستطيع أن يرى الله ويعيش فكيف الحال إذا ادعى مدع ان الله حل بإنسان ؟
6 ) وجاء في سفر صموئيل الأول 15 : 29 قوله عن الله : (( لأنه ليس إنساناً ليندم ))
7 ) وورد في سفر أيوب 9 : 32 قوله عن الله : (( لأنه ليس هو إنساناً مثلي فأجاوبه ))
8 ) والمدهش أن كتاب النصارى المقدس يحكي أن الله لا يتغير [ ملاخي 3 : 6 ] ، فإذا كان الرب لا يتغير فكيف آمن النصارى بأنه صار انساناً وأخلى نفسه كما يقول مؤسس المسيحية بولس ؟!
9 ) ثم أن الرب نفسه وضح في الكتاب المقدس بأن الاعتراف بأن إنسانا هو الله يعتبر تجديفا وكفراً [ تثنية 13 : 6_10 ]
ونقول للنصارى جدلاً :
انكم تزعمون ان الله حل بالعليقة وهي الشجرة التي خاطب منها الله موسى [ خروج 3 : 4 ] . . فهل يلزم من هذا الحلول أن نعبد العليقة ؟ بالطبع لا . .
وتقولون ان الله حل في الجبل وهو مسكن الرب كما جاء في المزمور [ 68 : 16]. . . فهل يلزم من هذا ان نعبد الجبل ؟ بالطبع لا . .
وتقولون ان الله حل بالمسيح . . فهل يلزم من هذا ان نعبد المسيح ؟ بالطبع لا . .
اذن القضية محسومة معكم . . ولا يمكن ان يعبد المسيح وان يكون هو الله بأي وجه من الوجوه . .
ونستخلص من نص إنجيل لوقا السابق ذكره الآتي :
( أ ) إذا كان أقنوم الابن متحداً بالمسيح وحالاً فيه فأي حاجة بعد ذلك لنزول الملك لتقوية المسيح .
( ب ) إذا كان المسيح يحتاج إلى تقوية من ذلك الملك فكيف يكون إلهاً ، وهو يفتقر إلى هذه التقوية من الملك .
( ج ) إذا كان هناك حلول من الله في المسيح فكيف احتاج المسيح إلى تقوية من الملك? لأن القول بهذه القضية يعني أن الملك كان أقوى من الله الحال في المسيح ، ولذلك نجح الملك في تقوية المسيح .
والخلاصة :
يتضح عدم سلامة أو استقامة القول بحلول الرب في المسيح بل هو باطل من اساسه .
ملاحظة مهمة :
من المعلوم ان الله جل جلاله كامل منزه عن النقائص ومن المعلوم ان اللوازم الباطلة محالة في حق الله الكامل ، فالله مثلاً لا يكذب ولا يظلم ولا ينام ولا ينسى ولا يندم ولا يموت الخ والمسيحيون يقرون بأن قداسة الله مطلقة وغير محدوده و ان أي خطية لا يمكن أن تظهر في محضره باعتبار مقامه الالهي السامي وقداسته وجلاله . فكيف إذن آمن المسيحيون بتجسده وتعليقه على الصليب وتحمله الآم الصليب . فأي خطايا أعظم من هذه في حق مقام الاله السامي وقداسته وجلاله ؟ .
إبليس يتسلط على يسوع الناصري 40 يوما :
يذكر كاتب إنجيل متى في الاصحاح الرابع من إنجيله ابتداء من الفقرة الأولى حكاية تجربة إبليس للمسيح والتي جاء فيها : أن إبليس كان يقود المسيح إلي حيث شاء فينقاد له . فتارة يقوده إلي المدينة المقدسة و يوقفه على جناح الهيكل وتارة يأخذه إلي جبل عال جداً . . . الخ
ونحن نسأل :
كيف يقبل عاقل سلمت فطرته على اعتقاد أن رب السموات والأرض تبارك وتعالى كان في جسد المسيح وكان هذا الجسد بهذه الحاله مع ابليس ؟!!
لقد حكمتم يا نصارى بإيمانكم هذا بأن الإله الخالق الحال في الجسد قد سحبه الشيطان ، وردده وجرت عليه أحكامه !
وقد كتب متى في [ 4 : 8 ] : ان إبليس أخذ المسيح إلي قمة جبل عال جداً ، وأراه جميع ممالك العالم ، وقال له : (( أعطيك هذه كلها إن جثوت وسجدت لي ! ))
فكيف يطمع إبليس في أن يسجد له وأن يخضع له من فيه روح اللاهوت . . . ؟ !
ومن العجب أن الشيطان لا يبقى ويثبت مع وجود الملك ، فكيف يطمع ويثبت فيمن يعتقد ربوبيته و أنه صورة الله ؟
وقد كتب متى أيضاً في [ 12 : 14 ] ومرقس في [ 3 : 6 ] أن الفريسيين تشاوروا على المسيح لكي يقتلوه ، فلما علم يسوع انصرف من مكانه . . . وكتب يوحنا في [ 11 : 53 ] : أن اليهود لما قرروا قتل المسيح فمن ذلك اليوم لم يعد المسيح يتجول بينهم جهاراً ، بل ذهب إلى مدينة اسمها أفرايم . . .
ولا يخفى عليك أيها القارىء الكريم من خلال هذين النصين أن انصراف المسيح كان هرباً من اليهود ، وأن رب العالمين حسب اعتقاد المسيحيين كان في جسد المسيح . . . فكيف يليق بخالق السموات والارض أنه كان في جسد وكان هذا الجسد يتجنب اليهود من مدينة إلى مدينة هرباً منهم !!
كيف يقبل الناس في القرن الحادي والعشرين _ عصر الحضارة والتطور والعلم والمدنية كما يقولون _ أن رب الارباب كان بهذه الصورة وكانت هذه أحواله مع هذا الجسد ؟!!
هل ينزل رب العالمين من عليائه ويحل في جسد بشري و أن هذا الجسد يساق من قبل اليهود ليحاكم ويلاقي أشد أنواع الاهانة والتحقير من ضرب وجلد وبصق واستهزاء كل ذلك ورب العالمين مالك الملك في هذا الجسد حسبما يؤمن المسيحيون ؟!
ويح أمة اتخذت نبيها إلهاً ، ووصفته بأنه جبار السموات والارض ، ثم تصفه بالذل و الهوان والضعف والاستسلام لأضعف خلقه ، وهم اليهود ، فأصبح هذا الاله الذي خلق الكون بما فيه وخلق كل البشر أسيرا مع هذا الجسد وأي إهانة أعظم من جعل الإله اللامحدود في جسد محدود ؟!
ألم يقل الكتاب : (( هل يسكن الله حقاً على الأرض؟ هو ذا السموات وسماء السموات لا تسعك )) ملوك الأول 8 : 28
ألم يقل الكتاب عن الرب : (( فاسمع أنت من السماء مكان سكناك )) ملوك الأول 8 : 39
فهل ترضي يا مسيحي أن يكون لك رباً نزل إلى الارض ليعيش ويمتزج برحم إمرأة كانت تأكل ، وتشرب ، وتبول ، وتتغوط ثم خرج من فرجها في صورة طفل يبكي ويحبو ويرضع ويتبول على نفسه، وتمر عليه سائر أطوار ومستلزمات الطفولة ثم يعامل معاملة المجرمين الخارجين عن القانون على أيدي اليهود القذرين ؟!
جاء في مرقس [ 13 : 32 ] أن المسيح بعدما سئل عن موعد الساعة قال : (( وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ، إِلاَّ الآبُ.))
ونحن نسأل :
إذا كان الإبن هو الاقنوم الثاني من الثالوث حسبما يعتقد المسيحيون فكيف ينفي الابن عن نفسه العلم بموعد الساعة ويثبته للأب فقط ؟! ولا يصح أن يقال ان هذا من جهة ناسوته لأن النفي جاء عن الابن مطلقاً واثبت العلم بالموعد للأب فقط . وان تخصيص العلم بموعد الساعة للأب فقط هو دليل على بطلان ألوهية الروح القدس . وأن لا مساواة بين الاقانيم المزعومة .
يقول القمص تادرس يعقوب ملطي :
قبل أن يختم حديثه بالدعوة للسهر أراد أن يوجه أنظار تلاميذه إلى عدم الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، إنما بالاستعداد بالسهر المستمر وترقب مجيئه، لهذا قال: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب".
وللرد عليه نقول :
لا يحق لك أيها القمص الفاضل ان تتهم المسيح بالكذب من أجل ماذا حتى لا يشتغل تلاميذه بالأوقات
هل عندما أوجهك إلى عدم الاشتغال بشيء أكذب عليك وأقول لا أعرفه ؟ أم أن الأصح أقول لك لا تشتغل به لأنك لن تعرفه !
عندما سأل أحدهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم - : وماذا أعددت لها ؟ دون أن يلجأ إلى الكذب لصرف الرجل إلى الأهم وهو الإعداد لها .
يقول الأب ثيؤفلاكتيوس : [ لو قال لهم أنني أعرف الساعة لكنني لا أعلنها لكم لأحزنهم إلى وقت ليس بقليل لكنه بحكمة منعهم من التساؤل في هذا الأمر.]
لقد أبرز هذا التفسير أن الابن منفصل عن الآب . إذ أن المسيح كما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس لم يعلن أنه يعرف الساعة حتى لا يحزن من معه ، ولكن يجب ان ننتبه ، لو كان المسيح هو الله ولو كان هو والآب واحد فعلاً ، لكانت فكرة أنه لن يقول لهم لكي لا يحزنوا فكرة ساقطة لأنه قال لهم بعدها أن الآب يعلمها وسيستنتجون أنه هو يعلمها وسيحزنون قطعاً ، لكن هذا لم يحدث ، إذ لو كان التلاميذ يصدقون أنه والآب واحد أي أنه يعلمها لحزنوا بأي حال من الأحوال ولأصبحت محاولة المسيح - وحاشاه - فاشلة ، لكنهم لم يحزنوا ، لأنهم قد فهموا معنى قوله أنا والآب واحد فهماً صحيحاً ولقد قبلوا الحقيقة الوحيدة أنه لا يعلم لأنه ليس الأب.
من المعلوم لغةً أن : العبودية تعني الخضوع والذل . وأن العبادة تعني الأنقياد والخضوع . والعبد ضد الحر . ونحن البشر كلنا عبيد لله الخالق العظيم . . . وقد صرح المسيح في إنجيل يوحنا بأن العبد يعمل بإرادة سيده ، وهو لا يقترن بأي حال من الاحوال مع سيده : (( الحق الحق أقول لكم : ما كان الخادم أعظم من سيده ولا كان الرسول أعظم من مرسله )) [ يوحنا 13 : 16 ]
فهل كان يسوع الناصري عبداً لله سبحانه وتعالى ؟
الجواب :
لقد كان المسيح عبداً لله سبحانه وتعالى وهذا ما نجده في الأدلة التالية من الكتاب المقدس :
1 _ لقد بشر النبي اشعياء [ 42 : 1 ] بنبي عظيم ، أول صفاته أنه عبد الله ورسوله وهذه البشارة تقول : (( هوذا عبدي اعضده )) وقد اعتقد كاتب إنجيل متى أن تلك النبوءة قد تحققت في المسيح ، فاقتبسها ووضعها في إنجيله في الاصحاح الثاني عشر .
والشاهد في هذا الدليل أن الله سماه عبداً على لسان إشعيا .
2 _ وورد في سفر اعمال الرسل [ 3 : 13 ، 26 ] دليلاً ثانياً يؤكد عبودية يسوع المسيح لله سبحانه وتعالى ، إليك نصه : (( إن إله ابراهيم وإسحاق ويعقوب ، إله آبائنا ، قد مجد عبده يسوع . . . )) ( العهد الجديد المطبعة الكاثوليكية )
علماً بأن الطبعة البروتستانتية ( الإنجيلية ) للكتاب المقدس تستبدل كلمة عبده ، بكلمة فتاه .
وقد اتفقت الترجمتان الانجليزيتان : الملك جيمس والقياسية ، على استخدام كلمة : Servant مقابل كلمة : عبد ، العربية .
كذلك اتفقت الترجمتان الفرنسيتان : لوي سيجو ، والمسكونية على استخدام كلمة : Serviteur مقابل كلمة : عبد ، العربية .
3 _ دليل آخر على عبودية يسوع المسيح هو ما جاء في سفر أعمال الرسل [ 4 : 27 ] وإليك النص : (( تحالف حقاً في هذه المدينة هيردوس وبنطيوس بيلاطس والوثنيون وشعوب إسرائيل على عبدك القدوس يسوع الذي مسحته )) ( العهد الجديد المطبعة الكاثوليكية _ منشورات دار المشرق ببيروت )
4 _ وورد في سفر أعمال الرسل [ 4 : 29 ، 30 ] دليلاً رابعاً يؤكد عبودية يسوع الناصري لله سبحانه وتعالى ، إليك نصه : (( فانظر الآن يا رب إلي تهديداتهم ، وهب لعبيدك أن يعلنوا كلمتك بكل جرأة باسطاً يدك ليجري الشفاء والآيات والأعاجيب باسم عبدك القدوس يسوع )) ( العهد الجديد المطبعة الكاثوليكية _ منشورات دار المشرق ببيروت )
وقد أكد يسوع الناصري عبوديته لله سبحانه وتعالى بأفعاله وأقواله والتي منها :
قيامه بالصلاة وعبادته لله طوال الليل كله ، طبقاً لما ذكره لوقا في إنجيله [ 6 : 12 ] و نصه : (( وفي تلك الإيام خرج إلي الجبل ليصلي ، وقضى الليل كله في الصلاة لله ))
وفي يوحنا [ 11 : 41 ] نجده أتى بأفعال تنافي الالوهية منها : قيامه برفع عينيه إلى السماء ودعائه لله سبحانه وتعالى لكي يستجيب له في تحقيق معجزة إحياء العازر ….
فلمن كان يتوجه ببصره إلي السماء إذا كان الأب حال فيه ؟
وغيرها من الادلة . . .
فها هي كتب النصارى تشهد بأن يسوع الناصري هو عبد من عباد الله سبحانه وتعالى
والعبد يعمل بإرادة سيده ، وهو لا يقترن بأي حال من الاحوال مع سيده : (( الحق الحق أقول لكم : ما كان الخادم أعظم من سيده ولا كان الرسول أعظم من مرسله )) [ يوحنا 13 : 16 ]
فهل قبلتم المسيح كعبد لله ورسول من عنده ؟
وصدق الله العظيم إذا يقول :
{ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً } سورة النساء :172
« الشيخ اللحيدان يحث على صيام عاشوراء( الخميس والجمعة ) | موسوعة الـ 1000 سؤال في التاريخ الاسلامي. » |
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع |