الأموات, الشيخ, ذكرها, بمغسلة, عباس, قصة
[align=center]قصة وفــــــاء
ورقة صغيرة كُتبت بخطٍ غير واضح ، تمكنت من قراءتها بصعوبة بالغة .
فضيلة الشيخ : هل لديك قصة عن أصحاب أو أخوان . أثابك الله .
كانت صيغة السؤال غير واضحة ، والخط غير جيد.
سألت صديقي : ماذا يقصد بهذا السؤال ؟
وضعتها جانباً ، بعد أن قررت عدم قراءتها على الشيخ
.
ومضى الشيخ يتحدث في محاضرته والوقت يمضي .
أذن المؤذن لصلاة العشاء .
توقفت المحاضرة ، وبعد الآذان عاد الشيخ يشرح للحاضرين ،
طريقة تغسيل وتكفين الميت عملياً .
وبعدها قمنا لآداء صلاة العشاء .
وأثناء ذلك أعطيت أوراق الأسئلة للشيخ ومنحته تلك الورقة التي
قررت أن استبعدها ، ظننت أن المحاضرة قد انتهت .
وبعد الصلاة طلب الحضور من الشيخ أن يجيب على الأسئلة .
عاد يتحدث وعاد الناس يستمعون .
ومضى السؤال الأول والثاني والثالث .
هممت بالخروج ، استوقفني صوت الشيخ وهو يقرأ السؤال .
قلت : لن يجيب فالسؤال غير واضح .
لكن الشيخ صمت لحظة ثم عاد يتحدث .
جاءني في يوم من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ،
ومع الشاب مجموعة من أقاربه ، لفت انتباهي ، شاب في
مثل سن الميت يبكي بحرقة ، شاركني الغسيل ،
وهو بين خنين ونشيج وبكاء رهيب يحاول كتمانه ،
أما دموعه فكانت تجري بلا انقطاع .
وبين لحظةٍ وأخرى أصبره وأذكره بعظم أجر الصبر .
ولسانه لايتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لاحول ولاقوة إلا بالله .
هذه الكلمات كانت تريحني قليلاً .
بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت به بالشاب
.
- إن الله أرحم بأخيك منك ، وعليك بالصبر
التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي
ألجمتني المفاجأة ، مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب
- نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعز أليّ من أخي .
سكت ورحت أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه .
- إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة المدرسة ،
ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال مرحهم ولهوهم
.
- كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائق معدودة ،
ثم نعود لنلتقي ، تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً .
التحقنا بعمل واحد .
تزوجنا أختين ، وسكنا في شقتين متقابلتين .
رني الله بابن وبنت ، وهو أيضاً رُ ببنت وابن .
عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندما يجمعنا ،
وتنتهي الأحزان عندما نلتقي .
اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة .
نذهب سوياً ونعود سوياً .
واليوم . توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء .
- يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا .
خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيد عني ، لا لا يوجد مثلكما
أخذت أردد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاء لحاله .
أنتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبله .
لقد كان المشهد مؤثراً ، فقد كان ينشق من شدة البكاء ،
حتى ظننت أنه سيهلك في تلك اللحظة .
راح يقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه .
أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه .
وبعد الصلاة توجهنا بالجنازة إلى المقبرة
.
أما الشاب فقد أحاط به أقاربه .
فكانت جنازة تحمل على الأكتاف ، وهو جنازة تدب على الأرض دبيباً .
وعند القبر وقف باكياً ، يسنده بعض أقاربه .
سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو .
انصرف الجميع .
عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ،
وتقف عنده الكلمات عاجزة عن التعبير .
وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ،
أخذت اتأملها ، الوجه ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه ، ولكن أين شاهدته .
نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه .
تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً .
يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه .
يا شيخ بالأمس كان يناول المقص والكفن ، يقلب صديقه ،
يمسك بيده ، بالأمس كان يبكي فراق صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء .
انقشع الحجاب ، تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه .
رددت بصوت مرتفع :كيف مات ؟
- عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ،
وعند صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ، وهنا سكت الأب ومسح دمعاً تحدر
على خديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ، وأخذ يردد : إنا لله وإنا إليه
راجعون .
- إنا لله وإنا إليه راجعون ، اصبر واحتسب ، اسأل الله أن يجمعه
مع رفيقه في الجنة ، يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين
فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي .
قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم صلينا عليه .
توجهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة .
لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً .
قلت في نفسي مستحيل : منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل .
أنزلناه في قبره ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد ،
يالها من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمغت القبور بينهما أمواتاً
.
خرجت من القبر ووقفت ادعو لهما : اللهم أغفر لهما وأرحمهما ، اللهم واجمع بينهما في
جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ومسحت دمعة جرت ، ثم
انطلقت أعزي أقاربهما .
انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقف قد أصابني الذهول ، وتملكتني الدهشة ،
لا إله إلا الله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت للشيخ وسمعت
هذه القصة المثيرة ، والتي لو حدثني بها أحد لما صدقتها .
وأخذت ادعو لهما بالرحمة والمغفرة
قصة ذكرها الشيخ عباس بمغسلة الأموات
منقووول[/align]
rwm `;vih hgado ufhs flysgm hgHl,hj