التوقيف, العشوائي, يشكون, يفنّد, سراج
عبد المحسن البدراني - المدينة المنورة
تتعرض ادارة مرور المدينة المنورة لحملة انتقادات واسعة في مختلف اوساط المجتمع المدني بكافة الشرائح الاجتماعية المثقفة والأكاديمية والمسؤولة وحتى المواطن العادي، حيث يشكو كثيرون من أهالي طيبة الطيبة مغالاة الادارة في تطبيق النظام وما ينتج عنه من توقيف أعداد كبيرة من المواطنين يصل عددهم في بعض الأحيان إلى 200 موقوف يوميا على حد زعمهم.يتولى كل أمور توقيفهم والافراج عنهم رقيب ينوب عن المدير في غيابه.
(المدينة) تحاول من خلال هذا التحقيق كشف ملابسات هذه الأزمة التي بدأت تظهر بقوة وأصبحت حديث المجالس من خلال لقاءات مباشرة مع بعض الذين تم توقيفهم في الفترة الأخيرة، وفي الوقت نفسه أجرت مواجهة موضوعية منصفة مع مدير مرور المدينة المنورة العقيد سراج كمال، نقلنا إليه خلالها ما يتردد في الشارع المدني من انتقادات للأداء المروري، وناقشنا معه أسباب هذه الانتقادات وهل هي ناتجة عن عدم التزام قائدي السيارات أم أن هناك بالفعل تشدداً من قبل منسوبي الادارة، فأكد أن الادارة لا تفعل أكثر من أنها تطبق النظام بجدية والتزام ودون أية استثناءات، وأن المتذمرين من التطبيق الجاد للنظام يريدون أن يسيروا في الشوارع على “ هواهم “ وهو أمر لا يمكن تقبله، وأكد أنه في حالة المخالفة لا فرق بين أستاذ جامعي وعامل بسيط، فكلاهما مواطنان، وكلاهما خالفا، ولابد أن يطبق النظام عليهما دون استثناءات أما الرقيب فقال عنه العقيد سراج : الجدل الذي يدور حوله سببه أنه ملتزم وأمين ولا يسمح مطلقا باخراج أحد من التوقيف قبل انقضاء الفترة المحددة ويرفض كل الواسطات والضغوط.
يقول الدكتور عبدالرحمن بن عمري الصاعدي: لقد أوقفت لمدة عشرين ساعة في يوم الاربعاء 6/5/1428هـ بتهمة قطع الإشارة موضحا أنه كان يسير وفقاً للسرعة النظامية وعند محاذاته للإشارة الضوئية ظهر اللون الأصفر وأنا تحت الإشارة مباشرة حيث لا يمكن الوقوف نهائياً، ولأني مطلع على أنظمة المرور اعرف أن هذا لا يعتبر قطعاً للإشارة حيث نصت المادة (56) من الفصل الخامس (ص 20) على ان اللون الاحمر للتوقف واللون البرتقالي للتأهب واللون الأخضر للمرور ورغم هذا تم إيقافي من قبل المرور وقال لي احد الأفراد «أنت قاطع اشارة» فحاولت التفاهم معه ولكن لا حياة لمن تنادى فطلبت منهم إحضار من أتفاهم معه ولكنهم زجوا بي داخل الدورية وبعد أن تركنا فترة أنا و(3 أشخاص ) في داخل الدورية لا نستطيع الحراك أتى احد أفراد المرور السري فقلت له: أنا لم اقطع الإشارة فانزعج وغضب مما قلت. وامسك بطرف ثوبي وكأنني ابنه الصغير وقال: ادخل الدورية.
ونقلنا بعدها للتوقيف فطلبت ان أقابل الضابط المسؤول لعل وعسى. ولكن وللأسف الشديد أدخلت إلى (التوقيف ) حيث وجدت أكثر من 180 موقوفا في تلك اللحظة وتحدثت مع أكثر من عشرة أشخاص أكدوا جميعاً عدم قطعهم الإشارة.
ومما لا شك فيه ان كثرة الموقوفين وتحرير أعداد كبيرة من المخالفات دلالة على خلل في إدارة المرور فلا يمكن ان يكون جميع هؤلاء الموقوفين مخطئين ويستحقون التوقيف ورجل الأمن وحده منزه ومعصوم.
امتهان
أما رجل الأعمال غازي عبد الستار الميمني فقال ان ما يحدث في توقيف مرور المدينة المنورة لا يقبله المنطق ولا يمكن ان يرضي أحداً. فموقوفو المرور ليسوا (جناة) حتى يتم معاملتهم بهذا الشكل. فهل يعقل ان يعامل من لا يحمل رخصة كأنه (متهم ). وهل يعقل ان يعامل من تجاوز السرعة غفلة كمتهمفلقد أدخلت توقيف إدارة المرور يوم الأربعاء 21/5/1428هـ الساعة الحادية عشرة مساء. حيث تم إيقافي في شارع الملك عبدالعزيز من قبل المرور السري وكانت سرعتي 135 كما أفادني رجل المرور السري. وإذا كان هذا صحيحاً وحدث بغفلة مني فهو أمر لا يستدعي (التوقيف). بل المخالفة ولكني نقلت كالمجرمين ليتم إيداعي في غرفة يتجاوز عدد من بها 150 مخالفاً حاولت جاهداً أن أجد مكاناً اجلس به حتى قام احد الموقوفين وأجلسني إلى جواره أمام دورات المياه وعلى الأرض.
وما هي لحظات حتى أزعجنا جميعاً دخان السجائر وقد تصاعد من كل جهة. في هذه المساحة الضيقة التي لا يمنع بها التدخين.
وكان بعض المخالفين نائماً والبعض الآخر يحاول الحديث شارحاً معاناته وآخرون شاحبو اللون صامتون لا ينطقون وفي إحدى زوايا الغرفة ألقيت قمامة لم ترفع وروائح الحمامات تختلط بروائح السجائر والأنفاس مولدة رائحة كريهة، إضافة إلى المياه الراكدة في أطراف الحمامات المفتوحة الأبواب والتي لا يمكن لأي إنسان دخولها والوضوء بها كما لا يوجد أماكن للصلاة.
وخلال لحظات خرج احد الموقوفين وهو موظف في (الخطوط السعودية) كما بدا من هيئته، حيث تم الإفراج عنه بالواسطة بينما قبع الآخرون لان ليس لديهم واسطة لها مكانتها في المرور.
وقضينا الليل كله وحتى صلاة الفجر دون ماء أو طعام رغم ان البعض من الموقوفين مرضى بالسكر ونادوا على رجل المرور الذي قبع من خلف النافذة لا يريد أن يكلم أحداً.
ومع ساعات الصباح الأولى فتح الباب ليقذف لنا بكيس مليء بـ(الفول). وكرتونين (حليب السعودية)، لإطعام أكثر من 150 شخصاً. ليهجم الموقوفون على هذا الفطور هجوم الجوعى وفي لحظات بسيطة انتهى كل شيء.
الإشارة الصفراء
وينتقد العديد من الموقوفين حكم الإشارة الصفراء والذي يتم سجن معظمهم بسببه حيث يقول محمد الحربي يبدو ان المرور يستغل الإشارة الصفراء لإيقاف العديد من السائقين لسبب لا نعلمه بحجة قطعهم الإشارة.
رغم ان الإشارة الصفراء (تترك المجال للسائق) حيث يكون لديه خياران اما أن يتأهب للوقوف أو يتأهب للاستمرار إذا كان من المحتمل ان يتسبب في حادث ينتج بتوقفه المفاجئ.
وهو ما يحدث بالفعل وباستمرار ويؤكده الواقع، فأكثر الحوادث المرورية عند الإشارات تكون بسبب التوقف المفاجئ وليس بسبب قطع الإشارة.
وقال: تم إيقافي بسبب استمراري في السير لان خلفي سائقاً وافداً معه عائلة كان من الممكن أن يذهبوا ضحية توقفي المفاجئ.
طفل على قارعة الطريق
يقول طلال السحيمي: أوقفني المرور السري وكان معي أخي الذي يبلغ من العمر 12 عاماً وطلبوا مني مرافقتهم إلى المرور فقلت لهم أريد الاتصال على احد أقاربي لأخذ أخي لكنهم رفضوا وتم اخذي عنوة وبالقوة وترك أخي على قارعة الطريق حتى تمكنت من داخل التوقيف من الاتصال بوالدي وإخباره بالأمر فذهب لإحضار أخي.
ولا أعرف كيف لم يراعوا ان هناك طفلاً تم تركه في الشارع بسبب مخالفة بسيطة لا تجعل مني مجرماً لأني قد تجاوزت السرعة المحددة.
المرور في ذمة «رقيب»
ويتردد في المدينة المنورة أن احد أفراد مرور المدينة المنورة هو المسؤول الثاني بعد مدير مرور المدينة في حين تم تقليص مسؤولية أكثر من 25 ضابطاً من رتبة عقيد وحتى ملازم أول بأمر مدير مرور المدينة ويتردد أيضا أن مدير المرور يقول عن هذا الفرد : لو كان الأمر بيدي لجعلته برتبة (ضابط).
بهذه الكلمات يصف مدير المرور (الرقيب) النائب والذي يصفه ضباط المرور وافراده الآخرون بغير ذلك.
وكان هذا الرقيب يتولى المشرف العام على حجز المرور والتوقيف ومن ثم المشرف على جهاز المرور السري بالمدينة بأكمله.
ورغم عدم نظامية ذلك كما يؤكد احد ضباط إدارة المرور بالمدينة حيث قال لـ(المدينة) إن توليته هذا الرقيب مسؤولية أكبر من اختصاصاته وتهميش بقية منسوبي الادارة مما ولد إشكالية كبيرة لدى منسوبي الإدارة لا يمكن السكوت عنها.
يقول ولي أمر أحد الطلاب الذي تم إيقافه نظرا لمخالفته للسرعة حيث كان يسير طريق المطار بسرعة 130 كيلو متجاوزا بذلك حد السرعة المقررة بـ120 كيلو وسجن على أثرها ليوم كامل. وعلى نفس هذا الطريق تم إيقاف سيارة رسمية تسير بسرعة 180 كيلو بالساعة وتم اطلاق سراح سائقها على الفور لأن رجل المرور السري اكتشف انه ابن أحد المسؤولين.
فكيف نرضى ان يسجن ابناؤنا لانهم خالفوا النظام ويطبق بحقهم بكل قوة فيما يتم التهاون مع من يقومون بالمخالفة (بالسيارات الرسمية) فقط لأنهم أبناء مسؤولين.
«المدينة» ترصد توقيف المرور من الداخل
(المدينة) قامت بزيارة للتوقيف وعادت بهذه الصورة فالمساحة لا تكفي ولا تستوعب اكثر من 30 شخصا يوضع بها يوميا ما لا يقل عن 150 الى 200 شخص.
• لا توجد فتحات تهوية صحية. ولا مخارج طوارئ والخفير الليلي يقف خارج المبنى وليس داخله.
• النظافة سيئة جدا والحمامات رديئة ولا توجد إضاءة داخل حمامين من الجهة الغربية والآخران لا يقلان سوءا وجميعها دون أقفال.
• لا توجد مغاسل في التوقيف او ليات لتصريف المياه.
• الاطعمة والمشروبات لا تكفي للاعداد الموقوفة وبقاياها لا ترفع سوى في اليوم التالي.
• عمال النظافة الذين يأتون في الصباح يتفرغون لبيع الدخان والمياه او جلب طلبات الموقوفين من الخارج.
• لا يوجد أماكن للصلاة ولا يمكن الصلاة في السجن في حال وجود اعداد كبيرة من الموقوفين.
• لا توجد أي مياه ولا طعام في ساعات الليل الأخيرة.
• يتم مصادرة الاقلام والدخان قبل دخول التوقيف وعند طلبك لها في الخروج يقال مع (الفرقة السابقة).
• لا توجد اماكن للمدخنين واخرى لغير المدخنين.
• لا يوجد أي مراعاة لكبار السن او المرضى ولا يمكن إحضار علاج لهم من الخارج.
• من يأمر بإطلاق سراحه لا يستطيع الخروج حتى يتم تسديد مخالفته السابقة عن طريق (الصراف الآلي) فكيف يتم التسديد وهو موقوف (ولا يوجد شبكة للسداد) لدى المرور.
أغرب الموقوفين
* مسن تجاوز عمره السبعين تم إيقافه لأربع وعشرين ساعة لـ (قطع الإشارة) حاول التأكيد لرجل المرور أن الشمس منعته من رؤية الضوء الأصفر في الإشارة لكن دون جدوى.
* شاب يعمل في الاتصالات السعودية بالرياض تم إلقاء القبض عليه لتجاوزه السرعة عند قدومه للمدينة لتقديم (الشبكة) لعروسه ولقائها. أجل اللقاء لليوم التالي (لا يعرف تمت الموافقة أما عطلت بسبب المرور).
* موظف خرج من المستشفى بعد عملية تم إجراؤها له ولم يخبر أسرته ليفاجئهم فألقي القبض عليه بتهمة قطع الإشارة وقضى اليوم الرابع في (سجن المرور).
* شاب سجن لمدة ساعة كاملة لأن خفير المرور اعتقد أنه أحد (الموقوفين) رغم أنه كان يزور صديقه الموقوف.
مدير المرور:
(المدينة) نقلت كافة هذه الانتقادات والاتهامات على مدير مرور المدينة العقيد سراج كمال وأطلعته في نفس الوقت على بعض الصور التي توضح الوضع غير المرضي في توقيف المرور فأكد أنه يعتبر من لا يتوقف خلال الضوء الأصفر (قاطع للإشارة) وقال إن نسبة كبيرة ممن يتم إيقافهم بهذه المخالفة ينكرون ذلك. واصفاً ما نسبته 90 منهم بالكذب، وقال إن حجتهم الوحيدة هي (الضوء الأصفر) وهذا ليس عذراً ورفض في نفس الوقت التهم التي تشير إلى وجود بعض التصرفات التعسفية من قبل المرور تجاه الموقوفين مشيراً إلى أن من ينتقد أداء المرور الجاد يريد أن يسير في الشوارع ( على هواه) فنحن لسنا متعسفين ولكننا نقوم بتطبيق النظام.
ولا تمييز عندنا لطبيب أو أكاديمي والتوقيف للجميع دون استثناء أو تمييز.
واستطرد العقيد سراج قائلاً: المخالف ليس مجرماً وأنا مهمتي توفير مكان للموقوفين وليس سجناً ولا يوجد أي إهانة ولا امتهان للموقوفين.
أما بالنسبة للإعاشة فأنا لا أريد التطرق إليها لأنها تأتي من السجن العام بالمدينة وبالنسبة للمحسوبية وقيامي بإطلاق سراج موقوفين بالواسطة فأنا (اتحدى) من يثبت ذلك.
ـ ولكن ألا ترى عقيد سراج أن الأعداد التي يتم إيقافها كبيرة جداً بحيث نفرض احتمالين إما أن هناك فوضى مرورية لدى السائقين أو أن المرور يحاول الزج بأكبر عدد من المواطنين إلى التوقيف؟!
* إن أسعد الأيام عندي عندما لا يكون هناك موقوفون بالإدارة فلا يوجد مسؤول يحثنا على زيادة الأعداد ولا يوجد عندي أفراد يريدون الانتهاء من (بوك) المخالفات وهذا الاتهام مرفوض جملة وتفصيلاً وتوجيهاتي الدائمة لمنسوبي الادارة تحثهم على أن رجل المرور عليه أن يفرض سيطرته على الشارع الموجود به وألا يغفل ولا يتهاون مع أي مخالفة وأود ألا ينسى الجميع أنه من (أمن العقوبة أساء الأدب) خاصة وأن هناك استهتاراً وتهاوناً كبيراً من السائقين بالأنظمة المرورية.
- وهل تعتقد أن مساحة التوقيف تكفي لـ 150 مخالفاً في وقت واحد؟
*طالما هناك مكان (ينسدح) به فهو كاف! وعندما أوفر مكانا يتمدد فيه الموقوف يكون «عداني العيب»، فأهم شيء هو أن يستطيع الموقوف (أن يتمدد ويرتاح).
أما بالنسبة لمخارج الطوارئ فالتوقيف لا يحتاج لها لأن أرضيته من (السيراميك) وللأسف لا يوجد لدينا إمكانية حالياً لعزل المدخنين وغير المدخنين ولكن هناك نية لتطويره.
* وعن (رقيب المرور) الذي تم توليته مسؤولية التوقيف ومن ثم توليته الإشراف على المرور السري رغم وجود عدد كبير من الضباط في إدارة المرور قال العقيد سراج كمال: إنه من خيرة منسوبي الإدارة ولو أردت أن (أحلف يمين) انه من أفضل منسوبي الإدارة لفعلت وحالة التذمر منه لأنه لا يقبل أن يطلق أي موقوف دون الرجوع إلي حتى لو أصدر هذا الأمر أحد ضباط الإدارة.
(المدينة) تؤكد أنه ومن خلال هذا التحقيق تكشفت العديد من الحقائق المهمة لعل من أبرزها أن هناك حالة (انتقاد) واسعة تطال مرور المدينة حيال التوقيف المبالغ به للعديد من أبناء المدينة والغريب في الأمر أن المتعارف عليه أن يتردد النقد للمرور من الأوساط الشعبية بالذات ولكن يبدو أنه توسع ليشمل كافة الشرائح والنخب الاجتماعية بالمدينة، بل إن أكثر الانتقادات على المرور توجه من داخل المرور ومن منسوبيه.
hgl,h'k,k da;,k hgj,rdt hgua,hzd ,hgurd] svh[ dtk~] h]~uhxhjil