أصبح, أنتقاد, الفنانين
صيفاً سياسياً حاراً، يقابله صيف فني بارد، تزداد برودته كلما ارتفعت حرارة العراك السياسي، حيث بات شبه مؤكد اتجاه المهرجانات اللبنانيّة إلى تعليق نشاطاتها هذا الصيف، حيث لا حفلات ولا سهرات فنيّة ولا أحداث تملأ صفحات المجلات الفنيّة، باستثناء ما يستجد من خلافات بين هذه الفنّانة وتلك على خلفيّة العراك على أغنية أو دور سينمائي مع اتجاه معظم الفنانات إلى التمثيل، أو ربما على خلفية لوك جديد أو فستان صودف للفنانتين ارتداءه في فترة زمنيّة متقاربة، لتبدأ كل منهما بحشد طاقاتها لتثبت أنّها سبقت زميلتها إلى ارتداء الفستان، وبانتظار مشكلة من هنا أو حدث طارىء من هناك، يتسلّى بعض الصحافيين الفنيين بتبادل المناوشات بين بعضهم البعض كل من خلال منبره الإعلامي، حيث تنطلق الشرارة الأولى عندما يتجرأ صحافي على انتقاد فنّان!
للأسف هذا ما وصلت إليه الصحافة الفنيّة، بسبب تعدّي بعض الأقلام على المهنة التي يفترض أنها سلطة رابعة، قوامها النزاهة والحرية والديموقراطيّة. ففي لبنان، يحقّ لك أن تنتقد الرّئيس إميل لحّود لا بل أن تكيل له الشتائم على صفحات جريدتك، ويحق لصحافي في المقلب الآخر أن يكيل الشتائم للرئيس فؤاد السنيورة، ولا يسلم حتى شهداء الوطن من نبش قبورهم وليس ثمّة حسيب، لأنّك إذا تجرّأت وانتقدت المنتقد، تصبح في خانة أعداء الحريّة والدّيموقراطيّة. أمّا إذا انتقدت إليسا وهيفاء ونانسي ونجوى كرم وغيرهم من فنّاني الدّرجة الأولى وحتى الثانية، فلا بد أن تنتظر في اليوم التالي دروساً في الصّحافة والمهنيّة وأصول الكتابة، فضلاً عن النصائح التي يسديها إليك مشكور زميل لك، بالابتعاد عن الحقد والضّغينة، ليشعرك بأنّك ارتكبت خيانة عظمى في حقّ الوطن والإنسانيّة، وكل "ذنبك" أنّك تجرّأت وأعطيت رأيك في فيديو كليب لم يعجبك، أو في فنّان لا يزال يحبو في أولى خطواته مع النّجوميّة!
إذا ما تبادر إلى ذهن القارىء أنّي أبالغ، فما عليه سوى الاطلاع على أعداد المجلات اللبنانيّة الأخيرة، التي اتفقت على مهاجمتنا بسبب نقدنا إحدى الفنّانات، مجلتان اتفقتا على ألا تتفقان منذ سنوات، لكنّهما أعلنتا الهدنة، وكتبتا بما يشبه الحملة الإعلاميّة الشرسة تهاجمان "إيلاف"، لأنّها تجاسرت وانتقدت إليسا. وحمداً لله أنّنا فعلنا، لأنّنا على الأقل كنّا سبباً في اتفاق زميلتين لدودتين ولو على حسابنا.
فكما سبق وقلت في مقال سابق، لا شكّ أنّ ندرة الأحداث الفنيّة دفعت بالبعض إلى كتابة أي شيء ليملأ فراغات صفحاته، خصوصاً عندما يعجز عن صناعة الحدث، فينتقل إلى ردود الفعل، التي تتّسم أغلبها بالتشنّج والعصبيّة، وكأنّ نقد فنّان يعني نهاية الكون، او يهدّد الأمن القومي.
قبل أشهر عندما فازت إليسا بجائزة عالميّة، وقامت بعض المنابر الإعلاميّة بمهاجمتها، دافعنا عنها ولم نتصدّ لزملائنا لأنّنا نؤمن بحريّة التعبير وبأنّ لكل منّا رأيه ووجهة نظره، وعندما صوّرت إليسا إعلاناً لا يليق بنجوميّتها انتقدناها، فما كان من بعض المجلاّت التي لم تنتبه أصلاً إلى الإعلان إلا أن بدأت تكيل له المديح، وتتهمنا بالحقد على النجمة، ومحاولة تدمير نجاحها، وكأن مهمة الصحافي هي كيل المديح للفنّان ولو أخطأ. وبعد نشرنا النقد تابعنا نشر أخبار إليسا كما اعتدنا دائماً، لأنّ نقدنا لإعلان تلفزيوني قدّمته لا يعني أنّنا حكمنا على فنّها بالإعدام.
وأذكر في هذا السياق أني كنت من أشد المدافعين عن المخرج شربل خليل، حين قامت الحملة الشرسة ضدّه على خلفيّة عرضه "اسكيتش" ساخر صوّر خلاله شخصيّة أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله بصورة لم يقبلها مناصروه، ووقفنا مع شربل واعتبرنا أنّ ما يتعرّض له هو مس بحريّة التعبير، وبعد أشهر قليلة بعيد انتهاء حرب تموز، قام شربل بعرض اسكيتش ساخر تناول فيه باستهزاء معاناة المهجرين قسراً من بيوتهم، فانتقدناه بقسوة لأنّ الفنّان بشر يخطىء، والنقد البناء مهمّته تصويب الخطأ. ولم يقم حينها أي من تلك الأقلام بالدفاع عنه مقابل هجومنا المبرر عليه، لأنّ شربل ليس فناناً يبرق نجوميةً.
فهل بات النقد من المحرّمات؟ وهل أصبحت مهمّة الصحافي التطبيل والتزمير للفنّان؟ ولماذا لم يتنبّه أي من الزملاء الغيارى على الفنّانة إلى مغازلة الإعلان قبل انتقادنا إياه؟
ولعلّ أغرب ما في الأمر، أنّ إحدى المجلات التي هاجمتنا لأننا تجرأنا على نشر نقد جريء، كانت قد نشرت قبل أسابيع قليلة نقداً عن إليسا جعلني أرفع راية الحداد على الصحافة الفنيّة، حيث اتهمت إليسا بالبخل لأنها شوهدت تنظف زجاج شرفتها بنفسها لأنّ بخلها منعها من إحضار خادمة، ووجدتني أخجل من نفسي وأنا أقرأ ذلك الخبر وأنا في عيادة طبيب الأسنان، ووجدتني أتلفّت رغماً عنّي يميناً وشمالاً كي أتأكّد أن أحد لم يضبطني وأنا أقرأ مقالاً محسوباً على الصحافة الفنيّة، وعذراً زملائي الصحافيين إذا أطلقت عليه اسم مقال، فلا تسمية أخرى لدي.
ig Hwfp Hkjrh] hgtkhkdk lpvlh