عمرو الفيصل في المحكمة
خالد محمد باطرفي
"لبست البنطال والقميص ودخلت محكمة جدة متنكرا كمصري صاحب دعوى لأستقصي أحوالها بدافع مسؤوليتي كمواطن يهمه شأن بيت من بيوت العدل. وسر التنكر أنني في المرة الماضية دخلت هيئة التحقيق والادعاء العام مستطلعا أحوالها فعرفني أحد المراجعين وأبلغ المسؤولين في الهيئة عن الموظف المخلص الذي سمح لي بالدخول في أول الدوام، قبل أن يشرِّف الموظفون، ودار بي المكاتب المغلقة والخالية إلا من المراجعين، فكانت عقوبة المسكين أن أجبر على الاستقالة".
بهذا أوضح الكاتب الأمير عمرو الفيصل لي دوافع وطريقة كتابته مقالته الأحد الماضي عن جولته المحبطة على مدى يومين بين أروقة محكمة جدة بحثا عن قضاة يداومون، وموظفين يهتمون، وإدارة تسأل عما يجري.
نقلت هذه الخلفية لزملائي في مجلس التحرير وسألتهم: لماذا تخلت الصحافة عن دورها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لماذا اكتفينا بتغطية المناسبات والأحداث بحللنا الزاهية، وطلتنا البهية، وتناسينا دورنا الأهم في النزول إلى مواقع المعاناة بحثا عن الحقيقة وكشفا للمستور وتسليطا للأضواء على الأخطاء والخطايا والمظالم؟
عمرو الفيصل لم يكتف بما يصله على ألسنة من يعرف أو يدعي المعرفة، ولم يثق بالتقارير والشكاوى مهما كانت موثقة. اختار أن يذهب يوما إلى مكتب العمل والعمال، وآخر إلى هيئة الحقوق والادعاء العام، وثالث إلى المحكمة الشرعية بجدة ليرى ويسمع ويلمس معاناة المراجعين، ثم ينقل لقرائه بدقة عين الكاميرا وسمّاعة التسجيل ما يجري ويدور بدون رتوش.
هذه صحافة. هذه رسالة. وهذا عمل جليل. ولو أن كل واحد منا، صحفيا، أو غير صحفي، حرص على أن يغير المنكر بلسانه فيستقصي الحقائق وينقلها عبر وسائل الإعلام، موثقة، مسجلة، وما أكثر وسائل التوثيق والتسجيل هذه الأيام وأيسرها، ككاميرا الجوال وآلة تصوير الوثائق، لعرف كل مهمل، ومقصر أن هناك عيونا ترقبه، وآذان ترصده، وأقلاما تفضحه.
من حق ولاة الأمر والوطن علينا، ومن حقنا على أنفسنا، أن نأخذ على يد الظالم، وأن ننصر المظلوم. أن نواجه المخطئ بخطئه، وأن نستدعي العقوبة عليه. فإن من ستره الظلام والخوف والتخاذل استأسد في غيه، وإن من استهان بقومه استأسد عليهم، وإن من أمن العقوبة أساء الأدب.
http://www.alwatan.com.sa/news/write.7&issueno=2482


LinkBack URL
About LinkBacks






