الحديث, الإعجاز
.د / أحمد شوقي إبراهيم
عضو كلية الأطباء الملكية بلندن، ورئيس لجنة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية
ومن العجيب في الفيروسات والبكتريا التي تصيب الإنسان بشتى الأمراض، أنها أحيانا تكون وديعة وحميدة لا تسبب مرضا للجسم الذي يحملها وتظل ساكنة فيه بينما يكون الجسم الحامل لها لا يشتكي شيئا بل إن بعض الكائنات الضارة بالإنسان قد تصير كائنات تدفع عن الإنسان المرض وفي أحيان أخرى تسبب له مرضا شديدا وسوف نتحدث عن ذلك فيما بعد وقد تتعامل الجرثومة الواحدة مع الناس تعاملا مختلفا فتتعامل مع بعض الناس في شدة وبطش وعدوان… وهي نفسها تتعامل مع بعض الناس الآخرون في سلام ووئام، ومثال ذلك أن بكتريات الحمى الشوكية الوبائية من طبيعتها شدة العدوان والضرر، فهي تنتقل من المريض إلى السليم عن طريق الرذاذ الخارج من الفم والأنف، فتسبب له مرضا وبيلا كثيرا ما يؤدي إلى وفاته
ونفس هذه البكتيريا العدوانية للإنسان قد تصل إلى إنسان آخر أو إلى أناس آخرين فتكون مسالمة فلا تسبب مرضا وفي بعض أوبئة هذا المرض يهاجم الميكروب الآلاف من الناس إلا أن 5 – 10 % منهم تظهر عليهم أعراض المرض، أما 90 – 95 % منهم فلا تظهر عليهم أي أعراض مرضية ويظل كل منهم حاملا للمرض
والأمر نفسه في التيفويد، فبعض الناس يصابون به إلا أن نسبة منهم تظهر عليهم أعراض المرض ونسبة أخرى منهم يستكن الميكروب في أجسامهم، وخاصة في الكيس المراري، دون أن يحدث للجسم مرضا، إلا أنه يصير مصدرا لعدوى المرض للغير فنفس الميكروب قد يعيش في سلام مع أجسام، وهو نفسه قد يكشر عن أنيابه ويصير شديد الشراسة في أجسام أخرى.
ما السبب في هذه الظاهرة في كل من الفيروسات والبكتريا ؟
الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، حتى لدى العلماء المتخصصين، وقد تفسر على تفاوت المناعة من شخص لآخر أو على اختلاف قوة خطوط الدفاع في جسم عن قوتها في جسم آخر … وقد تفسر على اختلاف يحدث لطبيعة الميكروب نفسه والأمر ليس بهذه البساطة ولكن الحقائق العلمية التي تتحدث عن هذه الظاهرة في العلاقة بين الفيروس والميكروب من جهة، والإنسان من جهة أخرى، هي حقائق في منتهى الدقة والتعقيد إلا أن النتيجة النهائية أن هناك أسرارا في هذه العلاقة لا يعلمها إلا الخالق عز وجل…
فالميكروبات لا تدرك ولا تعقل وأجهزة المناعة في جسم الإنسان لا تدرك ولا تعقل هي الأخرى ولكن التعامل بين البكتيريات والأجسام قائم على الفطرة التي فطر الله تعالى كلا من البكتريا والأجسام عليها
وتبقى حلقة مفقودة في علم الإنسان، وهي السر الحقيقي في تغيير هذا التعامل فيكون مرضا حينا أو لا يكون مرضا حينا آخر الا أن هذه الحلقة لم تعد مجهولة لمن يتدبر الأحاديث النبوية عن العدوى، فيدرك أن الأمر أولا وأخيرا معلق بإرادة الخالق عز وجل الذي بيده الخلق والأمر الذي بيده الأسباب ونتائجها جميعا إن شاء عطل الأسباب فظلت النتائج بدون أسبابوإن شاء عطل النتائج فظلت الأسباب بدون نتائج وإن شاء عطل كلا من الأسباب والنتائج فلا يكون لها أثر ولا تأثير
وعكف العلماء على تفسير ما يحدث أمامهم من أمور ويخرجون بتفاسير كثيرة، إلا أن السر الحقيقي لا يزال بعيدا عن إدراكهم ويستقل الله تعالى بالعلم به .
التفسير العلمي لأحاديث العدوى
ما ترك الوحي الإلهي في القرآن والحديث النبوي أمر من أمور الدنيا والآخرة إلا أخبرنا به، وبين لنا الطريق الصحيح والمنهج القويم، كما قال الله تعالى عز وجل : " ما فرطنا في الكتاب من شيء "، " الأنعام/38" .
وكما قال الله عز وجل : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين "، " النحل/89".
وأرسل الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغ الرسالة، وينصح الأمة، ويعلم الناس من أمور دينهم ودنياهم ما لم يكونوا يعلمون … كما قال الله عز وجل : " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون "، " البقرة/151".
ويعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الكثير من أمور حياة الناس، في مأكلهم ومشربهم ونومهم ويقظتهم ويعلم الناس كيف يتصرفون في كل أمر من أمورهم في الدنيا التصرف الصحيح، وحتى العدوى من الأمراض، تعلمنا السنة النبوية المشرفة كيف نتفادها كما تعلمنا الأسرار الحقيقة وراء العدوى من الأمراض تلك الأسرار التي لم يدركها كثير من الناس، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " لا يوردن ممرض على مصح"، أي لا يدخل إنسان مريض بمرض معدي؛ على إنسان سليم فيسبب له العدوى بالمرض.
وفي حديث آخر رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد "، ففي أول الحديث نفى لوجود العدوى، وفي آخر الحديث إثبات لها وأمر بتجنبها والفرار منها !!
وأخرج الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم في قصعة واحدة وقال : " كل ثقة بالله وتوكلا عليه "، والحديث الشريف يدل على أن في الأكل مع المجذوم في قصعة واحدة خطر ما، إلا أن التوكل على الله والثقة في رحمته يمنعان ذلك الخطر.
وفي حديث آخر رفض أن يسلم على مجذوم من ثقيف، وقال له " إنا قد بايعناك فارجع " وقد ظن كثير من العلماء بوجود تعارضا فيما بين تلك الأحاديث المشرفة عن العدوى، كما تحدثنا من قبل وحتى الإمام ابن القيم الذي لم يوافقهم على ذلك، ومع ثقته بما قال لم يستطع أن يعطي دليلا علميا أو برهانا ثابتا يدل على أن هذه الأحاديث لا تتعارض مع بعضها البعض لأن الأدلة العلمية التي نثبت ذلك لم تكتشف إلا حديثا في عصر العلم الحالي ولم تكن معروفة من قبل قط.
" الإعجاز في القرآن والسنة "
lk hgYu[h. hgugld td hgp]de hgavdt