مخطوط القرآن الكريم لابن البواب
المصادر التاريخية التي تحدثت عن أبي الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب قليلة بالقياس إلى شهرته ، والغريب في الأمر أن هذه المصادر لم تذكر تاريخ ومكان مولده ، لكن مما لا شك فيه أنه عاش في بغداد الشطر الأكبر من حياته، وتوفي فيها عام 413هـ/1022م ودفن بالقرب من مقبرة أحمد ابن حنبل. وقد عرف باسم "ابن البواب" نسبة لعمل أبيه بوابا كما عرف أيضا باسم "ابن الستري" وهو ما يحمل نفس الدلالة. وقد عمل ابن البواب في بداية حياته كمزوقا للبيوت، ثم عمل بزخرفة وتصوير الكتب، ثم تخصص في فن الخط. وقد برع في هذا الفن فتميز على من سبقه وبهر من جاء بعده. كما كان ابن هلال يعظ بمسجد المنصور ببغداد. ويذكر أن البواب صار من المقربين للوزير فخر الملك عند توليه ولاية المدينة في عهد البهويين. وترجع شهرة ابن البواب الخالدة إلي إتقانه الخط الذي انتشر لما يقرب القرن وقد استخدمه الوزير والخطاط الشهير ابن مقلة المتوفى 328هـ/939م. وقد تولى ابن مقلة الوزارة ثلاث مرات في عهد الخلافة العباسية. ويحكى أن الخليفة الراضي قد غضب عليه وأمر بقطع يده. لكن ابن مقلة أصر أن لا يؤثر هذا التشويه على قدرته الإبداعية كخطاط فربط قلما إلي ساعده واستمر في الكتابة ليضع تصورا لخط جديد جاء ابن البواب من بعده ليحسنه ويطوره فكان الخط المنسوب الذي صار أشهر الخطوط المستخدمة طيلة قرنين كاملين تاليين، وقبل أن تنتشر طريقة ياقوت . وقد درس ابن البواب الخط على يد محمد السمسماني ومحمد بن أسد ، وفي رواية أخرى يقال أنه تعلم على يد ابنة ابن مقلة. ومما يروى عنه أيضا أنه نسخ ألف نسخة ونسخة من القرآن! وهو رقم من المؤكد عدم صحته حيث تزخر مكتبات العالم الخطية بمئات النسخ المنسوبة إليه خطأ أو بالتزوير. المخطوط الذي نراه في هذا الباب هو مخطوط رقم ك/16 في مجموعة شستر بيتي وهو مجلد صغير عدد صفحاته 286 صفحة مقاسها 17.5 ارتفاعا × 13.5 عرضا. وأبعاد المتن 13.5× 9 سم. وبكل صفحة 15 سطرا. وخاتمة الكتاب تدل على أن الذي نسخه هو على بن هلال في بغداد ، عام 391هـ (1000-1م). والورق المستخدم في هذا المخطوط ورق متين ومتوسط السمك. وقد اكتسب اللون البني النضر على مر الزمن. وهو اللون المميز للمخطوطات من هذا العصر . وقد أحدث الحبر البني الغامق هالات حول الحروف في المواضع التي تسرب إليها الحبر على طول تعاريج الورق. وعند زخرفته للقرآن الكريم اهتم ابن البواب بصفة خاصة بتجميل الصفحة الأولى منه ، فجعل في هذا المخطوط -كما نرى- سعفيات السور أكثر تقاربا من غيرها في الهوامش واعتنى برسمها اعتناء أكبر ولونها بألوان أكثر دكانة. ولم يحاول كما حدث فيما بعد، ابتداء من العقد الثالث من القرن الحادى عشر، أن يغطي كل مساحات الهوامش في الصفحات الافتتاحية برسوم تكون شكل سجادة. لا يوجد أي شك حول أصالة مخطوط شيستر بيتي. فمقاس الكتاب ونوع الورق والحبر يتطابق مع مثيله من مخطوطات هذا العصر. وعلى الرغم من عدم وجود نسخة أخرى لابن البواب يمكن مقارتنها بهذا المخطوط، إلا أنه تنطبق عليه جميع الأوصاف التي ذكرها مختلف المؤلفين المسلمين. وتأتى أهمية مخطوط شيستر بيتي وقيمته التاريخية والفنية أنه أقدم المصاحف المدونة بخط النسخ الذي تبقى حتى الآن ، وهو أيضا العمل الوحيد الذي نعرفه لابن البواب ، والمخطوط الوحيد المزخرف كاملا من أيام البهويين.