الحيوانات, ومال, وجل
من ولاء الحيوانات لله عز وجل أيضا أنها ترتاح إذا مات الفاجر
عبودية الكائنات لرب الأرض و السماوات .
سعيد بن سعد آل حماد
الحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته و أقرت له
بالألوهية جميع مصنوعاته وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو
بما أودعها من عجائب صنعه وبدائع آياته وسبحان الله وبحمده
عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ولا إله إلا الله
وحده لا شريك له في إلاهيته كما لا شريك له في ربوبيته والله
أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا - سبحان
من سبحت له السماوات وأملاكها والنجوم وأفلاكها والأرض
وسكانها والبحار وحيتانها والنجوم والجبال والشجر والدواب
والآكام والرمال وكل رطب ويابس وكل حي وميت
باري البرايا ومنشى الخـلائق مبدعهم بلا مثال سابـق
الأول المبدي بـلا ابــتداء والأخر الباقي بلا انــتهاء
الأحــد الفرد القدير الأزلي الصــمد البر المهيمن العلي
حــي وقيوم فــلا ينـام وجـل أن يشبـهه الأنـام
وأشهد آن لا اله آلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده
ورسوله
أرسـله الله إليـنا مــرشـدا ورحـمة للعالــمـين وهدى
نشـهد بالـحق بـلا ارتـياب بأنه المرسل بالكـتــــاب
وهــو خاتـم الرسل باتفاق وأفضل الخلق علـــى الإطلاق
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا , ثم أما
بعد:
يا رب وإن عظمت ذنوبي كثـــرة *** فلقد علمت بان عفوك
أعظم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعـــا ***فإذا رددت يدي فمن ذا
يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محـــسن ***فـمن الذي يرجو المسيء
المجرم
مــالي إليك وسيلة إلا الرجـاء *** وجميل عـفوك ثم إني مسلم
ثم أما بعد:-
فإن الله قد أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة
بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ؛ ليعبد الله عز
وجل , وليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ,
ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة , ومن جور الأديان إلى
عدل الإسلام , وكان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال
التي كانت عليهم , فلم يكن خطابه لأمة دون أمة ولا وطن دون
وطن ولا شعب دون شعب , بل كان خطابه للنفس البشرية
والضمير الإنساني والمجتمع الدولي وكان الصحابة خير جيل مر
على البشرية أطاعوا الله ورسوله في المنشط والمكره والعسر
واليسر ونفروا خفافا وثقالا , وهان عليهم التخلي عن الدنيا
وهانت عليهم رزية أموالهم وأولادهم ونسائهم وانفسهم , وإن في
سيرتهم رضي الله عنهم العجب في طاعة الله , وطاعة رسوله
صلى الله عليه وسلم .
ورغم هذا فان هذا المقال عن صنف آخر في طاعة الله وطاعة
رسوله صلى الله عليه وسلم إنه عن عبادة الكائنات لرب الأرض
والسماوات , فها هي المخلوقات من أشجار وأحجار وجبال
ودواب تسجد لله عز و جل قال الله تعالى(آلم تر أن الله يسجد
له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم
والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه
العذاب.) إنه إذا تدبر القلب هذا النص فسيرى حشداً من
الخلائق مما يدرك الإنسان ومما لا يدرك , وإذا حشد من الأفلاك
والأجرام مما يعلم الإنسان ومما لا يعلم , وإذا حشد من الجبال
والشجر والدواب في هذه الأرض التي يعيش عليها الإنسان , إذا
بتلك الحشود كلها في موكب خاشع تسجد كلها لله وتتجه إ ليه
وحده دون سواه تتجه إليه في وحدة واتساق إلا ذلك الإنسان فهو
وحده الذي يتفرق (وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب) إنها
تسجد ولكننا لا نفقه تسبيحها , أما الأشجار وما شابهها فسجودها
بحركة الظل من اليمين إلى الشمال هذا سجودها الحقيقي وهو
أمر اختياري لها قال تعالى(أولم يرو إلى ما خلق الله من شيء
يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون – ولله
يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا
يستكبرون) وسجود باقي الكائنات كل بحسبه
أما عن تسبيح الكائنات فقال تعالى (تسبح له السماوات السبع
والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا
تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) فتسبيحها لا نفقهه نحن
البشر وعدم معرفتنا به ليس دليلا على نفيه - إلا أن الله قد خص
بعض البشر بمعرفة التسبيح كداود عليه السلام قال تعالى(إنا
سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي و الإشراق والطير محشورة
كل له أواب) ثم إن هذه الكائنات كانت تعلم وتفهم وتدرك
تسبيحها لله , قال الله تعالى (آلم تر أن الله يسبح له من في
السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه)
فهذا دليل على أن الكل يسبح لله ويصلي له - وفي حديث عمر
وبن عبسة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما تستقبل
الشمس فيبقى شيء من خلق الله إلا يسبح الله بحمده إلا ما كان
من الشياطين وأغبياء بني آدم )
إذاً هذه الكائنات تسجد وتصلي وتسبح الله وكذلك تستغفر لبعض
أوليائه فعن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم(انه ليستغفر للعالم من في السماوات ومن في الأرض حتى
حيتان البحر) وزاد (حتى النملة في جحرها)
إذاً هذه الكائنات مسلمة لله رب العالمين قال تعالى(افغير دين
الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا أ و كرها
واليه ترجعون)وكذلك هي مؤمنة بنبوة محمد صلى الله عليه
وسلم قال صلى الله عليه وسلم ( انه ليس من شيء بين السماء
والأرض إلا يعلم أ ني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس) رواه
احمد
وفوق هذا فهي خائفة من يوم القيامة ولذلك تشفق من يوم الجمعة
حيث تقوم فيه الساعة في حديث آبي لبابه بن عبد المنذر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم-عن يوم الجمعة- (وفيه تقوم
الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا ارض ولا رياح ولا جبال
ولا بحر إلا وهي تشفق من يوم الجمعة)رواه ابن ماجة
ومع هذا فهي تشهد للدعاة والمؤذنين -فالمؤذن في الحقيقة من
الدعاة الى الله – تشهد له يوم القيامة فعن أبي سعيد قال قال لي
رسول الله صلىالله عليه وسلم(إ ني أراك تحب الغنم والبادية
فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء
فانه لا يسمع صوت المؤذن جنّ و لا إنس ولا شيء إلا شهد له
يوم القيامة) رواه البخاري
أما الحيوانات فهي عابدة طائعة لله عز وجل مسخرة لمرضاته
طائعة لربها فهذا عالم النمل العجيب , منه نملة تستغفر
للصالحين وسبقت نملة أخرى تنذر قومها وتصيح بهم رغم ضعف
صوتها وضآلة جسمها اسمع لها يا من لا يصيح في الناس ولا
ينذرهم ولا يحذرهم من مغبة المعاصي والآثام (حَتَّى إِذَا أَتَوْا
عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا
يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:18) النملة
تسبح الله عز وجل ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال (
قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى
الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله )متفق
عليه واسمع يا من قصرت في الدعاء وقللت منه أو أعرضت
عنه فقد ذكر ابن أبي حاتم أن سليمان بن داود خرج يستسقي فإذا
نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول
اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى لنا عن سقياك و إلا تسقنا تهلكنا
, فقال سليمان : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم )
والنمل لا يكذب وعقوبة الكاذب عنده الإعدام فقد ذكر ابن القيم
في مفتاح دار السعادة قصة النملة مع قدم الجرادة فقال : ولقد
أخبر بعض العارفين أنه شاهد منهن يوما عجبا , قال : رأيت
نملة جاءت إلى شق جرادة فزاولته فلم تطق حمله من الأرض,
فذهبت غير بعيد ثم جاءت معها بجماعة من النمل, قال: فرفعت
ذلك الشق من الأرض, فلما وصلت النملة برفقتها إلى مكانه
دارت حوله ودرن معها, فلم يجدن شيئا فرجعن, فوضعته, ثم
جاءت فصادفته فزاولته فلم تطق رفعه , فذهبت غير بعيد ثم
جاءت بهن فرفعته , فدرن حول مكانه فلم يجدن شيئا فذهبت
فوضعته , فعادت فجاءت بهن فرفعته فدرن حول المكان فلما لم
يجدن شيئا تحلقن حلقة وجعلن تلك النملة في وسطها ثم تحاملن
عليها فقطعنها عضواً عضواً وأنا أنظر.
ولكن إذا عصى الحيوان الله عز وجل استحق الإعدام بسبب
معصيته لله عز وجل: فهذه الدابة الفاسقة وقد سميت فاسقة
لفسقها ومعصيتها وهي الوزغ فما ذنبها ؟
عن سائبة مولاة الفاكه بن المغيرة أنها دخلت على عائشة فرأت
في بيتها رمحا موضوعا فقالت (يا أم المؤمنين ماذا تصنعين بهذا
؟ قالت : نقتل به الأوزاغ فان نبي الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار لم تكن على
الأرض دابة إلا أطفأت النار غير الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله )رواه ابن ماجة بل
في قتله حسنة
وهناك فواسق أخرى كالكلب العقور والحدأة والغراب والحية
والعقرب عن عمرو بن ميمون قال كنت أرعى غنما لي بناحية
اليمن فزنى قرد بقردة فاجتمعت عليها القرود فرجموهما وكنت
ممن رجمهما)رواه البخاري .
فجميع الحيوانات طائعة لله ومنها الأسد فقد ناصر الأسد أحد
المؤمنين وعاونه فعن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر فانطلق هاربا يلتمس
الجيش فإذا هو بأسد فقال يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان من أمري كيت وكيت فاقبل الأسد وله
بصيص بذنبه حتى قام إلى جنبه ثم مشيا فكان الأسد كلما سمع
صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش ثم رجع
الأسد )رواه البغوي
ومن ولاء الحيوانات لله عز وجل أيضا أنها ترتاح إذا مات
الفاجر فان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر عليه بجنازة قال
مستريح أو مستراح منه فقالوا يا رسول الله ما المستريح
والمستراح منه ؟ قال: إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا
وأذاها إلى رحمة الله تعلى والعبد الفاجر يستريح منه العباد
والبلاد والشجر والدواب ) رواه البخاري بل إن الحيات في
جحورها والحبارى لتلعن عصاة بني آدم حيث منعوا القطر
بسببهم )قاله مجاهد
أما الإبل التي قال الله عنها (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت
)إليك بيان عجيب لها. جمل يحب النبي صلى الله عليه وسلم
ويعظمه ويوقره ثم يشتكي إليه ما حصل له من صاحبه (دخل
عليه الصلاة والسلام حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما
رأى النبي عليه الصلاة والسلام حنّ وذرفت عيناه فأتاه النبي
صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه وذفراه فسكن فقال
:من رب هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال :لي يا رسول
الله فقال : ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فانه
شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه )رواه أبو داود
والجمل يطيع النبي صلى الله عليه سلم قال جابر(أقبلنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دفعنا إلى حائط في بني
النجار (فإذا فيه جمل لا يدخل الحائط احد إلا شد عليه فذكروه
للنبي عليه الصلاة والسلام فأتاه فدعاه فجاء واضعا مشفره على
الأرض حتى برك بين يديه فقال (هاتوا خطاماً )فخطمه ودفعه
إلى صاحبه ثم التفت فقال (انه ليس شيء بين السماء والأرض
إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن و الإنس )رواه احمد
وناقته القصواء يقول (خلوا سبيلها فإنها مامورة )
وهنا سؤال هل يوجد في الحيوانات دعاة إلى الله يدعون إليه؟
يا من قصر في الدعوة يا من رأى المنكر ويسكت عنه . فهذا
الديك يدعو إلى الله في صلاة الفجر يا من رقد عن صلا ة الفجر
انظر إليه يستيقظ قبل الأذان فعن زيد بن خالد أنه قال قال : عليه
الصلاة والسلام(لا تسبوا الديك فانه يدعوا إلى الصلاة ) انه
يعاون الإنسان إلى طاعة الله وإلى التسبيح قال : صلى الله عليه
وسلم(إذا سمعتم الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا
سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها رأت
شيطانا )رواه مسلم
وهنا حيوان آخر يدعو إلى الله فيسلم إنسان على يديه فعن أبي
سعيد الخدري قال (عدا الذئب على شاة فأخذها فطلب الراعي
فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال : آلا تتقي الله تنزع مني
رزقا ساقه الله إلي فقال : يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني
كلام الإنس فقال الذئب : آلا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد
صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال :
فاقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها في زاوية
من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة ثم خرج
فقال للراعي : أخبرهم فقال : رسول الله صلى الله عليه
وسلم(صدق والذي نفسي بيده ) وهذا الذئب يتميز بأنه داعية
ومؤمناً بأن الله الخالق الرازق ويذكر الراعي بتقوى الله ويخبر
الراعي بمكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به
وهذا حيوان عجيب يدعو الله ولا يفتر عن الدعاء بل يلح بالدعاء
كل يوم دون انقطاع قال صلى الله عليه وسلم(انه ليس من فرس
عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوة فيقول : اللهم انك
خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه )رواه
احمد عن أبي ذر
البراق من الحيوانات خجل عندما امتنع عن أن يركبه رسول الله
صلى الله عليه و سلم فلما أعلمه جبريل عليه السلام ارفضّ
عرقا خجلاً من النبي صلى الله عليه و سلم يا من لا يخجل و لا
يستحي إذا عصى رسول الله صلى الله عليه و سلم كالبراق ؟
ولكن هل الحيوانات تغضب لله عز وجل ؟ هل هذه الحيوانات
تتأثر إذا عصي الله وعبد غيره؟ نعم ولا أدل على ذلك من قصة
الهدهد الذي أنكر بشدة عبادة قوم للشمس غضب لله وأعلن
توحيده قال تعالى عن سليمان ( وتفقد الطيروجدتها وقومها
يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم
فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون – آلا يسجدوا لله الذي يخرج
الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون - الله
لا اله إلا هو رب العرش العظيم ) هذه الحيوانات عابدة لله عز
وجل
فلننتقل الآن إلى عبادة الأشجار والنباتات لله سبحانه فهذه
الأشجار تسجد لله خاشعة له سبحانه قال تعالى (والنجم والشجر
يسجدان ) وقد بينا أن السجود للأشجار بتحرك الفيء والظلال
فعن ابن عباس قال : ( كنت عند النبي عليه السلام فأتاه رجل
فقال إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى شجرة
فقرأت السجدة فسجدت , فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها
تقول: اللهم احطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا, وجعلها
لي عندك ذخرا قال ابن عباس فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم
قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره
الرجل عن قول الشجرة)رواه ابن ماجه و هذا درس لتارك
الصلاة فأين من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وهناك أشجار تعين على الطاعة وتساعد عليها , قال صلى الله
عليه وسلم (ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من
حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وها هنا )
ابن ماجه
وكانت الأشجار تعظم النبي صلى الله عليه وسلم وتحبه . فكانت
تسلم عليه صلى الله عليه وسلم فعن علي بن أبي طالب قال (فما
استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله
)وعن يعلى بن مرة (.ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبي
صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم
رجعت مكانها فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكرت له فقال : هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها )
وهذه شجرة تعلن التوحيد على رؤوس الأشجار يا من غطى
رأسه في التراب خجلا من انتسابه لدين الله عز وجل فعن ابن
عمر قال (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل
أعرابي فلما دنا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (تشهد
أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ؟
قال ومن يشهد على ما تقول ؟ قال هذه السلمة فدعاها رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو بشاطيء الوادي فأقبلت تخدّ
الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما
قال ثم رجعت إلى منبتها) فأعلن التوحيد وارفع راسك شامخا بلا
اله إلا الله محمد رسول الله
فيا أيها الكون مني استمــع *** ويا أذن الـــدهر عني افهمي
فإني صــريح كمـا تعلمين *** حريص على مبــدأي القــيم
ومهما تعــددت الواجهات *** فــلـست إلى وجـهة انتمـي
سـوى قبلة المصطفى والمام *** لأروي الحشاشــة من
زمـــزمي
وأشهد من دب فــوق الـثرى *** وتحت السما عـزة الـمسلم
ومن الشجر ما هو طائع لله عز وجل لا يعصيه إذا أمره ففي
صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام ذهب لقضاء حاجته (فإذا
شجرتان بشاطيء الوادي فانطلق صلى الله عليه وسلم إلى
إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال : انقادي علي بإذن الله .
فانقادت كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة
الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال : انقادي علي بإذن الله .
فانقادت مع%ه كذلك فجمعها فقال : التئما علىَ بإذن الله فالتأمتا
)
ومن الشجر من يحب محمداً صلى الله عليه وسلم أعظم الحب
ويوقره أحسن التوقير فهذا الجذع يحن ويبكي لفراقه النبي صلى
الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري فصاحت النخلة صياح
الصبي ثم نزل عليه الصلاة والسلام فضمه إليه
و عن جابر رضي الله عنه : كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله
عليه وسلم، فلما وضع له المنبر، سمعنا للجذع مثل أصوات
العشار، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه.
رواه البخاري
ثم ننتقل بعد ذلك إلى الجمادات فهي عباد لله مسخرة له طائعة
طاعة اختيارية له سبحانه وتعالى . فهذا البحر الخضم يغd6ب
لله يا من يمر على المعاصي فلا يتمعر وجهه ولا يتمزق قلبه إذا
رأى المنكرات فروى أحمد في المسند عن عمران أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة (
ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله
تعالى أن ينتضح عليهم فيكفه الله عز وجل) وفي رواية أخرى(
ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم , والملائكة
تعالجه وتهلكه والرب سبحانه يقول دعوا عبدي )
أما هذه الجبال العاتيات الرواسي فإنها تعبد الله فتسجد لله وقد
سبق إثبات سجودها بانتقال الفيء . كما أنها تسبح الله قال تعالى
عن داود ( إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق )
والجبال تخشى الله عز وجل (لو أنزلنا هذا القران على جبل
لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الحشر: من الآية21) كما أن الجبال تخشى الله
وتخاف من تحمل الأمانة ( إنا عرضنا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان
إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(الأحزاب: من الآية72)والأمانة هنا أمانة
التكليف( وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله) وذكر
القرطبي انه ما تردى حجر من رأس جبل ولا تفجر نهر من
حجر ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله نزل بذلك القران .
ولكن هل تغضب الجبال لله ؟ لما ادَّعت النصارى أن لله ولدا
غضبت الجبال غضبا شديدا قال تعالى ( وقالوا اتخذ الرحمن
ولدا - لقد جئتم شيئا إدا - تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق آلا
رض وتخر الجبال هدا ) ثم هي تفرح بالطائعين
نقل القرطبي عن ابن مسعود عن تحدث الجبال بعضها لبعض
فيقول ( إن الجبل ليقول للجبل : يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر
لله فإن قال نعم سرّ به ثم قرأ ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا)
فإذا خرجت للسياحة ومررت بهذه الجبال فأكثر من ذكر الله عز
وجل .
أما محمد صلى الله عليه وسلم فكانت الجبال تحبه فهذا أحد قال
عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( أحد جبل يحبنا ونحبه ) بل
وكانت تسلم عليه (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل
أن أبعث إني لأعرفه الآن) بل كانت تسبح الله عز وجل فعن أبي
ذر قال : تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات
فسبحن في يده حتى سمعت لها حنينا ثم وضعهن في يد أبي بكر
فسبحن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان
فسبحن ) وهناك جبال اشتهرت في الإسلام ( جمدان ، عرفه ،
أبي قبيس ، أحد ، حراء ، ثور ، الكهف , قصة الطور .)
أما الرعد فإنه ( ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) وقد روى الإمام أحمد
( الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب بيده مخراف من نار
يزجر به السحاب والصوت الذي يسمع من زجره السحاب إذا
زجره حتى ينتهي إلى حيث أمره) ولذا ورد عن بعض الصحابة
أنه إذا سمع الرعد قال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة
من خيفته .
أما الرياح فهي تشفق من الله فتشفق من قيام الساعة في كل
جمعة ثم سخرها الله لسليمان حيث كانت تغدو وتروح وتجري
بأمره حيث أراد أن توصله قال تعلى (فسخرنا له الريح تجري
بأمره رخاء حيث أصاب). وقد يسخرها الله عذابا على أمة
فكانت عاد لا يعلم لها شدة ولا قوة , وقد بنوا إرم ذات العماد
قال تعالى ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) و قال تعالى:
)فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ
هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الأحقاف:24) فهي
تغضب لله فهذا المخلوق اللطيف اللين منفذ لأمر الله طائع لربه
و خالقه أكثر منك أيها الإنسان ولذا نهى صلى الله عليه وسلم
عن لعن الريح ( لا تلعن الريح فإنها مأمورة )
أما السماوات والأرض فإنها طائعة لله عز وجل ( ثم استوى إلى
السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو طرها قالتا
أتينا طائعين.) ولو عصياه لعذبهما الله وقد أطاعت الأرض
الله في عذاب الطوفان فقال (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ
أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ
بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود:44)
ثم إن السماوات والأرض تغضب لله عز وجل (.وقالوا اتخذ
الرحمن ولدا ) يا من تحب النصارى قال ابن عباس إن
الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق
إلا الثقلين وكادت أن تزول منه لعظمة الله ( ما لكم لا ترجون
لله وقاراً )
والأرض ترفض بعض المنافقين والفاجرين والكافرين فعن أنس
رضي الله عنه قال كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة
وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق
هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال : فعرفوه قالوا : هذا يكتب
لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم ، فحفروا له
فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا
له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذاً
) وقد يخسف ببعضهم وتصبح الأرض مقر عذابهم مثل قارون و
صاحب الثوب المسبل وهو يتبختر في مشيته ,و هذه البلاد
الكافرة مع ما فيها من جمال إلا أنها تلعنهم . وكذا السماء
والأرض تبكي على الصالحين قال تعالى عن فرعون(فَمَا بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:29) فدل
على أنها تبكي على المؤمنين( وأن الله قد حرم على الأرض أن
تأكل أجساد الأنبياء )
إن الشمس والقمر طائعين لله عز وجل فهما مسخران بأمره قال
تعالى ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق
والأمر .) ثم حديث أبي ذر ،قال: دخلت المسجد ورسول الله
صلى الله عليه وسلم جالس. فلما غابت الشمس قال "يا أبا ذر!
هل تدري أين تذهب هذه؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال
"فإنها تذهب فتستأذن في السجود. فيؤذن لها. وكأنها قد قيل لها:
ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها"رواه مسلم .
فهذه الشمس مع كبر حجمها إلا أنها لطاعتها لله عز وجل لا
تتأخر ثانية ولا تتقدم أخرى , بل في موعدها وفي موضعها . يا
من إذا وعد أخلف قال تعالى ( وهو الذي خلق الليل والنهار
والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) وقد أمرها نبي من
الأنبياء أن تحتبس فاحتبست ، أما القمر فقد أمره الله فانشق
لمحمد صلى الله عليه وسلم ( اقتربت الساعة وانشق القمر.)
فكانت فرقة فوق الجبل وفرقة دونه وقال صلى الله عليه وسلم (
اشهدوا ) أما الطعام قال ابن مسعود ( كنا نسمع تسبيح الطعام
وهو يؤكل )
فيا أيها القاريء الكريم خذ العبرة و العظة من هذه المخلوقات ثم
اجتهد أن تتفوق عليها في طاعة رب البريات و في إرضاء خالق
الأرض و السماوات .
lk ,ghx hgpd,hkhj ggi u. ,[g