مـن, الـعـمـر, شـجـرة, وسـقـطـتـ
غريبة هي الدنيا .
سميت دنيا لتدني منزلتها عند الله وحقارتها . أوضاعها غريبة .
ليل يتبعه نهار . حياة وموت . لقاء وفراق . ضيق وفرح .
آمال و آلام . بزوغ وأفول .
ومعادلة بسيطة ومتساوية الأطراف :
( طفل الأمس هو شاب اليوم - هو شيخ الغد )
قال الله تعالى :
" و اضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض
فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا "
نعم هذا مثل هذه الحياة الدنيا في سرعة ذهابها واضمحلالها وقرب فنائها وزوالها .
هذه الحياة الدنيا لا راحة فيها ولا اطمئنان .
ولا ثبات فيها ولا استقرار حوادثها كثيرة وعبرها غفيرة .
دول تبنى و أخرى تزول . مدن تعمر وأخرى تدمر .
وممالك تشاد و أخرى تباد .
فرح يقتله ترح . وضحكة تخرسها دمعة .
صحيح يسقم ومريض يعافى .
وهكذا تسير عجلتها لا تقف لميلاد ولا لغياب ولا لفرح ولا لحزن .
تسير حتى يأذن الله لها بالفناء .
ولا يملك الناس من هذه الدنيا شيئا إلا بمقدار .
نزول المطر ونبات الزرع وصورته هشيما .
بذلك ينتهي شريط الحياة .
ما بين ولادة وطفولة وشباب وشيخوخة ثم موت وقبر .
يطوى سجل الإنسان بعجالة وكأنها غمضة عين أو لمحة بصر أو ومضة برق .
" اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد "
سراب خادع . وبريق لامع . ولكنها سيف قاطع . وصارم ساطع .
كم أذاقته أسى . وكم جرعت غصصا . و أذاقت مرضا .
كم أحزنت من فرح . وأبكت من مرح .
وكبرت من صبو . وشابت من صغير ؟!
سرورها مشوب بالحزن . وصفوها مشوب بالكدر .
خداعة مكارة . ساحرة غرارة .
كم هم فيها من صغير . وذل فيها من عزيز .
وترف فيها من وثير . وفقير فيها من غني ؟!
أحوالها متبدلة وشمولها متغيرة .
يقول عليه الصلاة والسلام
" مالي وللدنيا , ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها "
ومن وصايا عيسى على نبينا وعليه السلام لأصحابه قال :
( الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها )
وقوله أيضا :
" من ذا الذي يبني فوق موج البحر دارا ؟! تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا "
وقيل لنوح عليه السلام:
( يا أطول الأنبياء عمرا كيف رأيت الدنيا ؟ قال :
" كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر "
إنا لنفرح بالأيام نقطعها . وكل يوم مضى يدني من الأجل !!
فإن الموت الذي تخطانا الى غيرنا . سيتخطى غيرنا إلينا فلنأخذ حذرنا .
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب . متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب !!
دعونا نحاسب أنفسنا ونستلهم الدروس والعبر مما فات .
دعونا نتساءل عن يومنا كيف أمضيناه ؟!
وعن وقتنا كيف قضيناه ؟!
فإن كان مافية خيرا حمدناه وشكرنا .
وإن كان ما فيه شرا تبنا إليه واستغفرناه .
ليسأل كل واحد منا نفسه .
كم صلاة فجر ضيعتها أو أخرتها ولم أصليها إلا عند الذهاب
إلى المدرسة أو العمل ؟
كم حفظت من كتاب الله وعملت به ؟
كم يوم صمته في سبيل الله ؟
كم صلة رحم قمت بزيارتها ؟
كم من غيبة كتبت علي ؟
وكم نظرة حرام سجلت علي ؟
وكم فرصة سنحت لي لأتوب ولكني لم أتب حتى هذه اللحظة ؟
كم مرة عققت والدي ونهرتهما ؟
وكم . وكم .
فهلا حاسبنا أنفسنا الآن مادامت الفرصة سانحة .
والسوق مفتوحة والبضاعة قائمة ؟!!
وقفة مع حياة الإنسان
لو ألقينا نظرة خاطفة على حياة الإنسان في الدنيا لرأينا العجب العجاب .
والله إني لأعجب كثيرا ممن وهب نفسه للدنيا ونسي الآخرة وكأنه لا يؤمن بها .
مع علمه بأن المرء ليس له إلا عمر واحد . و أجل محدود .
ولن يعطى فوق أجله دقيقة واحدة ليعيشها .
ومع هذا يكابر ويتكبر ويسوف التوبة و يلهو بالمعصية
ويعيش حياة من لا يموت أبدا !!
أخي / أختي في الله
ألست توقن بالموت ؟!
ألست تقرأ ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ؟!
أما تساءلت أين سيد الخلق الذي لو ترك الموت أحدا لتركه ؟!
( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون )
أين آباءك و أجدادك !! أين الملوك والأبطال ؟
أو ليس غيبهم الثرى وتساوى الملوك والصعاليك في أطباق التراب ؟!
أما لك فيهم عبرة ؟! أما لك فيهم موعظة ؟! وكفى بالموت واعظا .
ألم تشاهد منظرا للواعظ الصامت ( القبر ) ؟!
ألم تشاهد منظرا للموطن الساكن ( القبر ) ؟
الإنسان مثله كمثل الشجرة تحمل عددا من الأوراق التي هي عمره
فكلما سقطت ورقة من هذه الشجرة انقضت سنة من حياة ذلك الإنسان
وفي الختــــام .
لقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يحب الفأل .
فاقتداء به لنختم يومنا هذا بالتفاؤل .
وبأن المستقبل لصالح المسلمين ونصرهم على عدوهم وتمكينهم في الأرض .
و أن النصر سيكون للإسلام وأهله طال الزمان أو قصر .
فينبغي ألا يزيدنا مرور الأيام إلا صلاحا و إقبالا .
وتمسكا بعقيدتنا الصحيحة وثوابتنا ومبادئنا السليمة .
فهل نعتبر ونجعل أيامنا القادمة صحائف خير .
جدير بنا أن نملأها بالحسنات تلو الحسنات !!
ولو قدر الله أن تقترف أيدينا وجوارحنا السيئات فعلينا أن نتذكر قوله تعالى :
" إن الحسنات يذهبن السيئات "
وقوله عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لمعاذ :
" يا معاذ : اتق الله حيثما كنت و أتبع السيئة الحسنة تمحها
"وخالق الناس بخلق حسن
أقبل على صلواتك الخمس . كم مصبح وعساه لا يمسي
واستقبل يومك الجديد بتوبة . تمحو ذنوب صحيفة الأمس
مما راق لي
مودتي
,sJrJ'JjJ ,vrJi lJk aJ[Jvm hgJuJlJv <<