حد الزنى وحكم الزناة
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءاياتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(1)الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(2)الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(3)}
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} أي هذه سورة عظيمة الشأن من جوامع سور القرآن أوحينا بها إليك يا محمد {وَفَرَضْنَاهَا} أي أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً
{وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي أنزلنا فيها ءاياتٍ تشريعية، واضحات الدلالة على أحكامها، لتكون لكم -أيها المؤمنون- قبساً ونبراساً، وتكريرُ لفظ الإِنزال لإِبراز كمال العناية بشأنها فكأنه يقول: ما أنزلتها عليكم لمجرد التلاوة وإنما أنزلتها للعمل والتطبيق
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي لكي تعتبروا وتتعظوا بهذه الأحكام وتعملوا بموجبها، ثم شرع تعالى بذكر الأحكام وبدأ بحد الزنى فقال
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} أي فيما شرعت لكم وفرضت عليكم أن تجلدوا كل واحدٍ من الزانيين- غير المحصنين- مائة ضربة بالسوط عقوبة لهما على هذه الجريمة الشنيعة
{وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} أي لا تأخذكم بهما رقة ورحمة في حكم الله تعالى فتخففوا الضرب أو تنقصوا العدد بل أوجعوهما ضرباً
قال مجاهد: لا تعطلوا حدود الله ولا تتركوا إقامتها شفقة ورحمة
{إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} هذا من باب الإلهاب والتهييج أي إن كنتم مؤمنون حقاً تصدقون بالله وباليوم الآخر، فلا تعطلوا الحدود ولا تأخذكم شفقة بالزناة، فإن جريمة الزنى أكبر من أن تستدر العطف أو تدفع إلى الرحمة
{ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} أي وليحضر عقوبة الزانيين جماعةً من المؤمنين، ليكون أبلغ في زجرهما، وأنجع في ردعهما، فإنَّ الفضيحة قد تنكل أكثر مما ينكل التعذيب
{الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أي الزاني لا يليق به أن يتزوج العفيفة الشريفة، إنما ينكح مثله أو أخسَّ منه كالبغيّ الفاجر، أو المشركة الوثنية
{وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} أي والزانية لا يليق أن يتزوج بها المؤمن العفيف، إنما يتزوجها من هو مثلها أو أخسَّ منها، كالزاني الخبيث أو المشرك الكافر، فإن النفوس الطاهرة تأبى الزواج بالفواجر الفاسقات،
قال الإمام الفخر الرازي: "من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية: أنَّ الفاسقَ الخبيث- الذي من شأنه الزنى والفِسق -لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء، وإنما يرغب في فاسقةٍ خبيثةٍ مثله أو مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة والمشركين، وهذا على الأعم الأغلب كما يقال: لا يفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقيٍّ فكذا هنا"
{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أي وحرم الزنى على المؤمنين لشناعته وقبحه، أو حرم نكاح الزواني على المؤمنين لما فيه من الأضرار الجسيمة.