ربـا, رحيما, نبكــــي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: "ويخَرّون لِلأذقان يَبكون ويَزيدهم خُشوعاً"
وقال جلّ اسمه:{ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا, اذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّدا وبكيّا} مريم 58.
الحمد لله حمداً كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أخوف الناس وأعرفهم بربه، الهادي إلى طريق الله المستقيم، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد ،
لِمَ لا نبكِ يا أخي وياأختي ؟!
لِمَ لا يبكِ الإنســـان على نفسه المرهونةِ بالنار، والموت راكبٌ على عُنُقِهِ، والقبر منزِلُهُ، والقيامةُ موقفُه، والخُصمـاء أقوياء، والقاضي هو الجبّار، والمنادي جبريل، والسجن جهنّم، والسجّان الزَّبانية، وهو لا يصبر على حرِّ الشمس، فكيف يصبر على لَسَعـــات الحيَّات والعقارب؟!
لِمَ لا نبكِ يا أخي وياأختي ؟!
وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (عينان لا تمسُّهُما النار، عينٌ بكت في جوف الليل من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي
وقد ذكر صلّى الله عليه وسلّم من بين السبعة الذين يُظلّهم الله في ظلِّه يوم القيامة (. ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله)
وقال: (إذا اقشعرَّ جسد العبد من مخافة الله تعالى تحاتّت(تساقطت)عنه خطاياه كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة أوراقها).
فَهلُمّ معي أخي وأختي إلي البكاء
ألم تسمع قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :هل تسمعون ما أسمع، أطّت (صوّتت من ثقلها) السماء وحقّ لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ وملك ساجدًُ لله تعالى أو قائمٌ، أو راكعٌ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً و لخرجتم إلى الصُّعدات(الطرقات)تجـــأرون إلى الله خوفاً من عظيم سطوته وشدة انتقامه)، لهذا كان لصدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزيز كأزيز المِرجل (قدر النحاس عندما يوضع على النار) من البكاء، وروى الإمام أحمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سأل جبريل عليه السلام، فقال له: مالي لا أرى ميكائيل عليه السلام يضحك، فقال جبريل: ما ضحك ميكائيل منذ خُلِقت النار!
وإليك أخي صورا من بكاء الصحابة والتابعين عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها:
فقد كان أبو بكر رجلا بكّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وكان في وجه عمر بن الخطاب خطّانِ أسودان من البكاء، وكان يسمع آية فيمرض فيُعادُ أياما. وأخذ يوما تِبنَة من الأرض، فقال: يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أكُ شيئا مذكورا، يا ليت أمّــي لم تلدني، ورؤيَ عليٌ في بعض مواقفه وقد أرخى الليل ستورَهُ، وغارت نجومه، وقد تمثَّل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململَ السليمِ اللديغ ويبكي بُكاء الحزينِ، وكان يقــول: يا ربَّنا، ياربَّنا . يتضرَّع إليه، ثم يقول: يا دنيا، يا دنيا، إليَّ تعرّضتِ أم بي تشوَّقت، هيهات هيهات غُرِّي غيري، وقد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فَعُمُركِ قصير وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
وكان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت انتفض انتفاضة الطير، ويبكي حتى تجري دموعُهُ على لحيته، وبكى ليلة فبكى أهل الــــدّار، فلما تجلَّت عنهم العبرة قالت زوجته: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مِمَّ بكيت ؟! قال: ذكرتُ مُنصرفَ القوم من بين يدي الله تعالى، فريقٌ في الجنّـــــة وفريق في السعير، ثم صَرَخَ وغُشيَ عليه.
ورُؤيَ أحد التابعين يبكي، ويمسح بدموعــه وجهه، فقيل له:لِمَ تفعل هذا؟! قال: بلغني أن النّــار لا تصيب موضعا أصابته الدموع من خشية الله تعالى.
ورؤيَ الفضيل بن عياض عشيّةَ عرفة بالموقف، وقد حال بينه وبين الدعاء البكاء، يقول: واسوأتاه، وافضيحتاه، وإن عفوت.! وحدّثوا أن شيخا رأى صبيَّا يتوضأ على ساحل نهر وهو يبكي، فقال الشيخ: يا صبي ما يبكيك؟ فقال الصبي: يا عم قرأت القرآن حتى جاءت هذه الآية: "يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا" فخفت أن يُلقيني الله في النار، قال الشيخ: يا صبي أنت غير مُؤاخذ لأنك لم تبلغ الحُلُم فلا تخف، انك لا تستحق النّــار، فقال الصبي: يا شيخ أنت عاقل ألا ترى أن الناس إذا أوقدوا نارا لحاجتهم وضعوا صغار الحطب ثم وضعوا الكبـار!! فبكى الشيخ وقال: إن الصبي أخوف منَّا من النار.
وكان سعيد بن السائب، لا تكاد تجف له دمعة، إنما دموعه جارية وهرة ، إن صلّى فهو يبكي، وإن لقيته في الطريق فهو يبكي
وقال الحسن البصري : بلغنا أن الباكي من خشيه الله لا تقطر من دموعه قطره حتى تعتق رقبته من النار
وقال أبو جعفر الباقر : ما اغرورقت عين عبد بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذله وما من شيء إلا وله جزاء إلا الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا ولو أن باكيا بكى من خشية الله في أمه رحم الله تلك الأمة.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لأن أدمع دمعه من خشيه الله عز وجل أحب إلى من أن أتصدق بألف دينار .
وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهبا .
وقال أبو مُسهر كان الأوزاعى رحمه الله يحيى الليل صلاه وقرآنا وبكاء وأخبرنى بعض إخوانى من أهل بيروت أن أمه كانت تدخل منزل الأوزاعى وتتفقد موضع مصلاه فتجده رطباً من دموعه في الليل.
وانظر رحمك الله كيف كان السلف يخشون من الرياء ويحسبون له ألف حساب:
قال الحسن البصري : إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام
وكان أيوب السختيانى في ثوبه بعض الطول لستر الحال وكان إذا وعظ فرقَّ فَرَقَ من الرياء فيمسح وجهه ويقول : ما أشد الزكام .
وعن القاسم بن محمد قال : كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة إن كان يصلى آنا نصلى وإن كان يصوم آنا نصوم وإن كان يغزو فآنا نغزو وإن كان يحج آنا لنحج قال فكنا في بعض مسيرتا في طريق الشام ليله نتعشى في بيت إن طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج ستصبح فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع فقلت في نفسي بهــذه الخشيــة فضل هذا الرجل علينا ولعله حين فقد السراج فصار إلى ظلمه ذكر القيامة .
فابكوا يا إخواني وياأخواتي ابكوا عسى الله أن يرحمنا ويغفر لنا ويطفئ بدموعنا نيران معاصينا !
وخير البكاء وأفضله ماكان في الدعاء ومصاحبا له إذ إنه هو العبادة
الدعاء هو الرغبة إلى الله عز وجل، واستدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ.
وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه.
وعجيب وجميل أن يذكر الدعاء وسط الكلام عن الصيام وأحكامه، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).
وهذا التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام إلى خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ويعلمهم ما يراعونه في هذه العبادة وغيرها من الطاعة والإخلاص، والتوجه إليه وحده بالدعاء الذي يعدهم للهدى والرشاد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الدعاء".
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ "قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ").
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء".
وعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ في الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ).
وعند أحمد والبزار وأبي يعلى بأسانيد جيدة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ في الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنُْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا". قَالُوا: إِذاً نُكْثِرُ. قَالَ: "اللهُ أَكْثَرُ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ".
وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني".
وآداب الدعاء:
الأول: أن يتحين الأوقات والأحوال الشريفة، مثل:
1- جوف الليل:
قال صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ".
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ خَيْراً إِلاَّ أَعْطَاهُ"، وزاد الأمام أحمد: "وَهِي كُلَّ لَيْلَةٍ".
2- في السجود:
قال صلى الله عليه وسلم: "وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".
3- عند الأذان:
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء".
4- بين الأذان والإقامة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب؛ فادعو".
5- عند لقاء العدو:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا".
6- عند نزول المطر:
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَوَقْتَ الْمَطَرِ".
7- آخر ساعة من نهار الجمعة:
قال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَوْمَ الْجُمُعَةِ اثنتا عشرة ساعة لاَ يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلاَّ آتَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ السَّاعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ".
8- دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب:
في صحيح مسلم عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد".
10- أن يبيت على ذكر فيتعارّ من الليل فيدعو:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنَ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ.
11- عدم العجلة:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلاَ أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".
الثاني: أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه:
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللهَ حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ".
الثالث: خفض الصوت بين المخافتة والجهر:
وعن عائشة -رضي الله عنها- في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}، أي: بدعائك.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب"، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَصَمَّ وَلاَ غَائِبٍ هُوَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رُءُوسِ رِحَالِكُمْ".
الرابع: عدم الاعتداء في الدعاء:
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف: 55)، والاعتداء فيه، كالدعاء بتعجيل العقوبة، أو الدعاء بالممتنع عادة أو عقلاً أو شرعًا، أو الدعاء في أمر قد فرغ منه، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
الخامس: التضرع والخشوع والرغبة والرهبة:
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} (الأعراف:55)، وقال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (لأنبياء:90).
السادس: أن يجزم بالدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ".
قال سفيان ابن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} (الحجر:36-37).
السابع: أن يلح في الدعاء، ويعظم المسألة ويكرر الدعاء ثلاثا:
قال ابن مسعود: كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا. وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاَثًا. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سأل أحدكم فليكثر؛ فإنما يسأل ربه".
الثامن: أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه، وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التاسع: وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: "التوبة، ورد المظالم، والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة؛ فذلك هو السبب القريب في الإجابة".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن همّ الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه.
وعنه رضي الله عنه قال: بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح. وعن عبد الله بن مسعود قال: إن الله لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء، إن الله تعالى لا يقبل من مسمِّع، ولا مراء، ولا لاعب، ولا لاه، إلا من دعا ثبتَ القلب.
وعن أبي الدرداء قال: ادع الله في يوم سرائك، لعله يستجيب لك في يوم ضرائك.
وعن الحسن أن أبا الدرداء كان يقول: جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له. وعن حذيفة قال: ليأتينَّ على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء كدعاء الغريِق.
وينبغي للداعي أن يحذر من بعض الأخطاء في الدعاء فمن ذلك:
1- الدعاء على الأهل والمال والنفس، فعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم" رواه مسلم.
2- رفع الصوت بالدعاء لقوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً} (الإسراء:110)، والمقصود: الدعاء.
3- تكلّف السجع في الدعاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلا ذلك. يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب. أخرجه البخاري.
4- الاعتداء فيه، كالدعاء بتعجيل العقوبة، أو الدعاء بالممتنع عادة أو عقلاً أو شرعًا، أو الدعاء في أمر قد فرغ منه، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
5- الاستثناء فيه، أي تعليق الدعاء بمشيئة الله تعالى، مثل أن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت.
هذا والحمدلله رب العالمين
jJJuhg,h kf;JJJJd 000 ,k]uJ,h vfJh vpdlh