قال الله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) }[الأنبياء].
جاء في التفسير الميسر (ج 6 / ص 12):
"فإذا فُتِح سد يأجوج ومأجوج، وانطلقوا من مرتفعات الأرض وانتشروا في جنباتها مسرعين، دنا يوم القيامة وبدَتْ أهواله فإذا أبصار الكفار مِن شدة الفزع مفتوحة لا تكاد تَطْرِف، يدعون على أنفسهم بالويل في حسرة: يا ويلنا قد كنا لاهين غافلين عن هذا اليوم وعن الإعداد له، وكنا بذلك ظالمين".
وقد تواترت الأحاديث في أن خروج يأجوج ومأجوج من أشراط الساعة
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ « مَا تَذَاكَرُونَ ».
قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ». فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ"رواه مسلم.
بناء سد يأجوج ومأجوج
قال تعالى : {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}[الكهف].
إيضاح هذه الآيات الكريمات أن ذا القرنين وصل إلى مكان بين السدين والسدان هما جبلان عظيمان فوجد من دونهما أي أمامهما قوما لا يكادون يفقهون قولا أي لا يفهمون إلا ببطء وصعوبة قالوا يا ذا القرنين إن قبيلتي يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض أي بالقتل ونهب الأموال وغير ذلك فهل نجعل لك خرجا أي أجرا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا فأبى ذو القرنين أن يأخذ منهم أجرة وأراد أن يدفع فساد يأجوج ومأجوج لوجه الله تعالى فقال ما مكني فيه ربي خير أي ما أعطاني ربي من المال وغيره خير مما تبذلونه لي فأعينوني بقوة أي باليد العاملة والآلات أجعل بينكم وبينهم ردما أي حاجزا فأخبرهم أنه لا يريد المال ولكن يريد الإعانة بالأبدان والقوة
آتوني زبر الحديد أي قطع الحديد فجعل قطع الحديد بين الجبلين حتى حاذى بقطع الحديد رؤوس الجبلين قال انفخوا أي بالكيران حتى إذا جعله نارا أي صارت قطع الحديد نارا متوهجة قال آتوني أفرغ عليه قطرا أي نحاسا مذابا ليتخلل الحديد ويسلك بين فجواته ويختلط به فيزيده قوة وصلابة فلما فرغ ذو القرنين من بناء السد أراد يأجوج ومأجوج أن يظهروا عليه أي يعلوا عليه فما قدروا على ذلك لارتفاعه وملاسته فأرادوا أن يثقبوه فما قدروا على ذلك لصلابته وسمكه وقوته
فقال ذو القرنين هذا أي السد رحمة أي نعمة من ربي فله الفضل في القدرة على صنعه "فإذا جاء وعد ربي" أي موعد خروج يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة جعله دكاء أي ألصق السد بالأرض وحدث له الانهدام التام .
" وكان وعد ربي " بخروج يأجوج ومأجوج "حقا" لا بد أن يقع .
وذو القرنين هو رجل صالح ولا ندري هل هو نبي أم لا قال صلى الله عليه وسلم : " ما أدري ذا القرنين أنبيا كان أم لا ؟ " ( ك هق ) وصححه الألباني في صحيح الجامع .
وليس هو الإسكندر المقدوني فالإسكندر وثني كافر وذو القرنين مسلم اختلف في نبوته .
محاولة فتح ردم يأجوج ومأجوج ثم فتحه في آخر الزمان
عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم:" دخل عليها فزعا يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث" رواه البخاري ومسلم
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فسنحفره غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله تعالى واستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع عليها الدم الذي اجفظ فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم" أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني .
وقت خروجهم وهلاكهم
بعد نزول عيسى عليه السلام من السماء وقتله الدجال يخرج يأجوج ومأجوج وعند خروجهم يوحي
" اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّى قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِى لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِى إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ" [رواه مسلم].
"ويظهرون على الأرض فيقول قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم ولننازلن أهل السماء حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم فيقولون قد قتلنا أهل السماء" [رواه ابن ماجه وقال الألباني حسن صحيح] .
." وَيُحْصَرُ نَبِىُّ اللَّهُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" [رواه مسلم] .
"فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضا فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حسا فيقولون من رجل يشري نفسه وينظر ما فعلوا فينزل منهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى فيناديهم ألا أبشروا فقد هلك عدوكم فيخرج الناس ويخلون سبيل مواشيهم فما يكون لهم رعي إلا لحومهم فتشكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط " [أخرجه ابن ماجه وقال الألباني حسن صحيح] .
"ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِى ثَمَرَتَكِ وَرُدِّى بَرَكَتَكِ. " [رواه مسلم] .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين"[رواه ابن ماجه وصححه الألباني] .
يأجوج ومأجوج من بني آدم وهم من أهل النار
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك والخير كله في يديك . قال : أخرج بعث النار . قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير ( وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )
قالوا : يا رسول الله وأينا ذلك الواحد ؟ قال : " أبشروا فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف " ثم قال : " والذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " فكبرنا فقال : " أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فكبرنا فقال : " أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " فكبرنا قال : " ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود " . متفق عليه
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره (ج 6 / ص 106):
"وبهذا نعرف خطأ من قال: إنهم ليسوا على شكل الآدميين وأن بعضهم في غاية ما يكون من القِصَر، وبعضهم في غاية ما يكون من الطول، وأن بعضهم له أذن يفترشها، وأذن يلتحف بها وما أشبه ذلك، كل هذا من خرافات بني إسرائيل، ولا يجوز أن نصدقه، بل يقال: إنهم من بني آدم، لكن قد يختلفون كما يختلف الناس في البيئات، فتجد أهل خط الاستواء بيئتهم غير بيئة الشماليين، فكل له بيئة، الشرقيون الآن يختلفون عن أهل وسط الكرة الأرضية، فهذا ربما يختلفون فيه، أما أن يختلفوا اختلافاً فادحاً كما يذكر، فهذا ليس بصحيح".
لماذا لم يعرف مكان السد إلى الآن?
يحتج بعض المبطلين على إنكار خروج يأجوج ومأجوج بعدم ظهور السد للناس مع ما بلغوه من تقدم علمي كبير وهذه شبهة داحضة قد تدل على شكهم في مصادر الإسلام وضعف إيمانهم بالغيب ويكذب الله سبحانه مثل هذه الادعاءات بقوله : {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }[الإسراء:85].
فعدم اكتشاف هذا السد إلى هذا الزمان لا يدل على عدم وجوده فإن الإنسان لم يحط بكل شيء علما ولم يصل إلى كل بقعة في الأرض فهو أضعف وأقل من ذلك .
وقد قيل إن بعض الأماكن من الأرض لا يتمكن أحد من الوصول إليها .
ثم إن الله سبحانه قادر على أن لا ييسر للإنسان مهما علمه من علم أن يصل إلى هذا السد لحكمة هو يريدها سبحانه .
وكم من أمور هي أقرب إلينا من السد ونحن لا نراها كالجن والملائكة فقد يكون السد مما لا يرى أو يكون مما يرى ولكن لم يصل الناس إلى موضعه إلى هذا الوقت أو يكون وصل إليه البعض ولكن لم يعلنوا عن ذلك وأخفوه وقد حدثنا التاريخ أن الخليفة الواثق بعث جيشا للبحث عن سد يأجوج ومأجوج وبعد أن غابوا أكثر من سنتين رجعوا إلى بلادهم وأخبروا بأنهم شاهدوه .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يؤمن بالغيب ويصدق بالحق إنه سميع مجيب.
كتبه أبو معاوية غالب الساقي ][/color][/i]