النفسية, ححححححح
يبدو أن المهنة التي يمارسها الإنسان تؤثر في شخصيته وأساليبه وتفكيره ، وأيضاً في أمراضه واضطراباته الجسدية منها والنفسية .
ومن المعروف أن هناك " أمراضاً مهنية "
يتعرض لها الأشخاص الذين يمارسون مهنة معينة ، وبنسب تفوق معدلات هذه الأمراض عند عموم الناس .
حيث يتعرض مثلاً العاملون في المواد الكيميائية وعمال المناجم لأمراض تنفسية انسدادية وسرطانية
وإعتلالات في الكبد والكلية والدم وغيرها بسبب الغازات والغبار الذي يتعرضون له أثناء عملهم . كما يتعرض العاملون في تربية المواشي
ونقلها وذبحها لعدد من الالتهابات الخاصة بسبب انتقال العدوى لهم من الحيوانات مثل مرض الحمى المالطية ( Brucellosis ) وغيرها .(7)
وتزداد الإصابات الجسدية والجروح والخلوع والكسور لدى فئات الرياضيين المحترفين ، كما أن هناك إصابات دماغية
عصبية خاصة تكثر عند الملاكمين ( Punch Drunk Syndrome ) .
ويتعرض أطباء الأسنان للإصابة
بالتسمم الزئبقي بسبب الحشوات المعدنية ( Amalgam )
المستعملة يومياً ( وأصبحت هذه الحشوات أقل استعمالاً هذه الأيام بسبب مخاطرها المحتملة وهي تستبدل بالحشوات البيضاء غير المعدنية ) .
وهناك أمثلة أخرى كثيرة من الأمراض المهنية في مهن مثل الطب والمهن الطبية المساعدة والمهن العسكرية والحرفيين والعمال اليدويين وغيرهم .
ويدرس الطب المهني ( Occupational Medicine ) أنواع الأمراض والاضطرابات المرتبطة بمهنة معينة ، محاولاً فهم الآليات
الإمراضية والمسببات المرضية وطرق الوقاية الممكنة أو طرق التخفيف من نسب حدوثها من خلال إجراء تعديلات تقنية أو كيميائية وقائية أو غير ذلك .
والحقيقة أن معدل إصابة الإنسان بمختلف الأمراض الجسمية والنفسية له ارتباطات بعدد من العوامل العامة ،
مثل العوامل العضوية والعمر والجنس والعرق والوراثة ، وأيضاً العوامل البيئية والطبيعية التي يعيش فيها
( ريف - مدينة - جبل - ساحل - صحراء ) ،
والبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها ( طبقة - مهنة - دين - عادات - تقاليد - ثقافة ) ، وأخيراً التكوين النفسي والتربوي والشخصي الذي يتميز به .
( 9)
وفي الممارسة الطبية اليومية نجد أنه من الضروري
الإلمام بمعلومات عامة عن المريض تشمل النقاط السابقة إضافة للمعلومات الخاصة بالمرض ،
مما يساهم في تفهم الحالة المرضية بشكل ناجح ومما يساعد في وضع التشخيص الصحيح السريع . ومثلاً يمكن للطبيب
أن يصل إلى التشخيص الصحيح بسرعة أكبر في حالة فحصه لمريض يشتكي من أعراض التهابية شديدة إذا سأل عن مهنة المريض
حيث يتوجه الطبيب في تشخيصه إلى أمراض معينة تصيب الإنسان ناتجة عن عدوى من خلال عمل المريض في تربية المواشي مثلاً . ( 2)
ملاحظات ودراسات وصعوبات :
نجد في ميدان الأمراض والاضطرابات النفسية المتنوعة ومدى علاقتها بالمهنة ، أن هناك عدداً من الملاحظات العامة في الدراسات الغربية حول ذلك .
ويمكننا القول أن هناك اختلافاً واضحاً في ميدان الطب النفسي عن ميادين الطب الأخرى في موضوع الأسباب المرضية وتحديدها
ولايزال الغموض يكتنف كثيراً من أسباب الاضطرابات النفسية . والنظرة العامة المتوازنة تؤكد على وجود
عوامل عضوية ونفسية واجتماعية ( Bio-Psycho-Social ) في ظهور الاضطرابات النفسية وتطورها . ( 5 ، 8 ، 9)
وفي بعض الاضطرابات تلعب العوامل العضوية والكيمائية والوراثية دوراً حاسماً ،
وفي بعضها الآخر تبرز أهمية الأسباب النفسية والاجتماعية في ظهور المرض أو في شدته واستمراريته .
ومن المفيد معرفة أهمية العوامل الاجتماعية ( ومنها المهنية ) في تأثيرها على نسبة حدوث اضطراب نفسي معين أو شدته أو سيره ،
مما يفتح المجال لوضع خطط واضحة تساهم في الوقاية من الاضطرابات أو التخفيف من شدتها وآثارها .
ومما لاشك فيه أن مثل هذه الدراسات تواجهها صعوبات كبيرة ، بعضها يعود إلى صعوبات نظرية وعلمية
وبعضها يعود إلى صراعات اقتصادية واجتماعية تتعلق بتركيبة المجتمع وفئاته ومصالحه المتناقضة .
وأيضاً فإن " الوصمة السلبية " ( Stigma ) المرتبطة بالاضطرابات النفسية والتي لاتزال واسعة الانتشار في معظم المجتمعات تساهم
في صعوبة إجراء الدرسات على أصحاب
" مهنة معينة " لمعرفة مدى " صحتهم النفسية واضطراباتهم " ،
حيث يشترط في في ممارسة معظم المهن بشطل صريح أو ضمني خلو المتقدم للمهنة من أي سجل " لأي اضطراب نفسي "
وهذا لايتناسب مع الحياة الواقعية والعملية ومع انتشار الاضطرابات النفسية بمختلف درجاتها وأنواعها .
وبالطبع فإن العديد من المهن تتطلب توفر الحد الأدنى من الصحة الجسمية ، كما أن اللياقة الصحيةو النفسية تلعب دوراً حاسماً في أداء بعض المهن ،
ولكن المشكلة تكمن في الحساسية السلبية لكل ماهو " نفساني " ،
وفي التعميمات الخاطئة والمبالغات غير الواقعية ، وأيضاً في تعريف مفهوم اللياقة الصحية والنفسية ونسبيته . ( 2)
تفاصيل عن الاضطرابات النفسية والمهن :
دلت عدة دراسات على أن " مرض الفصام " ( Schizophrenia )
ينتشر بنسبة أكبر في " الطبقات الاجتماعية المتدنية " وبالتالي في مهن خاصة
وأعمال ذات مردود مالي أقل مقارنة بين المرضى وآبائهم ( 6 ، 9 ) .
ولايعني ذلك أن الفقر يسبب الفصام ، بل إن المرض نفسه يؤدي إلى تدهور الشخصية وقدراتها وطموحها مما يجعل المرضى المصابين يتدهورون في السلم الاجتماعي والمهني .
ومن جهة أخرى يمكن للأزمات الحياتية المتنوعة ( Life Events ) ومنها الفقر والبطالة والخسائر المادية أن تساهم
في ظهور الفصام عند من يحمل استعدادات عضوية أو كيميائية أو وراثية ،
أو أنها تساهم في انتكاسة المرض أو إزمانه ( 9) .
وينتشر اضطراب
" الهوس الاكتئابي الدوري "
( Manic Depressive Disorder ) في " الطبقات الاجتماعية العليا " مثل التجار ورجال الأعمال وغيرهم ،
وربما يكون ذلك بسبب ازدياد النشاط والتفاؤل والطموح وروح المغامرة والثقة بالنفس والسلوك الاجتماعي الواسع ،
والذي يميز بعض مراحل هذا الاضطراب ولاسيما الدرجات الخفيفة منه .
ويرتبط " الانتحار " ( Suicide )
بالطبقات الاجتماعية المتدنية بنسب مشابهة للطبقات الاجتماعية العليا ، ويقل في الطبقات الاجتماعية المتوسطة ،
ويتبين ذلك من خلال " المهن الموازية لهذه الطبقات " .
وفي " المهن الطبية " يزداد عدم التوافق الزوجي " و " الطلاق " وأيضاً " الاكتئاب " . وتبلغ نسبة الانتحار
أعلاها في الأطباء اختصاصيي التخدير ثم يليهم أطباء العيون ثم الأطباء النفسيين ، وفقاً لبعض الدراسات . وتتعدد تفسيرات ذلك
ومنها أنه ربما يكون النصيب الأقل الذي يحظى به طبيب التخدير مقارنة مع الطبيب الجراح من حيث التقدير والمكافأة بمختلف الأشكال في العمليات الجراحية الناجحة ، إضافة لتحمله للعبء الأكبر في العمليات الفاشلة ،
له دور في ذلك . وفي تفسيرات أخرى أن المواد المستعملة في التخدير ربما تزيد في نسبة الاكتئاب عند ممارسي التخدير ( 6، 9 ) .
وفي " المهن الأدبية الإبداعية " تزداد نسبة " الاضطرابات الاكتئابية " ( Depression ) بشكل واضح مقارنة مع مجموع السكان . وتشمل هذه المهن كتاب الرواية والقصة والمسرح وكتاب النثر والشعراء .
بينما تتقارب نسبة النوبات الاكتئابية الشديدة لدى العلماء والسياسيين والمؤلفين الموسيقيين والرسامين ،
من النسب العامة للاكتئاب في المجتمع .
وتتعدد تفسيرات ذلك ومنها طبيعة العمل الإبداعي الأدبي نفسه من حيث الحساسية الخاصة التي يمتلكها الكتاب لأشكال المعاناة المختلفة ،
وتوحدهم ( Identification ) مع شخصيات أعمالهم ، وأيضاً تعرضهم لأنواع الإحباط المختلفة ، والاستعداد الشخصي ،
وغير ذلك(1) .
ويزداد " الاضطراب الهوسي " ( Mania ) والهوس الخفيف و
" اضطراب المزاجية الدوري " ( Cyclothymic Disorder ) لدى العاملين في " المهن الصحفية والإعلامية " كما تدل عليه الملاحظات ( 2) .
وتدل الدراسات على أن مهنة " التشرد والتسول " يزداد فيها عدد المصابين بالفصام والإدمان على الكحول وغيره . كما أن " المهن اليدوية "
( Manual Jobs ) والتي لاتتطلب مهارات خاصة ، مثل الرعي والأعمال العضلية المساعدة والأعمال المنزلية وغيرها
يزداد فيها الأشخاص " ذوو الذكاء المنخفض " وأيضاً " الفصام والاكتئاب " .
وفي عدد من الدراسات على " ربات البيوت "
( House Wifes ) تبين أن الاكتئاب يزداد لديهن مقارنة مع النساء العاملات في مهن وأعمال أخرى (9) .
كما تدل معظم الدراسات الغربية وعدد من الدراسات العربية على أن العمل بشكل عام يساهم في تحسين الصحة النفسية نظراً لإيجابيات
العمل المتعلقة بالاستقلالية وتحقيق الذات وازدياد السيطرة على الحياة والمستقبل من النواحي الاقتصادية والشخصية ( 3) .
وتزداد " الاضطرابات التحويلية الهستريائية " ( Conversion Disorders ) والاضطرابات التجسيمية ( Somatization ) ( الشكاوى الجسمية المتعددة المزمنة نفسية المنشأ ) لدى الأشخاص ذوي الثقافة التعليمية المتدنية وبالتالي في المهن والأعمال الموازية لذلك ( 5 ).
ويندر الاضطراب الوسواسي القهري ( Obssessive Compulsive Disorder ) في المهن الأدبية الإبداعية ،
وربما يزداد في المهن الدينية . ويزداد الاضطراب الهذياني ( الشك - الزور ) ( Delusional Disorder ) لدى " أسرى الحرب " وفي " السجون " ولاسيما في حالات السجن الانفرادي وغير ذلك .
وتزداد " الجنسية المثلية " ( الشذوذ الجنسي ) ( Homosexuality ) لدى الرجال الذين يمارسون المهن المرتبطة عادة بميادين عمل المرأة مثل " الخياطة " و " إعداد الطعام " و " تزيين الشعر " وغير ذلك .
وأيضاً في " نزلاء السجون " و " طلبة المدارس الداخلية " من الجنسين ، كما تدل عليه الملاحظات .
ويزداد " الإدمان على الكحول " ( Alcoholism ) في " المهن البحرية " التي تتطلب أسفاراً طويلة ، وأيضاً لدى موظفي الفنادق وأماكن
اللهو و ( البارات ) ( Barmen ) حيث يتوفر الكحول باستمرار . لإضافة لعدد من المهن الخطرة والعسكرية وغير ذلك .
كما يزداد سوء استعمال وإدمان المنشطات لدى " فئات الطلبة " و " السائقين " وغيرهم ( 5 ، 9 ).
ويزداد " إدعاء المرض " ( Malingering ) والتمارض في المهن العسكرية ولاسيما أثناء الحروب وأيضاً في " نزلاء السجون " .
كما أن " إصابات العمل " في عدد من المهن العضلية والحرفية يمكن أن تؤدي إلى اضطراب نفسي يتميز بشكاوى جسمية ونفسية وآلام ترتبط
بالإصابة العضوية الأصلية ولكن لاتتناسب معها في شدتها أو إزمانها ، ويسمى ذلك " عصاب التعويض " ( Compensation Neurosis )
وهو يرتبط بإمكانية الحصول على تعويض مالي بسبب الإصابة الأصلية .
وهناك مايسمى بإضطراب " الشدة عقب الصدمة " أو " الشدة الصدمية " ( Post Traumatic Stress Disorder )
وهو يتميز بأعراض القلق والتوتر والأرق وتذكر الفجيعة ( الصدمة ) وغير ذلك وهو يلي حدوث أحداث فاجعة وأليمة مثل الحوادث والموت المفاجئ والاغتصاب والحروب والكوارث وغيرها .
وهذا الاضطراب يمكن أن يصيب فئات من مهن مختلفة بعضها اعتيادية وبعضها من " المهن الخطرة والعسكرية " وغيرها ( 6، 9).
وإذا تحدثنا عن " اضطرابات القلق " المتنوعة ( Anxiety Disorders ) و " المخاوف المرضية " المتنوعة ( Phobias )
نجد أنها اضطرابات واسعة الانتشار في مختلف الفئات والمهن . ومن المؤكد أن العصر الحديث وإيقاعه السريع وتغيراته وقيمه
ومشكلاته وأيضاً " مهنه الشائعة " بظروفها وشروطها ومتطلباتها الخاصة والاجتماعية ، لها دور في ذلك الانتشار .
كما أن الإحباطات والحرمانات والصدمات العامة المرتبطة بالمهن المتنوعة لها دور في نشوء القلق والمخاوف وفي استمراريتهما
وهناك بالطبع مهن مهئية للقلق أكثر من غيرها وتبقى الأمور نسبية وافتراضية تخمينية ولايعني ذلك إهمال بحثها ومحاولة
تعديل مايمكن تعديله وإصلاحه .
وفي مجموعة أخرى من الاضطرابات النفسية والتي تسمى " اضطرابات التكيف " ( Adjustment Disorders ) والتي تأخذ أشكالاً من القلق
والاكتئاب والأعراض الجسمية والسلوكية والأشكال المختلطة بينها نجد أن هذه الاضطرابات هي بالتعريف ناتجة عن سوء في التكيف لظروف معينة تتميز بالتوتر والشدة ولكن في حدود متوسطة وليست استثنائية أو نادرة .
ومن الناحية العيادية نجد أن مثل هذه الاضطرابات يطلق على الشكاوى التي يبديها الأشخاص في ظروف مهنية صعبة ،
أو عند البدء في عمل ما ، أو عند الانتقال إلى ظروف جديدة في مجال العمل ،
أو غيره من العلاقات الزوجية أو الشخصية أو المهنية . ومن المفهوم والواضح أنه كلما زادت صعوبات المهنة وظروفها القاسية كلما زادت
هذه الاضطرابات النفسية انتشاراً ( 5،2) .
أسئلة أساسية :
وهنا لابد من العودة إلى جوهر العلاقة بين الاضطرابات النفسية والمهنة حيث تبرز
1- ماهو دور " ضغوط المهنة " ودرجة تأثيرها في نشوء الحالات النفسية ؟
2- هل المهنة بذاتها ومن خلال طبيعتها تؤدي إلى تعديل وتغير في الشخص الذي يمارسها وبشكل يؤدي إلى
تكوين أساليب وعادات مرضية في التفكير والانفعال والسلوك ؟
3- هل يحمل الإنسان معه إلى مهنته ميولاً واستعدادات خاصة وصفات في الشخصية تهيؤه فيما بعد إلى ظهور الاضطراب النفسي ؟
4- وهل تكمن الحقيقة في مزيج بين هذه المحاور الثلاثة السابقة وبدرجات متفاوتة ؟
الشخصية والمهنة :
ومن الجوانب الأخرى لموضوع المهنة والاضطرابات النفسية اضطرابات الشخصية المرتبطة بالمهنة
وتدل الملاحظات على أن مهنة " المحاسبة " مثلاً تتطلب الدقة وتطور القدرات الحسابية إضافة للدأب والبرود الانفعالي والتأني والاقتصاد .
وهكذا نجد أن صفات الشخصية الوسواسية المرضية يكثر انتشارها في هذه المهن ،
حيث تتضخم الصفات الشخصية الطبيعية بشكل مبالغ فيه لتصل إلى الحدود المرضية .
كما أن " الموظفين في الأعمال الكتابية الروتينية والأرشيف
" يتميزون بالصفات الوسواسية والإفراط في النظام والترتيب والعناد وضيق الأفق والروتين ( البيروقراطية ) .
وفي " المهن الإدارية وأرباب الأعمال " تنتشر نمط الشخصية المسماة بنمط أ (Type A Personality)
والتي تتميز بالتوتر والحدة الانفعالية والاحساس المفرط بالوقت (عدم الانتظار ) والطموح الزائد والرغبة بالإنجاز والتنافس الشديد.
وفي " الأعمال العسكرية والأمنية " تزداد صفات العدوانية والشدة والمغامرة والاندفاعية والشك. وفي مهنة " التمثيل "
تزداد القدرات والصفات الإيحائية (Suggestability ) مما يساعد على تقمص الممثل أو الممثلة للدور الذي يقوم به. وتزداد لديهم أيضا صفات النرجسية وحب الظهور ومثلهم في ذلك " المغنون".
وتتطلب " المهن العلمية والبحث العلمي " درجات من الانطوائية والبرود الانفعالي والتفكير الذاتي والصبر والمثابرة. وفي
" المهن الرياضية " تزداد صفات الاستعراض الجسدي والتنافس والعدوانية والنرجسية ( 2 ).
الشخصية وسوق العمل :
وفي الجانب الآخر, فقد بينت الدراسات أهمية صفات الشخصية وميولها وقدراتها ، ومدى ملاءمتها لمهنة معينة واستبعاد
مهن أخرى لا تلائمها, مما ساهم في
تطوير قياس الشخصية واختباراتها,
وفي ظهور أخصائيين ومراكز للتوجيه النفسي المهني.
وتمت تطبيقات ذلك بنجاح في سوق العمل والجامعات والمعاهد الفنية وغيرها. مما يعني أن ممارسة الشخص لمهنة تتناسب
مع قدراته وصفاته تعتبر أساسية في نجاحه وتكيفه المهني وفي صحته النفسية أيضاً.
والحقيقة أنه نظراً لتغيرات سوق العمل وانتشار البطالة والاضطرار إلى ممارسة أي عمل متوفر,
فإن النظريات والدراسات المتعلـقة بالشخصية والاضطرابات النفسية والمهنة قد واجهت صعوبات إضـافية في فهمها للاستعدادات
والقدرات المرضية والتكيفية على حد سواء مما أدى إلى تغير النتائج وتناقضها في بعض الأحيان.
ومثلا فإن التنقل من مهنة لأخرى مع وجود فترات من البطالة أصبح جزءاً طبيعياً ومألوفاً من الصورة
العامة للقوانين الاقتصادية السائدة في عصرنا الحديث. ويحدث ذلك في كثير من الحالات بشكل إلزامي وليس اختـيارياً من قبل الفرد.
بينما يعتبر المفهوم النفسي التقليدي أن تغيير المهنة باستمرار يدل على الفصام أو الهوس أو أنه دليل على وجود صفات الشخصية المضادة للمجتمع ( 2 ،5 ، 9 ).
كلمة أخيرة ضرورة التأسيس للطب النفسي المهني :
وأخيراً لابد من التأكيد على ضرورة الاستفادة من قضايا التوجيه المهني النفسي وتطبيقاتها في بلادنا. وأيضا ضرورة دراسة
" المهنة " وظروفها وعلاقتها بالاضطرابات النفسية المتنوعة في واقعنا العملي, والاستفادة من الدراسات في هذا المجال دون
تعميميات خاطئة أو متسرعة.
ولابد من تعاون المهتمين والمسؤولين في هذا الميدان مع الاختصاصيين من أطباء نفسيين (Psychiatrists ) وأخصائيين نفسيين
(Psychologists ) والمختصين في علم النفس الصناعي المهني (Occupational, Industrial Psychologists ) إضافة لغيرهم من
الخبراء والمستشاريين (Councelors ) من أجل تقديم الخدمات النفسية العلاجية والإرشادية اللازمة والمناسبة والقيام بإجراء
الدراسات والأبحاث والندوات وتبادل المعلومات والخبرات في هذا الميدان الهام .
ويبقى هذا المجال حيوياً ومشوقاً
ومفتوحاً للمساهمة في تطوير ميدان الطب النفسي المهني والـوقـائي والـذي لايـزال في مرحـلـة الـبـدايـات
hglikm ,hghq'vhfhj hgktsdm ௯