السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك
نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية، وهم على فرش النوم، فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة، وضغط الدم، والسكَّري. يحترقون مع الأحداث، يغضبون من غلاء الأسعار، يثورون لتأخر الأمطار، يَضجُّون لانخفاض سعر العملة، فهم في انزعاج دائم، وقلق واصب
[ يحسبون كل صيحة عليهم ] [المنافقون: 4].
ونصيحتي لك أن لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك، دع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعاءك. إن البعض عنده قلب كالأسفنجة يتشرب الإشاعات والأراجيف ينزعج للتوافه، يهتز للواردات، يضطرب لكل شيء،وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حاملة
لا تنتظر شكراً من أحد
خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثيرُ غيرَه، وكر الغالبُ سواه، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدّفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم
[ وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ][التوبة: 74].
وطالع سجل العالم المشهود، فإن في فصوله قصة أب ربَّى ابنه وغذّاه وكساه وأطعمه وسقاه، وأدَّبه، وعلمَّه، سهر لينام، وجاع لشبع، وتعب ليرتاح، فلما طر شارب هذا الابن وقوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً، ازدراءاً، مقتاً، عقوقاً صارخاً،عذاباً وبيلاً.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما يوطنك على انتظار الجحود، والتنكر لهذا الجميل والإحسان، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لوجه الله، لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضرك غمط من غمطه، ولا جحود من جحده، واحمد الله لأنك المحسن، وهو المسيء، واليد العليا خير من اليدِ السُفلى
[إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ] [الإنسان: 9].
لا تبرع في الشيء حتى تحبه
معنى هذا: أنك لن تحض بالتفوق في أَمرٍ، والتفرُّد في خير حتى تحب كل داع يدعو لك وكل سبب يجذبك إليه فتأتيه
منشرح الصدر عامر الفؤدا ، مرتاح البال، منساباً في طريقك إليه، مندفعاً بحرارة الحبّ لتناوله.
إن الحب إِكسيرٌ للأعمال، وروحٌ للحياة، فلا صلاح لعملٍ إلاَّ بالحبِّ، ودونك طلب العلم مثلاً لذلك، فعلى من أراد جودة الفهم، والنبوغ في التحصيل، والوصول إلى الغاية في
الإمامة، فما عليك إلاَّ ببذلٍ مع حبّ، واندفاعٍ مع رغبة، وحرصٍ مع شوق.
إن المكرهين في درس العلم لا يلبثون إلاَّ زمناً قصيراً،حتى يعلنون إفلاسهم
ورسوبهم، لأَن جذوتهم تنطفئ سريعاً، ورغبتهم في العلم تذبل مبكراً.
هل سمعت بعالمٍ بارع يكره درسه؟! هل رأيت فقيهاً قارحاً ملَّ مذكراته؟! وهل بلغك
أن ذكياًّ أَريباً هجر كتبه؟!
إذا أردت حسن المصير في أعمال الخير والنبل، فاجعل الحب يستولي على
اهتماماتك، ومجكم على عواطفك، فبحبك لهذا الشيء تتوهج وتبدع وتتألّق والله المستعان.
مقتطفات من كتاب [حدائق ذات بهجة ]
للشيخ عائض القرني جزاه الله كل خير
pQ]hzArX `hjX fQiX[Qm