لماذايستمر الحب
ماذا كنت أنتظر أن تمطر السماء حباً, وأن يعانقني حب منإنسان لا يملك قلباً, ما هي إلا فكرة تراجيدية احتلت عقلي منذ ذلك اليوم أو منذ تلكاللحظة, عندما دخلت ورأيتهما معاً, وقتها لم تكد عيوني تعي ما ترى, ولم تعد قدميتقوى على حملي, أمي وعمي معاً, إنها مصيبة بل كارثة, سيصاب والدي بجلطة لا محالة, وبعدما غادر عمي الذي كان دائماً صديقي ومكمن أسراري, انفجرت غضباً علي, أي سبقتنيباللوم قبل أن أفتح فمي, كمن يحاول اللعب على حبل أخطاءه, ليدهشنا بها, ثم قالت ليما الذي أتى بك باكراً, وبينما كنت أحاول أن أجيبها, دخلت غرفتها وأغلقت الباببقوة, يبدو أنها لم تكن بحاجة للجواب, بعدما قطعت عليها عملها الشاق, لقد أصبحتُالآن عندها شيء لم تعد تستطيع أن تراه, ربما كرهاً وربما خجلاً, أما أنا فلم أصدقأن هذه الإنسانة التي طالما كانت القدوة لي, والتي أحبها حب لم يعرفه أحد بعد, ولميطله ويجربه أحد أبداً, قد جعلتني أرى ما يجب ألا أراه, وتركت عيوني ترسم هذهالصورة الإجرامية, وتحفر نفسها في ذاكرتي, ولا تكاد ترحل عن ناظري وخيالي وكوابيسي, لا ليل ولا نهار, قررت أن أحبس نفسي في غرفتي, لكنها لم تقدر على عقابي لنفسيبسببها, فطلبت من أختها الكبيرة التدخل فهي تعرف أني أسمع لها كلام, لتخرجني من هذهالحالة التي زرعتني فيها, وهي الآن تنتظر حتى تنمو لترى ماذا ستثمر لها, لكن خالتيعرفت بالقصة من صاحبة القصة مباشرة بعد إصرارها على معرفة سبب ما أفعله, فقالت لهابغضب : وتركتها ترى ذلك, هل تعرفين كم تحبك, لا أظن أنك تعرفين, يا قدوتها وتاجأحلامها, لقد كسرت قلبها لقد حطمت مشاعرها وأحاسيسها, لماذا دمرت قصر حبها لك, وبعدهدوء جارح سمعت دموع أمي تحاول الدفاع عن نفسها ولم تتركها الغصة المقيتة تقول نصفكلمة, تعلم أنها جرحتني بكل ما لديها من قوة, بينما أنا لم أعرف لماذا يستمر حبيلها, خوفاً عليها, أم غضباً منهاً أم لحبي لها أجل حبي لها, الذي ظننت أنه سيرحللكنه بقي بل وأثبت وجوده ودعم وجوده أكثر في قلبي وحياتي, ولولا خوفي عليها لقتلتنفسي في حبها, إنه خطأها وأنا أدفع ثمنه, كحياة لا توجد إلا في خيالي, وما لمست شيءمنها إلا غيابها وبحثي عنها, ورغم قسوتها لن يضيع قلب فيه حب مثل حبي, ولن أخسرحياة فيها أمل مثل أملي بالحياة, لكن لأتصالح معها يجب أولاً أن أتصالح مع نفسي, وأعيد النظر بما كنت أراه, عندها قالت لي خالتي والدموع تكاد تملأ البلاد, لا تبكيالعيون الجميلة لا يليق بها البكاء, فقلت العيون الجميلة رحلت وانتهى مفعولها منذهذا المساء, واعذريني لم أعد أراكي جيداً لأن عيوني تركتني ولم تعد لي, وفي الصباحعاد والدي وأخيراً, من سفره الطويل جداً هذه المرة, فقد كان قبل مجيئه مع زوجتهالأخرى في المشفى والتي لم نعلم بوجودها إلا الآن, وهناك علم أنه عقيم لا ينجب, ولاأدري إن كان ذلك عقاب له أم لي, حاولت التصرف بوجوده كما كنت أتصرف كالعادة, كي لايشعر بأي شيء, لكن لم أكن أدري أنه عاد عالماً, أي في قلبه علم عن الأمر, وفي خيالهكان يرسم خطة الانتقام من أمي, ولأنه لم يحتمل فكرة أن يكون العشيق المجهول هو أخيهالغالي على قلبه, ذهب إليه وطلب منه مغادرة البلد لكنه رفض, وبعدما ذكر والدي الأمرله, حصلت مشاجرة عنيفة بينهما, انتهت بقتل والدي لأخيه الشاب المدلل, وفي هذهاللحظة كنت عند خالتي أحاول الاتصال بعمي ليتكلم مع والدي ويحل هذا الأمر, لكنه لميجيب, وفي اتصال آخر وجدته مغلق, وبعد لحظة جاءتني رسالة منه بأن أبتعد عنه وأتركهوشأنه, استغربت خالتي وقالت لي هذا ليس عمك, مستحيل أن يفعل ذلك أكيد هناك أمر مايحدث معه, تركتها تحاول الاتصال به, وعدت البيت كانت أمي خارج البيت وعندما عادت لمتنتبه لوجودي في غرفتي, وظنت أني ما زلت في الجامعة, وفجأة جاء والدي قبل سفرهكالعادة, ليتحدث معها لكن بطريقة أخرى هذه المرة, فقد أخرج السكين الذي قتل به عميمن دون قصد, ليقتل به أمي عن عمد, سمعت ذلك ولم يتحمل عقلي, وفجأة رأيت الكبريت فييدي والنيران حولي, ثم خرجت صرخات لم تسمعها سوى أمي, وبدأ والدي يطفأ النار, وسيارة الإسعاف في طريقها لتنقل جسدي المشوه للمشفى وربما للقبر, لكني رقدت فيالمشفى كقطعة فحم لا أعرف لما يحتفظون بها, وما هي فائدتها, انصرفت فكرة مقتل أميمن رأس والدي وطلقها وتخلى عني وعن نفقته لها ولي, ونقلت هذا الخبر إليها خالتي, وقالت لها الحمد لله أنه لم يتزوجني أنا واختارك أنت, يا أختي الصغيرة سارقةالعرسان, وفي طريق السفر تعرض والدي لحادث أليم جداً ولم يكن هذا الحادث إلا عقابالله تعالى الحقيقي له, يمكن أن يهرب من مسؤوليته نحوي, لكن أين سيهرب من عقاب اللهتعالى, كانت خالتي تتكلم معه وقتها عندما كان يقود سيارته, وتسأله عن عمي وعندماقال لها لا أعرف, خرجت في وجهه شاحنة ضخمة مر من تحتها بسرعته الكبيرة, تلك السرعةالتي تستخدم عادة عندما يكون الشخص في مهمة هرب, فطار سقف السيارة ليطير معه رأسه, لقد تخلى عني بكل سهولة بعد كل تلك الأيام الرائعة التي قضيناها معاً, وإن لم أكنابنته أين ذهبت العشرة الجميلة الصادقة, تركني مع أمي التي لا أعرف كيف سأسامحها, مما أنا فيه الآن, وأنا لم أسامحها بعد مما كنت فيه في الماضي, لكنها لم تتخلى عنيوخرجت للعمل لتؤمن لي كل ما أحتاجه, وتركت كل شيء لتعتني بي, ولتعوضني عما حدث ليبسببها, لعلي أسامحها وأعود لها من جديد, لكن كيف أسامح وأنا سأقضي بقية حياتيمعها, ومع ما فعلته من حرام, وقد رسم براثن غضبه على جسدي ووجهي, بعبارات مشوهةمقيتة مخيفة حتى لمرآة روحي, كنت شمس في الليل وقمر منتصف النهار, وأنا الآن لوحةرسمها النجار, كتب لي الله تعالى عمر جديد لكنه كان عمر مشوه, ليس عقاب لي بل عقابلها كلما رأتني ورأت ما ارتكبته يداها الآثمتين, ورغم كل ذلك لم أعرف حتى الآن لمايستمر حبها في قلبي, ربما لأن عقولنا تطمح للحب أكثر من قلوبنا, أو ربما لأنها(أم) ومهما فعلت الأم سنفديها بعقولنا, لكن كان عليك أن تعلمي أماه أن لا طهارة في حب لاينتهي إلى مرضاة الله تعالى, وأنا أحب الله تعالى ومن سواه يعلم ذلك, وأعلم أنها لمتكن إلا زلة منها, قد أخذتني في جروف التيار بدل عنها, ولم أدري إلا وأنا في قاع الفاحشة أدفع ثمنها, لكن لا تزيدوا الأمور تعقيداً علي, فقد اقتربت تأخذ لي عقلي, وإن كنت سأفديه لها, ورغم مصيبتي التي كانت هديتي منها, أحب الخجل الذي يعتريصدرها, وأعشق الكلمات التي تخرج من فكرها, ولا يعلم بي سوى الله تعالى, فلما أشكولغيره حالي وحالها, أحبها؟