الأم تصنع عبقرية الأبناء ومجد الأوطان
في أي زمان وأي مكان يحتاج بناء أمجاد الأوطان إلى منظومة متكاملة تتكامل فيها أدوار الأفراد والمؤسسات من أجل التقدم والرقي وإني أركز من خلال هذه السطور على دور الأم في تربية أبنائها ودفعهم للنبوغ والتفوق والعبقرية.
ونحن إذا قرأنا صفحات التاريخ من فجره حتى يومنا هذا فسنجد أمهات أهدين البشرية أبناء عظماء غيروا التاريخ وبنوا الأمجاد فعظمة الأوطان يتم وضع أساسها بواسطة الأم التي ترضع أبناءها لبن الطموح وتغذيهم العبقرية وتربيهم على مبادئ النبوغ والمجد.
وسأحاول من خلال هذا المقال أن أعطي أمثلة لأمهات سجلهن التاريخ في صفحات كتبت بالذهب كانت كل واحدة منهن كالبستاني الماهر وكان أبناؤهن نعم الأبناء.
وسنستفتح الموضوع بالسيدة هاجر أم نبي الله إسماعيل المصرية الأصل أم صالحة اجتباها الله واختارها لتكون زوجة أبي الأنبياء خليل الله إبراهيم. فعندما تركها إبراهيم في مكة وهي صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء قالت لنبي الله إبراهيم آلله أمرك بذلك؟ فعندما علمت من زوجها أنه أمر الله قالت في يقين: إذن لن يضيعنا الله فقدمت للأمهات نموذجا للإيمان واليقين بالله وتشريفا للأم الجليلة هاجر خلد الله محاولتها للبحث عن ماء في صحراء مكة الجرداء بالطواف بين الصفا والمروة سبع مرات بأن جعلها الله من مناسك الحج والعمرة وكرمها الله وولدها بالماء المعجزة الذي تفجر من بين قدمي ولدها وصار البئر المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة (بئر زمزم) وقامت هاجر وحدها بتربية نبي الله إسماعيل ربته على الإيمان بالله فقدم إسماعيل عليه السلام وهو لا يزال صبيا أروع النماذج على الإيمان بالله وأطاع الله وأطاع أباه في أمر الذبح وكان الفداء بالذبح العظيم الذي خلده الله سنة في عيد الأضحى إلى يوم الدين وشرف الله إسماعيل بأن رفع قواعد البيت الحرام مع أبيه إبراهيم وأذن للناس بالحج فاستجاب الناس لدعوة أبي الأنبياء بالحج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فسلام على نبي الله إسماعيل وعلى أمه هاجر.
وأم السيدة مريم أم صالحة قالت {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا} (آل عمران: 35) فتقبل منها الله فأنجبت السيدة مريم الطاهرة فأنبتها الله نباتا حسنا وطهرها واصطفاها على نساء العالمين وكانت الأم المعجزة التي أنجبت بغير أب السيد المسيح عيسى عليه السلام فسلام على نبي الله عيسى وسلام على أمه مريم وسلام على جدة نبي الله عيسى أم مريم.
وفي تاريخنا الإسلامي الجميل إذ نقلب صفحاته الناصعة البراقة نجد في صفحات من أجمل صفحاته قصة بنت بائعة اللبن التي رفضت أن تغش اللبن بالماء واختارها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لتكون زوجة لأحد أبنائه لأنه يرى من صلاحها ومن شخصيتها أنها سوف تنجب عظماء
فتزوجها ابنه عاصم فكانت أما عظيمة أنجبت بنتا عظيمة فكانت بنت ابنة بائعة اللبن هي أم عمر بن عبدالعزيز الخليفة الذي ملأ الأرض عدلا إذ جعلته يقتدي بجده عمر بن الخطاب فما أروع جدته وأمه فهما من أهدتا للبشرية هذا النموذج الرائع للعدل والصلاح والإيمان.
وعندما نطالع صفحات تاريخ العلماء الغربيين في العصر الحديث نجد صورة باهرة لأم غيرت وجه العالم بل أنارت العالم وأهدت العالم عبقرية علمية غيرت وجه الأرض أم العالم الأميركي توماس أديسون الذي تعثر في بداية تعليمه وكان أبوه قاسي القلب ضربه على أذنيه فأفقده السمع وأخرجه من المدرسة وجعله يعمل بائعا للجرائد ولكن أمه غيرت حياته فعلمت ابنها القراءة والكتابة وأتت له بكتب في الفيزياء وأتت له بأجهزة قديمة يقوم بفكها وتركيبها وزرعت فيه طموح العلم والاختراعات فكان هذا العالم الذي أهدى البشرية العديد من الاختراعات التي غيرت الحياة على الأرض وأبرزها المصباح الكهربائي وجهاز الأشعة وغير ذلك الكثير.
وهذا نابليون بونابرت الذي يعترف بفضل أمه عليه وأنها من أسست شخصيته وكان من أقوال نابليون بونابرت: «إن الأم تهز مهد طفلها بيمينها وتهز عرش العالم بشمالها» لقد كانت أمه هي من زرعت فيه بذور الطموح الذي غير به تاريخ فرنسا الحديث.
وصدق الشاعر الراحل حافظ إبراهيم إذ يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
فالأم هي الأستاذة الأولى لأبنائها بل هي مدرسة بأكملها فهي المدرسة الأولى التي يتعلم منها أبناؤها الأخلاق والطموح وفن صناعة المجد فالأم هي التي تصنع عبقرية أبنائها.
وفي الأثر «الجنة تحت أقدام الأمهات» أي أن طاعة الأمهات والبر بهن طريق إلى رضا الله ودخول الجنة في الآخرةإن شاء الله.
وإن بمقدور الأمهات في الدنيا حسن تربية أبنائهن ورعايتهم وغرس الأخلاق الحميدة في نفوسهم وتعليمهم الدين الصحيح وتنمية مواهبهم ليحققوا التقدم لأوطاننا والازدهار لأمتنا.
فالأم هي المحطة الأولى التي ينطلق منها ركب الحضارة والتقدم والرقي.
hgHl jwku ufrvdm hgHfkhx ,l[] hgH,'hk