في قَفَصِ الاتِّهَام الذَّهَبِي
قصة قصيرة
"على لسان شاب في طريقه للزواج"
بدأت القصة عندما فكَّر صاحبنا بالبحث عن شريكة حياته بالرغم من مروره في ظروف قاسية إلا أنَّ ثقته بالله كانت كبيرة , متيقناً بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان حقا على الله عون الناكح الذي يريد العفاف.
والجميع من حوله كان يقول الزواج مُعان عليه بإذن الله فتوكل على الله وهو حسبك.
ولذلك فقد أوكل المهمة إلى والدته حتى تقود رحلة البحث عن بنت الحلال بنفسها .
وفي أحد المحطات التي وقفت فيها هذه الوالدة وجدت ضالتها كما كانت تظن, وكما هو المعتاد فقد ذهب وفد نسائي من تلك العائلة ليرى بنت الحلال , وقد أُعجبن بها مبدئياً
والكرة الآن أصبحت في ملعب ذلك الشاب , وذلك بالذهاب لإجراء المقابلة مع والد - بنت الحلال - وللرؤية الشرعية المتعارف عليها , وكانت هذه الرحلة كما يقول . على قلبه من أثقل ما يكون !!
وبما أن الشاب لم يكن لديه أي علاقات من أي نوعٍ كان مع الجنس اللطيف – كما يقال- فقد كان مرتبكاً جداً , وزاد الارتباك والضجر عندما بدأت تتحول المقابلة مع ذلك الوالد الكريم , إلى استجواب ؟.
فذلك الوالد يسأل وذلك المسكين يجيب , ويقول في نفسه من حق الأهل أن يتعرفوا على خاطب ابنتهم فهي فلذة كبدهم , والطفلة المدللة , و, و,
- طبعاً هذا شعور الأهل فهم يرون أبناءهم بعيونهم فقط ويعتقدون أنهم من خيرة الأبناء ويقدمون لهم الغالي والثمين في سبيل إسعادهم -
ولذلك بدأ يشعر بالضيق والنفور من كثرة الأسئلة على اختلاف أنواعها من تعليل , وشرح , حتى أن المسكين لم تتوفر له فرصة للمساعدة , ولكن قد سدده الله ببعض الإجابات , فقد كان فطناً كما يظن نفسه وذو ثقة عالية , وبدأ باستعراض مهاراته في الحياة , وثقافته , والتزامه .
ولكن الكمّ الهائل من الأسئلة التي كانت تُلْقَى عليه من كل حدبٍ وصوب , ومع دخول أفراد جدد من تلك العائلة الكريمة إلى الاستجواب على حد تعبيره زاد الأمر ضيقاً وحرجاً , والله المستعان .
بدأ يتساءل في نفسه هل أنا هنا لطلب وظيفة , أم لشراء عقار , أم في مكان مجهول قد ضللت به الطريق
أسئلة عديدة بدأت تثوي في نفسه لما يحصل , مستغربا أشد الاستغراب !! ولكن لضيق الوقت وكثرة الأسئلة والتي تتطلب حنكة وفطنة , ترك تساؤلاته في نفسه , وعاد إلى ما كان عليه .
يقول لأهله عند العودة من تلك المقابلة , سُئِلتُ كثيراً من الأسئلة نسيت بعضاً منها لغزارتها , فقد جمعت بين التدخل في أمور شخصية أو عائلية أو أشياء تافهة , مع التطرق إلى قليل من الأمور الجوهرية .
ويتابع : إليكم نماذج منها عشوائيا دون تسلسل فهذا ما سأتذكره – على حد قوله - :
سؤال – هل أنت موظف ؟ وأين ؟ وما راتبك ؟
الجواب – نعم .في شركة براتب قدره.
سؤال – أحكومية أم أهلية ؟
الجواب – أهلية .
سؤال – كم تنام ؟
الجواب – كفايتي فأنا أعمل بجد وبحاجة إلى أخذ القسط الكافي من الراحة
سؤال- ما علاقتك مع الأهل , الجيران , الأقارب , الأعمام والأخوال والخالات والعمات , وكم عددهم و بالتفصيل , مع ذكر أسمائهم , وما هي أعمالهم, و , و
الجواب – جيدة بالجميع والحمد لله , ثم بدأ المسكين يعدد أسماء ما تذكر من أقاربه ويُسْتَدرك عليه بسؤال أما نسيت أحداً ؟
سؤال – ما هي أكلتك المفضلة ؟
الجواب – لا يوجد هناك نوع محدد – فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط .
سؤال – كم وزنك ؟
الجواب –.
و عندها بدأت تلك العائلة الكريمة – كما يقول- بإعطائه النصائح الطبية عن فائدة تخفيف الوزن , وطرق الحمية , وتعداد مخاطر الوزن الزائد : (كالشحوم الثلاثية , والكوليسترول , وتجلط الدم , و , و ) حتى بدأ المسكين يتصبب عرقا ً, وشعر بضيق في التنفس , وألم في الجهة اليسرى أم في اليمنى فما عاد يميز أين يقع القلب ؟ !
وظنَّ أنه مفارقٌ لهذه الحياة الليلة لا محالة وذلك بالذبحة الصدرية , إلى أن عاد إليه وعيه , وعاد إلى ما كان عليه .
سؤال – هل لديك سكن ؟
الجواب – نعم ولله الحمد .
سؤال- ما هي مساحته ؟
الجواب – غرفتين وحمام ومطبخ .
سؤال- وكان الوالد ممتعضاً – أليس صغيراً ؟
الجواب – هذا ما يسره الله لي .
سؤال – هل هو منفصل عن الأهل أم مشترك ؟
الجواب- هو في الطابق العلوي , ولكن مدخل المنزل مشترك مع الأهل.
وهذا ما زاد امتعاضهم , ولم يدري لم ؟ فليس لديه أخوة أو أخوات في المنزل حتى يُتعبوا ابنتهم في معيشتها , فما عيب أن يكون مدخل منزله مشترك مع أهله , هل سيفترسونها أم ماذا سأل نفسه .
سؤال – ما رأيك في كذا وكذا وكذا .؟
والكثير الكثير من الأسئلة ؟ وأجوبتها .
طبعاً الأهل في دهشة لمَا يُلق على مسامعهم مما يقص لهم .
يتابع : وانتهت المقابلة , حتى لم أتمكن من مشاهدة الفتاة أو أسمع صوتها لحيائها , ولأني كنت في ضيق مما يجري .
خرج ذلك الشاب وهو في طريق العودة إلى منزله وقد أبدا عدم الارتياح , دعا في نفسه يا رب : لا تُتِم هذا الأمر وذلك للنفور الذي شعر به من غلظة الأسئلة , اللهمَّ وسائليها.
وبعد مرور عشرة أيام , وهي المهلة التي طلبوها ليدرسوا الأمر ويتشاوروا فيما بينهم , ويتموا تحرياتهم عن ذلك الشاب , فكانت الموافقة مبدئياً .
وفي الجلسة الثانية أراد أن يقابل الفتاة بحضور الأهل طبعاً حتى يراها .
يقول : ولحياء الفتاة بدأ الوالد يتعرَّف عليَّ بلسانها , وتكرَّر الشعور السابق من الضيق والنفور لأسئلته المزعجة والاستفزازية , وظننت أن ذلك الوالد سيتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولكن .
- ماذا تُّحِب ؟ وماذا تكره ؟ والكثير من الأسئلة التي سئلت سابقا , أُعِيد تكرارها للتأكد من تطابق الأقوال , وصدق الإدعاء .
- منزلك ما هي مساحته ؟ أهو مستقل ؟
والجواب كما سبق .
- هل تستأجر لدينا فلدينا بيت إضافي ؟
الجواب – ولم ولدي سكن والحمد لله .
طبعاً الإجابة لم تكن مريحة لهم .
وفي نفسه متسائلاً : هل هذا العرض طمعاً بجني بعض المال مني مقابل استئجار المنزل ؟ أم لأنهم يريدون طفلتهم المدللة بجوارهم؟ أم خوفا من توقع المشاكل قبل حدوثها , لما قد يحصل نتيجة السكن المشترك مع الأهل ؟.
والعجيب أن الشاب لم يسأل بتلك الطريقة الاستفزازية, واكتفى بما سمعه من حسن سيرة العائلة وحسن التربية , وحياء الفتاة ! ولكن
فلم يسأل عن وعن ؟ هل هي ماهرة في شؤون المنزل : (الطبخ , النظافة , الترتيب , التدبير) ؟ هل هي نشيطة , وكم تنام ؟ وما .؟ وماذا. ؟ ولم ؟ وكم .؟ وهل ؟ أي على غرار ما سئل - فذلك الوالد كان خبيراً بأدوات الاستفهام ومعجبا بها على ما يبدو-.
فلقد ظن ذلك المسكين أن واقع الحياة الزوجية كفيل بجعل الفتاة تتحمل ما عليها من واجبات على حد قوله فلم كثرة الأسئلة إذاً ؟! .
ويقول الوالد مُتحفاً مسامع الشاب بعد انقضاء ساعة من الوقت , هل نطوي اليوم هذه الصفحة ؟ إعلاماً منه في انتهاء جلسة الاستجواب الثانية , وأنًّ ليس لبقائه من معنى ففهم الشاب وغادر مودِّعاً .
وفعلا فقد طُويت الصفحة , فلقد اتصلت والدة الفتاة - والتي كانت تشارك بإملاء الاستجوابات من وراء الستار - هاتفياً بوالدة الشاب بعد يومين من آخر جلسة معتذرةً مع تكرار عبارة الزواج قسمة ونصيب .
لقد كان يظن ذلك الشاب أنهم سيعملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " .
يتابع ويقول : حسبي الله ونعم الوكيل.
ومن الغريب قد هنّأه بعض المعارف بالخطبة , فردًّ مستغرباً - وذلك لأنه لم يشع الخبر فالأصل في الخطبة الكتمان على حد قوله – فأجاب : الحمد لله لم يتم الأمر.
ويتساءل في نفسه لما قد أشاعوا الخبر وقد نووا الرفض, أتفاخر بكثرة خُطَّاب كريمتهم أم ماذا ؟
ثم قصَّ لمعارفه ما قد جرى , وهم بذلك في استغراب لما يسمعون .
وبدأ بعضهم يقول هل سيجرى معنا هذا الاستجواب أو التحقيق وعلى هذه الصورة ؟ قال أحدهم ساخراً : يجب على أمثال هؤلاء سامحهم الله أن يعد أوراقا فيها جميع الأسئلة ثم يقدمها للشاب للإجابة ضمن وقت مخصص ثم ترفع للتصحيح.
وردَّ آخر لا تحزن يا أخي فالبعد عن أمثال هؤلاء غنيمة .
ردَّ عليهم قائلاً : قد يكون لله سبحانه وتعالى حكمة فيما حدث معي , وليس من الضروري أن يحصل هذا مع كل الشباب .
– طبعاً معزياً نفسه وحتى لا ينفروا من الإقدام على الزواج –
ثم ذكًّرهم أن الزواج سنة الله في خلقه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج.
ثم يُكمل حديثه قائلاً : هدى الله تلك الأسر في بعض طبقات المجتمع والتي ترفض الشاب مع التزامه وخلقه وثقافته وعمله , وفقاً لمعايير تافهة لا ترضي الله ولا رسوله , فتسبب المشاكل النفسية لدى الشاب والفتاة على حدٍّ سواء فكل منهما محتاج للآخر في إطار شرعي طاهر.
فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {[الروم: 21]
ولذلك ظهرت صور من الالتجاء إلى ما حرَّم الله تعويضاً عن فقدان ذلك الإطار الشرعي, أبعدنا الله وإياكم عن الحرام وأهله , ويسَّر الله لنا ما تقر به أعيننا وأعينكم.
ومن ناصح أوجهها لكم رسالة : يا أيها الآباء و يأيتها الأمهات إن كنتم تتحرون الأكفأ لأبنائكم وبناتكم فاتقوا الله وتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض .
فكيف ستلقون الله عزَّ وجل يوم الحساب وأنتم قد شاركتم في هذا الفساد العريض