السيرة النبوية, رمضان
السيرة النبوية
فى استقبال رمضان
رمضان شهر الفضائل والخيرات ، لما فيه من تكفير للسيئات ، ورفع للدرجات ،
واستعداد فطرى للخير وإقبال عليه وهو من نعم الله على هذه الأمة يجبر الله به تقصيرها ،
ويغسل به أدرانها ، ويعوض به النقص فى أعمارها ،
ولذلك فقد حرص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أن يهىء أصحابه لهذا الشهر الكريم
حتى يتسنى لهم الاستفادة من كل لحظة فيه ، فلا يفوتهم فيه خير ، ولا يحرموا فيه من أجر ،
وكان منهجه – صلى الله عليه وسلم – فى هذه التهيئة يعتمد على نوعين من التهيئة :
أولا :- التهيئة النفسية
ومعناها تهيئة نفوس الصحابة لاستقبال الشهر الكريم قبل قدومه بوقت كاف ،
ليستعدوا له وليتحملوا مشاقه بصدر رحب ، خاصة عندما يتزامن مع غزو فى سبيل الله
فيجتمع عليهم مشقة الصيام مع مشقة الغزو والجهاد
وتتم هذه التهيئه من خلال حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تذكير الصحابة :
بفضائل الشهر الكريم ، وما يحويه من خيرات ، وما ينتظرهم فيه من بركات إ
ذا هم أحسنوا استغلاله واقبلوا على الله فيه بقلوب صافية نقية
وذلك قبل رمضان بوقت كاف،
و من هذه الأقوال والتوجيهات التى ما أن استمع إليها مؤمن يحب الله ويحرص على رضاه وتتوق نفسه إلى الجنة والسعادة إلا وازداد شوقه لهذا الضيف الكريم ،
واستعد لاستقباله أشد الاستعداد
فعن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال
" يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر
جعل الله تعالى صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا،
من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه
وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن،
من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار،
وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء،
قلنا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يعطي الله تعالى هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء،
ومن أشبع صائما سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة،
وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار
فاستكثروا فيه من أربع خصال:
خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما،
فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم :
شهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه،
وأما اللتان لا غنى بكم عنهما :
فتسألون الله تعالى الجنة وتتعوذون به من النار".
(كنز العمال )
وعن سلام الطويل عن زياد بن ميمون عن أنس قال:
لما قرب رمضان خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاة المغرب خطبة خفيفة فقال
" استقبلكم رمضان واستقبلتموه
ألا وإنه لا يبقى أحد من أهل القبلة إلا غفر له أول ليلة من رمضان " .
(كنز العمال )
وعن أبى هريرة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال:
" أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه
تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين
وفيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ".
كتاب "زيادة الجامع الصغير والدرر المنثرة" للسيوطي
وعن عبادة بن الصامت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال
" أتاكم شهر رمضان شهر بركة فيه خير يغشيكم الله
فينزل الرحمة ويحط فيه الخطايا، ويستجاب فيه الدعاء،
ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته ،
فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل".
( كنز العمال)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أتاكم شهر رمضان تزين فيه الحور العين،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق فيه مثل جميع ما أعتق يعني في رمضان ".
( كنز العمال)
وإذا أمعنا النظر فى هذه الروايات نجد أنها تدل – مع تعددها وتعدد رواتها -
على أنها قيلت فى مناسبات مختلفة وفى أوقات مختلفة وعلى أناس مختلفين ،
فضلا عن التنوع فى ذكر الفضائل العظيمة له
مما يدل على حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم-
على التعبئة النفسية الشاملة لاستقبال هذا الشهر الكريم .
ثانيا:- التهيئة العملية
وتتمثل التهيئة العملية فى حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم – على القيام بالطاعات
التى تفعل فى رمضان والإكثار منها فى شهر شعبان ،
تدريبا للنفس وتعويدا لها على طاعات رمضان ،
حتى إذا ما جاء رمضان سهل على المسلم الطاعة فيه ،
واستطاع استغلاله من أول لحظة ، ولم يضيع فيه فرصة انتظارا للتعود على الطاعة ،
وهذا ما حدا بالصحابة رضوان الله عليهم أن يسالوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
عن سر إكثاره من الصيام فى شعبان لما رأوه يكثر من الصيام فيه ما لم يكثر فى غيره ،
فعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ!
قَالَ:"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَــيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ،
وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،
فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"
(رواه النسائي وصححه ابن خزيمة).
فنلاحظ فى هذا الحديث حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم –
من جانب – تعليما للأمة – على التدريب العملى على طاعات رمضان وأهمها الصيام ،
وحرص الصحابة رضوان الله عليهم من جانب آخر على ملاحظة طاعات النبى وأفعاله ،
والسؤال عما غمض عليهم منها ليقتدوا به حسن الإقتداء
طمعا فى أن يحشروا تحت لوائه يوم القيامة ويردوا حوضه وينالوا شفاعته
ويتحقق فيهم قوله تعالى :
" لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
( الأحزاب :21 )
hsjrfhg vlqhk td hgsdvm hgkf,dm