حوادث العنف بمصر الحرمان السبب والتدين أحد الحلول
حوادث العنف تثير القلق بالمجتمع المصري
نادرا ما تقرأ تصريحا غير متفائلا لخبير علم الإجتماع المصري الدكتور أحمد زايد، ففي أحلك الظروف تجد كلماته مطمئنة وتصريحاته عاقلة ومعتدلة، لكن لن أنسى ذلك التصريح الذي أطلقه عقب إحدى حوادث العنف في صعيد مصر.
ففي الوقت الذي كانت فيه كل الآراء والتحليلات تذهب لتفسيرات طائفية للحادث، اعتبرها الدكتور زايد حادثة تخضع لأسباب إجتماعية بحته، وقال وقتها : " هذه الأسباب ترشح مصر لموجة من أحداث العنف غير المتوقعة والمنطقية ".
كان هذا الكلام للدكتور زايد قبل عام من الآن، وجاء شهر يوليو 2010 ليؤكد صدق نبوءته حيث استقبلت مصر ثلاث حوادث غير منطقية هزت الرأي العام.أولى هذه الحوادث كانت يوم الثلاثاء 6 يوليو، قام فيها سائق حافلة موظفين بشركة مقاولات شهيرة بإطلاق النار بشكل عشوائي على زملائه داخل الحافلة، الأمر الذي أسفر عن وفاة 8 أشخاص وإصابة 4 آخرين، فيما تمكن 20 موظفا من الهرب.
ورغم عدم التثبت من دافع إطلاق النار، إلا أنه نقل عن ناجين من الحادث قولهم إن السائق كان يعاني من اكتئاب منذ نقله من وظيفته، فيما قال السائق نفسه في اعترافات النيابة أن خلافات مالية دبت بينه وبين أحد موظفي الشركة من مستخدمي الأتوبيس، فقرر الانتقام منه.
ولم يكد الرأي العام يفيق من هذه الحادثة حتى وقعت أخرى طرفها هذه المرة المذيع إيهاب صلاح بقطاع الأخبار بالتليفزيون المصري الذي قتل زوجته بمنزل الزوجية بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة يوم الإثنين 19 يوليو، بإطلاق الرصاص عليها من مسدسه الخاص خلال مشاجرة بينهما، بعدما سبته ببعض الألفاظ النابية.
وعقب ذلك بيوم، شهدتها قرية بنى نصير بمركز الواسطى بمحافظة بنى سويف بصعيد مصر حادث أبشع، حيث تجرد شاب من مشاعره الإنسانية وقام بذبح والده أثناء أدائه صلاة المغرب بمسجد القرية، وذلك بسبب وجود خلافات عائلية بينهما لقيام والدة بإنفاق أموال كان يرسله له من عملة بليبيا على زواج شقيقه الأصغر، فيما رفض مساعدته في نفقات زواجه .
ورغم أن الحوادث الثلاث تبدو مبرراتها مختلفة، إلا أن الشق المالي كان قاسما مشتركا بينها جميعا، لذا كان التفسير الذي قدمه د.زايد لحادثه العنف بصعيد مصر، ينطبق على كل منها، حيث ذهب وقتها إلى أن هناك فجوة بين طموح المصريين والإمكانيات المتوفره لهم لتحقيق هذا الطموح، ويخلق ذلك حالة من الحرمان تؤدي للإكتئاب، الذي يتطور إلى إرتكاب الجرائم.
درجات الحرمان
وتتفق د. سوزان أبو رية أستاذ الإجتماع بجامعة حلوان مع ما ذهب إليه د.زايد، لكنها حرصت على الإشارة إلى ان معدل الحرمان يختلف من شخص لآخر.
ولفتت في تصريحات لـ"إسلام أون لاين" إلى أن حادثة مذيع التليفزيون تؤكد ذلك، وقالت:" أحوالة المادية أفضل بلا شك من السائق والابن الذي قتل ابيه، لكن تطلعاته من المؤكد أنها كانت كبيرة جدا " .
ويرتبط التفاوت بين الطموح والإمكانيات من وجهه نظر د.سوزان بالظروف الإقتصادية التي تمر بها البلد، فكلما كانت هذه الظروف صعبة، كلما اتسعت فجوة التفاوت.
وتصبغ هذه الظروف – أيضا - نوعية الجرائم التي يشهدها المجتمع، فكما تؤكد أستاذة الإجتماع ، فإن العنف سلوك إجتماعي موجود منذ قديم الأزل، لكن درجة بشاعته ترتبط بالوضع داخل المجتمع.
وقالت : " كلما كان سلبيا، ألقى ذلك بظلاله على وحشية وبشاعة الجرائم " .
مسئولية الإعلام
وإذا كان كل الخبراء ومع اعترافهم بهذه الظروف يحملون وسائل الإعلام جانبا من مسئولية أحداث العنف، على إعتبار أنها تعرض لبعض الحوادث بالتفصيل من حيث أسلوب تنفيذها، فإن الدكتورة عزة كريم الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية ترى ان المواطن أصبح أكثر وعيا بحيث لم يعد يتأثر بذلك.
وقالت لـ"إسلام أون لاين" : " الإعلام خاصة غير الرسمي يؤدي دوره في كشف الحقائق التي وصلت بالمجتمع لهذا الوضع الصعب الذي نعيشه من فساد وغياب للديمقراطية، فوصلت الحقيقة للمواطن، وتفاعل معها نفسيا بالإكتئاب وتناول المخدرات، وهي أمور تؤدي مستقبلا إلى العنف".
واضافت : "أي أن الإعلام متهم برىء في أزمة العنف، فهو يؤدي دوره ، لكن نتيجة ذلك تقود لحوادث عنف " .
ولا تعتبر حالة مذيع التليفزيون المصري نشاذا عن هذا الوضع، وقالت : " أظن أن مشكلته أكبر، فهو يعلم الحقيقة وتجبره ظروف عمله في تليفزيون الدولة على قول عكسها ليل نهار".
هؤلاء هم المعصومون
قد يسأل سائل، معنى ذلك أن كل أفراد المجتمع عرضه لممارسة العنف؟
الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر و الدكتور آمنة نصير أستاذ العقيدة بنفس الجامعة يقدمان لـ"إسلام أون لاين" إجابة على هذا التساؤل.
فبرؤية الطبيب النفسي يقول د.بحري: " الضغوط لا ننكر أنها موجودة وتطول كل أفراد المجتمع، لكن التعامل معها يختلف من فرد لآخر " .
ويبدو الإختلاف – كما يوضحة أستاذ الطب النفسي - في أن البعض يوجد طريقة للتنفيس عن غضبة، مثل الرياضة أو ممارسة هواية محببة، لكن هناك من لا يقوم بذلك، وكما يقول المثل " الضغط يولد الإنفجار".
وإذا كان د.بحري يخرج ذوي الهوايات من زمرة من يتحول الضغط عندهم إلى إنفجار، فإن د.آمنة نصير تخرج – أيضا – أصحاب التدين الحقيقي.
وقالت: "الشخص المتدين الحق لا يقبل على مثل هذه الجرائم غير المنطقية، لأن صلاته ستعصمة " .
وترى د.آمنة ان انتشار مثل هذه الجرائم هو انعكاس لإنتشار موجة التدين الظاهري الذي يهتم بالشكل على حساب المضمون، ومن ثم لا ينعكس على السلوك.
وعلى قدر قتامة الصورة التي رسمها علماء الإجتماع يبدو الحل بسيطا عند د.بحري ود.آمنة، ولكن يبدو أن المصريين قد درجوا خلال الفترة الأخيرة على تحميل أخطائهم على شماعة الظروف.
p,h]e hgukt flwv hgpvlhk hgsff ,hgj]dk Hp] hgpg,g