إشـــراقــــات الــتـــمـــيـــز فـــي رمــــضـــان
مساء / صباح / الورد
( إشـــراقــــات الــتـــمـــيـــز فـــي رمــــضـــان )
رمـــــضـــان و الــــتـــمـــيــز
إن مظاهر التميز في شهر رمضان كثيرة ،
و آفاق الرقي فيه متعددة ، و خصائص التجديد و الحيوية فيه ظاهرة ،
بحيث يمكن أن يقال : إن رمضان هو شهر التميز في حياة المسلمين .
فمن مظاهر التميز في شهر رمضان :
أولا : التميز النفسي و الروحي :
إن شهر رمضان يعين المسلم على الصدق مع نفسه ،
في معرفة أسباب صلاحها و فسادها ، و الانتقال بها إلى حال السمو و الكمال ،
فهو يوفر الأجواء للاختلاء بالنفس و محاسبتها و مناقشتها و مشاركتها ،
بغية الوصول إلى آفاتها ، و محاولة علاج هذه لآفات ،
حتى تزكو النفس و تشرق ، فيسهل على المرء بعد ذلك قيادها و التوجه بها
إلى آفاق السمو و المعالي و الخيرات .
ففي رمضان تفتح أبواب الجنة ، و تغلق أبواب الجحيم ، و تسلسل الشياطين ،
و هذا يعني إضعاف بواعث الشر في النفس الإنسانية ، فإن الشياطين تعمل على
إشعال تلك البواعث في النفس و إذكاء نارها ، حتى تصبح النفس البشرية أسيرة
الشهوات و الغفلات و التهتك الحيواني .
و يوم تسلسل الشياطين في شهر رمضان يتخلص الإنسان من شرور كبيرة ،
فيبدأ باعث الخير في نفسه يزداد ، و يقوى سلطان النفس المطمئنة على الأمَارة بالسوء ،
بسبب إضعاف الباعث الشيطاني ، و تقوية الباعث الرحماني الذي هو من بركات
و فضائل هذا الشهر الفضيل .
و قد بين ابن القيم رحمه الله أن المقصود من الصيام هو :
"حبس النفس عن الشهوات ، و فطامها عن المألوفات ، و تعديل قوتها الشهوانية ، لتستعد
لطلب ما فيه غاية سعادتها و نعيمها ، و قبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية " .
فالصيام يضبط النفس الإنسانية عن الاسترسال في أسباب الغواية ،
و ذلك بتضييق مجاري الطعام و الشراب ، التي هي في الحقيقة مجاري الشيطان ،
فإذا ما ضيقت هذه المجاري و المسالك ضعف الشيطان جدا ، و أصبح غير قادر على الحركة
و الوسوسة ، فإذا ما أضيف إلى ذلك اغتنام الأوقات في الطاعة و العبادة من صلاة
و ذكر و قراءة قرآن و استغفار اندحر الشيطان ، و أشرقت أنوار النفس حتى أن
الشيطان يفر من هذه النفس النورانية ، و يبكي منها حسرة و ندما .
و في ذلك يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ،
اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ! أمر ابن آدم بالسجود ، فسجد ،
فله الجنة ، و أمرت بالسجود ، فعصيت ، فلي النار " (رواه مسلم)
ثانيا : التميز العبادي :
إن تميز هذا الشهر بتنويع العبادات ، جعل منه دوحة غناء بما لا يمل منه المسلم
من أزهار العبادات ، و ثمار الطاعات ، و رياحين القربات .
فهو شر القرآن كما قال تعالى : ~((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن))~ [البقرة:185] ،
و كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه و سلم القرآن في شهر رمضان ، و لذلك فإنه
يستحب في هذا الشهر تلاوة القرآن و حفظه و تدبره و دراسته و الاستماع إليه .
- و هو شهر الصيام : ~((فمن شهد منكم الشهر فليصمه))~ [البقرة:185] .
- و هو شهر القيام : "من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له
ما تقدم من ذنبه" (رواه مسلم
- و هو شهر الجود و الصدقات : "فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس ،
و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، فيدارسه القرآن ،
فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة" (متفق عليه)
- و هو شهر العمرة و التوجه إلى الديار المقدسة : "عمرة في رمضان تعدل
حجة" (متفق عليه) ، و في رواية : "حجة معي" .
- و هو شهر الذكر و الدعاء : "إن لكل مسلم في كل يوم و ليلة دعوة
مستجابة" (رواه البزار و صححه الألباني) .
فأي ملل يمكن أن يصيب المسلم و هو يتنقل من زهرة إلى أخرى من تلك
الزهرات التي طاب رحيقها ، و فاح عبيرها ، و انتشر أريجها حتى ملأ الآفاق .
و لم يقتصر التميز العبادي في رمضان على التنوع ، بل ظهر هذا التميز أيضا
في جانب اليسر و رفع الحرج ، فالصيام يكون من طلوع الفجر إلى غروب
الشمس ، و هي فترة ليست بالطويلة جدا ، بحيث لا يستطيع المرء تحملها ،
و لا القصيرة بحيث لا تعطي الفائدة المرجوة من الصيام .
و كذلك القيام ترك الشارع تحديد القدر الذي يقرأ من القرآن في كل ركعة ،
ليبقى الباب مفتوحا أمام الناس ليتسابقوا فيه من الخيرات ، كل حسب اجتهاده
و همته ، و لذلك فإننا نجد من ينهي صلاة القيام في ساعة ، و منهم من ينهيها في
ساعتين ، و منهم في ثلاث أو أكثر حسب الاستطاعة ، و هذا جانب آخر من جوانب
التميز العبادي في رمضان .
ثالثا : التميز الخلقي :
إن صيام رمضان له تأثير إيجابي على سلوك الصائم و أخلاقه ، فهو يهذب الأخلاق ،
و يزكي الأنفس ، و يرقق المشاعر ، و يدعو إلى الحلم ، و الصفح و العفو و الصبر على
الأذى ، و قد أشار النبي صلى الله عليه و سلم إلى هذا التميز الخلقي الذي يضيفه الصيام
على سلوك الصائم ، فقال صلى الله عليه و سلم :"فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يفسق
و لا يرفث ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم" (متفق عليه)
و بين النبي صلى الله عليه و سلم أن هذا ليس من نافلة القول ، بل هو حتم
لازم لكل من أراد أن ينتفع من صيامه ، فمن تهاون في هذا الجانب الخلقي فقد
عرض صيامه للخطر و عدم القبول ، قال صلى اله عليه و سلم : "من لم يدع قول
الزور و العمل به و الجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه" (رواه البخاري)
إن أناسا يهتكون حرمة الصيام – فتسفل أخلاقهم ، و تسوء طباعهم ، فيسيئون معاملة الخلق ،
و يقسون على الصغير و الكبير ، و يعتدون على الحرمات ، ثم بعد ذلك يتذرعون بالصيام
في تبرير أفعالهم – لأناس قد جهلوا حقيقة الصيام و حكمه و ثمراته ، و لم يعرفوا من معناه
شيئا سوى الامتناع عن الطعام و الشراب فترة من الزمن .
YaJJJvhrJJJJhj hgJJjJJJlJJJdJJJ. tJJJd vlJJJJqJJJhk