منهجيات فى الإصلاح والتغيير من خلال سورة الكهف
العنوان لدراسة تأصيلية تطبيقية للأستاذ الدكتور صلاح سلطان وقد أطلعت على جزء من الرسالة فوجدت فيها فكر عالى ومميز ودراسة رائعة تستحق الدراسة والتدبر
وفى تقديم من أحد المواقع للدراسة أقتبس الآتى:
هذا الإصدار الجديد الذي بين أيدينا يعتبر حلقة جديدة من هذه العجائب التي لا تخلق على كثرة الرد؛ حيث يمثل هذا الكتاب نقلة نوعية وقفزة حضارية في التعايش مع القرآن وإنعام النظر وإمعان الفكر في إشعاعاته الألماسية وإضاءاته الربانية التي تتنادى لمن غاص في بحار أنواره بأشرعة التفكر والتدبر والخشوع الذي يستحق العبد أن يكون فيه كالأترجة المعنية بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب…".
وتتبدى جدة هذا الكتاب من بدايته المتمثلة في
مقدمات ثلاثة تمثل ثلاث حلقات متتالية في سلسلة معاصرة من الدرس الشرعي والفكري، يأتي على ناصيتها المستشار فيصل مولوي، وينتصفها الدكتور محمد عمارة، ويختمها الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد الذي يمثل قمة الجدة في هذه السلسلة؛ إذ المتعارف عليه أن يقدم الأستاذُ تلميذَه والشيخُ مريدَه، ولكن حدث هنا العكس؛ إذ قدم التلميذُ أستاذَه في درس تربوي جديد يضاف لآداب العالم والمتعلم التي يمثلها موسى والخضر في سورة الكهف.
كما تبرز أهمية هذا الكتاب أن كاتبه عالم جليل وداعية نشيط، جمع بين العلم والعمل، والفكر والدعوة، والنظرية والتطبيق؛ فقام في هذا الكتاب بدور النطاسي البارع الذي أجاد تشخيص علل الأمة وأدوائها، فوصف لها العلاج الشافي والأدوية المفيدة من كتاب ربها الذي أنزله الله هدى وشفاء؛ فجاء بعيدا عن التنظير المجرد، والسفسطة المتكلفة التي لا تتعدى فائدتها إمتاع العقل والفكر، ولا يوجد لها في أرض الواقع أي أثر، وقد نص المؤلف على ذلك في مقدمته إذ قال: "جعلت عيناً على الآيات، وعيناً أخرى على آلامنا الواقعية، وبذلت جهدي في استنباط معالم الأمل بين طيات الألم، ثم استخراج خطوات العمل لإصلاح هذا الخلل".
وقد استخرج المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مملكة البحرين أربع عشرة منهجية، وفقه الله لاستنباطها من هذه السورة المباركة التي استبقها بمدخل تمهيدي فرق فيه بين الشرعة والمنهجية؛ إذ الشرعة هي الأحكام التفصيلية مثل وجوب الصلاة، أما المنهجية فهي الطريقة التي توصلنا بها إلى كون هذه الصلاة فريضة، وهي النصوص القطعية من الكتاب والسنة
المنهجية الأولى: التدرج من الاستضعاف إلى الحوار ومنها إلى التمكين
تمثل هذه المنهجية كما يتضح من عنوانها ثلاث مراحل متدرجة من الصراع بين الحق والباطل، تتمثل أولاها في مرحلة الاستضعاف الذي تمثله قصة الفتية أصحاب الكهف الذين آمنوا بربهم فتعرضوا للتهديد بالقتل رجماً إن لم يعودوا -مثل بقية الناس- عباداً لغير الله تعالى.
ويستنبط الكاتب من السورة أنه أمام هذه الحالة ليس من الشجاعة أن يقف هؤلاء المستضعفون القلة عددا وعدة في مواجهة هذه الأنظمة القوية الفاسدة، بل الحكمة والشجاعة هي في اتباع منهج: {ولْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}.
ويؤكد أن هذه الآية هي آية المنهج في القصة؛ فهي تلخص المنهج في الإصلاح والتغيير في أية حالة تتكرر فيها هذه الظروف نفسها، ويعتبر تجاوزاً من الدعاة أن يتخطوا هذه الآية إذا انطبقت عليهم الظروف نفسها.
ويستدل على ذلك بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية التي استأسدت قوى الكفر على جماعة الإيمان فأذاقوهم ألواناً من العذاب والمطاردة حتى لما هاجروا إلى الحبشة وكان المنهج آنئذٍ: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاة}، وقد قتلت سمية بحربة في قُبُلها ، وكذا زوجها قتل شهيدا ، ولا يملك الرسول r إلا قوله: "صَبْرَاً آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إلى الْجَنَّةِ".
ثم استشهد الكاتب بصورة مغايرة في مرحلة التمكين حينما فاجأ بني قينقاع بالغزو عندما كشفوا عورة امرأة مسلمة واحدة في سوق بني قينقاع في المدينة؛ لأنه هنا معه دولة وقوة. وحماية الأفراد جزء من سيادة وكرامة الدولة، والإمكانات القانونية والأعداد البشرية كلها توجب اتخاذ موقف مختلف، هذا مع بساطة جريمة كشف عورة امرأة مسلمة إذا قيست بقتل سمية بحربة في قُبُلها.
ثم ينتقل الكاتب إلى الحديث عن المرحلة الثانية من مراحل الصراع بين الحق والباطل من خلال هذه المنهجية وهي مرحلة التساوي في السلطة، والتي يمثلها في سورة الكهف قصة الصاحبين اللذين لا يملك أي منهما سلطانا على الآخر، لكن اختار أحدهما طريق الإيمان واختار الآخر طريق الكفر، وكان أمام الصاحب المؤمن هنا أحد ثلاثة اختيارات؛ إما أن يعتزل صاحبه كما اعتزل أصحاب الكهف المستضعفون قومهم، وإما أن يجابهه بالقوة ويقتله، وإما أن يحاوره ويستخدم الأسلوب العقلي والإقناعي ومجابهة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، واختار الصاحب المؤمن الاختيار الثالث؛ ليكون منهج الدعوة في حالة التساوي في السلطة بين الأصدقاء، والشركاء، والجيران، والأعضاء في نقابة أو هيئة أو مؤسسة تكون الحقوق فيها متساوية، وهنا لا يجوز غير الحوار؛ ولذا اعتبر أن الآية الوحيدة التي تعبِّر بصدق وواقعية عن منهج الإصلاح والتغيير هنا هي: {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} وهي الكلمة الوحيدة المكررة مرتين في القصة حيث أظهر الكفر عند الحوار، فبادله صاحبه حوارا بحوار.
وينطلق المؤلف -بحسه الدعوي وهمه الإسلامي- من هذا المبدأ إلى توجيه الدعوة للمؤسسات والجماعات والهيئات والأقليات الإسلامية إلى اعتماد مبدأ الحوار والانفتاح على مؤسسات المجتمع المدني كطريق ناجع وفعال في توصيل رسالة الإسلام، مقتدين في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم الذين هاجروا للحبشة في حوارهم مع النجاشي، وكذلك حالة الحوار التي فتحها النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد صلح الحديبية مع ملوك الأرض ورؤساء القبائل وقادة العشائر ، مما وسع دائرة الدعوة والقبول لهذا الدين العظيم
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التمكين لأهل الحق، ويمثلها في سورة الكهف قصة ذي القرنين، الذي يمثل ذروة القمة للحق، الذي عبر القرآن عنه بقوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}.
ويعلق على هذه الحالة قائلا: "وهنا تتضح الصورة المثالية للملك الصالح حيث: {أَتْبَعَ سَبَبًا}؛ أي استفاد من هذه الإمكانات الهائلة في الأخذ بالأسباب، والنزول إلى الناس في مغرب الشمس ومشرقها وما بين ذلك، ودخل إلى مناطق الأنهار والبحار والسدود؛ كي يحقق العدل في هذا الإعلان الواضح: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}، وهو أعلى مستويات الإصلاح والتغيير بأكبر الإمكانات المتاحة، واستخدام السلطة القضائية والتنفيذية لإقرار العدل ومكافأة المحسنين الصالحين".
وحينما شكا قوم يأجوج ومأجوج كان المنهج المناسب هنا هو {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، ويعلق أن هذه القوة تمثل قوة العلم والمادة، قوة اتخاذ القرار، قوة البناء والعمران، قوة التصنيع والتصدير، قوة الحماية والرعاية، قوة البذل والعطاء، قوة فعل الخير ونفع الغير ومنع الشر، قوة مواجهة الظلم بزبر الحديد والسبائك المعدنية والأسلحة المتنوعة، لأن هاهنا دولة أو مملكة وصلاحيات وسلطات يجب استخدامها في الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.
ثم يختم المؤلف هذه المنهجية بعدة ضوابط حاكمة للجوء من تعرض للظلم والاضطهاد والاعتقال إلى العمل السري حتى تنفرج الأزمة وتصان الحقوق وتطلق الحريات وحينها لا يكون للعمل السري مبرر، حتى إذا أتيحت له سلطة في بيئته أو أسرته أو شركته فإن عليه أن يرتقي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دائرة القول إلى دائرة العمل، ومن الحوار إلى استخدام القوة والسلطة والصلاحية في الإصلاح والتغيير.
كانت هذه وقفة مطولة مع المنهجية الأولى من هذه المنهجيات الأربعة عشرة، ونظرا لضيق المقام ففيما يلي إطلالة سريعة على بقيتها، تاركين للقارئ الكريم الاطلاع على الكتاب كاملا:
المنهجية الثانية: منهجية بعث الأمل مهما كان الألم
وفي هذه المنهجية حاول المؤلف من خلال ما تمثله سورة الكهف من مظاهر للصراع بين الحق والباطل بعث الأمل في النفوس واستخراج المنحة من قلب المحنة مما انتهت به قصص الصراع بين الحق والباطل في السورة من نصرة للحق وأهله ودحر للباطل وأتباعه، وهو ما وعد الله تعالى به كل السائرين على هذا الطريق المبارك.
المنهجية الثالثة: الوصف الدقيق والتحليل العميق والحلول المناسبة
وقد أطلق عليها الكاتب "منهجية الطبيب" الذي يبدأ مع المريض الكشف السريري وإجراء الفحوصات والتحاليل لاكتشاف المرض والعرض، وهو ما يمثل المنهج الوصفي، ثم يبدأ بالمنهج التحليلي الذي يحدد من خلاله أسباب المرض والعرض، وأخيرا يقوم بوصف العلاج المناسب لعلاج المرض والعرض معا، وقد استنبط الكاتب هذه المنهجية من خلال عرض السورة للقصص الثلاثة التي تمثل محور الصراع بين الحق والباطل فيها. ويحض الكاتب الدعاة على اتباع هذه المنهجية في تناولهم لأي مشكلة؛ بحيث لا يكتفون بوصف الواقع دون تحليل الأسباب ووصف العلاج المناسب؛ وهو ما يصيب الناس باليأس والإحباط.
المنهجية الرابعة: البحث فيما تحته عمل فقط
بدأ المؤلف الحديث عن هذه المنهجية بالتأكيد على أن منهج القرآن والسنة هو لفت الأنظار عن التنظير والتجريد، إلى التأصيل والعمل ، وأن ما ليس تحته عمل لا يكترث له كثيراً، وأتى بشواهد على ذلك، ثم أشار مظاهر هذه المنهجية في سورة الكهف والتي يمثلها قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}، {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}، {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}.
المنهجية الخامسة: منهجية الارتقاء إلى الأحسن وليس للحسن فقط
ذكر المؤلف أن مما شده في هذه السورة استعمال صيغة "أفعل التفضيل" عشرين مرة، ذكرها على الترتيب ثم علق عليها بأن الإسلام يسعى من خلال القرآن والسنة إلى نقل الإنسان إلى الأحسن وليس الاكتفاء بالحسن، كما في قوله تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا}. مستخرجا من ذلك منهجية عامة موصيا أن تصبغ كل حياة المسلم في طريقه لربه.
المنهجية السادسة: منهجية ربط الأسباب بالنتائج
تعد هذه المنهجية ضرورية في التربية ودفع الإنسان إلى تغيير مواقفه بذكر نتائج أفعاله خيرا أو شرا؛ وهو ما يعد محركات نفسية قوية لتغيير وتعديل مواقف الإنسان من السيئ إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن، وقد ذكر لهذه المنهجية ستة أمثل من السورة، منها قوله تعالى: {تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}؛ حيث ذكر أن البعد عن الله يؤدي إلى أن يحكم الإنسان هواه وتكون النتيجة هي انفراط عقد حياته.
المنهجية السابعة: منهجية الإدارة الربانية
استنبط الكاتب من سورة الكهف ثمانية معالم منهجية كأمثلة للإدارة التي يذخر بها القرآن والسنة والتي سبقت النظريات الجديدة في عالمنا اليوم، وهذه المعالم هي: مبدأ الحوار، ومبدأ التفويض في الإدارة، ومبدأ فرق العمل، ومبدأ الوضوح، ومبدأ التذكير فالعتاب فالحسم، ومبدأ التدرج، ومبدأ الوقاية قبل العلاج، ومبدأ الإرادة فالإدارة فالانطلاقة.
المنهجية الثامنة: منهجية مَجْمع البحرين
وهذه المنهجية لا تخلو من لمحات إشارية غير متكلفة؛ فالبحران المقصودان هنا هما بحرا العلم والمعرفة الممثلان في موسى والخضر الذي شاء الله عز وجل التقاءهما عند مجمع البحرين مكانا؛ ليكون في ذلك دروس، استنبط الكاتب منها أهمية التقاء جماعات الخير والبر والإصلاح والدخول في حوار يمثل مجمع البحار الذاخرة بالخير.
المنهجية التاسعة: منهجية إدارة الفتن
"الفتن بأنواعها من إغواء وإيذاء لا يخلو منها إنسان على وجه الأرض صالحاً أو طالحاً، براً أو فاجراً، حاكماً أو محكوماً، غنياً أو فقيراً، عزباً أو متزوجاً… وأمام هذا القدر الرباني يجب أن تكون عندنا منهجية ورؤية في إدارة هذه الفتن التي تتنوع في حياة كل إنسان" هذا ما أكد عليه الكاتب في هذه المنهجية التي حاول من خلالها إيجاد منهج إيماني متكامل للتعامل مع الفتن من خلال سورة الكهف. فقد ذكر خمسة أنوع من الفتن عالجتها السورة، هي: فتنة زينة الحياة الدنيا، وفتنة السلطة، وفتنة الأصدقاء، وفتنة العلم، وفتنة الشيطان. وعرض لكل فتنة من هذه الفتن على حدة، وطريقة إدارتها من التخلية إلى التحلية، ومن السلبية إلى الإيجابية ومن الشر إلى الخير، ومن الشقاء إلى السعادة ومن الدفع إلى الرفع، ومن الألم إلى الأمل والعمل.
المنهجية العاشرة: الارتقاء في العبادة من الممارسة إلى التذوق
وهذه المنهجية لا غنى للمسلم عنها في مجاهدة النفس، وصراع الشيطان، ومعاناته مع الهوى كي ينتقل من غفلة القلب، وثقل الجسم، وجفاف الروح، وجمود العقل، وسوء الخلق إلى استحضار القلب، وتحريك الجسم نحو الخير والسعي إلى أعلى المراتب، وذلك إذا انتقل من ممارسة العبادة إلى تذوقها والعيش معها وبها وقد برز ذلك واضحا في قصص الصراع بين الحق والباطل في سورة الكهف.
المنهجية الحادية عشرة: منهجية كلمات ربي تدلني على ربي
ترتبط هذه المنهجية بالتي قبلها بخيط رفيع؛ حيث إنها تعني الارتقاء في تعاملنا مع القرآن من القراءة إلى التذوق والغوص في المعاني وتجاوز الألفاظ إلى ما وراءها من دلالات تتأتى لمن أمعن الفكر والنظر فيه؛ حيث يذكر أن النظرة السريعة في سورة الكهف توصل إلى أن الحديث عن الله تعالى بلفظه أو صفاته أو أسمائه قد لا تزيد على ثلاثين مرة، في حين أن إمعان النظر والفكر يؤدي إلى أن نرى الله تعالى في كل كلمة؛ فمثلا "الحمد" ترتبط في وجدان كل مسلم بنعم الله عليه، وكلمة "أنزل" تعني أن الله هو الذي أمر بإنزال الكتاب… إلى آخر كلمات السورة.
المنهجية الثانية عشرة: منهجية الخطاب الدعوي
"لكل مقام مقال ولكل قوم ما يناسبهم" تلخص هذه الجملة معالم هذه المنهجية التي تعد ضرورية لكل داعية إلى الله تعالى حتى يجيد معالم الخطاب الدعوي، ويخلص المؤلف من هذه المنهجية إلى أن علماء الكلام لو ظلوا على منهجيتهم في استخدام الأدلة العقلية مع غير المسلمين ليصلوا بهم إلى الإيمان بصحة النصوص النقلية لظل لهذا العلم ثراؤه لأمتنا الإسلامية، لكن عندما عادوا للأدلة العقلية والمنطقية بالجدال بين أبناء الأمة الإسلامية كثرت الفرق واتسعت الهوة ومزقت الأمة وانهارت القوة، والسبب الرئيسي هو عدم إدراك منهج الخطاب الدعوي.
المنهجية الثالثة عشرة: منهجية الاختيار بين المتقابلات والأضداد
من المنهجيات التي استنبطها الكاتب من السورة منهجية الاختيار بين المتقابلات؛ حيث صيغت بعض آياتها بأسلوب شيق يستهوي العقل والجنان، وذلك بعرض المتقابلات والأضداد في صورة توقف الإنسان أمام اختيار بينها؛ بحيث يكون عليه أن يختار أين يذهب، وأي الطريقين يسلك. واليقين الذي لا يتطرق إليه أدنى شك أن تمام العبودية في أن يختار الإنسان ما اختاره الله له وأن يؤثر مراد الله على مراده، وأن يجنح دائما إلى تطويع هواه ليكون سلَما لما يرضي الله.
وقد استخرج المؤلف أربعا وأربعين متقابلة في آيات السورة منها: (عوجا وقيما)، و(الزينة وصعيدا جرزا)، و(الزينة وصعيدا جرزا).
المنهجية الرابعة عشر: منهجية العناية الربانية
ابتدأ الكاتب الحديث في هذه المنهجية بالتأكيد على أن هناك عناية ربانية بالخلق عامة، صالحهم وطالحهم، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم، ودوابهم وجمادهم، لكن المقصود هنا العناية الربانية الخاصة بأصحاب الإيمان والدعاة الربانيين، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقيام المتوازي وليس المتوالي بالواجبات التربوية في إصلاح النفس والواجبات الدعوية في إصلاح المجتمع.
وقد برزت معالم هذه العناية في أبهى صورها مع أهل الحق في القصص التي وردت في السورة؛ إذ بعد أن استكملوا واجباتهم التربوية مع أنفسهم، وواجباتهم الدعوية مع قومهم تنزلت عليهم عناية السماء.
وقد حاول المؤلف في ملمح لطيف استنباط دروس تربوية وأخرى دعوية، مشفوعة بمظاهر العناية الربانية فيها من كل آية من آيات السورة المائة وعشرة؛ وهو ما يمثل كشافا عاما يلقي الضوء على السورة كلها.
…
كانت هذه إضاءات سريعة من قبس هذا الكتاب الذي استمد نوره من كتاب الله عز وجل ومن أنوار سورة الكهف التي وعد بها الرسول صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الكهف كاملة، أو حتى من قرأ أولها وآخرها فقط؛ فما بالنا بمن عاش معها ولها وبها خمسة عشر عاما، كما صرح المؤلف في لقاءات إذاعية؟!
ونود أن نشير إلى أن هذه المنهجيات تعد في مجموعها منهجا تربويا متكاملا وشاملا للنواحي التربوية والدعوية والحركية يمكن لأي مؤسسة أو جماعة دعوية أن تفيد منه في تربية أفرادها؛ بحيث يمكن إعادة تقسيم المنهجيات السابقة على هذا المحاور على الوجه التالي:
منهجيات تربوية: المنهجية الخامسة، والتاسعة، والعاشرة، والحادية عشرة، والرابعة عشرة.
منهجيات دعوية: المنهجية الثانية، والثالثة، والسادسة، والحادية عشرة، والثالثة عشرة.
منهجيات حركية: المنهجية الأولى، والرابعة، والسابعة، والثامنة.
مع التأكيد على أن هذا التقسيم لا ينفي أن كل منهجية على حدة ربما تشمل هذه المحاور الثلاثة، لكن كل منها يغلب عليها محور معين على الاثنين الآخريْن، وبذلك ساغ تقسيمها بهذه الصورة المقترحة.
ويبقى في النهاية أن نشير إلى أن التعامل مع القرآن بهذا الطريقة لا يخلو من وعورة ومزالق لا ينجو منها إلا من تحصن بالعقل اليقظ والقلب الحي والنظر الثاقب والتوفيق الإلهي؛ حتى لا يؤول آية تأويلا متكلفا، أو يحمَّل لفظا ما لا يحتمل، أو يخرج نصا من سياقه.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا حسن النظر في كتابه وفهم مراده وتبليغ أحكامه، كما يريد ربنا ويرضى.
lki[dhj tn hgYwghp ,hgjyddv lk oghg s,vm hg;it