هل انت سعيد
سؤلت مؤخرا: هل انت سعيد في حياتك فصمتت لوهلة ثم اجبت: الى حد ما فالسؤال معقد واصعب من ان يجاب عليه بنعم ام لا لا ادري لماذا حينما اتصدى لهذا الجواب اتذكر صديقي العلماني الذي قص علي انه لا يشعر بالسعادة على رغم مغامراته النسائية التي قاربت المئة ولم يكن شعوره هذا نابعا من احساسه بالذنب فهو لا يلقي كبير بال لموضوع الدين (متجاهلا نصائحي بايلاء هذا الموضوع اهمية قصوى) ولكن لأن هذه الامور لم تكن تعطيه الا سعادة لحظية تمحى بمجرد انتهاء المتعة فليس غريبا في هذه الحال انه لا يتذكر اسماء النساء اللواتي قابلهن.
اللذة سعادة لحظية
ولعل ابن الجوزي كان اول من عبر عن هذه الحقيقة بعمق في بداية كتابه صيد الخاطر حينما قال ما معناه لا تفرح باللذة المحرمة ولا تتضايق من تعب العبادة ففي نهاية عمرك ستكتشف ان الم الاثم سيغلب لذته هذا ان بقي اي اثر للذة اصلا في نهاية حياتك ستبقى اعمالك فقط كل المشاعر التي مررت بها –سواء ايجابية او سلبية- لن تفيدك
حتى السعادة منغصة
حتى هذه اللحظة تكلمنا عن المتعة واللذة ولم نتكلم عن السعادة فالسعادة اعمق من ان نحدها باطار محدد لكن حتى لو اعتبرنا ان السعادة هي في الاستقرار والراحة فبامكاننا ان نرى ان هذه السعادة يستحيل ان تكون دائمة بل سيشوبها المنغصات دائما سواء كانت منغصات حقيقية ام وهمية من صنع خيالنا
السعادة هي الطريق
من المهم ايضا حينما نتكلم عن السعادة ان نعيش كل ايامنا يوما بيوم فمن الناس من يقول انا اتعب في المدرسة لكني سأكون سعيدا حينما اتخرج وابدأ بالعمل فلما يبدأ بالعمل يقول انا مرهق من العمل حينما اتزوج سارتاح واكون اكثر سعادة فلما يتزوج يقول انا مهموم الآن لأني احمل مسؤولية ولكن حينما يكبر اولادي سأرتاح واكون سعيدا ثم يكبر اولاده ويكبر معهم وتصيبه الامراض فيقول لو تعافيت لكنت في احسن حال وطبيعي ان يدركه الموت وهو لم يعرف السعادة ولم يذق طعمها لأنه يؤجلها وما اجملها من خلاصة ان نقول : لا تبحث عن الطريق الى السعادة السعادة هي الطريق.
الانجاز اهم من اللذة
بعض الناس لا يلاحظ هذه الحقيقة حتى يصل الى نهاية حياته وبعضهم يكتشفها عندما يوضع على المحك فيسأل اين عمري الذي ضاع؟ ماذا فعلت به؟ اين ذهبت افراحي واتراحي؟ فلا يجد ما يعطيه معنى لحياته الا الانجازات التي قام بها. لذا تراني احاول قدر الامكان ان اشغل وقتي بما يفيد واحث الناس على فعل المثل لأني ايقنت ان لا جدوى من البحث عن سعادة اعرف يقينا انها ستضيع مني ولعل هذا اكبر مكدر ومنغص لها "احبب من شئت فانك مفارق"
قد نذوق طعم السعادة في العذاب ان كان هناك قضية
على انه ليس من الضرورة ان نجد السعادة في اللذة او المتعة فمن الممكن ان نجدها حتى في الالم ان كنا نحمل قضية كبيرة نجاهد ونضحي من اجلها لعل اسعد ايام بلال رضي الله عنه كانت حينما وضعت الصخرة على صدره وذاق لذة التوحيد من خلال الالم دون ان يمنعه هذا الالم من ترداد "احد احد". ولعل اسعد ايام حرام بن ملحان رضي الله عنه كان حين طعن برمح من الخلف اخترق ظهره وخرجت ذؤابته من صدره فصرخ عبارته المشهورة التي الهمت كل الشهداء من بعده "فزت ورب الكعبة".
علينا النظر الى النصف الممتلىء من الكأس
بعض الناس رزق بنعم كثيرة لكنه دائم التذمر اذ لم ينظر يوما الى ما انعم الله به عليه بل نظر دوما الى ما تفضل به الله على غيره فهؤلاء كتب عليهم الحياة في بؤس دائم وقد صدق من قال ان الظروف لا تصنع السعادة انما السعادة تنبع من الداخل فكم من فقير معدم يحيا بقناعة ورضى وكم من غني فاحش الثراء يضيق ذرعا بالحياة ومتاعبها بيدك يا صديقي ان تنظر الى النصف الممتلىء من الكأس وان تكون متفاءلا دوما وهذا -للمفارقة- يقتضي منك ان تتوقع الاسوأ فكما يقول المنفلوطي : "لولا السُّرورُ في ساعَةِ المِيلادِ ما كانَ البُكاءُ في ساعة المَوْتِ ، ولولا الوُثوقُ بِدَوامِ الغِنَى ما كانَ الجَزَعُ من الفَقْرِ ، ولولا فَرْحةُ التَّلاقِ ما كانَتْ تَرْحةُ الفِراقِ ." عش مرتاح الضمير وارض بما قسمه الله لك ولا تتوقع من محبيك ان يقوموا بالكثير من التضحية من اجلك وعندها سيبدو أي عمل منهم معروفا يسدونه اليك فما هدم الاخوة والصداقة الا توقع فوق ما هو مطلوب من الصديق او الاخ وما نغص الحياة الا توقع دوام النعيم وهو محال فالسعادة الحقيقية في الجنة وحسبك من الدنيا ان تذوق طعم هذه السعادة التي وعدت بها هناك.
المكسب بما تحققه مع فلان لا بما تشعر به معه
قد يسأل الانسان ان كتب علينا فراق الاحبة فلم نتعرف على الناس؟ ولم نتعلق بهم؟ ولم نحبهم؟ اليس من الافضل ان نعيش منعزلين عن الناس كي لا نتعلق بصديق ولا وليف ولا ولد؟ وتحضرني للاجابة عن هذا السؤال قصة الامير الصغير والثعلب: طلب الثعلب من الامير ان يدجنه فسأله الامير عن المغزى من ذلك فأجابه: انت بالنسبة لي ولد كسائر الاولاد وانا بالنسبة اليك ثعلب كسائر الثعالب فان دجنتني اصبحت فريدا من نوعي بنظرك فسأله الامير ولكني لن ابقى هنا بل ساعود الى كوكبي قال له الثعلب وان يكن دجني"
وهكذا دجن الامير الصغير الثعلب نزولا عند طلبه وبقيا صديقين طوال مقام الامير على الارض فلما ازفت لحظة الفراق بكى الثعلب فتضايق الامير وقال له: الم اقل لك انك ستتعذب ساعة الفراق قال له الثعلب: نعم ولكني كسبت كثيرا من صداقتك فحقول القمح لم تكن تعني لي شيئا اذ اني اكل الدجاج ولا احب القمح اما الآن فهي تذكرني بشعرك الاشقر الجميل والنجوم لم تكن تعني لي الكثير ولكن الآن ساتأملها سعيدا اذ اني اعرف ان صديقي في نجمة ما منها ولما كنت لا اعرفها بالتحديد سأحب كل النجوم
لعل الخلاصة من هذه القصة الرمزية اننا نكسب بعدا جديدا لانسانيتنا وسعة ادراكنا مع كل علاقة انسانية نقوم بها ويبقى للشخص المفارق اثره في حياتنا حتى بعد الفراق صحيح ان الماضي لا يرجع والمستقبل مجهول ولكن الصحيح ايضا انو لولا ذكريات الماضي السعيدة ولولا الأمل بغد مشرق لما اختلفت حياتنا عن حياة البهائم التي تعيش حياتها لحظة بلحظة ولا تدرك الماضي او المستقبل.
ig hkj sud]