فليتفضلوا بحرق المصحف لا مانع لدينا
فليتفضلوا بحرق المصحف
لا اكتب لأدافع عما يحاولون أخذه منا، لأنهم لا يستطيعون،. بل اكتب مُحاولةً لتوعية عقولهم. سأستهل أفكاري، التي سرعان ما تتكاثر كلما فكرت في الموضوع، بأن أُعرِّف أن القرآن الذي يريدون حرقه، أو المصحف إن صح التعبير، ما هو إلا كتاب دُوّن فيه كلا م الله عز وجل. فليحرقوا ما استطاعوا من النسخ، فالشيء لا يموت إلا إذا مات المصدر. والشريعة الإسلامية لن تنال مرادهم بالاندثار إلا بالتخلص من المصدر و ليس بحرق كتب منسوخة.
للتصحيح فقط: ان ما يزعمون حرقه ليس القرآن، لأنه ببساطة، و حسب تعريف القرآن في اللغة، هو كلام الله سبحانه و تعالى الذي أوحى به على محمد عليه الصلاة و السلام عن طريق جبريل عليه السلام. هكذا تَنَزّل القرآن. والمعروف أنه كان يتوارث عبر الأجيال حفظاً و ليس تدويناً ، إلى أن قرر الخلفاء بعد موت النبي، عليه أفضل الصلاة و السلام، بسنين، أن يدونوه في مصاحف كي يضمنوا حفظه من علة النسيان أو الخطأ. من هنا بدأنا نتوارث القرآن في مصاحف ثم أشرطة، والآن على الحواسيب وعن طريق الانترنيت، تعددت الوسائل والمضمون واحد، لأن المصدر ما برح ثابتاً ومحفوظاً. إذا كيف يمكن للكلام أن يحرق؟ بل ما يزعمون إتلافه هو المصحف، أي الصحيفة التي جُمع ودُوِّن فيها كلا م الله عز وجل. هذه أول نقطة تظهر جهلهم لما يقولون .
فليتفضلوا بحرق ما استطاعوا من المصاحف. هذا شعار كل مسلم مدرك لماهية دينه و شريعته. الإيمان ليس مجموعة أوراق أو اسطوانات قابلة للإتلاف أو حتى مواقع قابلة للتخريب. إيماننا بربنا أكبر من هذا: انه عقيدة توارثناها عبر عصور، كبرنا معها و كبرت معنا. الإيمان شيء لا يمكن إخراجه منا لأنه جزء من كنهنا ومن هويتنا في عالم تعددت واختلفت فيه الهويات. وتجدر الإشارة إلى قلة حيلة شخص دفع به ضيقه من الحياة أن يؤسس منظمة، وإن كانت صغيرة، يوهمها بأن إحراق المصحف سيوقف الإرهاب الذي تحاول أن تتصدى له جيوش مجهزة بأحدث التجهيزات، وأن هذا سيشفي غليل عائلات الضحايا. لكن أين هي الصفات المسيحية الحقيقية من حب وسلام وزهد لدى رجل الدين هذا، الذي بقراره إنما يكون قد أعلن حرباً ينتظرها بالمرصاد ألاف المسلمين المتطرفين و غير المسلمين المتعطشين إلى الدماء ليمارسوا أعمالهم الإرهابية؟ وأين هي صفة المحبة والتعايش مع باقي الأديان بتقديس ما هو مقدس وتكريم ما هو مكرم عندهم و حبهم بحكم أننا كلنا إخوة من أب وأم وحيدين: سيدنا آدم و سيدتنا حواء؟ أما عن ميزة أن يكون زاهداً، فمن الواضح أنه كان كذلك إلى أن تعب وقرر أن يشتهر و أن يذيع صيته. لكنه فكر بمكر، غير مدرك أن مكره يقوده إلى واحدة من أغبى الأفكار في التاريخ. لكن من إحدى النواحي، قد يكون على حق في أن يختار الإسلام كوسيلة لتحقيق مراده، نظراً إلى نفوذ المسلمين القوي و عددهم الكبير، الأمر الذي يضمن ذكر اسمه على أكثر من بليون لسان، وإن كان ما يتبع هذا الذكر شتمه وصب اللعنات عليه. من جهة أخرى، إنّ تورط مسلمين متطرفين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كان كافياً ليضمن له أنصاراً وحلفاء من المتضررين من الأحداث و غيرهم ممن يكرهون العرب، رابطين الإسلام بالشعب العربي.
خطابي الآن موجه الى أنصاره إن صح التعبير،عبر طرح أسئلة عليهم أن يجيبوا عنها، أبدأها بأول سؤال يمكن أن يتبادر الى الذهن: هل معقول أن حرق كتاب ستعيد ولو روحاً من أرواح الضحايا، علماً أن بينهم مسلمين كثيرين؟ سؤال أخر: هل بعملهم هذا سيردعون المسلمين، أو كما يقول القس صاحب الفكرة سينهي الشريعة الإسلامية؟ هل بحرقهم للمصحف سيضمنون حياة مليئة بالسلام والأمن؟ أما السؤال الجامع لكل هذه الأسئلة فهو الآتي: هل سيستفيدون من عمل أرعن كهذا؟
ديانات أخرى سيطالها ما يتقصد الإسلام، علماً أن المسيح ابن مريم عليه السلام وسيدنا موسى عليه السلام هما جزء من القرآن، تملأ أسماؤهم وقصصهم صفحات عدة من المصحف الكريم. هذا يجعلني أقر بأحد أمرين: إما تكون هاتان الديانتان السماويتان قائمتين على مبدأ عشوائي، غيرعقلاني وغير علمي، إذ لا علم لديهما بمضمون القرآن وبأن ديانتيهما أيضاً مقدستين فيه، وإما أن هاته الحملة أكبر من أن تكون ضد الإسلام وحده بل هي تطال المسيحية واليهودية بطريقة غير مباشرة و ذكية نوعاً ما .
لو كنا فعلاً إرهابيين وكان العنف ركيزة من ركائز ديننا، أي عقيدة نتعايش معها، فلماذا يأتي هذا الكم الهائل من الأجانب للاسترخاء والتمتع بخيراتنا، وأحياناً كثيرة للعيش معنا وتمضية سنوات تقاعدهم في بلادنا؟
سيظل المؤمنون - ولن أقول المسلمين لأن المسيحية واليهودية والاسلام كلها تمهيدات لشيء أعظم هو الايمان، و الدليل أن الله في كتابه إما يخاطب الناس دون تفريق أو عنصرية بقوله عز وجل "يا أيها الناس" وإما بتمييز فيقول "يا أيها المؤمنون" - أرفع مقاماً. و سكوتنا هذا ليس دليل ضعف أو تخطيط لحرب، إنما هو دليل ثقة. فالله سيبقى موجوداً والاسلام سيبقى موجوداً والايمان لن يكف عن الانتشار في قلوبنا، مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً كنا.
tgdjtqg,h fpvr hglwpt gh lhku g]dkh