سيكولوجية التعصب
سيكولوجية التعصب ماهي سيكولوجية التعصب مفهوم سيكولوجية التعصب بحث عن سيكولوجية التعصب
سيكولوجية التعصب و نفسيه التعصب الاعمى
يعرِّف علم النفس الحديث التعصب بأنه "اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك موضوعاً معيناً أو فرداً آخر غيره أو جماعة من الناس أو طائفة أو مذهباً (إدراكاً إيجابياَ محباً) أو (إدراكاً سلبياً كارهاً) دون أن يكون لطبيعة هذا الإدراك بجانبيه ما يبرره من المنطق أو الأحداث أو الخبرات الواقعية" ووفقاً لهذا التعريف، فإن المتعصب عندما يقوم بإدراك موضوع ما (رؤية عقدية مثلا) إدراكاً إيجابياً متعاطفاً معها فإنه لا يأخذها على أنها مجرد أحد المعطيات النسبية للحياة الإنسانية، أو أنها مجرد رأي ينضاف إلى آراء أخرى عديدة لكل منها الحق في خوض غمار تأويله الخاص لذلك الموضوع المثار، لا بل إنه حينما يدركها إدراكاً إيجابياً محباً فسينظر إليها باعتبارها حقيقة وحيدة كاملة ناصعة البيان دامغة الحجة لا تضاهيها حقيقة أخرى في تماهيها مع المطلق، أما عندما يدركها في جانبها السلبي (رؤى الآخرين المخالفة) فسيراها ثاويةً في أقصى يسار الحقيقة عارية من كل ما يمت إليها بصلة، متفاصلة مع كل ما يتصل بالخير أو الجمال أو الفاعلية أوالإبداع الإنساني مفاصلة نهائية لا رجعة فيها، ويترتب على تلك النظرة (اللاواعية) أنه سيعتبر كل من يشاركه الإدراك بجانبيه (الإيجابي تجاه رؤيته المذهبية والسلبي تجاه رؤى الآخرين) فهو السعيد سعادة لن يشقى بعدها أبدا، بنفس الوقت الذي يرى فيه كل من لا يشاركه إدراكه ذلك على أنه هالك لا محالة.
من هنا فالتعصب كما يرى عالم النفس العربي الدكتور مصطفى زيور "ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية" وبالتالي فيمكن أن تتعدد مظاهرها بدون أن يغير ذلك من ظاهريتها الاجتماعية البحتة، فالتعصب الديني مثلاً لا يختلف في شيء البتة عن أي تعصب آخر سواء أكان قومياً أو طائفياً أو قبلياً أو وطنياً أو مناطقياً أو عرقياَ، فكلها صور وتشكلات لظاهرة اجتماعية واحدة لكل صورة منها بواعثها النفسية الداخلية، ومن هذا المنطلق - أعني اجتماعية ظاهرة التعصب - فقد تناول علم النفس الحديث الاتجاهات التعصبية على أساس دراسة جذورها ومكوناتها البيئية والثقافية التي عملت على تعميقها وتضمينها (اللاشعور) الفردي، وهو ما يعني أنها ليست صفة بيولوجية تنتقل تأثيراتها عبر المورثات الجينية من جيل إلى جيل، إنها ببساطة شديدة ظاهرة من ظواهر الاجتماع البشري يستطيع الناس اكتسابها وفق شروط ثقافية واجتماعية معينة.
بناءً على ما تقدم من تقرير (اجتماعية) الظاهرة التعصبية بكافة تحولاتها وتمظهراتها بما فيها التعصب الديني، فإنه يجب بالتالي إخضاعها كباقي الظواهر الاجتماعية الأخرى للدراسة العلمية المعمقة التي تعتمد على توصيف الظاهرة وتحليلها وصولاً إلى أسبابها الحقيقية ومن ثم اقتراح الحلول الناجعة لها اعتماداً على علاج السبب الدافع والموجه.
لو نظرنا إلى ظاهرة التعصب الديني الضارب بأطنابه في أجزاء كثيرة من عالمنا الإسلامي - بما فيه مجتمعنا - كأحد تشكلات ظاهرة التعصب بشكل عام من زاوية ما خلفته وتخلفه من موجات تطرفية طالت المجتمع بمؤسساته وأفراده وبناه التنموية، والتي يمكن أن تعتبر بمثابة توصيف لمخرجات الظاهرة، ثم حاولنا البحث في أسباب ذلك التعصب ودوافعه النفسية المنبعثة من أعماق نفس الفرد المتعصب، لوجدنا أن من بين أهم تلك الأسباب إن لم يكن السبب الرئيسي فيها هو تربية المجتمع لأفراده على آحادية الرأي خلال مراحل التنشئة الثقافية العامة، وإذا كانت الظواهر الاجتماعية تنشأ بطبيعتها اعتماداً على ما تغترفه من معين الإرث الثقافي للشعوب - وفقاً للمفهوم العام للثقافة - فإن التعليم - خاصة في المراحل الأولى منه - يشكل أحد أهم وأكبر معاقل التنشئة الثقافية على آحادية الرأي لدينا، إذ ما أن يبدأ الطالب بدراسة المواد الدينية إلا وتقدم له محتوياتها - التي لاتعدو أن تكون اجتهادات بشرية لها وعليها كفل من الصواب والخطأ - على أنها إما النص نفسه بتجلياته المتعالية، أو أنها في أحسن أحوال تنازلها عن ادعاء تمثل النص في مضمونها، تمثل الرأي الوحيد الذي يحمل الحق الحصري في تمثيل النص من ناحية تفسيره وتأويله وتوضيح المراد منه انطلاقاً من مفهوم الفرقة الناجية الذي يعني بداهة عندما يتم أخذه كمسلمة في الذهنية العامة أن كل تخريجات المذهب أو الطائفة للنص ممهورة بخاتم اليقين والوثوقية؛ وهنا سنجد أن الطالب بالإضافة إلى برمجة عقله على الآحادية قبل الدخول في سلك الدراسة، فسينشأ خلال مراحل الثقافة (العالمِة) أيضاً على أن مذهبه أو طائفته بما فيها مقولاتها التي سيتشربها خلال سني دراسته يمثلون الحق الوحيد وليس النسبي، وأن كل من يخالفون تلك التوجهات فلا حظ لهم في الإسلام، ومن ثم فإنه - خاصة عندما ينتقل إلى الخطوة التالية من سلسلة التعصب - سيرى أن عليه (واجب) تقويم الآراء المخالفة لما تمذهب عليه إما بالحجة التي تعني لديه مجرد استعراض ما تتلمذ عليه من أدلة كفاصل وحيد في النزاع بلا اعتبار لأدلة الخصم؛ وإما بالقوة والعنف والسِنان إن كان ثمة حاجة، فالحق في عرفه لا يتعدد مثلما أن الطائفة الناجية لا تتعدد أيضاً!!
إن أول خطوة في مكافحة العصاب الوسواسي للتعصب تكمن في تقديري في إصلاح مناهج المواد الدينية التي تقدم للناشئة في مراحل التعليم العام بما يؤدي بها إلى أن تقدم مضموناً يعلم الطالب التفرقة بين النص الديني في ذاته المتعالية وبين قراءته البشرية، بحيث يتم (تعبئة) الذهنية الطرية الغضة بأن النص في ذاته كبنية متعالية هو واحد لا يتعدد ولا يتنسب (من النسبية) أما قراءة البشر لهذا النص فهي تتعدد وفقاً للدوافع الرغبوية للقارئ وللظروف الزمانية والمكانية والحاجات المعيشية والنوازل الجديدة التي تحيط به سواء أكان هذا القارئ فرداً أو جماعة أو مذهباً أو طائفة، والنظر إلى أن ما قدمه لنا أسلافنا من تراث ضمنوه مدوناتهم العقدية والفقهية على أنه ليس هو النص ذاته ولن يكون كذلك يوماً من الأيام، لأن حقيقة هذا النص متعالية على أفهام البشر، سواء أكان ذلك عند الله تعالى فيما يخص آيات القرآن الكريم أو عند النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخص الأحاديث النبوية، وإنما كل ما استطاع أولئك الأسلاف أن يقدموه لنا هو قراءتهم الخاصة للنص مع حفظنا حق الاجتهاد المخلص والنية الصالحة لهم، ومع ذلك فإن هذه القراءة رغم توفر عنصري الإخلاص والكفاءة العلمية فيها لن تخرج عن قيد (نسبية) الصواب فيها نظراً لتأثر قارئ النص خلالها بكافة الاتجاهات والدوافع والرغبات وقت القراءة، وبالتالي فعلى كل قراءة من تلك القراءات المختلفة أن لا تدعي حصرية الحق في قراءتها هي وحدها، على اعتبار أن كل ما يمكن أن تتوافر عليه في أحسن حالاتها هو جزء نسبي بسيط من ذلك الحق يزيد أو ينقص أو يتماثل مع القراءات الأخرى المخالفة، ومن ثمَّ فليس من هناك ما يبرر لعن كل طائفة لأختها وإخراجها من حظيرة الإسلام لمجرد أنها لا تتقف وإياها على تخريجها للنص المفتوح على كافة التأويلات.
هذه التفرقة بين النص في ذاته وبين قراءته كانت تراثاً إسلامياً خالداً قبل أن تكون موضوعاً لعلوم الألسنيات الحديثة، ففي صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه في حديث طويل يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه الشاهد على كلامنا هذا وهو قوله "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا" وهكذا أيضاً كافة الأقوال العقدية منها والفقهية لا ينبغي لمن ينتجها أو يتتلمذ عليها أن يدعي أنها مراد الله أو مراد رسوله بل هي حكم ورؤية من أنتجها أو قال بها اعتماداً على فهمه للنص